جمالية المضفور من الخط ..

للخط العربي دور كبير في تطوير الفن الزخرفي، حيث أعطى الاسلام الخط العربي جلالاً ومهابة وقدسية، فاصبح التمكن منه والاجادة فيه وزخرفته إمعاناً في قدرته التعبيرية، وقد كان الخطاط العربي يدرك ببراعة كيف يرصف ويناغم ويؤلف حروفه بدقة متناهية، حيث اعتبر الدائرة هي الوحدة التشكيلية في رسم الخط العربي والمربع وحدة اساسية للخط الهندسي، وقد حقق منهما القيمة الجمالية الحاصلة من التضاد بين الخط المائل والخطوط الافقية، وكان للخط الكوفي حظ وافر في مجال التزيين، وله مهمته في التكوين الزخرفي فهو نتاج نظام هندسي وزخرفي معاً، وفي هذا وذاك ادراك لمعنى الفضاء وهندسة المكان وهو ما يميز جمالية الخط الكوفي عن غيرها من جماليات الخطوط الاخرى.

تضمن العمل الخطي عبارة ( الله غفور رحيم ) منفذة بالخط الكوفي المضفور داخل مساحة هندسية مستطيلة الشكل، اعتمد الخطاط في تنفيذ هذه التحفة الخطية آلية الاشغال غير التام للمساحة من خلال التكوين المتماثل في اجزاء معينة من البنية النصية والواضحة في العناصر الزخرفية النباتية المضافة الى ابدان ونهايات الحروف، التي هدف من خلالها إلى اشغال المساحات الناتجة ما بين الحروف والكلمات، محققاً من خلاله التوازن الشكلي للعناصر النباتية والمساحية للنص، وبشكل غير متماثل كما يظهر في البنية النصية التي تختلف في الهيئة الشكلية لكل حرف وبما يتوافق مع المساحة المستطيلة للتكوين .

كما اعتمد الفنان آلية التغيير الشكلي لبنية الحروف، حيث ظهرت في التكوين الخطي المتمثل في الطابع الزخرفي النباتي الذي يتوافق مع العناصر والمفردات النباتية المضافة الى هذه الحروف، فضلاً عن طريقة ربط الحروف في اجزاء معينة اخذت هيئة شكلية نباتية مشابهة للعناصر النباتية و الغصنية .

  رتبت الكلمات في التكوين الخطي وفق نظام سطري متتابع سطري واحد بحيث يتتابع النص بدءاً من الجهة اليمنى في التكوين وصولاً الى نهاية النص، محققاً فيه توازناً مساحياً ناتجاً عن التضافر للحروف العمودية، ووظف التضافر المتمثل في الوحدات والمفردات النباتية المرتبة وفق نظام توزيع اعتمد فيه على هيئات الاشكال الهندسية بحيث شمل كافة المساحة، وان هذه العناصر تتشابه فيما بينها من حيث الهيئة وتختلف بطريقة التوزيع وبحسب المساحة المنفذة عليها، بشكل يحقق التوازن الكلي للتكوين وبإيقاع رتيب وغير رتيب متناغم ومتناسق مع البنية النصية، واستخدم التباين في الهيئات الشكلية لكل من العناصر النباتية والمفردات والبنية النصية وما تحتويه من عناصر حروفية وكلمات، وتختلف في حجمها ومقاييسها بما يتناسب ويتوافق مع المساحة المنفذة عليها، كما حقق تنوعاً من خلال التضاد الشكلي للتضافر في الجزء العلوي من الحروف العمودية معززاً من خلال التباين التمييز بين البنية النصية المتمثلة بالكلمات والارضية أي المساحة المنفذة عليها، من حيث القيم الضوئية لكل منها .

 وتمثلت الوحدة والتنوع في العلاقة التي ارتبطت بها الاجزاء فيما بينها من ارتفاع كل حرف وامتداده داخل مساحة التكوين، إضافة الى استخدام العناصر النباتية والبنية الخطية التي اضفى من خلالها حركة وتنوع للتكوين ككل، كما ترتبط هذه الاجزاء بعلاقة وطيدة بالمساحة الكلية ، وحُقق التنوع بشكل واضح بين الوحدات النباتية المتمثلة بالعناصر المضافة الى نهايات الحروف و المفردات والعناصر الموجودة في الجزء العلوي والجانب الايمن ،كما يظهر جلياً للمتأمل في التكوين سيادة الطابع الشكلي و التزييني الزخرفي للبنية الزخرفية المحيطة بها، فضلاً عن سيادة الاتجاه الافقي والعمودي للبنية النصية والحركة الحلزونية للعناصر والمفردات الزخرفية النباتية.

وتمثلت النسبة والتناسب في العلاقة التناسبية لكل حرف مع باقي الحروف، حيث التناسب في التكوين متمثلاً في اعتماد النسب الرياضية في تقيم المساحة الكلية للشكل وتحديد مساحة كل كلمة داخل مساحة التكوين، وارتكاز الخطاط على اظهار الحروف والكلمات بهذه الهيئة ذات الخطوط المتشابكة فوق الحروف الممتدة طولياً والمساحة الوسطية الظاهرة بهيئة هندسية ابداعية منتظمة .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات