بعد توقف الدولة عن حل ازمة السكن.. مواطنون يصنعون الحل

باتت رغبة السكن في مدينة كربلاء المقدسة عارمة بعد عام 2003 رغم ان العديد من ابناء الوسط والجنوب وحتى العاصمة انتقلوا اليها ابان النظام المقبور، وهو ما دعا الى تزايد نسبة سكان المحافظة بشكل اكثر، وجاء هذا التزايد على الكثير من خيرات المحافظة الزراعية والسياحية مع تلكؤ ملحوظ في تقديم الخدمات الاسكانية وما تشترطه من بنى تحتية وغير ذلك.   

وتقسم كربلاء المقدسة من حيث العمران إلى قسمين يسمى الأول "كربلاء القديمة" وهي المساحة التي تشمل المناطق السبعة المحيطة بحرم الإمام الحسين واخيه ابي الفضل العباس (عليهما السلام)، ويدعى القسم الثاني "كربلاء الجديدة" وهذا القسم الجديد واسع البناء ذات شوارع فسيحة كما شيدت فيها مؤسسات وأسواق ومباني عامرة ومدارس حتى نهاية القرن المنصرم. فيما ينقل موقع "ويكيبيديا" ان أرض كربلاء رخوة نقية - (منقاة من الحصى والدغل) تحيطها البساتين الكثيفة من الشرق ... ولابد لزوارها من المرور بطريق مخضرة تحفها بساتين الفاكهة ومزارع النخيل الكثيفة.."، وهذا كان سابقا، قبل ان يضطر اصحاب البساتين الى تجريف بساتينهم وتحويلها الى اراضي سكنية، نتيجة انعدام القوانين وارتفاع نسب الملوحة في التربة اضافة الى فتح السوق للمستورد على حساب المنتج المحلي وتسهيله بسبب كثرة الرشى في الجمارك كما اشيع اعلاميا، واسباب كثيرة اخرى لسنا في صدد حصرها في تحقيقنا هذا، لكن التجريف وبرغم مساوئه فقد فتح افقا لكثير من النازحين الى كربلاء اضافة الى ابناءها خصوصا من سكنة كربلاء القديمة. بدايةً كان مرتسم احياء البستنة عشوائيا، لأن المقاول او صاحب البستان كان همه توفير اراضي اكثر كسبا للمال، وكان ذلك حتى عام 2010 على وجه التحديد، بعدها بدأ العمل على توفير مناطق سكنية بكافة الخدمات (الماء والكهرباء والمجاري) واخرها شوارع معبدة ومزودة بخدمة تصريف مياه الامطار وارصفة مقرنصة، وفي الاماكن الابعد عن مركز كربلاء القديمة بدأ المقاولون بتشجير ارصفة الشوارع.

وعن بدايات التجريف ومرتسمات أحياء البستنة العشوائية تحدث المواطن محمد خالد من منطقة الحافظ للموقع الرسمي، قائلا: إن "كانت اوائل ظاهرة تجريف البساتين في بعض الاماكن من محافظة كربلاء، وكان الجميع وقتها ان لم يكن لليوم يتحدثون عما تسببه هذه الظاهرة من تناقص في الغطاء النباتي الذي يساعد في سد النقص الحاصل من الغذاء المعيشي، مضيفا كان الاجدر بالدولة تقويم هذه العملية، وان لا تسمح بالقضاء على المساحات الخضراء بسن قوانين خاصة بهذه الظاهرة والزام المواطنين بها، في ظل انتشار ظاهرة التوسع العمراني".

وتابع "جاء التوسع العشوائي بطرق غير مدروسة مما يضطر بعض المواطنين من استغلال الاراضي الزراعية وانشاء الاحياء السكنية عليها بشكل عشوائي، مع ازدياد اسعار قطع الارضي في بعض المناطق، حيث وبلغت قيمة مساحة 100 متر 200 مليون دينار تقريبا، وهو سعر يجبر صاحب البستان للبيع والتجريف ناسيا ان الحفاظ على البساتين واحد من اهم مقومات النشاط الاقتصادي والاسس الوطنية، وان الحفاظ عل النخلة مذكور في الكتب السماوية ولدى الانبياء والرسل صلوات الله عليهم".

رغم دعاوى الزراعة لها دائرة الكهرباء تجهز احياء البستنة رسميا

في هذا السياق تحدث المهندس محمد فضيل رئيس المهندسين ومدير توزيع كهرباء كربلاء قائلا: "هناك شروط لإيصال وتجهيز التيار الكهربائي لأحياء البستنة حسب القوانين المنشورة في جريدة الوقائع الرسمية بالعدد 3789 لعام 1999م، وهي سارية المفعول لغاية الآن، حيث ان شروط ايصال التيار الكهربائي يجب ان يكون لدى المواطن بسند قطعة الارض باسمه ولديه اجازة بناء حتى يتم ايصال الخدمات من الماء والكهرباء والمجاري، وهناك قانون خاص يحمي الاراضي الزراعية وعدم تجريفها ومديرية الزراعة دائماً ما ترسل لنا كتب رسمية بأرقام ومقاطعات وتقيم دعاوى على المواطنين الذين يقومون بتجريف البساتين".

فيما نفى المواطنون من سكنة احياء البستنة ما اشار اليه السيد مدير توزيع الكهرباء فيما يتعلق بتوفير اجازة بناء، واوضحوا ان المطلوب منهم لإيصال التيار الكهربائي لبيوتهم هو صورة من السند واقرار محكمة وموافقة من القائم مقام فقط، يمنحون بعده معاملة، ويدفعون ضريبة لدائرة الكهرباء لاستلام (عداد كهربائي) ورقم مسجل في سجلات الدائرة الاصولية.

سكنة احياء البستنة بين الجبايات والدعاوى القضائية ودائرة توزيع الكهرباء تقترح العقوبات

وتابع فضيل في حديث للموقع الرسمي: "في عام 2012 صدر قرار مجلس محافظة كربلاء المقدسة المرقم 61 بتاريخ 22/4/2012م بإجازة إيصال التيار الكهربائي إلى مناطق البستنة ضمن خطة 2012 وتم حصرها بعدد من الأحياء التي كانت موجودة في العام المذكور وتم تجهيزهم حسب هذا القرار، لكن مسألة تفتيت البساتين لم تتوقف واستمرت بالتوسع ثم جاءنا كتاب آخر بإعداد لجنة خاصة بتدقيق ودراسة الأراضي الزراعية حيث أن هذا الكتاب وصلنا بتاريخ 29/8/2017 من مكتب المحافظ والى كافة الدوائر من دائرة البلدية والمجاري والكهرباء والزراعة ودوائر أخرى، وتضمن الإيعاز إلى جميع الدوائر المعنية بتفعيل ومضاعفة الإجراءات الرادعة، وعدم ترويج وتسهيل إجراءات تقديم الخدمات للأراضي المجرّفة المهيأة للتوزيع حيث تم اعتماد القرارات الصادرة بهذا الخصوص ومنها القرار رقم 71 لسنة 1978م والقرار 634 لسنة 1981م وقرارات أخرى، ونحن إذاً بموجب هذا الكتاب لا نستطيع إيصال خدمات التيار الكهربائي للأراضي المجرّفة لأن هناك دعوى قضائية عليها من مديرية الزراعة حيث طبيعة هذه الأرض زراعية وليس سكنية، وبالنسبة للمتجاوزين فان الإجراءات التي نتخذها بحقهم تتضمن قطع التيار الكهربائي ومصادرة الشبكة ونقيم عليهم دعوى وفق هذه القوانين الخاصة بشروط تجهيز المواطن بالطاقة الكهربائية"، مضيفا "تمت مصادرة أعمدة كهربائية وأسلاك مربوطة في الشبكة الوطنية في منطقة حي العباس والبوبيات والحر الصغير والهندية".  

واقترح فضيل الحل للتخلص من ظاهرة التجريف بقوله: "تفعيل القانون الخاص بتجريف الارض الزراعية حلا مناسبا، فاذا كانت الاراضي زراعية وفق عقود زراعية عقد 35 لسنة 1983 فهذا عقد زراعي منحتك الدولة اياه لمزاولة الزراعة فقط وعند الاخلال به ينفسخ العقد، ايضاً هناك اراضي يطلق عليها طابو او مفوضة بالطابو، وهناك انواع للأراضي منها سكنية او صناعية لكنها اراضي من جنس اراضي زراعية، والذي يضع يده عليها هي وزارة الزراعة وان كانت ملك صرف باسم المواطن فبما ان جنسها زراعي فهذا معناه للإنتاج الزراعي".

يشاركه الاقتراح المهندس حيدر عبد العباس مدير ماء كربلاء مطالبا بفرض عقوبات صارمة وغرامات مالية كبيرة بحق اصحاب البساتين الذين يسعون الى انتشار ظاهرة التجريف او استخدام البساتين الى اغراض اخرى غير الزراعية وذلك للحد من ايقاف تلك الممارسات التي اثرت بشكل كبير على القطاع الاقتصادي والزراعي وظهور المدينة بالمنظر غير اللائق بسبب ما شيدت عليها من احياء عشوائية غير منتظمة، وان اضطر الامر فعلى الدولة شراء تلك الاراضي الزراعية من اصحابها للحفاظ على ديمومتها الزراعية وانتعاش الاقتصاد الزراعي فيها".

وأضاف في حديث للموقع الرسمي، "عَمَلنا خلال الآونة الاخيرة بمخاطبة المديرية العامة للماء وحصلت الموافقة على ان نجري اشتراك ماء لمناطق البستنة وسمي بالاشتراك المؤقت عبر اجور اشتراك فقط، ولا تمثل أي مكسب قانوني بالنسبة للمشترك من حيث اثبات ملكية الارض او غير ذلك، وان الاحياء التي مدت لها شبكات الماء كان عن طريق طلبات قدمها الاهالي للحكومة المحلية، اضافة لخطوط بعض الشبكات من باب اسعاف هذه العوائل من الناحية الانسانية؛ لكن هذا لا يمثل اقرار بشرعية هذا التفتيت سيما اذا كان لا يطابق التصميم القطاعي وان كان بالتصميم استعمال سكني".

مبينا ان "الدائرة اوقفت خدمتها خلال الاشهر الستة الاخيرة بعد الكتاب الذي وردنا بإيقاف الخدمة لحين ما ينظر بالموضوع كملف كامل من الماء والكهرباء والمجاري وكيفية التعامل معه".

احياء البستنة تتحول لمجمعات سكنية وبيوتا بمواصفات مثيرة

بعد تجريف البساتين وتحويلها اراضي سكنية اضاف الكثير من المقاولين لمسات فنية لأحياء البستنة والبيوت في كربلاء، فتجد الدار مؤثثة ومزودة بنظام كاميرات ونظام أطفاء حريق ذاتي ونظام تبريد مركزي، كما تجد في الدار ابتكارات للوحات 3D وابواب من خشب الجاوي وشبابيك BBS ألماني البعض منها يفتح كهربائيا وغيره هوائي وعادي.. فكانت جميع هذه الامتيازات مدعاة للترغيب ولفت انتباه الكثير من المواطنين المتأثرين بها كامتيازات فيها حداثة وسلامة امنية، اضافة الى الخدمات الاخرى كالشوارع المعبدة والارصفة المقرنصة والمشجرة وغيرها.

وعن انشاء هذه الأحياء وفكرتها واتساعها كان للموقع الرسمي، جولة طويلة في العديد من المناطق التي انتشرت بها في كربلاء المقدسة، كان لنا لقاء مع المقاول علي النعيمي صاحب مكتب يعمل على تجريف البساتين وتفتيتها الى قطع اراضي ولكن بالمواصفات والامتيازات التي مرّ ذكرها انفا، وبدأ حديثه "الفكرة جاءت لرفاهية المواطن وتوفير امتيازات سكنية تحاكي الحداثة لكن لماذا البستنة؟ اولا لقربها من مركز المدينة القديمة وثانيا لأن قيمتها الشرائية اقل بكثير من عرصات الطابو".

واوضح النعيمي: "ان تفتيتهم للبساتين بالآونة الاخيرة جاء موافقا للتخطيط العمراني الذي توافق عليه بلدية المحافظة، كقياسات الشوارع والارصفة وتسليك الماء والمجاري، وايصال الكهرباء، في المجمعات السكنية، ويتم ذلك عن طريق مهندسين اختصاص (المساحين) الذين يتم التعامل معهم عن طريق العلاقات الخاصة".

وتابع النعيمي "باشرنا بهذه الخطوة وقد كلفتنا اموالا كثيرة وذلك لضمانة سلامة التخطيط العمراني وانشاء مجمعات بشكل لا يعاب عليه".

واردف قائلا: "كلفة هذه الاموال قد يحسبها البعض انها تجمع من رأس مال الموطن، لكن الحقيقة اننا هيئنا له جميع ما يحتاج فبدل ان يعمل على تسليك انبوب ماء لمسافات طويلة وقد يتعرض للكسر قمنا نحن بإيصال الماء امام كل عرصة وبمواصفات انابيب عالية الجودة، كذلك الكهرباء والمجاري".

واشار النعيمي الى ان "جميع ما يتم توفيره من كهرباء وماء هو ضمن معاملات رسمية، علما ان جمع هذه الخدمات ضمن سعر القطعة، وبدون اشتراك؛ اضافة الى شوارع معبدة رئيسية بعرض (عشرة) امتار وفرعية بعرض (سبعة) امتار، وأرصفة وخدمات تصريف مياه الامطار".

وقد يسال احد المواطنين عن خدمة المجاري خصوصا ان مناطق البستنة لا زالت تكثر فيها المبازل وبدون شبكة مجاري ومنها منطقة البوبيات، ما هي الحلول التي توصل لها المقاولون في مجمعاتهم السكنية، اجابنا النعيمي: "ان البزل الذي يبعد عن المجمع بمسافة 500 متر تقريبا، حيث تم ربط اكثر من ثلاث مجمعات بشبكة واحدة على هذا البزل، وفي حال ان الدولة قررت طمر البزل لا بد من محطة رفع".

وتحاورنا حول مسألة محطة الرفع التي اشار لها المقاول، وبيّن لنا "ان كثير من السادة اعضاء مجلس المحافظة وعدونا خيرا بهذا الموضوع، واشاروا علينا برفع طلب رسمي وبدورنا سنعمل على توفير محطة رفع".

  ويضع مقترح السادة اعضاء مجلس المحافظة مشكلة مجاري هذه المجمعات – (التي يصل عدد البيوت في كل واحد منها الى ما لا يقل عن 125 بيتا)، أمام احتمالين الاول بالموافقة على توفير محطة رفع ويتطلب هذا استمرارهم للدورة الانتخابية المقبلة وهو احتمال اقرب الى التنفيذ ان سببت هذه المسألة مشكلة صحية مستقبلا في تلك المناطق، كما ان هذا الاحتمال يقبل احتمال اخر وهو فرض الضرائب من قبل المؤسسات المعنية على المواطن حينها، لأنه تجاوز على الشبكة، والاحتمال الثاني هو عدم الموافقة على توفير محطة رفع.

وفي حديث للموقع الرسمي عن هذا الاحتمالين مع اصحاب المجمعات، وبالخصوص الاحتمال الثاني عن عدم موافقة الدولة على توفير محطة رفع، وتلافيا لحدوث كارثة بيئية قد تحصل مستقبلا خصوصا سقوط واحدة من الامتيازات المتفق عليها ضمنيا في عقود الشراء ما قد يسبب خلافا بين المواطنين واصحاب المجمعات السكنية، فما هو الحل؟.

  اجابنا العديد من المقاولين ان الحلول البديلة كثيرة واولها عمل مجمع صحيات داخل كل مجمعات على يتم تصريفها كل ستة أشهر.

مطالب بتساهل قانونية تواجهها مشاكل حكومية

اعرب اصحاب المجمعات عن مشاكل تواجههم مع جملة من المؤسسات الحكومية اولها الزراعة وموقفها البائن والمعروف من تجريف البساتين، وكذلك الكهرباء فبين الفنية والاخرى تحدث مستجدات توقف تزويد المواطن بالعداد.. ومشاكل اخرى تبين لنا انها تسير بطرق غير رسمية لإنجازها، ويبقى تساؤل المواطن مطروحا لماذا بعض المؤسسات تتعاون مع المواطن في قضية ما ذات هذه القضية مؤسسات حكومية اخرى لا تتعاون معه فيها.. وهذا التضارب يدل على قلة التواصل او انعدامه بين المؤسسات او ترأس الشخص غير المناسب على هامة المؤسسة ما يلقي بضلالة على المواطن. والملفت للنظر ان هذه الاحياء بدأ اصحابها بأنشائها على الطرق الاستراتيجية بمواصفات وامتيازات الاحياء السكنية المطوبة رغم غياب التشريع والتنظيم المؤسساتي لهذه المشاريع وهذا ما يسهم بتطبيع المواطن على الممنوع على حساب المسموح، اضافة الى انهيار الكثير جنبة الوعي الوطني لديه!!!.

حسين النعمة / قاسم عبد الهادي تصوير: صلاح السباح الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات