الخطبة الدينية بإمامة السيد أحمد الصافي بتاريخ ( 4جمادى الآخرة 1438 هـ الموافق 3/ 3/ 2017م)

لابُدّ من تسليط الضوء على الزهراء(عليها السلام) وفق المعايير القرآنيّة و السننيّة

شخصيّة الزهراء أجلّ وأقدس وأعظم من أن نفهمها على النحو المتداول

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، أحمده شكراً لإنعامه، وأستعينه على وظائف حقوقه، عزيز الجند عظيم المجد، خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.. إخوتي أهل الحميّة والإيمان أبنائي أمل الأمّة آبائي أرباب النصيحة والمشورة، أخواتي ربيبات العفّة بناتي بنات التّقى أمّهاتي يا من الجنّة تحت أقدامكنّ.. سلامُ الله عليكم جميعاً ورحمةٌ منه وبركات، أوصيكم جميعاً ونفسي الجانية بتقوى الله تبارك وتعالى، فإنّها حقّ الله عليكم والموجبة على الله حقّكم، وأن تستعينوا عليها بالله وتستعينوا بها على الله، فإنّ التقوى في اليوم الحرز والجُنّة، وفي غدٍ الطريق الى الجنّة، أخذ الله تعالى بأيدينا جميعاً الى ما يحبّ ويرضى وألبسنا وإيّاكم لباس التقوى.

عظّم الله لكم الأجر بشهادة الصدّيقة الطاهرة سيّدة النساء فاطمة(صلوات الله وسلامُهُ عليها)، ولعلّ من جملة الولاء للنبيّ وآله وللزهراء البتول(سلام الله عليها) أن نحوم حول قدرها الكريم لعلّنا نستفيد فائدةً في معرفة بعض ما لهذه الشخصيّة المعظّمة من أهمّية، نلفت نظر الإخوة الأعزّاء أنّ حياة الزهراء(عليها السلام) حياة خاصّة، وهذه الحياة رغم قصرها الزمنيّ باعتبار أنّ عمر الزهراء(سلام الله عليها) كان عمراً زمنيّاً قصيراً، لكنّها كأحداث سواءً كانت أحداثاً تاريخيّة أو أحداثاً مرتبطة بالعقيدة أو أحداثاً لما قبل الخلقة التكوينيّة، ولكلّ مفصل من هذه المفاصل حديثٌ طويل ونحن نعني ما نقول، أنّ الحديث عن الزهراء(سلام الله عليها) هو حديثٌ طويل، والأشياء لا تؤخذ بمقدار العمر الزمنيّ وإنّما تُلحظ بمقدار العطاء وبمقدار الإحسان وبمقدار الأثر، مثلاً لعلّنا ذكرنا سابقاً وقلنا إنّ ضربة أمير المؤمنين(عليه السلام) في واقعة الأحزاب عندما أصبحت المعركة معركةً مصيريّة ما بين الإيمان والكفر، وتقدّم فارسُ الكفر في ذلك الوقت وعبر الخندق وبدأ يتحدّى المسلمين، العمر الزمني لهذه الحادثة بعض اليوم لكن عندما تقدّم أميرُ المؤمنين(عليه السلام) وأنهى موضوع هذا المتحدّي لم تكن هذه المسألة –زمنيّاً- مسألةً طويلة، النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قبل أن يبرز أمير المؤمنين ذكر أنّه: (برز الإيمانُ كلّه الى الشرك كلّه)، وبعد أن تمكّن أمير المؤمنين من قتل هذا الفارس –عمرو بن ود- قال النبيّ: (إنّ ضربة عليّ يوم الخندق تعادل عمل الثقلين)، إذن المقياس هو ليس بالعمر الزمني وإنّما بتأثير الحدث وما له من آثار مستقبليّة، الزهراء(عليها السلام) شخصيّةٌ عظيمة جدّاً وكان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يأنس عندما يأتي للزهراء(عليه السلام)، والنبيّ عندما عرج الى السماء ذهب الى الجنّة، وهو يقول عن نفسه أنّه كلّما اشتاق الى الجنّة جاء الى فاطمة(سلام الله عليها) في حديثٍ مفصّل حول ولادة الزهراء(عليها السلام) من خديجة، فعلاً ليس الآن الكلام هنا، لكن على نحو ما يسع ويُسعفنا الوقت عندي بخدمتكم موردان أحبّ أن أتناولهما على هذه العجالة:

المورد الأوّل: نحن نعلم أنّ الأسماء أو أيّ اسم من الأسماء الآن عندما يسمّي أحدنا ولده –عادةً- لا توجد مناسبة في التسمية، بمعنى أنّ الاسم شيء والمُسمّى يكون شيئاً آخر، فالإنسان قد يُسمّي ولده "كريماً" -مثلاً- لكنّ الولد لا يكون كريماً، وهذه الأسماء متعارفٌ فيما بيننا أنّها لا توجد مناسبة بين هذه الذات وبين الاسم الذي أُطلق عليها، نعم.. الإنسان ممكن أن يسمّي على اسم شخصٍ يحبّه على اسم والده أو اسم جدّه أو اسم شخصٍ آخر لكن تبقى المناسبة ما بين الاسم والمسمّى مناسبة مفقودة، ولذلك يقولون الأسماء الشخصيّة أسماء ارتجاليّة، هذا تسمّيه "جميل" وهو لا يتمتّع بصفات الجمال، وهذا تسمّيه "حسن" وهو لا يتمتّع بصفات الحسن.. وهكذا، طريقة الأسماء وطبيعة الأسماء هكذا هي، لكن عندما نأتي الى بعض الشخصيّات نرى أنّ القرآن الكريم قد تبنّى أن يتدخّل أو جهة تتدخّل في قضيّة الأسماء، مثلاً في قضيّة يحيى(عليه السلام) القرآن الكريم عندما يُحدّث يقول: (...لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، فهذا الاسم -اسم يحيى- كما أنّه وُلِد بالإعجاز من زكريّا(سلام الله عليهما) كذلك هذا الاسم كانت فيه عناية خاصّة، وإلّا الاسم بما هو اسم يُفترض أن يُسمّى كيفما اتّفق، لكن هذه العناية الخاصّة تدلّ على أنّ هذا الموجود الذي خُلِق فيه شأنيّة محدّدة، عيسى(عليه السلام) عندما كان يبشّر بالنبيّ الذي يأتي من بعده كان يقول: (اسمه أحمد)، فإذن هذا الاسم له عناية وإلّا كان يُمكن أن يعتمد على بقيّة الأوصاف، مثلاً نقول: صاحب البعير يأتي في المنطقة الفلانيّة له هذه الأوصاف...، لكن عندما يتدخّل ويذكر الاسم معنى ذلك أنّ هناك عناية خاصّة في هذه القضيّة، وهذه تستوجب منّا أن نقف، نعم.. نحتاج أن نقف عند يحيى(عليه السلام)، ما هو السرّ الذي دعا الله تبارك وتعالى أن يقول عن يحيى: (...لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، حالة من الافتخار وحالة من التبجيل والتعظيم، وكذلك بالنسبة الى نبيّنا(صلّى الله عليه وآله).

هذا الأمر أيضاً تكرّر مع الزهراء(عليها السلام) فإنّ اسم الزهراء(عليها السلام) -وهو فاطمة- هذا لم يكن وليد قضيّة ارتجاليّة -سأقرأ بعض ما في أيدينا من الروايات لنبيّن ذلك-، أنّ هذا الاسم توجد له مناسبة -التفتوا رجاءً- توجد مناسبة ما بين هذه الأحرف وما بين وظيفة أُعدّت لها الزهراء(سلام الله عليها)، الاسم كما قُلنا يُفترض أن يكون اسماً عفويّاً ارتجاليّاً لكن عندما تكون بعض الأسماء محطّ عناية، أنّ القرآن يذكر أو يتدخّل حتى في الأسماء معنى هذا أنّ الاسم له علاقة بالوظيفة التي جاء بها هذا الشخص، سواء كان نبيّاً أو كانت شخصيّةً معظّمة كالزهراء(سلام الله عليها)، إنّ عمر الزهراء(عليها السلام) هذا العمر القصير له شأنيّة محدّدة تستوجب منّا معاشر المسلمين أن نركّز على هذه الخصوصيّة التي جاءت بها الزهراء(عليها السلام)، لماذا سُمّيت فاطمة بهذا الاسم؟ وهل هذا الاسم قضيّة ارتجاليّة؟ أي أنّ خديجة(سلام الله عليها) مثلاً سمّتها؟ أو العائلة؟ أو النبيّ(صلّى الله عليه وآله)؟ قطعاً النبيّ عندما يسمّي لا يسمّي لقضيّةٍ ارتجاليّة، لكن مقصودي التركيز على الاسم له علاقة في بعض الحالات بطبيعة الوظيفة، فنحن لا نعرف شخصاً أكثر من النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يحمد الله تعالى، ولا نعرف أحداً يحمد الله ويُثني على الله تعالى أكثر من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فعندما نقول (أحمد) معنى ذلك أنّ هذا النبيّ أحمدُ من أيّ أحدٍ في قضيّة الحمد والثناء على الله تبارك وتعالى، مع أنّ الاسم كان قبل أن يولد بشكلٍ رسميّ من عبد الله ومن آمنة(سلام الله عليهما)، هذه الأسماء مهمّة والزهراء(عليها السلام) دخلت هذا المدخل أي لم يكن اسم فاطمة –تحديداً- قضيّة ارتجاليّة، وكذلك الزهراء(عليها السلام) والراضية والمرضيّة والشهيدة والبتول لكن نحن نتحدّث عن هذا الاسم وهو اسم فاطمة(سلام الله عليها)، لاحظوا هذا النصّ الذي يُسعفنا ويُقرّب لنا ما نريد أن نبيّن، قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله) -التفتوا الى الرواية الشريفة-: (شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة)، طبعاً عند أهل اللّغة العربية قد يُشكِلُ بعض الإخوة أنْ ما هي المناسبة بين فاطر وفاطمة؟!! هذا على نحو الاشتقاق لابُدّ أن تكون جميع الحروف موجودة بين المُشتقّ والمُشتقّ منه، لكن أيضاً أهل النحو يقولون: إنّ الاشتقاق الأكبر لا يشترط ذلك وإنّما أغلب الحروف موجودة، هذا فاطر وهذا فاطم أو فاطمة.

آتي الى الرواية الثانية لأمير المؤمنين(سلام الله عليه)، هذه الرواية أيضاً نحتاج أن نتأمّل فيها، لاحظوا من الممكن أن تكون هناك جهات متعدّدة للتسمية، هذا لا يمنع أنّه عندما نلاحظ أنّ الله تعالى -جهة الاشتقاق- جعل لهذا الاسم بركة وشقّه من أسمائه، وأيضاً هذا الاسم فيه بركة من جهةٍ أخرى أو من جهاتٍ أخرى، فأميرُ المؤمنين(عليه السلام) يبيّن ذلك حين قال: (إنّما سُمّيت فاطمة.. لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار)، أمير المؤمنين(عليه السلام) في مقام أن يفتخر وهو هو، فأمير المؤمنين أعظم شخصيّة بعد النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وهذه الفضائل كانت فيه هو، نراه يفتخر أنّه كان زوجاً لفاطمة(عليها السلام)، إذن مجرّد أنّ هذا الاسم وهذه الذات هي عبارة عن محلٍّ خاصّ، أمير المؤمنين(عليه السلام) يطلّ علينا من زاوية الاسم بهذا النحو –لاحظوا- يقول: (...لأنّ الله فَطَم...) والفِطام هو القطع، مثلما يُقال فطمت الرّضيع يعني قطعته عن الرضاعة، يقول: (إنّما سمّيت فاطمة، لأنّ الله تعالى فطم مَنْ أحبّها عن النار).

لاحظ عندما نأتي الى شخصيّة فاطمة في هذه المدّة، هذه العناية من النبيّ ومن الأئمّة(عليهم السلام) واهتمام أمير المؤمنين بقضيّة اسم فاطمة، هذا ماذا يعني؟!! يعني يا معاشر الناس يا معاشر المسلمين هذا الاسم له شأنيّة كبيرة فلا شكّ أنّ المُسمّى به هذا الكيان له شأنيّة كبيرة أيضاً، وهذا يستدعي منّا أن نفتّش عن هذه الأهميّة العظمى عند الزهراء(عليها السلام)، يقول في الحديث: (الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها) و (فاطمة روحي التي بين جنبيّ) لاحظوا هناك حشدٌ من الروايات الكريمة للإشارة والتصريح في هذه الشخصيّة المعظّمة، وهذه قضيّة تستدعي منّا التأمّل كثيراً في هذا المعدن الخاصّ لكن للأسف الوقت قد لا يسع، هذه النقطة الأولى على نحو العجالة.

المورد الثاني: الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً يعرّج على الزهراء(عليها السلام) من جانبٍ آخر، ماذا يقول؟ في حديثٍ قال: (فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر) -التفتوا لهذا التعبير- ما هو ربط فاطمة بليلة القدر؟!! الإمام الصادق(عليه السلام) يتحدّث عن جدّته(سلام الله عليها) ويتحدّث عن قضيّة تكوينيّة تشريعيّة، أنّ ليلة القدر ليلة تكوينيّة لكن هذه الليلة التكوينيّة فيها جانب تشريعيّ كبير هو أنّ الله تعالى جعلها ليلةً لها أعمال وأعمال خاصّة، والذي يُدرك ليلة القدر كأنّما فاز بالقدح المعلّى، فما هو الربط بين معرفة فاطمة وإدراك ليلة القدر؟!! طبعاً نحن بحسب ما يسمح به الوقت أحبّ أن أشير الى قضيّة وهي أنّ ليلة القدر في أغلب الروايات الشريفة هي ليلة مجهولة، بحيث يأتي شخص الى الإمام الصادق يريد أن يسأل يقول له: هل هي ليلة الواحد والعشرين من رمضان أو ليلة الثالث والعشرين من رمضان؟ الإمام(عليه السلام) يبيّن له ولا يُجيبه عن تحديد هذه اللّيلة، لكن يقول له: (ما أيسر ما تطلب في ليلتَيْن). مع أنّها ليلة واحدة أبقى السائل على ما يجهل، لكن الإمام بيّن أنّ هذه قد تكون فيها مصلحة لك وهو ما أيسر ما تطلب من الله في ليلتَيْن، يعني أنّ الشيء الذي تريده هو شيءٌ عظيم إذا أدركته بتمام ما هو مطلوبٌ منك، فأنت جئت بشيءٍ قليل إزاء شيءٍ عظيم ستطلبه من الله، فليلة القدر هي ليلةٌ مجهولة بكنهها والزهراء كذلك.

الزهراء(سلام الله عليها) هذه المرأة الطاهرة الراضية المرضيّة في كنه ما تقول هي مجهولة، وإلّا ما هي العظمة التي عند الزهراء(عليها السلام) عندما تستشهد ويأتيها الحسنان ويدخلان عليها ويبكيان ثمّ يأتي أمير المؤمنين فيقول له جبرائيل: يا عليّ نحِّ الحسنين فقد أبكيا والله ملائكة السماء؟!!! مَنْ يعرف قدر الزهراء(صلوات الله وسلامه عليها)؟!! الإمام الصادق يشير الى أنّ من يعرف قدر فاطمة فقد عرف ليلة القدر باعتبار هذا مع هذا، هذه جهات فيها جهة الاشتراك أنّ قدر فاطمة عظيم كما أنّ قدر ليلة القدر عظيم، ولذلك تصلح هذه العلاقة ما بين الزهراء وما بين ليلة القدر، هذا احتمال وهناك احتمالٌ آخر هو أنّ في ليلة القدر يُفرق كلُّ أمرٍ حكيم، والزهراء كذلك كانت مائزاً وفارقاً بين الحقّ والباطل، فالزهراء إذن مقياس كما أنّ ليلة القدر نزل فيها القرآن وهو مقياس لما يصحّ وما لا يصحّ لحقّ وباطل كذلك الزهراء -روحي فداها- فهي فارقةٌ بين الحقّ والباطل، ولذلك كما قلنا إنّ الروايات الشريفة تهتمّ بقضيّة الزهراء(عليها السلام) –أكرّر- مع العمر القصير الذي عاشته (صلوات الله وسلامه عليها).

الاحتمال الثالث -التفتوا اليه- ليلة القدر هي ليلة حوت جميع البركات لأنّها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، طبعاً خيرٌ من ألف شهر وفي كلّ شهرٍ خير –لاحظوا- وكلّ هذه الأشهر هي أشهرُ خير لكن ليس فيها ليلة القدر، فليلة القدر تُساوي أو تُعادل بل هي خيرٌ من ألف شهر يعني أكثر خيراً، أمّا ما هو خيرُها وما هو مددُها نحن لا نعلم، إنّما ليلة القدر خير -اسم تفضيل- أنّها أفضل من ألف شهر، مدى هذا الفاضل لا نعلم به، والزهراء كذلك كما أنّ ليلة القدر كانت وعاءً لأن تنزل فيه هذه الخيرات وكتاب الله، فالزهراء أيضاً هي وعاءٌ للإمامة والزهراء(عليها السلام) كانت ظرفاً لأن تستقرّ فيها الإمامة من أمير المؤمنين، وهي كانت واسطةً للإمامة عن طريق أبيها النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فإذن هنا ملجأ وظرف زمانيّ للبركات وهذا ظرف مكانيّ لكلّ الفيوضات التي ستكوّن فيها وهي الإمامة، ولذلك إخواني شخصيّة الزهراء -حقيقةً- هي أجلّ وأقدس وأعلى وأعظم من أن نفهمها على النحو المتداول وإنّما هي شخصيّة عظيمة جدّاً.

أمير المؤمنين(عليه السلام) في واقعة شهادة الزهراء(عليها السلام) طبعاً كما تعرفون أنّ أمير المؤمنين لا يوجد أحد أشجع منه إلّا النبيّ، وقد تمتّع بقابليّات في الصبر والتحمّل والشجاعة والقوّة لكن عندما غابت عنه الزهراء(عليها السلام) تألّم أميرُ المؤمنين، ولعلّه لمثل الزهراء قطعاً فليتألّم الناس، لكن عندما يصدر الألم من علي(عليه السلام) معنى ذلك أنّ هناك شيئاً يخرج عن كونها مجرّد زوجة، وإنّما كيانٌ كامل كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يلجأ اليه ويأنس به ومن قبله النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، النبيّ لم يدخل باب فاطمة بلا استئذان أبداً، بل كان يستأذن حتّى يدخل البيت فتقول له الزهراء(عليها السلام): (البيت بيتك والأَمَةُ ابنتُك)، واقعاً أنا أدعو الإخوة الأعزّاء وأرباب المنبر أن يُعرّفوا بالزهراء(عليها السلام)، فهذا المقدار عندما نأتي لنصف سورة الكوثر بأنّ هذا الكوثر هو الزهراء(عليها السلام)، -لاحظوا التطبيق- الخير كلّه عندما ينزل ويُطبّق على أنّ الكوثر هو الزهراء(عليها السلام) –واقعاً- هذا من باب تطبيق بعض المصاديق على عظمة الزهراء(سلام الله عليها)، وإلّا إذا كان الاسم من الله تعالى والنبيّ يقول كذا وأمير المؤمنين يقول كذا والإمام الصادق يشبّهها بأنّ من عرفها فقد عرف ليلة القدر؟!! -لاحظوا هذا الاحتواء- وأمير المؤمنين يجلس في جانب الدار أو في زاوية الدار ويضع رأسه في حجره عندما تذهب الزهراء(عليها السلام)، لاحظوا الظرف الذي عاشته الزهراء(عليها السلام).

طبعاً الزهراء عندما تبيّن ظلامتَها في خطبتها وهي من أنفس وأروع وأجلّ الخُطَب صياغةً ومضموناً، حقيقةً لا يدانيها أحدٌ في ذلك حتّى مشيتها كانت تُحاكي مشية أبيها رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، لذلك لابُدّ من تسليط الضوء على الزهراء(عليها السلام) وفق هذه المعايير القرآنيّة والمعايير السننيّة التي تحدّثت عن الزهراء(عليها السلام)، وعن المقام الكبير والعالي الذي يكون عندها (صلوات الله وسلامه عليها).

واقعاً نحن إذا سعدنا في الدنيا فنكون من المتمسّكين بها وإذا سعدنا في الآخرة نكون من الذين نتوفّق أن نُشمَلَ بعطف الزهراء(عليها السلام) وشفاعتها، لأنّ الزهراء لها مكانة خاصّة يوم القيامة، ومن هذا المكان الزهراء لا تُرَدّ، فنسأل الله تعالى عندما تشفع لنا أن لا تُردّ شفاعتها.. اللهمّ ارزقنا زيارة الزهراء وارزقنا شفاعة الزهراء بحقّ أبيها بحقّ بعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها، سائلين الله تعالى أن يحفظنا وإيّاكم جميعاً وأن نكون مع الزهراء في الدنيا وأن نكون مع الزهراء في الآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

المرفقات