الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي في 18/محرم الحرام/1440هـ الموافق 28 /9 /2018م

ما زلنا في الاجابة على السؤال الذي طرحناه في الخطبة السابقة، ماذا يجبُ علينا ان نتعلمه من الحركة الاصلاحية للامام الحسين (عليه السلام) ؟ ماذا يريد منّا الامام الحسين (عليه السلام) في عصرنا هذا؟ ماذا تريدُ منّا كربلاء برمزيتها الحسينية؟ كيف نكون حسينين حقاً في هذا العصر؟ ونحنُ أجبنا عن بعض ما يجب علينا ان نتعلمه فذكرنا أول الامر وأهمها وهو الشعور بالمسؤولية، والشعور بالمسؤولية على انواع ومن جملتها الشعور بمسؤولية الوعي الثقافي والاجتماعي ومسؤولية الكلمة : التفتوا اخواني ما الذي نقصده بالوعي الثقافي والوعي الاجتماعي ومسؤولية الكلمة؟ نعني (بالوعي الثقافي) ان يتسلح الحسيني لاحظوا اخواني عندنا مؤمن وعندنا مؤمن حسيني، ان يتسلح المؤمن الحسيني في عصرنا بسلاح المعرفة الفقهية والثقافة الاسلامية التربوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وجميع مناهج الاسلام ولا يقتصر في معارفه وثقافاته على المعارف والثقافات الاكاديمية التخصصية والثقافات العامة. نجد ايها الاخوة والاخوات البعض يهتم ويصرف كل جهده ووقته وافكاره في تحصيل المعارف الاكاديمية والتخصصية وهذه وان كانت مهمة كالمعارف الطبية والهندسية والكيميائية والفيزيائية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية المعاصرة مهمة نعم في حياتنا ولكن ذلك لا يكفي لكي نُبصر الموقف الحسيني المطلوب في عصرنا هذا.. كيف نجسد مبادئ النهضة الحسينية في عصرنا هذا؟ لابد ان يتسلح المؤمن الحسيني بالمعرفة الفقهية، ثقافات الاسلام في الاسلام ثقافة اجتماع وثقافة تربوية وثقافة روحية وثقافة اجتماعية وسياسية وفي كل مجالات الحياة لأن هذه الثقافات هي المفتاح لبصيرة القلب، عندنا بصر نرى به الاشياء وحقائق الاشياء فلابد ان يكون لنا قلب نرى بعين البصيرة ما هو المطلوب منّا الموقف الحسيني تجاه الواقع الذي نعيشه وفي المجتمع الذي نعيشه، فلابد ان يكون هناك اهتمام ايضاً بأن يتسلح المؤمن الحسيني بالثقافة والمعرفة الفقهية وغير ذلك من ثقافات الاسلام، وان يكون لديه ايضاً ثقافات معاصرة إلمام بالثقافات المعاصرة وان يكون لديه إلمام بأوضاع مجتمعه. ليس من الصحيح ان يكون اهتمام الانسان المؤمن الحسيني بنفسه فقط يحاول ان يتعرف على ما هو مطلوب من علوم لنفسه وخاصته بل لابد ان يكون لديه إلمام بأوضاع مجتمعه ولو إلماماً إجمالياً وان يأخذ هذه المعرفة الفقهية والثقافة الاسلامية ان يأخذها من منابعها الصحيحة التي حددها ائمة اهل البيت (عليهم السلام) حينئذ تكون لدينا البصيرة في امور ديننا،  لاحظوا اخواني من الامور المهمة التي اوصلت اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) ان يقفوا الى جانبه مع ان الكثرة الكافرة خذلت الامام الحسين (عليه السلام)، من جملة الاسباب ان هؤلاء كانت لديهم البصيرة كما عُبّر عنهم اعدائهم بأصحاب البصائر لذلك ورد في الحديث : (تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والمراتب الجليلة في الدين والدنيا). مع ان التفقّه هنا هو الفهم الصحيح والواعي والعميق لثقافات الاسلام المتعددة، حينئذ يستطيع الانسان على ضوء هذه الثقافات والمعرفة ومن منابعها ونؤكد على ذلك احياناً لدينا مؤمن يصلي ويصوم ومتدين لكن لا يأخذ هذه المعارف من منابعها الصحيحة ويتوهم ان فلان وفلان ربما هم منابع هذه المعرفة فيخطأ ويضل الطريق الصحيح فلابد ان يكون لديه كما انه انا اصرف سنين من عمري وابذل كل جهدي في تحصيل علوم الطب والفيزياء والكيمياء والهندسة والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك من الامور وهي مهمة في حياتنا ونوليها الاهتمام لكن ايضاً في نفس الوقت علينا ان نولي اهتماماً عظيماً بمعارف الفقه والثقافات الاسلامية حتى يكون لدي البصيرة والمعرفة بالموقف الصحيح الذي يجب ان اتخذه حينما يمر مجتمعي بالمخاطر وغير ذلك من هذه الامور. لدينا الوعي الثقافي والوعي الاجتماعي ما المقصود بالوعي الاجتماعي؟ (الوعي الاجتماعي) ان يعي الانسان المؤمن ما هي مسؤولياته اتجاه مجتمعه الذي يحيط به اتجاه اسرته اتجاه عشيرته واتجاه زملائه في العمل واتجاه مجتمعه.. كثير من الناس همّهُ نفسه فقط لا يستشعر المسؤولية تجاه المجتمع الذي يحيط به ابتداءً من الاسرة المجتمع الصغير ثم العشيرة المجتمع الاكبر ثم زملاء العمل ثم المجتمع الاكبر الذي يحيط به..، الوعي الاجتماعي الحسيني ان يكون لديَّ وعي بطبيعة المسؤولية تجاه مجتمعي فإذا ما رأيت انحرافاً في مجتمعي ثقافي او اخلاقي او سلوكي او غير ذلك من هذه الانحرافات عليَّ ان لا أكون متفرجاً امامها اذ لابد ان يكون لديَّ اطلاع وإلمام بطبيعة المخاطر والمشاكل والازمات التي يمر بها المجتمع واحاول بالتعاون مع الاخرين ان اضع الحلول لها من خلال العلم والمعرفة الصحيحة.. لابد ان يكون الطريق هو العلم والمعرفة الصحيحة والا الجهل يعقّد المشاكل ويأزم الازمات أكثر، العلم هو الذي يشعُّ بأنوار الحلول للمشاكل والازمات المستعصية وهذه لابد ان تؤخذ من منابعها الصحيحة.. وأما (مسؤولية الكلمة) ايضاً نلتفت اليها، اخواني واخواتي الكلام سلاح الانبياء والمصلحين في هداية الناس وارشادهم الى الطريق الصحيح، لاحظوا الان كلمات الامام الحسين (عليه السلام) كيف انّها على مر العصور والازمنة منهاج اصلاح للفرد والمجتمع، الانبياء كانوا يستعلمون سلاح الكلام والكلمة ولكن هذا الكلام والكلمة اذا ما اُسيء استخدامه اصبح وسيلة للفتن والاحقاد والصراعات بين افراد المجتمع واصبح محطماً للفرد والمجتمع لذلك على الانسان المؤمن الحسيني ان يعي ان عليه مسؤولية الكلمة ومسؤولية الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال الكلام، مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الكلام وفق الشروط المطلوبة، مسؤولية مواجهة الفساد والانحراف الاخلاقي والسلوك في المجتمع بالكلمة ايضاً وغير ذلك من هذه الامور التي يمرّ بها المجتمع.. فلذلك نجد ان الذين اتبعوا مبادئ الامام الحسين (عليه السلام) بعد الامام الحسين (عليه السلام) لاحظوا الكلمة والكلام هي التي ايقظت الامّة الاسلامية من خلال خُطب الامام زين العابدين (عليه السلام) وخُطب السيدة زينب عليها السلام.. هذه الكلمة لها التأثير، المؤمن الحسيني والمؤمنة الحسينية هي التي تعرف ما هو الكلام الذي ينبغي ان تتكلم به في مواجهة الفساد والانحراف في داخل المجتمع وغير ذلك من هذه المسائل ولا يقف المؤمن الحسيني ساكتاً امام حالات الانحراف في مجتمعه بل لديه الكلمة يدعو من خلالها الى الله تعالى ويوعي المجتمع بالمعرفة الفقهية والثقافات الاسلامية ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفق شرائطه وغير ذلك من الامور التي تصلح مسيرة المجتمع..  ايضاً مسؤولية اخرى (مسؤولية الموقف) ننتبه اليها لندرس جيداً مسيرة النهضة الحسينية والذين وقفوا طبيعة شخصية من وقفوا مع الامام الحسين والذين خذلوا الامام الحسين (عليه السلام) نجد ان جوهر وهكذا تعلمنا النهضة الحسينية ان الاسلام ليس مجرد عبادات وطقوس تؤدى وليس مجرد شعارات تُرفع وليس مجرد هتافات تصدح بها الحناجر بل الاسلام الحسيني الصادق موقفٌ يقفه المؤمن اذا ما واجهت الامة خطر الانحراف واذا ما داهمت الامّة عواصف التضليل والتجهيل والخطر على الامة الاسلامية صار له موقف.. كثير من الشخصيات الاسلامية التي كانت لها غزارة في العلم وعُمرها وسني عمرها مليئة بالتعبّد والتهجد والذكر لله تعالى لكنه حينما داهم الخطر الاسلام والامة الاسلامية والانحراف والضلال الذي كان يهدد الامة الاسلامية انكفأت تلك الشخصيات في زوايا بيوتهم ووقفوا على التل يتفرجون ولم يكن لهم موقف ينصرون به الامام (عليه السلام)، وهؤلاء ما الذي نستفيده من قول الامام (عليه السلام) : (من لحق بنا فقد استشهد ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح)، ومن خلال دراسة سيرة اولئك الذين خذلوا الامام (عليه السلام) نعرف ان الاسلام والمبادئ الحسينية والنهضة الحسينية تعني ان الانسان الحسيني ليس مجرد ان يؤدي هذه العبادات والطقوس وليس مجرد ان يؤدي شعارات وتصدح بها الحناجر بل الاسلام و النهضة الحسينية موقف يقفه الانسان اذا ما داهم الاسلام خطر عظيم، لذلك من وقف تلك الوقفة الشجاعة والمضحية أمام خطر عصابات داعش وضحى بنفسه أوبذل ماله ذلك الذي ترجم مبادئ النهضة الحسينية، أما الذي يقف في مثل هذه المنعطفات الخطرة والحساسة ويقف موقف المتفرج ويؤثر سلامة دنياه وسلامة نفسه واهله وماله على سلامة دينه ومقدساته واعراض مواطنيه فإنه مهما كان من العبادات ومهما كان من الذكر في الواقع لا يمثل المنهج الحسيني الصادق..  لذلك لابد للانسان ان يعي ما هي تلك المبادئ في النهضة الحسينية وكيف يكون الانسان حسينياً حقاً.. نسأل الله تعالى ان يوفقنا ان نكون من السائرين على نهج الامام الحسين (عليه السلام) وصادقين في ولائنا انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..   حيدر عدنان الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment