يمتلك الفنان المسلم نوعاً من القدرة الخلاقة الخاصة به في تمثيل كل ما هو حسي مظهري الى بصري مجرد، فهو يحيل صور الاشياء الى النسق والشاكلة التي تسلمتها بها حواسه بطريقة تخيلية جديدة بأنساق مختلفة كما في التصوير الاسلامي الذي يُعد نمطاً من انماط التجريد في الرسم .
فالخيال في الفن الاسلامي هو تحرر الفنان من قيد التجربة الفعلية التي يحكمها الزمان الفيزيائي والسمو بها فوق قيود الواقع بكل محدداته، فهو يفكك المادة قبل ان يعيد خلقها ليقترب من مبدأ الخلق، فالتخيل الفني يخلق عالماً جديداً يشبه عالم الادراك المحسوس ، لكن بعد ان يعاد الى ذهن الفنان ورؤيته الخاصة المحملة بمرجعيات فكرية وعقائدية مختلفة.
ولما كانت خاصية الفنان العربي المسلم هي اعادة النظر بالواقع الطبيعي واخضاعه لإرادته في اللوحة عن طريق تدخله في التركيبة العناصرية للأشياء وعلاقاتها بالموضوع ووجودها الزماني والمكاني، فهو يتحكم بأبعاد المكان وبخاصية حركة الزمان وتنظيم جريانه الكامن في تركيبة الصورة، أي بمعنى آخر يستطيع الفنان المسلم اعادة تركيب الهيكل المكاني وتغيير صورة الزمان الذي تحيا فيه الاحداث والافعال في الواقع، اضافة الى خلق زمان مستحدث يحكم حركة الفعل التصويري داخل حدود اللوحة .
يفسر الزمان المنتج على صورة هذه الحركة وتنظيمها بتأويل الصورة وليس الواقع، لان تشييد الفنان للحركة في هذه المواطن يعني وضعها بعلاقات تصميمية جديدة ودلالات جديدة وكينونة اخرى وتصبح جزء من كل، فتحمل بذلك معانٍ مغايرة لما كانت تحمله في الواقع، اذ انها في عالم الصورة قد تخلصت من قيودها الفيزيائية المادية واستحالت الى فيزيائية متخيلة ، وهذا يعني ان الزمان قد نقل من منطقة الاحساس العيني الى منطقة الاحساس القيمي، وفي هذه الحالة اصبح قابلاً للتأويل والتفسير ذهنياً، لان الحركة بكل اشكالها في هذه الصورة او الصور المتخلية، سواء كانت حركة فعل او حدث او حركة ايهامية بصرية، فان تنظيمها يكون في حدود ما يفرضه الفنان على المشهد خدمةً لحياة الصورة المنتجة، وبذلك فهي تمتلك زمانها الذي يرتبط في قياسات الشعور بما يتلاءم مع الواقع الحسي التخيلي لا الواقع الملموس، بمعنى استحداث صياغة جديدة لصورة حركة الزمن وجريانه، مقرونة بتحرير المكان من بنيته الثلاثية الابعاد وجعله ثنائي الابعاد واستبدال البنية الحجمية للأشكال ببنية مسطحة لتحقيق التحكم بالكيفية الحركية في الصورة بما ينسجم مع حركة زمان الفعل التصويري الذي يريده الفنان والذي اخذ اوصاف جديدة تحرر فيها من علاقاته المادية ونأى بها عن الواقع، لذا فإن مفاهيم ومعاني الماضي والحاضر والمستقبل ستتأثر في الواقع داخل السطح المصور وتأخذ دلالات اخرى، فكل شيء داخل الصورة اصبح غير خاضع لقوانين خارجية ملزمة بل بقيت في حدود مكانها وزمانها الخاصين داخل العمل الفني.
قد يرتد بنا الخيال للوراء بعكس اتجاه الزمن، او قد يجعلنا نتقدم الى اللحظة التي نعيشها الآن، وقد يبقينا داخلها، او قد يزداد او يقل تبعاً لزيادة او قلة سرعة الحركة او ايقاعاتها وبعلاقة استدلالية عكسية.
ومن هذه الصياغات السابقة للزمان داخل منطقة الخيال فان تلك الصور للزمان تمتلك حدود معانيها، فالفنان العربي المسلم حين يركب الاشياء المحسوسة بطريقة تخيلية او مبتكرة ليعبر عن معناً معيناً لا بد وان يخضعها لبعدي الزمان والمكان الخاصين بمنطقة التخيل لا الواقع، فالصورة ذات التشكيل المرن والمطاوع والبعيدة عن الواقع وآليته، يُلمس فيها حرية تشكيل العناصر البنائية وحركتها من ناحية الصياغة والبناء والمعاني، وبذلك فان التخيل وسيط يأخذ على عاتقه معالجة وضع صيغ جديدة لبنى الزمان والمكان بما يتطابق او ينسجم مع الرؤية العقائدية والفكرية لمفهوم الزمان عند الفنان المسلم.
جمع وتحرير
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق