الثلث بين الحركة والجمود ..

يعد خط الثلث من أجمل الخطوط العربية وأكثرها صعوبة من حيث قواعده وحبكة أحرفه وموازينه ، وقد استخدم بكثرة للكتابة على جدران المساجد والمشاهد المقدسة وسقوفها وذلك لطواعيته ومرونته في التركيب الشكلي ، حيث تبدو فيه الكتابة كأنها كتلة متماسكة يسودها التشكيل في ترتيب الحروف لإيجاد أنغام مرئية تتخللها فراغات صامتة تُمتلئ بحركات الحروف او بعض الزخارف النباتية الدقيقة فنراها بحركة على الدوام فهي تعطي لعين القارئ جمالية ولعقله وروحه خيالا خصبا.

وقد سُمِّي بالثلث كما هو معروف نسبة إلى نوع القلم الذي يكتب به ، فهو يكتب بقلم يبرى رأسه بعرض يساوي ثلث عرض القلم الذي يكتب به الخط الكوفي الجليل ، وسمي عند البعض بأم الخطوط العربية  لجماله وسيطرته على باقي أنواع الخطوط ، وقد اشارت الكثير من المصادر الى ان خط الثلث من اختراع الخطاط قطبة المحرر الذي يعد أول خطاط في عهد بني أُميّة ، وقد وضعت القواعد الاولى لهذا الخط على يد الخطاط ابن مقلة وكان له الفضل الكبير في إيجاد الصيغة الفنية له ، وجاء من بعده الخطاط ابن البوّاب ، فتفنن فيه واخترع له أنواع جميلة اخرى . 

المخطوطة من ابداع الاستاذ الخطاط  " ياسين أسامة حجازي" وقد نفذت بخط الثلث بقياس قلم 1.5 سم وعلى ورق عادي بأبعاد 50×50سم .                  

تتضمن هذه اللوحة تركيبة دائرية النص قوله تعالى ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )، حيث تبدأ قراءة النص من وسط الجهة السفلى للتركيب، وقد تم توزيع الحروف والكلمات على نظام الأحرف المتواشجة وتوظيف العلامات الإعرابية والتزيينية لملء الفضاءات الداخلية المتحققة بين الحروف والكلمات بغية تحقيق الإغلاق الشكلي الدائري للتركيب، فضلاً عن استثمار توقيع الخطاط وسنة كتابة المخطوط لذلك أيضاً.

ويمكن تمييز مدى إتقان الخطاط الفائق لقواعد الخط في هذه اللوحة وإعطاء كل حرف حقه من الانتصاب في حروف(الألف) الصاعدة، والتسطيح والإرسال المعكوس في حرف الكاف من كلمة ( تبارك )، مما يدل على حسن ابداع الفنان وبراعته في القياس المتمثلة بتطابق الأجزاء المكررة للحروف كحرفي (الكاف والنون) وتراويس الألف الصاعدة المتشابهة .

أما من حيث توزيع المفردات الخطية المتمثلة بالحروف والكلمات والمقاطع، فقد تم توزيعها على قواعد التصميم المنطلقة من التوازن الذي تبلور في طريقة توزيع العلامات الإعرابية وتخللها في أجزاء التركيب لملء الفضاءات، وإحداث نوع من التنوع والتباين مع الحروف عن طريق حجم الحركة، إذ استثمر مبدعي خط الثلث خصائصه عن طريق تراكيب الحروف والكلمات بعضها مع بعضها الآخر، لاستحداث هيئة مبتكرة وتوظيف المديات الأفقية والعمودية الصاعدة للمحافظة على الترتيب المكاني والزماني للكلمات من خلال جعل كلمة (تبارك) قاعدة لانطلاق الآية الكريمة، ومما لاشك فيه ان كل هذه الاعتبارات المذكورة انما تعبر عن ذات الخطاط وروحه والتي ابدع من خلالها هذا النتاج الجمالي الرائع.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات