الخطبة الدينية للشيخ عبد المهدي الكربلائي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 20 رمضان 1438هـ الموافق 16/ 06/ 2017م

الأئمّة يريدون من المجتمع الإيماني ان يكون متحابباً متوادداً حتى يكون متماسكاً يتحمّل المصاعب والابتلاءات

قاطع الرحم يخلف بفعل القطيعة آثار سلبية على المجتمع برمته

النص الكامل للخطبة الاولى

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي جلّ عن اتّخاذ صاحبة أو ولد، وعظم عن أن يكون له كفواً أحد، رافع السماء بغير عمد، ومجري السحاب بغير صفد، وقاهر الخلق بغير عدد، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، السميع لمن دعاه، الرؤوف بمن عصاه، الكافي لمن استكفاه، والهادي لمن استهداه، وأشهد أنّ محمداً(صلّى الله عليه وآله) عبده الصادع بآياته، ورسوله الداعي الى بيّناته، أرسله رحمةً للعالمين ونوراً للمهتدين، صلّى الله عليه وآله الغرّ الميامين والحفظة المنتجبين.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى واغتنموا بقيّة شهركم هذا شهر الله الأكبر، وتوبوا الى الله بارئكم وتصدّقوا على فقرائكم وتحنّنوا على أيتامكم وحسّنوا أخلاقكم وعفّوا فروجكم وبطونكم عن الحرام والشبهات، وغضّوا أبصاركم واخزنوا ألسنتكم وحافظوا على أوقات صلواتكم، وأكثروا من الاستغفار والدعاء تفوزوا بثواب شهركم هذا ويجزيكم الله تعالى جزاءً لا يُحصيه إلّا هو، فالصوم له وهو وحده يجزي به عباده الصائمين القائمين..

أيّها الإخوة والأخوات بدءً نعزّيكم بذكرى استشهاد إمام المتّقين وسيّد الوصيّين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) بهذه المناسبة، وإن شاء الله في الخطبة الثانية نتعرّض الى الفكر التربويّ والاجتماعيّ لأمير المؤمنين(عليه السلام) بهذه المناسبة، في الخطبة الأولى نكمل ما ورد من مضامين تقوائيّة وتربويّة وأخلاقيّة للإمام زين العابدين(عليه السلام)، الإمام السجّاد(عليه السلام) له دعاءٌ في الصحيفة السجاديّة إذا دخل شهر رمضان وهو ينفع حتّى خلال أيّام شهر رمضان، ويُبيّن فيه ما هو المطلوب من الصائم لكي يصل الى تحقيق الهدف والغاية من الصوم ألا وهو بلوغ التقوى، ونتعرّض الآن الى المقطع الثاني من دعاء الإمام السجّاد(عليه السلام) فيقول: (اللهمّ صلّ على محمد وآله وقِفْنا فيه –أي في شهر رمضان- على مواقيت الصلوات الخمس، بحدودها التي حدّدت، وفروضها التي فرضت، ووظائفها التي وظّفت، وأوقاتها التي وقّتّ، وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها، الحافظين لأركانها، المؤدّين لها في أوقاتها، على ما سنّه عبدُك ورسولُك..).

ثمّ يتعرّض الى مجموعة من المضامين الاجتماعيّة والأخلاقيّة التي ينبغي للصائم أن يلتزم بها في شهر رمضان، فيقول(عليه السلام): (ووفّقنا فيه –أي في شهر رمضان- لأن نصل أرحامنا بالبرّ والصلة، وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال والعطيّة، وأن نخلّص أموالنا من التبعات، وأن نطهّرها بإخراج الزكوات، وأن نراجع من هاجرنا وأن نُنصف من ظلمنا، وأن نُسالم من عادانا...) الى آخر هذه الفقرة الثانية.

نجد في هذا المقطع اهتمام الإمام السجّاد(عليه السلام) بدءً بمسألة المحافظة على الصلوات بأحكامها بحدودها بأدائها في أوّل أوقاتها، ولا عجب في ذلك أن يبتدئ الإمامُ السجّاد(عليه السلام) ببيان أهمّية المحافظة على الصلوات بهذه الصفات التي ذكرها، فهي عمود الدين، لاحظوا المعنى الذي ينبغي الالتفات اليه، الخيمة التي يريد أن ينتفع منها الإنسان بأن تكون مأوى له لا يمكن أن ينتفع منها إلّا بوجود العمود، هي لها أجزاء متعدّدة لكن أيّ منفعةٍ منها لا تتحقّق إلّا بوجود العمود، كذلك موقع الصلاة ومنزلة الصلاة من الدين هي بمنزلة العمود لهذا الدين، ولذلك ورد أيضاً أنّ قبول الأعمال يدور مدار قبول الصلاة، وحتّى ننبّه الى أهميّة المحافظة على أداء الصلاة بهذه المواصفات التي ذكرها الإمام(عليه السلام)، أذكر أوّلاً بعض الأحاديث التي بيّنت أهميّة الصلاة في حياتنا الدنيويّة والأخرويّة، ثمّ أذكر مدى اهتمام بعض الأحاديث ومدى اهتمام الشريعة الإسلاميّة بالمحافظة على أداء الصلاة في أوّل وقتها، ثمّ بعد ذلك نذكر ما يتعلّق بمسألة الخشوع وحضور القلب في الصلاة، الآن هذا الحديث الذي نذكره وردت مجموعة من الأحاديث بمضمونه وأنا أذكر واحداً منها، تشبَّهُ الصلاةُ وأداؤها بخمس أوقات بمثل وجود نهرٍ جارٍ أمام بيت أحدنا، كلّما تعرّض الإنسان الى الاتّساخ بالقاذورات والأوساخ وهذه الأوساخ قد تؤدّي الى تلوّثه واحتماليّة إصابته بالأمراض وتؤدّي الى أن تكون رائحته نتنة، فيحتاج أن ينقّي جسده من هذه الأوساخ والقاذورات، وأن ينتفع من هذا النهر بأن يغتسل فيه، وكلّما أصابته حالةٌ من الاتّساخ جاء الى النهر واغتسل منه، كذلك الصلاة فالإنسان في حياته اليوميّة يصيبه الكثير من الاتّساخ القلبيّ والنفسيّ والاجتماعيّ بسبب الذنوب والمعاصي، والأخطر هو هذا الاتّساخ والقاذورات القلبيّة والنفسيّة والأخلاقيّة، يحتاج بسبب المعاصي والذنوب يحتاج الإنسان لكي يطهّر نفسه وقلبه وروحه بسبب هذه الأوساخ الأخلاقيّة والمعاصي والذنوب أن يغتسل، ولكن أيّ نهرٍ وضعه الله تعالى لكي نطهّر قلوبنا وأرواحنا؟! الصلاة هذه الأوقات الخمس مثل النهر أمام بيت أحدنا، فهل يبقى شيءٌ من الأوساخ على جسده إن اغتسل في كلّ يوم خمس مرّات؟!! ولكن المشكلة أنّ الكثير منّا لا يؤدّي هذا الاغتسال الروحيّ المطلوب، كما أنّك حينما تغتسل تستعمل بعض الموادّ الكيمياويّة لكي تنظّف تمام جسدك من هذه الأوساخ المادّية، هنا أيضاً نحتاج أن نتعرّف كيف نوظّف الصلاة لكي نطهّر قلوبنا ونطهّر أرواحنا من تلوّث المعاصي والذنوب، الإمام(عليه السلام) والأحاديث تبيّن وتنبّهنا، ما هي منزلة وموقع الصلاة في حياتنا؟! خصوصاً بالنسبة الى المعاصي والذنوب، كما ورد في هذا الحديث يقول النبيّ(صلى الله عليه وآله): (لو كان على باب أحدكم نهرٌ فاغتسل منه كلّ يومٍ خمس مرّات، هل كان يبقى على جسده من الدرن شيء؟!) لا.. كلّما اتّسخ اغتسل فلا يبقى على بدنه شيء من هذه الأوساخ التي تؤدّي ربّما الى إصابته بمجموعة من الأمراض (...إنّما مثل الصلاة مثل النهر الذي ينقّي..) هناك تنقية للجسد وهنا تنقية للقلب وتنقية للروح وتنقية للنفس من هذه الأمراض الناشئة من المعاصي والذنوب، فيقول: (...كلّما صلّى صلاة كانت كفّارة لذنوبه إلّا ذنبٌ أخرجه من الإيمان مقيمٌ عليه) هذا فقط الذي لا تنقّيه الصلاة، أمّا بقيّة الذنوب والمعاصي فهذا الإنسان الذي يؤدّي الصلاة بهذه الكيفيّة تنقّي الصلاة ذنوبه.

الآن نأتي كيف نوظّف الصلاة؟ هل كلّنا يوظّف الصلاة لتنقيته من تبعات الذنوب والمعاصي؟! كلّا، نتعرّف الآن أيّها الإخوة والأخوات من خلال الأحاديث الى بيان الوسيلة وهي ليست صعبة ولكن نحن نحتاج الى تعلّمها وتطبيقها في حياتنا، يقول هنا في هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): (هذه الصلوات المفروضات الخمس من أقام حدودهنّ وحافظ على مواقيتهنّ...) لاحظوا إخواني إقامة حدود الصلاة يعني أحكام الصلاة والإتيان بالصلاة وفق أحكامها، ما هي النتائج المترتّبة على ذلك عند الله تعالى؟ لا شكّ أنّ كلّ واحدٍ منّا يتمنّى ويحبّ أن يكون له حينما يلقى الله تعالى يوم القيامة أن يكون له عند الله تعالى عهدٌ يُدخله به الجنّة، إذا أراد الواحد منكم أن يكون له عهدٌ ويطمئنّ إليه ويلقى الله تعالى يوم القيامة به، وهذا العهد ضمانٌ أن يدخله الله تعالى به الجنّة أن يأخذ بمضمون هذا الحديث، فيقول(عليه السلام): (...وحافظ على مواقيتهنّ أتى الله يوم القيامة وله عنده –أي لهذا المصلّي عند الله تعالى- عهدٌ يدخله به الجنّة)، هذا صنفٌ من المصلّين، صنفٌ يصلّي ولكن لا يُقيم الصلاة بحدودها ولا يحافظ على مواقيتها، هل يأتي الله يوم القيامة وله هذا العهد عند الله تعالى؟!! يقول: لا.. ليس له عهد في تتمّة الحديث (...ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ أتى الله ولا عهد له، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له) يعني غير معلوم، هو يصلّي ولكن لا يُقيم حدود الصلاة ولا يُحافظ على مواقيت الصلاة كيف يلقى الله تعالى؟ يقول: لا عهد له عند الله تعالى بحيث يكون ضامناً له لدخول الجنّة، إن شاء الله تعالى عذّبه بسبب تضييع الصلاة وإن شاء غفر له، لا يعلم الإنسان ما هو مصيره حينذاك، لذلك الإمام(عليه السلام) يبيّن إقامة الحدود.

كما بيّن الإمام في الدعاء المحافظة على أحكام الصلاة والمحافظة على المواقيت التفتوا إخواني ما هو معنى المحافظة على المواقيت، هل معنى أن أؤدّي الصلاة في وقت السعة من أوّله الى آخره؟! لا.. المحافظة على الصلاة هو الحرص على أدائها في أوّل وقتها حتّى يكون هذا إشعارٌ من المصلّي بأنّه مهتمّ بالصلاة ويُعطيها حقّها يُعطيها تعظيمها ومنزلتها التي جعلها الله تعالى، بخلاف ذلك إن لم يحرص على أدائها في أوّل وقتها استخفافاً واستهانةً بالصلاة، ولا يُبالي أدّاها في أوّل وقتها أو أدّاها في آخر وقتها لانشغاله بأمور كثيرة من غير علّة أو عذرٍ مثل هذا، فهذا يكشف عن استخفاف بالصلاة، لذلك ورد التحذير (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ) هؤلاء يصلّون وليسوا بتاركي الصلاة (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) هؤلاء الغافلون الذين لا يهتمّون بأداء الصلاة لا يعطونها حقّها من الاهتمام والتعظيم والتوقير ولا يعطونها منزلتها التي رتّبها الله تعالى، هؤلاء ورد التحذير لهم والذمّ لمثل هذه الصفة، لذلك الإمام(عليه السلام) في هذا الدعاء يقول: (وقِفْنا فيه..) أو في بعض الروايات (ووقِّفْنا فيه..) في شهر رمضان أي اجعلنا نقف عند هذه الحدود ولا نتجاوزها (وقِفْنا فيه على مواقيت الصلوات الخمس..) مواقيت أدائها والمحافظة عليها بأدائها في أوّل وقتها (..بحدودها التي حدّدت..) بمعنى الأحكام أحكام الصلاة (..وفروضها التي فرضت..) واجباتها التي فرضت (..ووظائفها التي وظّفت، وأوقاتها التي وقّتّ) في بداية الدعاء وفي آخر الدعاء يؤكّد على الاهتمام بالصّلاة في أدائها في أوّل وقتها، (..وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها) أي أنّه اجعلنا نُدرك ونوفّق لأن نصل الى أن نعطي للصلاة منزلتها، كما بحسب مرتبة شرفها وفضلها، كما ورد في الحديث (أنزلوا الناس منازلهم) بمعنى أكرموا الناس قدر الإكرام وأكرموا الناس بحسب شرفهم وفضلهم، صاحب الشرف والفضل تُكرمه أكثر وهكذا الصلاة.

الإمام يدعو أن نوفّق لأن نُعطي لهذه الصلاة ونصيب منازلها (..الحافظين لأركانها، المؤدّين لها في أوقاتها، على ما سنّه عبدُك ورسولك)، الحفاظ على الآداب والسنن التي بيّنها النبيّ(صلى الله عليه وآله) في ركوعها وسجودها، طبعاً إتمام الركوع والسجود من الأركان، لابدّ من المحافظة على واجبات هذا الجزء من الصلاة، نلاحظ البعض ونلتفت الى هذه القضية، أنّه في سجوده ينقر كنقر الغراب، هذا أصلاً لم يأتِ بالسجود المطلوب على وجهه من الحكم الشرعيّ، فضلاً عن الإتيان بآدابه وسننه، لذلك نلتفت الى أنّ هذه الأركان لابدّ أن نؤدّيها وفق أحكامها (..وجميع فواضلها على أتمّ الطهور وأسبغه..) أي تماميّة الطهور والإتيان به وفق أحكامه الشرعيّة مع الاحتياط، أسبغه يعني تماميّة الوضوء والإتيان به في المستحبات الواردة فيه سواءً كان من باب المقدّمات أو الإتيان بالذكر المستحبّ أثناء الوضوء، (..وأبين الخشوع وأبلغه..) ننتبه الى هذه المسألة، مسألة الخشوع جزءٌ أساسيّ في الصلاة للوصول الى الهدف الذي نريده من الصلاة، الصلاة التي تنهى وتردع الإنسان عن ارتكاب الفحشاء والمنكر، إنّما حينما يؤدّي المؤمن الصلاة بجوهرها وروحها وهو حضور القلب، قلبك مشاعرك عواطفك تحضر بين يدي الله تعالى وتتفهّم معنى الكلام الذي تتكلّم به ولا يشرد ذهنك وقلبك الى خارج الصلاة والوقوف بين يدي الله تعالى، تكون في حال الرجاء لرحمة الله تعالى وتكون في حال الخوف من محاسبة الله تعالى وعقابه، هذا المعنى الذي ورد (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ...) يصلّون فقط؟! لا.. قد نجح وأفلح وتحقّق الفوز للمؤمنين للمصلّين الذين هم (..فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، قيّد هذه الصلاة بتحقّق الخشوع وهو الخضوع والتذلّل وحضور القلب في أثناء الصلاة، لذلك الإمام(عليه السلام) يطلب أن يوفّق الصائم الى أن يكون في حال (أبين الخشوع وأبلغه).

ثمّ يقول(عليه السلام): (,وفّقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبرّ والصلة) البرّ هو التوسعة في الخير والصلة هو الإحسان والعطية، كثير من الأحاديث -إخواني وأخواتي- تؤكّد على مسألة صلة الرحم إذا إنسان قد قاطعه رحمه هو يبتدئ ويبادر الى صلة الرحم، كثيرٌ من الأحاديث بيّنت عظيم الثواب والأجر لصلة الرحم وعظيم العقوبة بقطيعة الرحم، نلاحظ مثل هذه الأحاديث (أعجل الخير ثواباً صلة الرحم) أكثر خيرٍ وعملٍ فضيلٍ يعجّل فيه الثواب والأجر هو صلة الرحم، ثمّ من جملة آثار صلة الرحم أنّها تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء وأيضاً تطيل في العمر كما في بعض الأحاديث، إنسان يقدّر له أنّه بقي من عمره ثلاث سنين بصلة رحمه يُضاعف له عشرة أضعاف، الله تعالى يمدّ في عمره ثلاثين سنة بدلاً من ثلاث سنين، هذا من آثاره في الدنيا، ورد في الحديث (أنّ الرجل يصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله عزّ وجلّ ثلاثين سنة) وإذا هو مكتوبٌ له ثلاثون سنة بقيت وقطع رحمه ثلاثين تخفّض الى ثلاث، لاحظوا الفرق بالأمر بين صلة الرحم وبين قطيعة الرحم، (ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثين سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين، ثمّ تلا: يمحو الله ما يشاء ويُثبت وعنده أمّ الكتاب).

أيضاً في حديث آخر (ما من خطوةٍ أحبّ الى الله عزّ وجلّ من خطوتين، خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله...) قتال يلتحم مع المقاتلين الآخرين لكي يقوّي صفوف المقاتلين (...وخطوة الى ذي رحم) شخصٌ من أرحامك قاطعك وهجرك أنت تبادر الى صلة هذا الرحم القاطع، هذه من أحبّ الخطوات الى الله تعالى، أيضاً من جملة الأمور التي تسبّب التأثير الاجتماعيّ الكبير فردٌ يقطع رحمه، هذا الفرد تتعدّى آثار قطيعة الرحم الى المجتمع تتعدّى الى المجموع ولا تكون آثارها السلبيّة عليه وحده -على قاطع الرحم-، لذلك إخواني المؤمنين المؤمنات إذا وجدتم أحداً من إخوانكم المؤمنين قد قطع رحمه أنتم بادروا وانصحوه وعظوه أن يبادر لصلة رحمه، لأنّه ربّما إذا أصابه شيءٌ من العذاب والعقوبة فهذه العقوبة عمّت الآخرين الذين معه ولا تقتصر عليه وحده، لذلك ورد في الحديث (إنّ الرحمة لا تنزل على قومٍ فيهم قاطعُ رحم) هذه الرحمة إذا أرادت أن تنزل ووجدت واحداً من هذا المجموع قاطعاً لرحمه توقّفت لا تصيب الجميع، لذلك هذه الأحاديث تؤكّد أيضاً على هذا المعنى، وأيضاً أذكّر بعض الإخوة الذين يعقّون آباءهم وأمّهاتهم، والعجب العجاب أنّ البعض يصل به الى ضرب الوالد والوالدة، وما أفظع هذا العمل!! وربّما هو يصلّي ويصل الى هذه الحالة!! التفتوا إخواني الى هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): (ملعون.. ملعون –تكرار- من ضرب والده أو والدته، ملعون.. ملعون من عقّ والديه) ثمّ يأتي بعد ذلك الى قاطع الرحم (ملعون.. ملعون قاطع الرحم).

ثم يبيّن الإمام(سلام الله عليه): (وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال والعطيّة) أيضاً من حقوق الجيران في هذا الشهر المبارك هو التواصل معهم والتعاهد وتجديد العهد والتفقّد، ينبغي للمؤمن الصائم أن يتفقّد جيرانه ربّما هم بحاجة الى طعام بحاجة الى مساعدة بحاجة الى مواساة بحاجة الى كلمة طيّبة، هو قد يكون في مشكلة أو هم يحتاجون الى المساعدة ليس الماليّة بل ربّما مساعدة معنويّة، قضاء حوائج مساعدته في بعض الأمور، هذه أيضاً من الأمور التي ينبغي للصائمين الالتزام بها في شهر رمضان، (وأن نخلّص أموالنا من التبعات، وأن نطهّرها بإخراج الزكوات) الزكوات هنا الصدقات الواجبة وكذلك المستحبّة، ينبغي للإنسان الصائم أيضاً أن يراعي في أمواله هل هناك تعلّق للحقوق الشرعيّة بأمواله؟ هذه أيضاً من الأحاديث المهمّة، الإنسان أحياناً يبخل بدرهم يصرفه في الحقّ الشرعيّ، الله تعالى يسلّط عليه ما يجعله يصرف ضعف هذا المبلغ في غير مورده وتترتّب عليه التبعات والمحاسبة والمعاقبة، أنت بخلت بدرهم بألف بمليون يُسلّط عليك من يأخذ منك ولا تنتفع منه لا في الدنيا ولا الآخرة ضعف هذا المبلغ، كما في هذا الحديث (ما من عبدٍ يمنع درهماً في حقّه إلّا أنفق اثنين في غير حقّه..)، لاحظ الفرق ذاك الدرهم له من الأجر العظيم، هذا عليه تبعات سيخسر الثواب وتترتّب عليه عقوبة (ما من عبدٍ يمنع درهماً في حقّه إلّا أنفق درهمين في غير حقّه)، و(ما من رجلٍ يمنع حقّاً من ماله إلّا طوّق الله عزّ وجلّ به حيّةً من نار يوم القيامة).

ثمّ يبيّن الإمام(عليه السلام) مجموعةً من الالتزامات الاجتماعيّة والأخلاقية في شهر رمضان بقوله: (وأن نراجع من هاجرنا وأن نُنصف من ظلمنا) إخواني أحياناً قد يحصل سوء فهم أو كلام من شخص مؤمن يتجاوز فيه على أخيه المؤمن، فيحصل منه ظلم أو تعدّي يؤدّي الى المقاطعة والتدابر والهجران بين الإخوة المؤمنين، الإسلام والقرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام) حريصون جدّاً على أن يكون المجتمع الإيمانيّ متماسكا قويّاً في علاقاته من خلال التواصل والتآلف والتحابب والتوادد، يحاولون أن يبعدوا هذا المجتمع عن أيّ حالةٍ من التقاطع والتدابر والأحقاد والبغضاء. لذلك هناك تشدّد والتفتوا الى هذين الحديثين من مجموعة أحاديث، كيف أنّ الأئمّة(عليهم السلام) يحرصون على إبقاء العلاقات الطيّبة والمودّة بين المؤمنين حتى وإن كان بينهم تجاوز من بعضهم على البعض الآخر أو إساءة من بعضهم الى البعض الآخر، الإسلام والقرآن الكريم يقول للمؤمن تخلّق بأخلاق التحمل والصبر والعفو عند الإساءة في هذا الحديث الذي ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) التفتوا هذا يعبّر عن التقاطع بين المؤمنين والتهاجر التدابر التفرق بين المؤمنين، (أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية...) شخص مع شخص آخر من المسلمين حصل بينهما تجاوز وإساءة فقاطع أحدهما الآخر وحصل الهجران والتدابر وتفرّقا وهما متهاجران، فمكثا ثلاث -المدّة الأقصى يقول ثلاثة أيّام لك حقّ أن تتخاصم- بعد الثلاثة أيّام إذا كنت مؤمناً حقيقيّاً اصفح واعفُ عن أخيك المؤمن اذهب اليه أنت وبادر الى التصالح معه، فإن بادرت الى التصالح معه ستكون أنت السابق الى الجنّة قبله، غير معلوم قد قبله تدخل الجنّة بسنة أو بألف سنة، لا يُعلم ولا ندري ليست قضية يوم أو شهر أنت بسبب مبادرتك للتصالح مع أخيك وغضّك الطرف عن إساءته والتجاوز عن إساءته، الله تعالى يجازيك بهذه المبادرة بأن يدخلك الجنّة قبله لذلك يقول: (أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق الى كلام أخيه كان السابق الى الجنّة يوم الحساب) أنت اذهب وكلّمه..

لاحظوا الرواية الثانية التي تؤكّد على معنى أعمق وهو كيف أنّ المؤمن الحقيقيّ يتّصف بسعة الصدر وتحمّل إساءات الآخرين والصفح عن إساءتهم وتجاوزاتهم وهو يذهب -المظلوم يذهب- الى الظالم ويعتذر له ويقول له: أي أخي أنا الظالم!! حتى يقطع هذا الهجران ويقطع بتعبيرنا هذا (الزعل) بين الإخوة المؤمنين، فيقول الإمام الصادق(عليه السلام): (لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استحقّ أحدهما البراءة واللّعنة وربّما استوجب ذلك كلاهما...) أحدهما تجاوز وأساء الى الآخر هذا ظالم وذاك مظلوم، الإمام في البداية يقول أحدهما –الظالم- استحقّ البراءة واللعنة، لأنّه هو السبب وهو من تجاوز وظلم أخاه المؤمن، الإمام يقول: (وربّما استوجب ذلك كلاهما) أي الاثنان يستحقّان البراءة واللعنة -الظالم والمظلوم-، الراوي يتعجّب يسأل الإمام يقول: هذا الظالم يستحقّ البراءة واللعنة فما بالُ المظلوم؟!! فيقول الإمام(سلام الله عليه): (لأنّه لا يدعو أخاه الى صلته، ولا يتعامس له عن كلامه...) لا يتعامس أي لا يتغافل ويجعل نفسه كأنّه لم يسمع هذه الإساءة التي صدرت منه، (لأنّه لا يدعو أخاه الى صلته، ولا يتعامس له عن كلامه، سمعت أبي الإمام الباقر(عليه السلام) يقول: إذا تنازع اثنان فعاد أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم الى الظالم حتّى يقول لصاحبه: أي أخي أنا الظالم، حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه فإنّ الله تعالى حكمٌ عدل يأخذ للمظلوم من الظالم).

لاحظوا الأخلاق الرفيعة إخواني لماذا الأئمّة(سلام الله عليهم) يريدون هذا المجتمع الإيماني متصافياً متحابباً متوادداً حتى يكون قويّاً متماسكاً يتحمّل المصاعب والابتلاءات، التفرّق الهجران التدابر التباغض الأحقاد تُضعف هذا المجتمع فلا يقوى على مواجهة المشاكل والأزمات والتحدّيات التي يمرّ بها، كثير من المشاكل تسبّبها حالة الهجران، الإمام يقول: أنت مظلوم وهذا أساء اليك وتجاوز عليك سبّك شتمك اغتابك..، اذهبْ أنت اليه وقل له: أي أخي أنا الظالم، كما يفعل البعض من المؤمنين -جزاهم الله خيراً- يقول له: أنا أعتبر أنا الذي تجاوزت وأنا الذي أسأت فجئت اليك أعتذر معه أنّه هو المظلوم لماذا؟! يريد أن يُبقي الصلة والتواصل مع أخيه المؤمن، والإمام يعد يقول له: حقّك الذي أنت أوذيت بسبب التجاوز عليه سيأخذه الله تعالى يوم القيامة، اتركْ أخذ الحقّ الى الله تعالى يوم القيامة فالله تعالى لا يفوّت شيئاً مهما كان صغيراً، أمّا في الدنيا الإمام يقول: أوصيكم بالتواصل والتحابب ابتعدوا عن الهجران عن التدابر عن المقاطعة عن الأمور التي تؤدّي الى ذلك، لاحظوا كيف أنّ هذه النصوص تحثّنا على التواصل مع الإخوة، لذلك إخواني لا بأس أيّها المؤمن أيّتها المؤمنة أنّه إذا كان بينك وبين الأخ المؤمن تهاجر و(زعل) بتعبيرنا أنت اذهب في هذا الشهر الفضيل وأنت بادر الى التصالح معه، لكي تقطع حالة التقاطع وأنت جزاؤك أنّك ستسبق أخاك الى الجنّة يوم الحساب، والله تعالى يجازيك ربّما هذه الخطوات التي تخطوها خطوات بسيطة لكن يوم القيامة ستسبق أخاك في الدخول الى الجنّة بألف سنة ربّما بألفين، لذلك يقول الإمام(عليه السلام): (وأن نراجع من هاجرنا وأن ننصف من ظلمنا).

هذه نقطة مهمّة إخواني أحياناً إنسان يظلمنا يتجاوز علينا ليس بالكلام حتى باعتداء آخر، والإسلام وضع قوانين وهو الإنصاف وتحرّي موازين العدالة في التعامل مع الظالم، وأن تتعامل معه وفق ما هو حقّ لا أن تتجاوز الحقّ الذي لك، مثلاً أنا حصل اعتداء عليّ فأنا آخذ حقّي وفق المقدار الذي حدّدته الشريعة الإسلاميّة، التعامل بالإنصاف حتى مع العدوّ حتى مع الظالم، لذلك إخواني ننبّه الآن هذه الظاهرة التي نبّهنا عليها سابقاً إنسانٌ يقتل فيؤخذ للمقتول بحقّه إمّا بالقصاص أو أنّه بالدية وغير ذلك من الأمور، أمّا أن يكون هناك تجاوز واعتداء على أهله وتهجير أهله وأرحامه الى مكانٍ آخر أو قتل شخصٍ آخر مكان هذا الشخص الذي قتل، وهذه أمورٌ كثيرة في الواقع فيها ظلم وفيها تجاوز للحقّ الشرعيّ الذي جعله الله تعالى للشخص المظلوم، لذلك الإمام(عليه السلام) في هذا الدعاء وكذلك في الأحاديث الأخرى حتّى الذي يظلمنا إذا أردنا القصاص منه فإنّه وفق الحدود والموازين الشرعيّة لا نتجاوزها، لأنّنا إذا تجاوزناها أصبحنا نحن الظالمين، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول (وأن ننصف من ظلمنا، وأن نسالم من عادانا، حاشا من عودي فيك ولك...) يعني أنّ الإنسان الذي يكون معادياً لله تعالى هذا لا نتسالم معه، أمّا أخٌ لنا في الدين أو أخٌ لنا في الإيمان، مثل هذه الحالات الشريعة الإسلاميّة تدعو الى المسالمة والتعايش الاجتماعي المطلوب معه، عدا الذي نعاديه في الله تعالى حينئذٍ (...فإنّه العدوّ الذي لا نواليه، والحزب الذي لا نصافيه)، نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لصيام هذا الشهر المبارك كما يحبّ ويرضى إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المرفقات