أحلام دافئة ..

التعبيرية هي تغلُّب المشاعر الداخلية والانفعالات والتأثيرات النفسية الحبيسة، فيُعبّر الفنان عن شعوره بأسلوبه الفردي ونظرته الخاصة وتكويناته المُنعكسة باتجاه مفردات مواضيعه للتوصّل إلى الصفات الأساسية المُجرّدة للموضوع .

وهي اتجاه مُتميز في الفنون الحديثة والمعاصرة في الفن والأدب حيث يعبر الفنان والأديب عن  انفعالاته وخياله وأفكاره من خلالها،

وتميزت التعبيرية بقوة خاصة بالتعبير والتأثير على المتلقي فالمنجز التعبيري يتسم ببناء فني ديناميكي، ومعالم واضحة ومحرّفة وتكون الألوان فيها عادة مليئة بالشحنات المتوترة ومفعمة بالإحساس الداخلي العنيف، فقد كان ظهور التعبيرية كرد عنيف على نعومة ولدونة المدرسة الانطباعية .      

نشأت التعبيرية في ألمانيا عام 1910، وفكرتُها الاساسية أن الفن يجب أن لا يتقيد بتسجيل الانطباعات المرئية بل عليه أن يُعبّر عن التجارب العاطفية ، وقد جمع الفنانون التعبيريون هدف واحد وهو ما يختلج في أعماقهم من أحاسيس وطريقة اسقاطها على القماش ،  ويعتمد هذا الاتجاه على البحث في النوازع النفسية ويُعبّر عن خلجات الروح ويصدُر عن انفعال باطن .

وقد انفرد الفنان التشكيلي كاندنسكي في التعبيرية الألمانية باستعماله الخطوط والألوان كوسائل أساسية في التعبير عن المشاعر النفسية بتكوينات دقيقة وانسجام، وكذلك برز بول كلَي وهنري ماتيس حيث ظهرت المؤثّرات الشرقية في أعمالهما فقد حرّكت الأجواء الشرقية والفنون الشعبية في شمال أفريقيا وخاصة تونس والمغرب والجزائر مشاعر هؤلاء الفنانين .

والتعبيرية اتجاه قائم بالفن أدى إلى أيجاد لون عبّر به الفنان عن مشاعره الداخلية عن طريق الأشكال وبذلك أصبحت اللوحة رمزية لتجارب شخصية للفنان ، وأوّل ما نشأ هذا الاتجاه كان في مجال الرسم وكان رد فعل للاتجاه الانطباعي ، وإيذاناً بالتحوّل بأسلوبها في الرسم والأدب إلى التعبير عن شعور عميق أو إحساس شامل يكشف عن حقيقة الإنسان بأكمله .

وهي مُعارِضة للمدرسة الانطباعية في الفن، فالانطباعية من الطبيعة إلى الفنان أما التعبيرية فقد غارَت في النفس الإنسانية فهي تُسقط ما في عالم الفنان الباطني من صور معاناته وأحلامه  والفنان التعبيري لا يخلق الموضوع للجمال فحسب، لكنه ينقل مشاعره التي يحسّها تجاه الموضوع .

والفنان بطبيعة الحال الشخص الذي له القابلية والرغبة لتحويل إدراكه المرئي إلى شكل مادي ، فالقسم الأول من فعله هو الإدراك والثاني هو التعبير، وليس بالمُستطاع عملياً فصل هذين الإجراءين ، فالفنان يُعبّر عما يُدركه  وهو مُدرِك لما يعبر عنه

وقد اعتمد الاتجاه التعبيري على إظهار تعابير الوجوه والأحاسيس النفسية من خلال الخطوط التي تُبين الحالة النفسية للشخص الذي يرسمه الفنان، وقد ساعد على ذلك استخدام بعض الألوان التي تُبرز انفعالات الشخص، بل تُثير مشاعر المُشاهد للموضوع التعبيري،  فالتعبيريون أغلقوا عيونهم عن كل ما تُشاهده العين العادية، وأخذوا يُصوّرون من بَنات أفكارهم فغاصوا في أعماق مشاكل النفس وأسرارها .

تنبع التعبيرية من باطن الفنان أي تأثُّره بحدث مُعيّن أو بشيء ما وانفعاله به، فالفنان هنا لا يصف أشياء وإنما يُعبّر عن معاني نفسية أو ذهنية تشغله ، ويستخدم التعبيري جميع التدرجات اللونية للتعبير عن الحالة النفسية كأن يضع الأسود العميق والرمادي ، تخترقه بلا مقدمات خطوط مختلفة الالوان كأن تكون بنفسجية ناصعة أو خضراء أو حمراء أو زرقاء أو برتقالية وذلك بنوع من التضاد الجريء

ويتميز الاتجاه التعبيري ببساطة الأسلوب وتلقائيته لدرجة أصبحت طريقة الأداء تُشابه طريقة الأداء عند الأطفال فضلا عن أن انتشار هذا الاتجاه في معظم بلاد العالم قد جعل له في كل بلد طابعاً قفي فرنسا مثلا كانت أعمالهم تتميز بالقيَم الجمالية والتشكيلية ونماذجهم تُعبّر عن  الطبيعة والحياة العادية ، ومن فنانيها ماتيس، و في ألمانيا تَمس أعمالهم حياة الإنسان في صراعه مع الحياة واهم مبدعيها بول كلَي و بكمان، اما في المكسيك فتُعبّر أعمالهم عن الثورات السياسية والاجتماعية ضد المحتل  ومن فنانيها ارسكو و ريفيرا .

اما التعبيرية الشرقية المتمثلة بالمنطقة العربية فما هي الا مزيج من تجارب تعبيرية الغرب بنكهة عربية دافئة .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

 

المرفقات