الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 13/محرم/1441هـ الموافق 13/ 9 /2019م :

ايها الاخوة المُعزَّوْن بمصاب سيد الشهداء (عليه السلام)..

اعظم الله تعالى اجورَكم بمصابِ سيد الشهداء (عليه السلام) وصحبه الكرام..

ونحن نعيشُ ذكرى أفجَعَ مصيبة وأكبَرَ ظُلامةٍ وأعظمَ تضحيةٍ قدّمها أهلُ بيت النبوّة (عليهم السلام) باستشهاد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهيرة يوم عاشوراء.. هذا اليوم الذي يُعَدُّ الاسمى في تجسيد مبادئ التضحية والفداء والنصرة للدين الحق والقيم الانسانية فقد شاءت الارادةُ الالهية أن تُرَسَّخَ وتُديِمَ روح تلك المبادئ من خلال مسيرات العزاء الاصيلة التي تعبّرُ عن صِدقِ الانتماء وعُمق الولاء وحرارة المحبة لسيد الشهداء (عليه السلام) وان يبقى هذا الولاء والمحبة والانتماء فاعلا ً مؤثراً في نفوس المؤمنين والسائرين على درب الحسين (عليه السلام) من خلال تجسيد القدوة من المعصوم او علماء آل البيت (عليهم السلام) كافة أو المؤمنين..

ولا يكتملُ هذا المسير الا بالابتلاءِ بمدى استعداد المؤمنين لإدامة روح الفداء والذب عن الدين والوطن والمقدسات والذي ظهر جلياً وبأبهى صورة ٍ مُجَسّدة لذلك في معركة الحق معركة الدفاع عن العراق ومقدساته وهويته في التصدي لعصابة التكفير والضلال..

وما يزال دورُ العزاء للإمام الحسين (عليه السلام) ومسيراتهِ المليونية في الاربعين وعزاء ركضة طويريج وغيرِها – ما يزال هذا الدور جوهرياً ومؤثراً بصورة اساسية لإدامة تلك المبادئ.. وأنَّ ما يصاحُبها من سقوطِ ضحايا من (الشهداءِ) والجرحى سواءٌ أكانَ بعملياتٍ ارهابية او غيرها من الاسباب يعدُّ عاملَ ابتلاء للمؤمنين وإحياءٍ دائم لأسسِ الثورة الحسينية في الجودِ بالنفس والايثارِ والفداءِ وأنْ تتحولَ هذه المبادئ من شعاراتٍ تُرفَع او ترددها الالسنُ الى واقعٍ حَي يعيشُه الموالون للإمام الحسين (عليه السلام)..

ولذلك كانت ظهيرة عاشوراء من هذا العام موعدا ً لرحيل ثُلّة من الصادقين في ولائهم الباذلين لأنفسِهم المضحّين بأرواحهم على مسيرِ الوصول الى موقع الشهادة لسيد الشهداء (عليه السلام) وكان رجاءُ هؤلاءِ الحسينيين في ذلك قد صَدَّقتُه مواساتُهم للحسين (عليه السلام) في بذل ارواحهم تعبيراً عن صدقهم وحرارة فجيعتهم بالحسين (عليه السلام) فسقط العشرات منهم ملبين نداءَ الحسين (ألا من ناصر ٍ ينصرنا) وردّدتْ ارواحهم مع السنتِهم بصدق ٍ شعارَ (لبيك يا حسين) ففاضتْ ارواحُهم الى بارئها الاعلى شوقاً الى لقاء سيد الشهداء ابي عبدالله الحسين (عليه السلام) وصحبه الكرام..

وبهذه المناسبة نتقدم بأحر التعازي والمواساة لعوائل وذوي هؤلاء الحسينيين المضحين بأرواحهم في ظهيرة ذلك اليوم ونسأل الله تعالى الشفاء العاجل للجرحى الذين تماثل الكثير منهم للشفاء بفضل رحمة بارئهم ودعاء المؤمنين الصادق لهم..

وندعو الله تعالى ان يتماثل للشفاء التام عاجلا ً بقية الجرحى من هؤلاء الموالين الحسينيين – انه سميع مجيب- وأن يبقى روح الولاء الصادق والتجسيد العملي لمبادئ الامام الحسين (عليه السلام) في حرارتِها وقوتِها كما هو حال قلوبِ المؤمنين لمصاب سيد الشهداء (عليه السلام)..

ونود ان نشير هنا الى أن المسؤولين في العتبة المقدسة يُحققونَ في ملابسات الحادث المأساوي وسيستخدمون الاجراء المناسب إن كان هنالك أَيَّ قصور ٍ في عمل الجهاتِ المسؤولة عن تنظيم حركة الزائرين في ركضة طويريج ويعيدُون النظرَ في خططِ ذلك مستقبلا ً..

الأمر الآخر ايها الاخوة والاخوات الذي نودّ ان نبيّنهُ..

كيف نعمّق الحزن الصادق في انفسنا للإمام الحسين (عليه السلام) وكيفَ نُحيي ونعمق الحب الولائي للإمام الحسين (عليه السلام)؟

ما مقصودنا بالحزن الصادق هنا وما مقصودنا بالحب الولائي ايها الاخوة والاخوات؟

نحن نعيش هذه الايام هذه المصيبة العظيمة.. اذا اردنا ان نعيش الحزن الصادق ايها الاخوة والاخوات فلنستحضر ونعيش ما مرّ بهِ أهل بيت النبوة من نساء الامام الحسين (عليه السلام) في مثل هذه الايام.. كيف نعيش ذلك؟ وما هو الامر الذي يستتبع هذا الاستحضار والمعيشة..

ايها الاخوة والاخوات اذا اردنا ان نتذكر بقلوب مفجوعة وبصدق سبي نساء الحسين (عليه السلام) فليتذكر كل واحد منّا ان نسائه امه بناته اخواته زوجته اُركبوا في سيارة مكشوفة ويُطاف بهم أمام الملأ والناس ينظرون إليهم ويوجهون لهم الكلام الجارح الشديد وهم يسمعون وهم في هذا المقام العظيم يُطاف بهم في الشوارع والناس ينظرون اليهم شامتين بهم..

هكذا نعيش هذه المأساة.. كلُ واحد مِنّا فليتذكر زوجته وامه وبنته واخته في سيارة مكشوفة وسيارة صعبة المسير والناس يقفون يميناً وشمالا ً ينظرون اليهم بشماته ويتكلمون بكلام جارح جداً وكيف يكون هذا الأمر لو كان الانسان على درجة عالية من التقوى وتتعرض نسائه الى مثل هذا الأمر.. ثُم لا يُكتفى بذلك يُنقلون من هذه المدينة الى مدينة اخرى ويُطاف بهم ايضاً وأمام الملأ من الناس من مدينة الى مدينة اخرى ثم بعد ذلك يوضعون في خربةٍ لا تحميهم من حر ولا برد وفي كل هذه الظروف يوجّه اليهم هذا الكلام القاسي والشديد.. فليَعش هذه الحالة..

ايضاً فَليَعش الواحد مِنّا كأن ابنه العزيز يُذبح أمامه ولا يستطيع ان يفعل شيئاً وكأن ابنائه واخوته يُذبحون امامه وهو لا يستطيع ان يفعل شيئاً.. كيف يكون حاله؟!

هذه المسألة العاطفية اخواني الجانب العاطفي في المأساة الحسينية لابد منه ومسألة مهمة جداً لكن كيف ننقل حزننا الى تطبيق للمبادئ التي ارادها الامام الحسين (عليه السلام)..

هنا فلنلاحظ ولنرجع الى انفسنا ونراقبها ونعرف ما هو مقدار ايماننا وثباتنا وصبرنا حينما نواجه ازمة.. فتنة في الدين.. مجتمع يتعرض الى الفساد والانحراف.. ما هو موقفنا اذا واجهنا ازمة مشكلة فجيعة مصيبة في حياتنا.. ما هو موقفنا الايماني؟ واجهنا فتنة في الدين.. واجهنا خطر تعرّض اليه الوطن.. هل يكون لنا موقف ثابت اذا واجهنا ازمة ومحنة ومصيبة..؟ هل يثبت ايماننا ام يتزعزع ويضعف ونتراجع الى الولاء..؟ اذا واجهنا حاكماً ظالماً وعرضّنا الى السجن والاضطهاد والتنكيل هل سنصبر ونثبت كما ثبتَ الامام الحسين (عليه السلام) ولم يتزعزع ايمانه بل اشتدّ وقوى ايمانه بالله تعالى وقوى ذكرهُ لله تعالى..

هل نستطيع ان ننتقل من هذا الحزن الى هذا التطبيق لمبادئ الامام الحسين (عليه السلام) ؟

زينب في صبرها حينما تعرضت لتلك المصائب التي تتزلزل منها الجبال وهي واقفة شامخة صامدة امام الطواغيت لا يهتز لها شيء..

هل ستصمد المرأة الزينبية امام المشاكل والمحن والازمات التي تمرّ بها ويبقى دينها وايمانها ثابتاً صابرة متجلّدة تواجه هذه المحن والازمات والفتن والابتلاءات بإيمان قوي وثابت وراسخ لا يتزعزع ويبقى ايمانها واتصالها بالله تعالى قوياً..

هذا الانتقال من حالة الحزن الى حالة التطبيق لمبادئ الامام الحسين (عليه السلام)..

ونحتاج ايضاً ان نتعرّف على سيرة الامام الحسين (عليه السلام) واخلاقه ومبادئه واقواله وان ندرسها وان نحللها بصورة واعية وكيف نستطيع ان نطبّقها على واقعنا الحاضر اذا كانت هناك بعض ملامح الفساد والانحراف الاخلاقي او غيره.. هل سيكون لنا موقف؟

حينما يكون الامام الحسين (عليه السلام) مبدأ اساسي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا المبدأ كان يصاحب تلك المصيبة.. هل نحن ايضاً سيُصاحب حُزننا تطبيقنا لهذا المبدأ واداءه وفق الشروط الشرعية والقانونية وغير ذلك؟

هذه الأمور مهمة..

الأمر الآخر : كيف نجذب شبابنا في الوقت الحاضر الذين يمرون بهذه الازمات والابتلاءات والمحن والمشاكل التي يضعف عندها البعض ويتراجع كيف نجذبهم الى القضية العاشورائية وكيف نقوي ارتباطهم بالإمام الحسين (عليه السلام) ؟

ولأوضح ذلك بقضية.. كيف نستطيع ان نقرّب مبادئ الشباب للثورة الحسينية وكيف نستطيع ان نُفهم المبادئ الحسينية للشاب ويقتنع بها ويعمل بها في مواجهة ما يواجهه من مِحن ومشاكل وأزمات..

الشباب لديهم تطلعات كثيرة ولديهم هموم ولديهم مشاكل يضعفون كثيراً..

بحمد الله تعالى اخواني واخواني اعداد الشباب كبيرة الذين يحضرون مجالس العزاء والذين يشاركون في مسيرة الاربعين بالملايين من الشباب شباب الجامعات وغيرهم والذين يحضرون مجالس العزاء كثيرون جداً من الشباب ولكن الكثرة منهم اذا واجه ازمة ومشكلة في حياته لا يستطيع ان يحلّها وفق الرؤية الحسينية..

نأتي هنا كيف نجذبهم وكيف نعطيهم عوناً من خلال المبادئ الحسينية في مواجهة الازمات والمشاكل؟ هنا نقول انظروا الى شباب الثورة الحسينية كيف فهموا الحياة؟!

انت ايها الشاب لديك تطلعات ولديك آمال وطموح.. طموحاتك الآن تتعلق بأن تنال الشهادة الجامعية وتتزوج ويكون لك بيت ورفاهية وتنعّم في هذه الحياة.. واذا ما واجهت معوّقاً في هذه الامور يصيبك اليأس والاحباط وتتراجع..

نقول لهُ : الشباب الحسيني هذا ليس فهمهُ للحياة، لاحظوا اخواني الشباب الحسيني هو الشباب الذي ضحّوا بأرواحهم في معركة الدفاع ضد عصابات داعش الدفاع عن الوطن والدين والمقدسات.. كيف فهموا الحياة؟ هذه الامور مطلوبة ولكن الحياة الأسمى حينما يكون للشاب مبدأ ويكون له قيم ويكون لهُ موقف يفهم الحياة الحقيقية المرتبطة بالله تعالى والايمان بهِ والايمان بمبادئ الدين والامام الحسين (عليه السلام) والقيم والاخلاق والمُثل والدفاع عنها كما فعل شباب الثورة الحسينية..

عليهِ ان يفهم الحياة الحقيقية التي تؤدّي بهِ الى السعادة الصحيحة والحقّة..، البعض قد يتصور سعادة الشاب في ان ينال هذه الامور المادية، نعم هي مطلوبة بمقدار ولكن السعادة والخير والتقدّم الحقيقي انما هو في ان نفهم الحياة الصحيحة التي ارادها الله تعالى والامام الحسين (عليه السلام) ان يكون للانسان مبادئ وقيم وموقف يؤمن بها ويدافع عنها وتكون هي الاقوى والاسمى في حياته وان يؤمن بهذه المبادئ ويتطلع اليها ويحاول ان يعمل بها وتكون هدفه الاسمى وغايته الأعلى..

اذا ما استطعنا ان نقرّب فهم شباب الثورة الحسينية الى عقل هذا الشاب ونجعله يؤمن بها ويطبقّها حينئذ وصلنا الى اننا قد ربينا شباب الحسين الحق..

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لذلك وان يديم على شبابنا نعمة التوفيق للمبادئ الحسينية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment