الخطبة الدينية بإمامة السيد أحمد الصافي بتاريخ ( 2رجب 1438 هـ الموافق 31 /03 /2017 م)

النعمة تستوجب الشكر والشكر يكون في العمل بمرضاة الله وفي تفقّد الآخرين

المتقي يؤمن أنّ الله تعالى لا يختار له إلّا الصالح

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله البشير النذير أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي لبس العزّ والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حمىً وحَرَماً على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب (..إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ..) اعترضته الحميّةُ فافتخر على آدم بخلقِه، وتعصّب عليه لأصله.. إخوتي أبنائي آبائي وفّقكم الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الشريف شهر رجب الخير شهر رجب الأصبّ، صبّ الله علينا وعليكم من رحمته ما يُعيننا على طاعته، أخواتي بناتي أمّهاتي صانكنّ الله تعالى وحرسكنّ بعينه التي لا تنام، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. أوصيكم جميعاً أحبّتي ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله تبارك وتعالى فإنّه هلك من قبلنا بطول آمالهم وتغييب آجالهم، حتى نزل بهم الموعود الذي تُردّ عنه المعذرة وتُرفع عنه التوبة، وتحلّ معه القارعةُ والنقمة، أعاننا الله تعالى على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم.

ونحن في هذا الشهر الشريف شهر رجب الذي تمرّ فيه من المناسبات ولادةُ الإمام الباقر ووفاةُ الإمام الهادي وولادة الإمام الجواد(عليهم السلام) وولادة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ووفاة الإمام الكاظم(عليه السلام) والمبعث النبويّ الشريف، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الشهر المبارك شهراً تُكتب لنا فيه الحسنات وتُغفر لنا السيّئات ويتقبّله منّا بقبول حسن ويُبقينا لما بعده من الأشهر في عافية وفي خير، وأن يلبسنا وإيّاكم دائماً لباس التقوى ولباس العزّ ولباس الإيمان، الله سبحانه وتعالى -كما ذكرنا في أكثر من مورد- لا يوجد من هو أرحم منه علينا، الله تعالى خلقنا وبعث لنا أنبياءً ورسلاً وأنزل الكتب وجعل ذلك مفتاحاً لكلّ بركة ولكلّ خير، والإنسان المؤمن هو الذي دائماً يسعى من أجل أن يظفر -ما دام في الدنيا- بما يُعينه غداً على تلك الوقفة، أنتم تعلمون أنّ تلك الوقفة التي سنقفها جميعاً لا يُستثنى منها أحد، وهذه الوقفة يهتمّ بها القرآن الكريم والروايات الشريفة اهتماماً كبيراً باعتبار هي النهاية المحتومة، وكلّ ما كان في هذه الدنيا مقدّمةٌ لتلك النهاية، فالإنسان الذي –مثلاً- يُصيبه غمٌّ في الدنيا وهمٌّ وفقرٌ ومرض، إزاء تلك النتيجة التي سنُقبل عليها جميعاً يُعتبر هذا الهمّ لا شيء إذا كانت النتيجة بصالحه، والإنسان الذي ينعّم بصحّةٍ ومالٍ ورزقٍ ومنصب وما أشبه ذلك هذا أيضاً يكون ليست له قيمة إذا ما كانت النتيجة غدا ليست بصالحه، والقرآن الكريم تبنّى مسألة الهداية عن طريق الرسل والقرآن، وأودع فينا هذه العقول وبيّن طرق الغواية والهداية بشكلٍ لا معذرة لنا فيها أبداً، من جملة ذلك بعض الآيات الشريفة تتحدّث عن مصيرٍ ومشكلة، ومن جملة هذه الآيات بعض ما ورد في سورة النحل، سأستعرض آية أو آيتين من باب أنّ هذه المسائل لابُدّ أن يعتبر بها الإنسان، والإنسان الشجاع هو الذي يعتبر أمّا الإنسان غير الشجاع هو الذي لا يعتبر، والذي يعتبر لابُدّ أن يقرّر والقرار عنده لا يتأخّر، فهناك رؤية وهناك اعتبار وهناك قرار، فالذي لا يقرّر شخصٌ ضعيف وشخصٌ مكبّل لكنّ الإنسان الذي يقرّر يكون إنساناً شجاعاً، القرآن الكريم يستعرض مجموعةً من الحالات ثمّ يأتي الى هذه الآية الشريفة الآية 111 وما بعدها 112، لاحظوا القرآن الكريم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ثمّ قال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

هلمّوا معي لنستنطق هذه الآيات الشريفة ونرى ماذا يريد الله تعالى منّا، الآيةُ الأولى يقول: (يوم تأتي كلّ نفسٍ) الله تعالى في مقام الجزم يقول: لابُدّ أن يأتي ذلك اليوم، وهذا اليوم يومٌ يُحاول الإنسان فيه أن يدفع عن نفسه ما استطاع الى ذلك سبيلا، لأنّ الأهوال لا تُتَحمّل فسيُحاول الإنسان أن يأتي بكلّ حجّةٍ وبكلّ قوّة وبكلّ حيلةٍ في سبيل أن يمنع نفسه عمّا يُراد به، القرآن يقول (يوم تأتي كلّ نفس) لا يستثني نفساً عن نفس، ماذا تفعل هذه النفس؟ قال: (تجادل عن نفسها) المجادلة لها أكثر من معنى، بعض الحالات الإنسان يُجادل بالأخذ والردّ أنت تقول حجّتك وأنا أقول حجّتي، وفي بعض الحالات المجادلة بلا ثوابت وبلا وعي مجرّد أن أتشبّث بأشياء لا قيمة لها، لكن المشكلة أمامي شيءٌ صعب فماذا أفعل؟! القرآن الكريم يريد أن يبيّن أنّ هذه المجادلة عامّة للجميع (يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها) تريد أن تُظهر أنّها صاحبة الحقّ والمجادلة بالنتيجة لا تنتهي، الله تبارك وتعالى يبيّن قال: (وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت) لاحظوا الدقّة في هذا التعبير أنّ هذه المجادلة لا تُغيّر الواقع، سابقاً قرأنا في سورة ق قال: (لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) ثمّ بعد ذلك قال: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)، هذه النفس تأتي الآن في مقام المجادلة لكنّ المجادلة لا تبدّل الواقع، القرآن الكريم يُعطي النتيجة أنّ هذه النفس التي تُجادل أيضاً القرآن الكريم يقول: (وتوفّى كلّ نفس) لا يستثني نفساً من الأنفس، القرآن يقول: (تُوفّى) في مقام الوفاء، هذا اليوم يوم عمل والمضمار مضمار عمل وغداً الوفاء وغداً النتيجة وغداً الكسب، الواقع لا يُبدَّل والمجادلة لا تُبدِّل لكن هول ما يرى الإنسان (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) هو يعلم لكن يدفع عن نفسه ويحاول أن يدفع عن نفسه، القرآن يقول هناك حقيقة وأنّ هذه النفس هي نفسٌ في مقام أن يُعطى لها ما عملت، لاحظوا (وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت) ما هو العمل في مقابله يكون الوفاء، هذا العمل صغر أو كبر هذا العمل هو مقام الوفاء، ثمّ القرآن الكريم ماذا يقول؟ يقول: (وهم لا يُظلمون)، -التفتوا الى قضيّة إخواني- سلب الظلم عن الله تبارك وتعالى كما يعبّر أهل العقائد وأهل الاخلاق أنّ هذه من صفاته الذاتيّة، الله تباك وتعالى لا يظلم وهو ليس بظالم وليس بظلّام، بل في بعض النكات أنّ الذي يحتاج الى الظلم هو الذي عنده نقص، فيحتاج أن يظلم حتّى يداري هذا النقص الذي عنده، لكنّ الله تعالى كامل، ثمّ الله لِمَ يظلم؟ الظالم والمظلوم عند الله تعالى وتحت قبضته وتحت سلطنته فلماذا يظلم؟ الإنسان يظلم لأنّه يخاف أن يفوته شيء فيظلم، الإنسان الآن يظلم حقوق الآخرين لأنّه يعتقد أنّه إذا ما سَلَبْتُ هذه الحقوق منهم ستفوتني وهلمّ جرّاً.

عندما ندخل في قضيّة الظلم تجد الإنسان -والعياذ الله- قد لا يخلو من ذلك، إمّا أن يظلم الآخرين أو يظلم نفسه، وأقبح الظلم عندما يظلم الإنسان نفسه ويمنع هذه النفس عن حقائق الأمور ويحاول أن يقهرها على الأشياء الدنيئة والأشياء الوضيعة فيظلم نفسه، وكثيرٌ مثل ذلك فالإنسان لا يعرف، القرآن الكريم ينقل لنا صورةً أخرى بعد هذه القضيّة يقول في بعض الحالات الإنسان هو الذي يوقع نفسه في الظلم، وقد لا يكون شخصاً وإنّما تكون أمّة ويعبّر القرآن عنها بـ"قرية" لا خصوصيّة للقرية والمدينة والمحافظة باصطلاح اليوم والناحية والقضاء والدولة، ماذا فعلت هذه القرية؟! لاحظوا إخواني أنّ الأمثلة التي يضربها الله سبحانه وتعالى -كلّ الأمثلة- لها علاقة بنا وبما يؤمّن لنا طريق الهداية، والمشكلة إذا كان الظلم عامّاً اشترك الكلّ فيه إمّا ظلمت وإمّا سكتت، ما هو نوع هذا الظلم؟ الله تعالى يقول: (ضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّة) لاحظوا بلاغة القرآن الكريم وهو يتحدّث عن هذه القرية، قطعاً القرية كما يقول أهلُ البلاغة يعني: أهل القرية، كما يقول الإخوة أهلُ العربيّة "مجازٌ في الإسناد"، يعني هذه القرية أهلُها كانوا مطمئنّين آمنين، البعض يقول: لا.. هي القرية تُطلق حتى على الناس كلّها تسمّى قرية عامرة مع وجود هؤلاء الناس أو البشر، كلّ ذلك يُطلق عليه قرية، الغرض القرية كانت آمنة مطمئنّة وهذه حالة الاستقرار وحالة الأمن والأمان من النعم التي قد يفتقدها الإنسان، القرآن الكريم يربط مسألة الاطمئنان بذكر الله تعالى (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) و(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي...) وأمثال ذلك (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) هذا مفهوم الاطمئنان مفهومٌ مهمّ كثيراً، حالة الاستقرار وحالة الطمأنينة مهمّة وهي من النعم التي تكون على الإنسان، والمؤمن دائما لابُدّ أن يكون مطمئنّاً، وهذه مرحلةٌ في غاية الأهمّية أن تجد الإنسان مطمئنّاً وقلبه فيه سكينة وفيه طمأنينة، لأنّه يعلم أنّ مصائر الأمور مرتبطة بمن هو صاحب كلّ شيء ومَنْ بيده جميع الأسباب، المهمّ أنّ الإنسان بداخله لا ينهزم نفسيّاً وهذه في غاية الأهميّة، حتى لو تكالب عليه الناس هو إنسانٌ مطمئنّ لماذا؟ لأنّه يعلم مكامن الاطمئنان عند مَنْ؟ يعلم أنّ منشأ الاطمئنان عند مَنْ؟ عند الله سبحانه وتعالى. فتجده يطمئنّ في رزقه وفي صحته وفي اختيارات الله تعالى له والمقادير إذا جرت، يؤمن أنّ الله تعالى لا يختار له إلّا الصالح وإن كان عندي أنّ هذا ليس صالحاً لكنّني لقصور ذهني وعقلي وإدراكي أعتقد أنّ هذا غير صالح، واقع الأمر هو فيه جميع بل كلّ الصلاح، هكذا الإنسان مع ربّه، الله تعالى يريد وأنا أريد ولا يكون إلّا ما يريد، لا شكّ أنّ الله تعالى يختار الصلاح للإنسان.

هذه القرية التي ضرب الله تعالى بها مثلاً (كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقُها رغداً) لاحظوا التعبير (يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان) رغداً يعني واسعاً، وهذا من عجيب الفنّ أنّ هذا الرزق كأنّه متوالي عليها، (يأتيها رزقُها رغداً من كلّ مكان) يعني من أيّ مكان من السماء من الأرض من الشرق من الغرب، لا يهمّنا الآن أين تقع هذه القرية ما يهمّنا هو هذا الوصف الذي كان، وتعالوا يا معاشر الناس التفتوا، لماذا هذه القرية تبدّلت حالها؟ الله تعالى إذا أكرم وهو الكريم وإذا أنعم وهو المنعم وإذا لطف وهو اللّطيف لا يبدّل نعمته –حاشاه-، يقول هذه القرية (كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها من كلّ مكان) فماذا تريد هذه القرية؟ -أنا أسأل- إذا كانت آمنة ومطمئنّة وأمور المعاش مكفولة، فيها خيرات ويأتيها رزقُها من كلّ مكان من ظاهر الأرض ومن باطن الأرض ومن السماء ومن الشرق والغرب والشمال والجنوب، إذن ماذا تريد هذه القرية؟ يبدو أنّ هذه القرية أو أنّ المسؤولين عن القرية -علّيّة القوم من الملأ- لم يكونوا بمستوى المسؤوليّة، هؤلاء لم يتحمّلوا هذه النعمة! ماذا صنعوا؟!! استغلّوا هذه النعم الى الكفر!! نِعَمٌ موجودة القرآن يقول (يأتيها رزقُها رغداً من كلّ مكان) وهذه أشبه بالقرية المثاليّة آمنة مطمئنّة، وهذا الرزق الذي تتقاتل الناس على أيّ شيء؟ الناس تتقاتل على حفنة من الطعام وعلى حفنة من المال، وهذه القرية كانت مكفولة في ذلك، لكن هذه القرية لم تتحمّل، أهل الرأي في كلّ زمانٍ ومكانٍ، في كلّ قرية في كلّ دولة في كلّ محافظة هناك أهل رأي ولابُدّ أن يكون هؤلاء من خيرة الناس ومن العقلاء حتى لا ينزل بالقرية بسبب تركهم لمسؤوليّتهم ما نزل بهذه القرية، عليهم أن يلتفتوا وعليهم أن يراعوا هذه النعم حتّى لا تفرّ، والنعم تحتاج الى شكر، والشكر ليس باللسان فما أسهل الشكر باللّسان، إنّما الشكر في العمل وفي تفقّد الآخرين، في العمل بما يرضي الله تبارك وتعالى والبحث عن مرضاته جلّ وعلا، هذا معنى الشكر!! أن أتحرّى وأبحث ما يرضي المنعم حتى أشكره، للأسف هذه القرية لم تكن بهذا المستوى.

قال بعد أن منّ الله عليها: (فكفرت بأنعم الله) كفرت بأنعم الله جلّ شأنه لماذا كفرت؟ حقيقةً لا تجد سبباً، فالكفر لا يحتاج الى سبب إلّا الضعف والمرض النفسيّ وقلّة الإدراك وهذا هو منشأ الكفر، وإلّا العاقل لا يكفر بل يشكر، يقول (فكفرت بأنعم الله) لاحظوا طريقة التعبير ثمّ قال: (فأذاقها الله) وهذا التعبيرُ سريع، الذوق عبارة عن التحسّس بلذّة الشيء أو النُفْرة منه، والذائقة تستعمل في استعمالات قد تكون مجازيّة كما في (كلِّ نفسٍ ذائقةُ الموت) يقول: (فأذاقها الله) ماذا أذاقها؟ قال (لباسَ الجوعِ والخَوْف) حقيقةً أنّ هذه المسالة –إخواني- من المسائل التي تهزّ الإنسان، الجوع ليس أمراً سهلاً والخوف قد يكون أشدّ من الجوع ولا يرتبطان، الإنسان قد يكون جائعاً لكنّه غير خائف، وقد يكون خائفاً لكنّه غير جائع، أمّا إذا اجتمع الأمران -جوعٌ وخوف- كأنّ الإنسان لا يكون عنده استقرار، لاحظوا النقيض كانت آمنة مطمئنّة جعلها الله خائفة، وكان يأتيها رزقُها رغداً من كلّ مكان جعلها جائعة، لماذا؟ لأنّها كفرت.

بعضُ المشاهدات الحسيّة في بعض الحالات، هناك إنسان ذو عائلة ميسورة الحال، وهناك عائلة أخرى كانت فقيرة، وهذه العائلة عندما تكون فقيرة تتحسّر على نفائس الطعام، سبحان الله عندما تتبدّل الأحوال وهذه العائلة الفقيرة يتحسّن وضعُها المادّي تنسى!! تبدأ برمي نفائس الطعام وتجعله في الفضلات، أمشاهَدَةٌ هذه الحالة أو غير مشاهَدَة؟!! رأينا كثيراً.. نحن رأينا بعض الناس هكذا تكون أحوالهم بمجرّد أن يتنفّس وبمجرّد أن يتنعّم يُحاول أن يكفر بهذه النعمة، ليس بالضرورة الكفر العقائدي إنّما يحاول أن يتمرّد على هذه النعمة، وبعض الناس يعيش على فُتات الموائد لأنّ فتات الموائد هذا كافٍ أن يُجعل معيشةً لكثيرٍ من الناس، وهذا بمجرّد أن تنفّس النعمة حوّل هذا الأكل الذي ليس فيه بأس يرميه في النفايات والأزبال، أنا أقول –إخواني- الإنسان عليه أن يعتبر، فالله تبارك وتعالى يُمهل، ولا أعتقد أنّ الإنسان في حياته لا يمرّ بحالةٍ من الجوع، إذا كان لا يمرّ يقول له اللهُ تعالى: صُمْ حتّى تمرّ بحالة الجوع، حتّى تبقى أنت متذكّراً أنّ هذه النعمة التي أنت تتقلّب بها الآن بلحظةٍ معيّنة قد يذهب كلّ ما عندك فلابُدّ ان تصونها، والكلام إذا كان لقريةٍ يكون أكثر، القرية أو الأمّة أو المجتمع عليه أن يصون النعمة، لا يقُلْ: عندي نفط، عندي صناعة، عندي أمطار، ربّما بلحظةٍ معيّنة الله تعالى يجعل -والعياذ بالله- عاليها سافلها، وإذا الإنسان يتحسّر على كسرة الخبز اليابس لا يحصل عليها، المؤمن هو الذي يعرف كيف يحافظ على هذه النعمة، وهذه الآية واقعاً هي سوط يضربُ اللهُ تعالى به عباده، يريد أن يُريهم أنّ هذه القرية كانت منعّمة من كلّ شيء والقرآن اختصر التعبير ببيان أنّ هذه القرية كانت قرية مثاليّة آمنة مطمئنّة (يأتيها رزقُها رغداً من كلّ مكان)، ماذا تريد بعد ذلك؟!! لكنّها تمادت بمجرّد أن كفرت بأنعم الله!! الله سَلَب كلّ شيء منها، ثمّ يقول (بما كانوا يصنعون).

لاحظوا (فأذاقها الله) الله لا يسلب نعمته جزافاً، الله تعالى لا يُرعِبُ الناس جزافاً ولكنّ الناس عندما يختلّ توازنها هي التي تبتعد عن الله تعالى، عند ذلك نعم.. الله تعالى يُذيقهم لباس الجوع والخوف، قال: (فأذاقها اللهُ لباسَ الجوعِ والخَوْفِ بما كانوا يصنعون)، أعتقد أنّ الآية الشريفة واضحة جدّاً (بما كانوا يصنعون). أسأل الله سبحانه وتعالى –إخواني- عندما نقرأ هذه الآيات وأمثالها أن ننصح أنفسنا أوّلاً وأن نزداد علماً من خلال الآيات، والإنسان الذي يبدأ بنفسه أولى من أن يبدأ بالآخرين، وهذا الكلام نجد له دلائل ومصاديق في القرآن الكريم، أنّ النعم الإلهيّة معرّضة للزوال وأنّ النعم الإلهيّة معرّضة للفناء، والإنسان يتقلّب بين صحّة ومرض وبين فقر وغنى، نعم.. النعمة تحتاج الى صيانة، وصيانةُ النعمة بالشكر، والشكرُ يعني العمل بما يريد الله سبحانه وتعالى.

جعلنا الله وإيّاكم من الشاكرين ومنّ الله تعالى علينا وعليكم وعلى جميع البلاد بالأمن والأمان وجعلها مُدُناً دائماً آمنةً مستقرّة يأتيها رزقُها من كلّ مكان، ولا يجعل هذه القرى قرىً كافرة بل يجعلها قرىً مؤمنة، نسأل الله سبحانه وتعالى دوام التوفيق والتسديد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

 

gate.attachment