الصحيفة السجادية نتاجٌ كربلائي

لقد كان للإمام السجاد (عليه السلام) دور كبير، ومرَّ عليه على ما مر على عائلة سيد الشهداء (عليه السلام) من حالة السبي والانتقال من مكان إلى مكان، ومارس دوره (عليه السلام) سواء كان في كربلاء عندما أمر العائلة الكريمة بعد استشهاده أبيه (عليه السلام) بأنها تفرّ بالبيداء حِفاظاً عليها بلا أي مأوى، وأيضاً ذهب إلى الكوفة أسيراً بمقتضى الوضع الخارجي وأيضا تكلّم بكلام وحاول ببيان أحقية سيد الشهداء وأهل البيت (عليهم السلام) في هذا الأمر، وإن الذي جرى عبارة عن مظلمة قادها خليفة الوقت إضافة إلى ولاته وحدث ما حدث، وبقي على إصراره إلى أن ذهب إلى الشام، وأيضاً أمام مجلس خليفة الوقت بين بشكل صريح وفصيح من هو ومن أبوه ومن هو جده، وطبيعة الانتماء لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الخطبة تعتبر من المواقع المهمة في إكمال قضية عاشوراء؛ والإمام علي السجاد (عليه السلام) بهذه الجولة وبعد أن رجع إلى المدينة لخّص المطلب عندما سأله البعض، وهذا البعض رأى الإمام قد جاء لوحده حيث فقد أباه وعمّه وأخوته، وسأله بهذا السؤال المعبر على أنه من المنتصر، والإمام أجابه بجواب مختصر وبليغ واستشرف المستقبل، وقال إذا سمعت المؤذن ستعرف من هو المنتصر، وهذه نكتة في غاية الأهمية والإجازة، على أن الأذان لا زال موجوداً، ونحن قد جئنا من أجل إبقائه، الطرف المقابل لم يكن مهتماً بالأذان وإنما كان ينازع من أجل دنيا زائلة، أما نحن لا نرتبط بهذا العالم نعم إننا نتعامل معه بما هو تأسيس لما جئنا من أجله وهو عنوان (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسولُ الله) وهذا الظرف الخاص الذي مر به سيد الشهداء (عليه السلام) واقعاً تعامل مع السجاد (عليه السلام) مع هذا الموقف العاشورائي كما قلنا في الجمعة ما قبل الماضية، وأسّس أساساً للتعامل مع المشهد العاشورائي، وبادر الإمام السجاد إلى أن يحيي لما يتعلق بأبيه سواء كان ما تجدد العاشر من المحرّم في السنة القابلة أو ضمن ممارساته اليومية مذكراً ومنبهاً بأهمية ما جرى، لذا عندما نتعامل مع الإمام السجاد (عليه السلام) نتعامل معه كشاهد وكعنصر مقوّم لواقعة الطف، فلم يكن شاهداً في معزل عن الواقعة وإنما كان شاهداً وعنصراً مهماً وابتدأ دوره الشريف بمجرّد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ومارس دوره سواء كان مع العائلة بعد الشهادة أو في الكوفة أو في الشام أو عند رجوعه إلى المدينة، وهنا بدأت الحالة الثانية في حياته (عليه السلام)، وقلنا أنها حالة الإشباع الفكري والمعرفي من خلال اتصاله بالآخرين عن طريق الممارسات الخاصة عنده وهي مسألة الدعاء، وهنا دائما منا نكرر الإشارة إلى هذا الموضوع لنكتة مهمّة وهي التنبيه لما يعرف بالصحيفة السجادية، وأن هذا التراث المخزون عندنا شيء عظيم ونحن مسؤولون عن الحفاظ عليه لا من جهة المطبوع فقط وإنما مسؤولون من جهةِ التعامل مع ما جاء في هذه الصحيفة بشكل واقعي وبشكل عملي، ولابدّ أن تكون هناك بصمة واضحة لكل من يرتبط بسيد الشهداء أن يرتبط بالإمام زين العابدين؛ باعتبار أن هذا المشهدَ مشهدٌ واحدٌ ومكمّلاته بعد مجيء الإمام زين العابدين إلى كربلاء قد أفرزت هذه الحالة وهي حالة الصحيفة السجادية ـ، وأتمنى الالتفات إلى أن هذه الصحيفة هي إحدى نتائج كربلاء.. كيف ذلك؟ باعتبار أن ما بعد واقعة كربلاء، كان القوم في عقيدتهم الشعار الذي رُفع بعد انتصارهم وقُتل سيد الشهداء، حيث كان شعارهم (احرقوا بيوتَ الظالمين)!!، فهذا الشعار لم يرفع من بعض الجنود وإنما من خلال قادة الجيش واستمرّ هذا المعنى حتى عندما وقع الإمام السجاد أمام بعضهم وسألوه ما اسمك قال: علي، قالوا: أليس قد قتل اللهُ عليّا؟!، حيث أن هذا التنظر الخاطئ في تعمية الأمر على بعض كسور الرجال الذين كانوا يحيطون في خليفة وقتهم، أو حولي الوالي، فهذا المعنى لم يجرِ على لسان هؤلاء اعتباطاً، وأراد أن يبيّن أن الله قد سلطنا عليكم وعملنا مرتبط بالله تعالى، فالإمام (عليه السلام) التفت لهذه النكتة وقال: كان لي أخ يدعى علي فقتله الناس ولم يقتله الله، وأيضاً في محاورات أخرى أجمعوا على قتل الإمام زين العابدين (عليه السلام)، حيث أن النص الذي وصلنا من خليفة وقتهِ هو (بك جرأة على ردِّ كلامي.. اضربوا عنقه)، ولذا فإن المسألة مبنية على نسف هذا البيت العلوي، فهي عملية قتل وإبادة، والسيدة زينب (عليها السلام) مارستْ دوراً عظيماً عندما تعلّقت بالإمام السجاد وقالت (إن كنتُ تقتله فاقتلني معه)، اذن المشهد العاشورائي بحسابات القوم أن القتلى يكون من ضمنهم الإمام زين العابدين، ولذا لا مبرّر من تركه وإنما أرادوا قتله، ولذلك أراد الله تعالى لهذا البيت أن يُحفظ وأن يكون الإمام زين العابدين شاهدَ حقٍّ ومكمّل لما يمكن أن يحدث ما بعد عاشوراء، ومن جملة ما فعله الإمام زين العابدين هو هذا التراث الضخم (الصحيفة السجادية)، ولذلك هي عبارة عن ناتج كربلائي بعد واقعة الطف باعتبار أن الإمام كان تلاحظ عليه جميع حركاتِه وسكناته وإلا فهو محكوم بالإعدام في يوم عاشوراء.

ولنلاحظ أنه لم يكن هناك رأفة فُترك الإمام لمرضه، فلا رأفة عند القوم وإنما عندهم مبنى وفكرة، وعندهم قرار بأن بيوت هؤلاء الظالمين كما يصفوهم وكما صوّروا لعامة الناس بأن تحرق بيوتهم، أو حاولوا أن يصوّروا الحالة للناس وكما في الشام، بيت من الخوارج (وحاشاهم) خرجوا على خليفةِ الوقتْ!، وأنتم كما تعلمون هناك نكتة أريد تبيانها وهي دقيقة وجديرة بالالتفات، أن عامة الناس قد لا تتوفّق أن تكون بمستوى فهم الحدث.. كيف؟، أي بعد واقعة الطف كان الناس في الشام يحتفلون، وماذا يعني أن تحتفل؟ وعندما كانت تحتفل ليس من باب أنه عيد وطني وإنما كانت تحتفل لقضية دينية باعتبار أن هناك مجموعة حاولت أن تعبث بوضع الأمة الإسلامية (الخلافة) والله تعالى نصر الأمير على هؤلاء الثلّة من الخوارج فالمنظور للاحتفال منظور ديني، وليس منظوراً وطنياً، فعامة الناس عندما لا تتوفّق أن تفهم الأحداث بشكل دقيق ستكون من العوامل المشّجعة على تمادي هؤلاء في ظلامتهم، باعتبار أن المقاييس عندهم مثلاً الصلاة فهؤلاء يصلّون وإذا كانت الحج فهؤلاء يحجّون، وهم ايضاً يصومون، لكن الأمرَ شتان، ما بين الفهم لمجريات الأحداث، ولذلك نحن حرّي بنا عندما نتعامل مع قضية سيد الشهداء (عليه السلام) أن فهم طبيعة الأرض التي كان يتحرّك بها (عليه السلام) واليوم في هذا القرن الواحد والعشرين، فالذين مع سيد الشهداء سواء في إحياء مناسباته أو الحضور إلى مرقده المبارك أو التعامل مع قضيته تعامل مبدأ قطعاً هذا الحضور أضعاف مضاعفة ما شاء الله تعالى أن يكتب بالقياس مع الذين عايشوا سيد الشهداء (عليه السلام) فالنخبة التي جاءت مع سيد الشهداء نحن نعظّمها ولكن تبقى علامة استفهام كبيرة.. أين البقية الباقية من الأمة؟! 

جانب من خطبة صلاة الجمعة للسيد احمد الصافي في ۲۲/محرم الحرام/١٤۳۹هـ الموافق ١۳/ ١٠ /۲٠١۷م

علي الشاهر

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات