يبدو الفن بهيأته الجديدة كأنه تعبير حسّي صريح عن تيارات الفكر الحداثوي الذي يتخطى الفن ليشمل المجتمع كله، فهو حركة ذات طابع احتجاجي ورفضي تدعو لقلب المفاهيم الفنية والاجتماعية بتغيير الشكل والمضمون ومن ثم نشر العمل الفني على نطاق الجمهور، فهو يرفض الفن الزخرفي الكلاسيكي ويتوخّى البساطة سعياً للتخلي عن الايهام البصري والتجسيم، ليستعيض عنهما بأشكال مبسطة مسطحة أساسها الخط بعيداً عن التقليد المباشر للطبيعة، لكنه يبحث فيها عن قيم جديدة ينقلها إلى العمل الفني.
اللوحة أعلاه من ابداعات الفنان اللبناني ( جوزيف حلو )، تضم مشهداً حداثوياً قوامه مزيج من الألوان الأحادية المكوّنة للأشكال المتموّجة والخطوط والأقواس المختلفة ذات الإيقاعات المتغيرة والتي شكلت بمجملها مُعظم ملامح شخصية اللوحة التي تعكس بدورها ذات الفنان وثقافته الفنية .
المشهد يمثل اللوحة المسطحة التي تؤكد الأشكال وتمنحها سيادة، والأشكال هنا عبارة عن تكوينات حروفية تقترب من التقنية المستخدمة في فن الكولاج أو التكوينات المتلاصقة.. فالعمل بشكل عام يقوم على بنية زخرفية متنوعة، تستعمل السطوح والألوان الصريحة في العمل وتحيل الأشكال والخطوط إلى تكوينات عشوائية يسودها اللون البنفسجي الذي يؤسس الطابع العام للعمل ثم الأسود الذي يحدد البنية الخطية ويعمل باعتباره ظلاً.
تأخذ الأشكال الزخرفية بعداً آخر عندما تحاول أن تتحرر من سياقها إلى سياق تشخيصي كما في ملابس الشخص (الفارس) الذي يمثل الشكل السيادي في اللوحة، وهذه الإحالة هي التي تعطي للشخص هيأته المتفرّدة وتبدأ فيها الألوان بالتجمّع لتكوّن محوراً جديداً للوحة.
يمثل المشهد شكلاً مجرّداً لهيأة فارس يمتطي جواداً، ويمكن إيجاد أمثلة على ذلك في الصور المتخيّلة في أعماق الرسامين السورياليين نتيجة لابتعاد المشهد عن التمثيل الواقعي.
ولو أجرينا كمتلقين مسحاً بصرياً للتكوين الفني لوجدنا إنه يحيلنا دلالياً إلى منظومة من الأشكال تقترن بالتراث العربي الإسلامي حيث نجد الخط العربي وليونته وانسيابيته تثبت هذا الواقع وتؤكده.
ومما لا شك فيه إن الحصان والفارس هما الثنائيان اللذان سادا الموروث العربي، وهما نتاج رمزي للمعاني الأخلاقية التي حاول الفنان التأكيد عليها، فضلاً عن محاولة الفنان الناجحة في تحقيق أسلوب يحيل التكوين إلى هوية مضمونية الطابع – العرب والفروسية - وعلى أساس ذلك اقترب التكوين الفني من الرسوم التوضيحية التي تصاحب عادة النصوص الأدبية في فن المنمنمات، ولأن النص قد غاب تحت تأثير الأشكال أوحى الرسام به عن طريق صياغة حروفية أحيلت بمهارة عالية إلى أشكال فنية رائعة .. أحالت العمل الفني إلى سياق عربي، وهو جزء من تيار فني حديث ساد الرسم العربي المعاصر في المشرق.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق