الخطبة الدينية بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بتاريخ 8شعبان 1438 هـ الموافق 05 /05 /2017 م

ينبغي تقوية الارتباط الوجدانيّ والروحيّ مع الإمام المهدي(عج)

يتطلب من المؤمن ان يعد نفسه اعدادا ثقافيا وفكريا وسلوكيا لكي يكون من أصحاب الإمام المهدي (عج)

النص الكامل للخطبة الاولى

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللّعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله قياماً لواجب العبوديّة، ووفاءً بحقوق الربوبيّة، وانقطاعاً اليه في كلّ قضيّة، وقضاءً للمِنن التي سلفت، وحياطةً للنِّعم التي خلفت، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، مالك الأزمّة ومفرّج كلّ غمّة ومصدر كلّ رحمة، وأشهد أنّ محمداً(صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله حملة عهده، وأولي الأمر من بعده.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى، واعلموا أنّ من يتّقِ الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويهيّئ له رشده، ويفلحه بحجّته ويبيّض وجهه ويعطيه رغبته، واحذروا مزالق الشيطان وخدعه وغروره وأمانيه، واحذروا أن تكونوا ممّن يواليه في السرّ ويُعاديه في العلانية، فيُصدّق عليكم ظنّه ويأخذكم الله بمقته، أيّها الإخوة والأخوات سلامٌ عليكم جميعاً من ربٍّ رحيمٍ غفور ورحمةٌ منه وبركات.

ستمرّ علينا -إن شاء الله تعالى- في ليلة الجمعة القادمة ذكرى ولادة الإمام الحجّة المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وتتزامن معها زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، أيّها الإخوة والأخوات بهذه المناسبة أودّ أن أتعرّض في الخطبة الأولى الى ما يلي:

كيف نُحيي هذه الولادة بما يُرضي الله تعالى ويسرّه؟ ويُرضي الرسول(صلّى الله عليه وآله) ويسرّه؟ ويرضي الإمام الحسين والإمام الحجّة المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)؟!! ومن أجل التذكير بكيفية إحيائها بما يُرضي الله تعالى ورسوله والإمام الحجّة المنتظر يتطلّب منّا التنبيه على مجموعةٍ من الأمور، نتساءل هذا السؤال ونبيّن هذا الأمر، كلّ واحدٍ منّا يحبّ أن يتقرّب الى الإمام الحجّة المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّه إمامنا وله عقدٌ وعهدٌ وبيعةٌ في أعناقنا، وكلّ ذلك يقرّب الى الله تعالى، وكلّ واحدٍ منكم ومنّا يحبّ أن يكون من أنصار الإمام المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ومن أصحابه ومن المستشهدين بين يديه، لاحظوا أيّها الإخوة والأخوات نحن نقول عن الإمام المنتَظَر ونحن منتظِرُوه، والذي يجسّر العلاقة بحيث نحن نكون من المنتظِرين -الإمامُ منتَظَرٌ ونحن مُنتَظِرُون- هو علاقة وارتباط الانتظار، ما هو الانتظار الصادق الحقيقيّ الذي يجعلنا من المنتظرين، ولاحظوا أيّها الإخوة والأخوات في كثيرٍ من الأحاديث تأتي كلمة (منتَظَر، انتَظِروا) وترتبط بمجموعةٍ من المقوّمات العباديّة الأساسيّة، فكيف نكون صادقين أو كيف نصبح من أنصار الإمام(عليه السلام) وقد لا ندرك وقت الظهور الشريف؟! هل يمكن أن نكون من أنصاره حتّى وإن لم ندرك يوم ظهوره الشريف؟!! ويأتي السؤال الثاني المهمّ وهو: بعضُ الأحاديث تُبيّن أنّه أنت أيّها العبد أيّها المؤمن حتّى إن لم تدرك ظهوره الشريف يُمكن أن تكون من أنصاره ولكن تحتاج الى مجموعة من المقوّمات، السؤال هنا: هل يكفي أيّها الإخوة والأخوات أن نذكر الإمام بالزيارة أو بالدعاء أو ببعض الأدعية الواردة عنه(عليه السلام) وأن نزوره؟!! هل يكفي ذلك لكي نكون من أنصاره ومن المنتظرين أم أنّ هناك شيئاً أعمق من هذا الذكر باللّسان؟!! نلتفت الى هذا الأمر، إذا كان الواحد منكم يتوق ويحبّ حبّاً شديداً أن يكون من أنصار الإمام(عليه السلام) ومن المنتظرين الصادقين فتعالوا معي -أيّها الإخوة والأخوات- لنتأمّل في الأحاديث وما ورد عن الأئمّة(عليهم السلام) حتى نكون كذلك، ومن أجل تحقيق هذا الأمر لابُدّ أن نتعرّف كيف نرتبط بالإمام ارتباطاً يجعلنا من أنصاره وأعوانه وإن لم ندرك يوم ظهوره الشريف.

أوّلاً نذكر مقدّمة -أيّها الإخوة والأخوات- ما معنى هذا الارتباط؟ هل هو الارتباط الظاهريّ فقط أم أنّ هناك شيئاً أعمق من ذلك؟!! نعرّف هذا الارتباط: هو نوع العلاقة التي تربطنا بالإمام(عليه السلام) وتجعلنا صادقين في الالتزام بالعهد والعقد والبيعة التي للإمام في أعناقنا والتي جعلها الله تعالى له في أعناقنا، لاحظوا أيّها الإخوة والأخوات الله تعالى جعل للإمام بيعة في أعناقنا جميعاً، هناك عهدٌ جعله الله تعالى وهناك عقدٌ جعله الله تعالى بيننا وبين الإمام، متى ما صدقنا في الالتزام بالبيعة والعقد والعهد الذي للإمام في أعناقنا وجعلنا علاقتنا مع الإمام(عليه السلام) في صدق هذا الالتزام حينئذٍ ارتبطنا بالإمام ارتباطاً يجعلنا من أنصاره وأعوانه، لاحظوا وليس فقط هو الارتباط الذكريّ اللّسانيّ الذي نردّده على ألسنتنا في زيارة الإمام وفي الدعاء للإمام(عليه السلام)، الآن كيف نحقق هذا الالتزام؟! أيّها الإخوة والأخوات أذكر هنا مجموعة من الأمور أرجو الالتفات اليها، وهذه الأمور هي عبارة عن ممارسات روحيّة ذكريّة عباديّة سلوكيّة ثقافيّة فكريّة، إذا جئنا بها حينئذٍ صدق هذا الالتزام.

أوّل شيء إخواني الذي نحتاج اليه هو حبّ الإمام ومعرفة الإمام، المعرفة التي من خلالها ندرك أنّه إمام زماننا، وهذا من أين ينشأ؟ ينشأ من حبّنا لله تعالى، حبّنا لله تعالى من أين ينشأ؟ من معرفة الله تعالى. لاحظوا إخواني فلنتسلسلْ أوّل شيءٍ نحتاج اليه هو معرفة الله تعالى، هذه تأتي من خلال التثقيف والمعرفة لصفات الله تعالى أنّه خالقُنا مجيبُنا رازقُنا مدبّرُ أمورنا منعمٌ علينا متلطّفٌ بنا، هذه الصفات الإلهيّة نحتاج أن نطّلع عليها ونتأمّل فيها شيئاً ما حتّى تحصل لدينا معرفة الله تعالى، حينئذٍ نحبّ الله تعالى أكثر ثمّ على ضوء هذه المعرفة والمحبّة نحبّ أولياءه، نحبّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ونحبّ الأئمّة ونحبّ الإمام، نعرف موقع الإمام القائد الإمام الحجّة وكيف تكون علاقتنا بالانقياد له، هذا أوّل شيء.

الشيء الثاني وهو كيف نتعرّف ونقوّي مقوّمات الارتباط بالإمام(عليه السلام)؟ وأذكر مثالاً على مقوّمات الارتباط ومقدّمة قبل ذلك، أنّ الإنسان معرّض للنسيان والغفلة بسبب انشغاله، حبّه للدنيا وانشغاله بأمور الدنيا يُنسيه طبيعة العلاقة مع الإمام(عليه السلام) فيحتاج أن يستحضر بصورةٍ دائميّة ما هي مقوّمات الارتباط مع الإمام(عليه السلام) وما هي المتطلّبات لصدق الالتزام بهذه العلاقة مع الإمام، وأضرب مثالاً على ذلك أيّها الإخوة والأخوات الاستحضار اليوميّ (دعاء العهد)، التفتوا إخواني الى ما ورد في فضيلة هذا الدعاء، (مَنْ دعا الى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا) الذي هو دعاء العهد، الإمام ماذا يقول؟ (مَنْ دعا الى الله أربعين صباحاً بهذا العهد...) لاحظوا تعبير الإمام في البداية قال: "دعا" ثمّ ماذا؟ قال: "بهذا العهد" كأنّ الإمام(عليه السلام) يريد أن يركّز على مسألة العهد، "كان من أنصار قائمنا"، هل يُمكن أن نتصوّر أنّه مجرّد أن أذكر باللّسان أربعين صباحاً وأدعو بهذا الدعاء وهذا الدعاء يجري على لساني فقط ثمّ أكون من أنصار القائم؟!! لا يُمكن أبداً. لابُدّ أن تكون هناك مسألة أعمق من هذا، ماذا يكون؟ أيّها الإخوة والأخوات أوصيكم بقراءة هذا الدعاء صبيحة كلّ يوم على الأقلّ أربعين يوماً حتى تكونوا في هذه المرتبة، اقرأوا فقرات الدعاء بتمعّن بتدبّر بتأمّل وحاولوا أن تعوا وتفهموا ماذا في بطون فقرات هذا الدعاء (اللهمّ إنّي أجدّد له في صبيحة يومي هذا وفي جميع أيّامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً..) لاحظوا ماذا يُريد هذا الدعاء أن يقول، هناك بيعةٌ للإمام وهناك عهدٌ له في أعناقنا وهناك عقد بينه وبيننا، متى ما التزمنا بهذه البيعة وهذا العقد وهذا العهد في جميع أيّامنا، "أنا أجدّد له في صبيحة يومي هذا وجميع أيّامي" أجدّد له الالتزام، العهد والعقد والبيعة لها التزامات، عمليّة سلوكيّة روحيّة للإمام(عليه السلام) متى ما جدّدتُ هذا العهد مع الإمام والتزمتُ بلوازم هذا العقد والعهد والبيعة حينئذٍ أكون من أنصاره، وسوف نبيّن ما هو المطلوب في هذه الالتزامات العمليّة والسلوكيّة، لذلك لا يكفي الإنسان أن يقرأ هذا الدعاء على لسانه فقط.

الشيء الآخر أن نعرف مقام الإمام ومرتبة الإمام ودور الإمام في حياتنا وفي الإسلام وما يؤدّيه، هناك زيارات متعدّدة منها زيارة آل ياسين، أوصيكم إخواني بقراءتها وهذا لا يكلّف الوقت الكثير –إخواني- يوميّاً نحن نشغل كثيراً من ساعاتنا وأيّامنا في أمور دنيويّة وأمور لا تنفعنا كثيراً بل ربّما تضرّنا، خمس دقائق تقرأ فيها زيارة آل ياسين، وتأمّل هذه الزيارة الواردة عن الناحية المقدّسة (إذا أردتم التوجّه بنا الى الله والتوجّه الينا اقرأوا هذه الزيارة)، هذه واردة عن الإمام(عليه السلام) ويبيّن فيها الإمام مقام ومرتبة الإمام(عليه السلام)، واقرأوا في هذه الزيارة المراتب التي جعلها الله تعالى للإمام، وفيها تستذكر الإمام(عليه السلام) في جميع مراتبه وغير ذلك من الأمور التي تذكّرك يوميّاً -الإنسان ينسى ويغفل- فهي تذكّرك يوميّاً بهذه المراتب للإمام(عليه السلام) وبالتالي يقوى هذا الارتباط.

الشيء الآخر وهو تقوية الارتباط الوجدانيّ والروحيّ مع الإمام(عليه السلام)، ما هو معنى الارتباط الوجدانيّ والروحيّ؟! معناه أن أستحضر دائماً أنّ الإمام يعيش معنا، هو غائبٌ عن حواسّنا نعم، لكنّه يعيش معنا ويطّلع ويتألّم على أحوالنا وأوضاعنا، -نلتفت الى هذه النقطة- يطّلع على ما يصدر منّا من معاصي وسلوكيّات منحرفة وما نُواجهه من خطوط الانحراف والضلال، أنا أيضاً أحاول أن أعيش شيئاً من حزن الإمام وألم الإمام حينما يرى منّا المعاصي والذنوب وغير ذلك ومنها التفرّق والتشتّت والتناحر الذي بيننا، حينما أشعر بشيء من حزن الإمام الذي أحبّه وألمه حينئذٍ أحاول أن أسرّ الإمام وأُفرح الإمام كيف؟! أُحاول أن أبتعد عن الشيء الذي يؤلمه ويُحزنه ألا وهو ارتكاب المعاصي والذنوب، لذلك إضافةً الى الشعور بمراقبة الله تعالى اطّلاع الإمام وحزن الإمام، أنا أحبّ الإمام ولا أريد أن أؤلّمه وأحزنه لذلك أحاول أن أبتعد عن هذه المعاصي والسلوكيّات المنحرفة، وبالتالي أعيش هذا الارتباط الوجدانيّ والروحيّ مع الإمام(عليه السلام).

شيءٌ آخر هو مسألة وعلاقة الانتظار مع الإمام(عليه السلام)، نحن دائماً نقول -كما بيّنّا- الإمام منتَظَرٌ ونحن منتَظِرون، كيف أجسّر لصدق علاقة الانتظار -الانتظار الصادق- الذي ورد في بعض الأحاديث؟ لاحظوا الإمام كيف يكرّر عبارة الانتظار ومشتقّات عبارة الانتظار، ماذا يستبطن في هذه العبارة وفي هذا الالتزام الذي يجعلنا من أصحاب القائم، لاحظوا التعبيرات –إخواني- هناك في دعاء العهد (تكون من أنصار القائم) هنا في هذا الحديث الذي سيأتي (تكون من أصحاب القائم) مرتبةٌ عظيمة كيف تتحقّق؟!! لاحظوا حتّى نأتي الى هذه المسألة بكلّ فروعها (من سرّه أن يكون من أصحاب القائم...) أنتم تُسرّون أن تكونوا من أصحاب القائم لا شكّ، كلّ واحدٍ منكم يسرّه أن يكون من أصحاب القائم، هل يُمكن ذلك؟!! نعم.. الإمام المعصوم يُبيّن لنا ذلك ثمّ يقول: (...فلينتظر...) هذا أوّلاً (...وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر...) هذا ثانياً شاهدوا (...فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه)، يعني أنّ الواحد منّا قد يموت قبل أن يُدرك ظهور القائم فله أجرٌ مثل أجر الذين سيدركونه ويكونون معه، نعم.. لماذا؟! لهذه الأمور التي هي: الانتظار والعمل بالورع ومحاسن الأخلاق.

ثمّ يقول الإمام(عليه السلام): (...فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة)، كم مرّة كرّر "الانتظار" لابُدّ أن يكون هناك شيء عميق في هذا الانتظار وعلاقة الانتظار، هل هو مجرّد أن أترقّب نفسيّاً في داخلي وأقول: إن شاء الله يظهر الإمام، وترقّب نفسي مجرّد؟! لا.. لا يكفي ذلك –إخواني- هنا لابُدّ من مجموعةٍ من الإعدادات، لاحظوا إخواني دقّقوا في كلام المعصوم كلمةً كلمةً اقرأوها ودقّقوا في معانيها، الإمام حينما يذكر هذا المعنى ماذا يقول فيما بعد؟: "فجدّوا وانتظروا" يعني اعملوا بجدّ، بأيّ شيء؟ -الآن أبيّن- لابُدّ أن تعملوا بجدّ ليس مجرّد ذكر وقراءة أحاديث، بل أن نعمل بجدّ وهمّة عالية وعزيمة لمجموعةٍ من الإعدادات، حتّى يكون الواحد منكم من أصحاب القائم(عليه السلام) هذه المرتبة العظيمة نحتاج أوّلاً الإعداد الثقافي والفكريّ، إخواني اهتمّوا بتثقيف أنفسكم بتعلّم التفقّه في الدين وتعلّم مناهج الإسلام وأحكام الإسلام، هذه نحتاج اليها كما نحن جميعاً نهتمّ بالتعليم الأكاديميّ وهو مطلوب، نصرف عليه الوقت الكثير وسنين من العمر وأموال طائلة فهو مطلوب لنا جميعاً لكن أيضاً علينا أن نهتمّ بهذا الإعداد الثقافيّ والفكريّ الذي يجعلنا نتثقّف بالثقافة التي يريدها الإمام(عليه السلام)، ونستطيع أن نواجه موجات التضليل والانحراف الفكريّ والإلحادي وغير ذلك من الأمور.

الإعداد السلوكيّ والعمليّ (ثقافة، فكر، معرفة، أيضاً إعداد سلوكي وعملي) ماذا يعني؟ يعني أن أعمل على ترويض النفس بالتحلّي بالأخلاق الحميدة وتطهيرها من مذامّ الصفات والأخلاق، أحاول أن أروّض نفسي على التقوى وعلى الورع وعلى العلاقات الطيّبة، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول (من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر) حينئذٍ يدركه أجرٌ مثل أجر من يدرك الإمام(عليه السلام)، الإعداد الروحيّ هذا نحتاج اليه أيضاً أن الإنسان يعدّ نفسه وروحه على التحمّل وعلى الصبر وعلى غير ذلك من هذه الصفات التي تجعل له القدرة النفسيّة على مواجهة المصاعب والمحن والمشاكل في الحياة.

أيضاً الإعداد الرساليّ والجهاديّ وهذه مسألة مهمّة إخواني أن يهتمّ الإنسان ليس فقط بنفسه وعباداته والأمور التي تنفعه لنفسه فقط، بل أن يهتمّ بمجتمعه وأن يهتمّ بما يتعرّض له دينه ورسالته الإسلاميّة من مخاطر ومحن، وأن يعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية الدين وصيانة الوطن وغير ذلك من الأمور التي تدلّ على اهتمامه بمجتمعه، وأن يكون على استعداد للتضحية في سبيل حماية دينه ووطنه، وأذكر مثالاً إخواني في هذا الوقت الحاضر من ضمن الإعداد الرساليّ والجهاديّ المطلوب حتّى يكون الواحد منكم من المنتظرين صدقاً وحقّاً، الآن هذه المعركة ضدّ عصابات داعش فيها الكثير من الرجال الذين صدقوا في ولائهم وعهدهم مع الإمام(عليه السلام)، ويبذلون أرواحهم وسقط الكثير من الشهداء والجرحى، حتى نكون في مرحلة الإعداد الرساليّ والجهاديّ ويصدق علينا أنّنا صادقون في عهدنا مع الإمام وفي بيعتنا مع الإمام(عليه السلام) علينا أن نُديم زخم المعركة وزخم الانتصارات، حين يذهب ألف من الرجال شهداء وجرحى لابُدّ أن يعوّض عنهم بألف من الرجال من أولي البأس الشديد الذين يُديمون زخم هذه الانتصارات وزخم هذه المعركة، علينا أن لا يُصيبنا الضعف والوهن بسبب هذه التضحيات التي نقدّمها، لابُدّ أن تكون هناك إدامة لدعم المقاتلين بالمال والعتاد وغير ذلك من الأمور، وإدامة الرعاية لعوائل المقاتلين وللشهداء ولعوائل الشهداء والجرحى وغيرها من الأمور التي تديم زخم المعركة، علينا أن نتذكّر أو نحاول أن نستذكر بعض الآيات القرآنيّة التي تُديم علينا هذه الهمّة والعزيمة ونحقّق من خلالها -إن شاء الله تعالى- النصر النهائيّ والمؤزّر وهذا واحد من المصاديق المهمّة، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) و (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، هذه من الأمور التي يصدق عليها الإعداد الرساليّ والجهاديّ في زمن الغيبة للإمام(عليه السلام).

من الأمور الأخرى التي يصدق عليها علاقة الانتظار مع الإمام(عليه السلام) عدم الاستسلام أمام الفساد والانحراف وعدم اليأس من إصلاح الآخرين وإصلاح أوضاع المجتمع، الإنسان مهما طال به الزمان ومهما تكالب الأعداء ومهما اتّحد الأعداء في سبيل مواجهة خطّ الإيمان، عليه أن لا يتراجع مهما كانت هذه المواجهة مع خطوط الضلال والانحراف والفساد، ومهما كانت صعبة وقاسية وتتطلّب الكثير من التضحيات على الإنسان أن لا ييأس وإن طال به الزمان، المؤمنون الذين يواجهون حكّاماً ظالمين يذيقونهم التعذيب والسجن والتشريد والتنكيل والحرمان من الوظائف والرزق، عليهم أن يتحمّلوا ويصبروا ويطاولوا ولا ييأسوا من الوصول الى الفرج وتحقيق المطالب والأماني مهما طالت فترة المواجهة مع الحكّام الظالمين، هذا هو الانتظار الصادق الذي يجعل الإنسان من أصحاب الإمام ومن أنصار الإمام(عليه السلام).

من الأمور المهمّة أيضاً هو مسألة الرجوع الى الفقيه العادل الذي تجتمع فيه الشرائط التي وضعها الإمام(عليه السلام) لنائبه، الرجوع اليه في جميع المسائل الفقهيّة والابتلاءات في جميع مجالات الحياة في القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والماليّة، والنزاعات في الإرث وفي الوصية وفي الوقف وفي كلّ هذه المسائل، يصدق علينا أنّنا من أنصار الإمام ومن أصحابه ومن المنتظرين له متى ما أرجعنا أنفسنا في جميع أمور الحياة الى الفقيه الجامع للشرائط، لأنّه ماذا يقول الإمام(عليه السلام)؟ يقول: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم) متى ما كنّا نرجع اليهم حتّى في اتّخاذ الموقف وفي اتّخاذ الرأي المناسب في جميع القضايا السياسيّة والاجتماعيّة وغيرها حينئذٍ نكون قد صدقنا مع الإمام(عليه السلام)، وحينئذٍ نكون من المنتظرين حقّاً ومن أصحاب الإمام(عليه السلام).

هذه العلاقة إخواني هي العلاقة الحقيقيّة الصادقة التي تربطنا بالإمام(عليه السلام) وحينئذٍ إن عملنا بهذه الأمور نكون فعلاً قد أحيينا ولادة الإمام(سلام الله عليه) وأدخلنا البهجة والسرور على قلب الإمام(عليه السلام)، فاستذكروا دائماً –إخواني- أنّ هذه الأوضاع التي نعيشها هي باطّلاع الإمام(سلام الله عليه)، وما يصدر منّا باطّلاع الإمام(عليه السلام) وما يمرّ بنا من مصائب هي باطّلاع الإمام(عليه السلام)، كلّ واحدٍ منّا يتوق أن يُفرح ويُسرّ الإمام(عليه السلام)، وإدخال السرور عليه وأن نكون من أنصاره وأعوانه متى ما عملنا بهذه الالتزامات التي هي مقتضى البيعة، تذكّروا أو حاولوا في كلّ يوم أن تستذكروا أنّ للإمام بيعةً في أعناقنا وعهداً وعقداً بيننا وبينه، كذلك هذه الأمور للرجال والنساء، فالنساء أيضاً نحتاج الى أن يكون لديهنّ الالتزام بتربية الفرد الصالح وحسن التبعّل والالتزام بتشكيل الأسرة الصالحة وتربية الأبناء والتفقّه في الدين والالتزام بهذه الأمور التي تقوّي العلاقة بين المرأة المؤمنة وبين الإمام(سلام الله عليه).

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك، ويجعلنا من أنصاره ومن المنتظرين له حقّاً وصدقاً، إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المرفقات