عـشـرُون عـامـاً , والـصـمـتُ يـعـزِفُ الإنـتـظـار ,
كـرسـيٌ مَـلّ عِـظـامـاً بـالـيـة , مُـلـفّـعَـة بـثـوبٍ أَسـوَد ,
أَحـداقٌ ذابـلـة تُـحـدّقُ بـالـبـابِ , وأذنٌ مُـرهـفـةٌ عـنـدَ كُـل خُـطَـى ,
لـمْ تـزل آخـرُ كـلـمـاتـهِ مَـحـفُـورة فـي رُوحِـهـا مـنـذ ذلـك الـيـومِ الـذي فـجّـرَ مـواويـلَ
أَحـزَانِـهـا لـتـنـصـهـرَ مـع الأحـزَانِ الـعـاشُـورائـيـةٌ الأبـدِيـة ,
عـنـدمَـا خَـرَجَ وتـركَ قـلـبَ أُمٍّ فـي بـرزَخِ عَـذابِـهِ .
إِلـى قـلـبِ أُمٍّ يـقـتـاتُ عَـلـى الـذكـرَى
******************************************************
* الـقـصـيـدة صُـورة مـن مـلـحـمـة الانـتـفـاضـة الـشـعـبـانـيـة المباركة فـي كـربـلاء عـام 1991
وصورة أم فـقـدت ابـنـهـا فـتـتـأسـى بـأمِّ الـبـنـيـن (سـلام الله عـلـيـهـا)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـفـجْـرُ يُـنـبـئُ بـالـزوابـعِ والـدّمـاء .
زَفـرت ظَـهـيـرتَـهـا الـمـديـنـة جُـثـةَ الأحْـزَانِ تـلـفـحُ فـي الأزقـةِ , والـدروبِ الـكـالـحَـة .
وَأدت أكـفُّ الـحـربِ بـسـمـتَـهَـا .
الـدمـعَـة الـصـمَّـاءُ تـذكِـرةُ الـمُـرورِ إلـى طـقـوسِ الـجُـرحِ فِـي جَـسَـدِ الـمـديـنـة .
وَدَمٌ مِـن الـكـلـمَـاتِ يُـسـكـبُ فـي الـضـرِيـح .
الـجـرحُ يُـورقـه عـلـى ظـمـأٍ .. صَـهِـيـل .
ويـشـبّـهُ لـفـحُ الـرمـالِ , وخـفـقُ أَحـدَاقٍ عـلـى رُمـحٍ
تـصُـبُّ الـنـهـرَ مِـن كـفّـيـنِ فـي طـعـمِ الـدمـوع .
وَيُـفـيـق كـابـوسُ الـبـنـادقِ سَـهـمَ (حـرمَـلـةٍ) , ويـوتـرُ قـوسَـهُ لـتـرفَّ أَجـنـحَـة الـدمَـاء .
(الـشّـمـرُ) يـرمـي بـالـقـذائـفِ و(ابـنُ سَـعـدٍ) كـان أَوّلَ مـن رَمـى , لـيـعُـبَّ نـخـبَ الـريِّ مـن ظَـمِـأٍ ونـار .
والـطـائـراتُ تـشُـبُّ نـاراً فـي الـخِـيـامِ , تُـفـتّـقُ الـجُـرحَ الـمُـوشّـحَ بـالـسـهَـامِ عـلـى الـمَـنـائـرِ والـقِـبـاب .
ذبـحَ الـدُخَـانُ فَـمَ الـطـفُـولـةِ .., والـرفـيـف.
وتُـودعُ الـجَـسَـدَ الـرؤوس .
وصَـدىً لآهـاتٍ تـطـوفُ عَـلـى الـهـشـيـم .
الـلـيـلُ يُـقـعـي بـالـجـراحِ مُـكـبّـلاً , رثّ الـثـيـابِ
ورأسُـه يـغـزوهُ قـمـلُ الـنـارِ عَـتّـقَ صَـوتَـه طـفٌّ دفـيـن .
فـي الـفـجـرِ , أَذّنـتِ الـمَـقـابـرُ فـانـتـشـى مَـوتٌ تـرنّـمُـهُ الـثـكـالـى , وَشّـحَـتـه بـالـتـراتـيـلِ الـتـظَـتْ فـيـهـا الـشـجُـون .
تـتـهـرّأ الـكـلـمَـاتُ فـي كـفّ الـقـيـود .
والـسـجـنُ قـهـقـهَ نـادمـتْ جُـدرَانُـهُ لـحـمَـاً عـلـى رقـصِ الـسـيـاط .
وتـنـاسَـلـتْ (طَـفَّاً) قـوافِـلـهـا الـسـبـايـا .
لـكِـنّ (بِـشْـراً) كـمَّـمُـوهُ , وقـيَّـدُوهُ , ورغَّـبُـوهُ , ورهَّـبُـوهُ , و أَقـبـروهُ , و أَبـدَلُـوهُ بـجَـوقـةِ الأبـوَاقِ ,
تـنـعَـبُ فـوقَ آلامِ الـمَـشَـانـقِ والـمَـنـافـي والـسـجُـون .
تـقـتـاتُ مـن صَـنـمِ الـقـصُـور .
يـا أهـلَ يـثـربَ: إلـزمـوا سـلـطـانَـكـم *** فـالـرافـضــــــونَ خـوارجٌ كـفّـارُ
يـا أهـلَ يـثـربَ: فـي رضـــــاهُ جـنّـةٌ *** تـرجَـونـهـا ولـمـنْ عـصـاهُ الـنـارُ
وتـفـوحُ عـنـدَ الـنـهـرِ كـفٌّ أَورقـتْ أَوداجُـهَـا نـبـضَـاً
يـرتِّـلُ نـفـثـةً (أمَّ الـبـنـيـن) .
والـرأسُ أَحْـنـى رمْـحَـه لِـيـقـبِّـلَ الـرأسَ الـمُـضَـمَّـخَ
بـالـمَـواجـعِ وَالأنـيـن .
ظَـمَـأٌ يُـعـانـقُ جُـرحَـهـا أَحـنـتْ عـلـيـهِ ضُـلـوعُـهـا مَـوتـاً يـحُـزّ نـدَى الـلـقـاء .
يـا بـشـرُ أيـنَ تـركـتَ أقـمـــاراً هـوتْ *** فـتـقـوّضـتْ مـن فـقـــدِهـنَّ الـدارُ ؟
يـا بـشـرُ هـلْ أدركـتَ حـزنـاً لـم يـزلْ *** مـن ألـفِ عـــــــــــامٍ جـمـرُه أوّارُ؟
يـا بـشـرُ هـم كـانـوا عـيـونـي نـورَهـا *** أتـرى يُـضـيءُ بـغـيـرِهـم إبـصـارُ؟
عـيـنـانِ غـائـرتـانِ سَـلَّ الـدمـعُ لـونَـهُـمَـا .
تـتـرَقـبـان .
تـتـمَـلّـيـان .
تـتـلـوَّيـان .
تـتـنـفّـسَـانِ الـهَـمـسَ فـي الـخَـطَـوات .
جِـفـنـاهُـمـا بـابٌ أَذابَ الـحـزنُ مِـصـرَاعـيـه فـي تـيـهِ الـغـيـاب .
تـتـوَشّـحَـانِ سَـحَـائـبَ الـذكـرَى .
تـتـوسَّـدَانِ نُـعَـاءَ أَحـلامِ الـربـيـعِ تـبـرعـمـتْ فـاغـتـالـهـا لـيـلٌ وَأَطـفـأ فـي جـنـائـنِـهـا الـصـبـاح .
(لا تـدعُـونِّـي وَيـكِ أمَّ الـبـنـيـن)
أَمَـلٌ يـقـوّضُـهُ الـسّـرَاب
والـبـابُ يُـغـريـنـي بـأحـلامِ الـتـعـالـيـلِ الـمُـمِـضّـةِ فـي الـضـلُـوع .
عـشـرُونَ عـامـاً , تُـحـرِقُ الـسـاعـاتُ أَجـفـانـي , ويـنـخـرُ لـفـحُـهَـا رئـتـي , و يـمـضـغـنـي لـهـيـبُ الإنـتـظـار
عـشـرُونَ عـامـاً , تـحـبـسُ الـشّـهَـقـاتِ رُوحِـي ,
أَوقـدَتْ أَيـامـي الـثـكـلـى قـنـادِيـلاً تـذوبُ عـلـى خُـطـاك
عـشـرُون عـامـاً , كَـومَـةُ الـقـطـنِ الـتـي اشـتـعَـلـتْ بـرَأسِـي , والـعـظـامُ الـبـالـيـاتِ , ورَعـشـة الـعُـكّـازِ فـي كـفّـيَّ , والألـمُ الـدفـيـنِ , وكـهـفُ أَسـنـانٍ خَـلا مـنـهـا , وأَحـداقٌ يـفـزّ بـهـا الـعـذابُ , وغـصّـة الـمـوتِ الـتـي شـبَّـتْ بـقـلـبـي تـسـألُ الأنـفـاسَ نـبـضـاً :
هـل أَرَاك ؟
أَتُـرَى يـجِـيـئ ؟
أَتُـرَى يـجِـيـئُ , لِـيـبـعـثَ الـنـفـحَـاتِ فـي رُوحـي وتـدفُـنـنـي يـدَاه .
أَتُـرَى يـجِـيـئُ , يُـضـيـئُ فـي عـيـنـيـنِ تـنـتـشـلانِ لـي رُوحَـا تـفـتـتّـهَـا الـزوابـعُ والـهـوَاجِـسُ يـنـتـشـي فـيـهـا الـذبـول .
أَتُـرَى يـجـِيـئُ يـقـولُ لـي : أمـاهُ , أمـاهُ .., اسْـتـظـل
بـهَـا دمـي حُـلـمـاً يـقـهـقـهـهُ الـسـرَاب .
أَتـرَاهُ ضَـلَّ دُعـاءَ أَنـفـاسـي تـمـيـمـةَ وردهِ عـلّـقـتُـهَـا
رُوحَـا عـلـيـه .
أَوهـل تـعـود كـيـوسـفٍ
فـالـبـئـرُ غـاضَ ولـم تـزلْ نـجـوى قـمـيـصِـكَ تُـمـطـرُ الأنـدَاءَ فـي قـلـبـي , وتُـنـبـئُ عـن ديـاجـيـرِ الـذئـاب
هـي ذي مـلابـسُـكَ الـحـزيـنـة صـغـتُـهـا كـفـنـي , وهـذا مـشـطـكَ الـدافـي يـبـرُّ جـدائـلـي .
وأَراكَ فـي الـمـرآةِ .
عَـيـنـانِ واسِـعَـتـانِ كـالـبـسـتـانِ أَزرَعُ فـيـهـمـا حُـزنـي .
وجـبـيـنـكَ الـزاهـي سـحـابـة أَدمُـعـي .
وعـلـى شِـفـاهِـكَ قـلـبُ
أمٍّ
دامِ
اترك تعليق