من بطل الى رمز للبطولات أبو الفضل العبَّاس

في ذكرى ولادة ابي الفضل العباس بن امير المؤمنين "عليهم السلام" المباركة، نعيش اليوم في أجواء الكرامة والشّهامة التي رسمها مولانا ابي الفضل العباس "عليه السلام" بدمائه الطاهرة، ونعيش الإباء ورفض الظّلم، والتعالي عن الصّغائر، والتضحية في سبيل الهدف الأسمى، وهو رضا الله تعالى.

وفي أجواء نلتقي بالرّجل الكبير الا وهو أبي الفضل العبّاس، هذا الإنسان الذي يقول عنه الإمام جعفر بن محمد الصّادق "عليه السلام" : "كان عمّي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان"[1]

نستنتج من قول الامام جعفر الصادق، كان الامام العباس يتمتع ببصيرة في عقله وقلبه يبصر بها الحقّ ومواطن الإحساس والشّعور والعاطفة أي نفوذ البصيرة هو الذي يؤدي إلى صلابة الإيمان والتسليم لولي الأمر عن وعي وتصديق.

في الوقت نفسه، لم يكن إيمانه أن يهتزّ أمام مواجهة التحدّيات، سواء كانت تلك تحدّيات تمثل الترغيب أو الترهيب،  وهذا ما يؤكده اصحاب المقاتل، ان الشِّمر عندما نادى أين بنو أختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟  بذلك نرى أنّ الامام العباس رفض أن يستجيب للنداء، ولكنّ الإمام الحسين اصر على ان يستجيبوا له قائلا: "استجيبوا له، فإنه بعض أخوالكم، وإن كان فاسقاً.." فقال له العباس : ماذا تريد؟ فقال الشِّمر: أنتم يا بني أختي آمنون ، فقال له العباس :"لَعَنَك الله، ولعن أمانك، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له؟"  نستنتج من ذلك أنّ القضيّة ليست قضيّة أمان، بل ان قضية رسالة نبحث عن حركتها في الواقع. وبذلك كان العباس بن علي "عليه السلام" نموذجاً راقياً في الإيثار ،  وهذا ما  أشار إليها الإمام الصادق "عليه السلام" في زيارته قائلاً":سلام الله وسلام ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والتضحية لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب" وقد اكد الإمام الصادق بهذه الزيارة إلى خصال أربع في فضائل أبي الفضل العباس  وهي التصديق اولاً، والوفاء ثانيا، والتضحية ثالثاً والتسليم رابعا وهذا ما اكده الله "عزوجل" في كتابه الكريم قائلا: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [2]نستنتج من ذلك ان التسليم لله لا يتحقّق بدون التسليم لولي الأمر، بل لا يتمّ الإيمان حتى يتمّ التسليم له . وهذا ما اشار اليه الامام الصادق في زيارته قائلا :" أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين متبعاً للنبيّين"[3]

نستنتج من ذلك ان الله تعالى يؤكد في كتابه "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" [4] من مصاديق هذه الآية المباركة، ان ابي الفضل العباس "عليه السلام"  وهو من هؤلاء الذين نذروا أنفسهم لله، وضحوا بها في سبيل إعلاء كلمته ونصرة دينه، وعاهدوا الله على الوفاء له ولعباده الصّالحين، فقدموا أرواحهم فداءً للرسالة. فسلام عليه يوم ولادته المباركة، ويوم شهادته الخالدة، ويوم يبعث عند ربّ غفور.

جعفر رمضان

 

[1]حسين الشاكري، شهداء اهل البيت "عليهم السلام" قمر بني هاشم ،(النجف: مكتبة اهل البيت "، ص31.

[2] سورة النساء ، الآية  65.

[3]محمد باقر المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (طهران: احياء الكتب الإسلامية)،ج 98 ، ص 218.

[4] سورة الاحزاب ، الآية 23.

المرفقات