316 ــ عبد المطلب الحلي (1282 ــ 1339 هـ / 1865 ــ 1920 م)

عبد المطلب الحلي (1282 ــ 1339 هـ / 1865 ــ 1920 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (57) بيتاً:

بـأبـي أفـدي وجوهاً مـنـهمُ      صافحوا في (كربلا) فيها الصِّفاحا

أوجهاً يشرقنَ بـشـراً كـلّما      كـلـحَ الـعـامُ ويـقـطــرنَ ســمــاحــا

تتجلّى تحتَ ظلماءِ الوغى      كـالـمـصـابـيـحِ الـتـمـاعــاً والتماحا (1)

ومنها:

واكـتـسـتْ بـرداً من الهيبةِ قد      ردّ عـنـهـا نـظـرَ الـعـينِ التماحا

لو تراها يومَ أضحتْ بالعرى      جـزعـاً تـنـدبُ رحـلاً مُـسـتـباحا

حيثُ لا من هـاشـمٍ ذو نـخوةٍ      دونها في (كربلا) يدمي السلاحا

وقال من قصيدة في رثائه (عليه السلام) أيضاً من قصيدة تبلغ (64) بيتاً:

يا له عقداً جرى في (كربلا)      بـجـزيـلِ الأجـرِ لـم يـعقبْ خسارا

أقدموا في حيث آسادِ الشرى      نكصتْ عن موكبِ الضربِ فرارا

وتـدانـوا والـقـنـا مُـشــرعــةٌ      يـتـلـمـظـنّ إلـى الـطـعـنِ انـتـظارا (2)

ومنها:

فـلـقـد أضـرمَ قــدمـاً فـتــنــةً      (كربلا) منها غدتْ تصلى شرارا

قلْ له عن ذي حشاً قد نفذتْ      أدمـعـاً سـالَ بـها الوجـدُ انـهـمـارا

يـا رســولَ اللهِ مـا أفـضعها      نـكـبـةً لـم تـبـقَ لـلـشـهـمِ اعـتـذارا

ومنها:

كـم لـكـمْ حـرُّ دمٍ فـي (كربلا)      ذهـبـتْ فـيـه الـمـبـاتيرُ جُبارا

يـومَ ثـار اللهِ فـي الأرضِ بــه      آلُ حربٍ أدركتْ بالطفِّ ثارا

والذي أعقبَ كسراً في الهدى      ليسَ يلقى أبدَ الدهـرِ انـجـبارا

الشاعر

السيد عبد المطلب بن داود بن مهدي بن داود بن سليمان (الكبير) الحلي، أديب وشاعر من أعلام النهضة الأدبية في العراق ولد في الحلة من أسرة تعد من أهم الأسر الأدبية وقد أسست مدرسة أدبية كان عميدها جدها الأكبر السيد سليمان الكبير الذي عُرفت باسمه كما عُرفت بآل شهاب وقد تفرع منها كبار شعراء العراق وعلى رأسهم الشاعر الكبير حيدر الحلي عم السيد عبد المطلب وأستاذه في الشعر.

نهل الحلي من آداب هذه الأسرة وخاصة عمه السيد حيدر الحلي الذي كان يعده مثله الأعلى في الشعر وكان إلى جانب حفظه ودراسته للشعر يعمل في الزراعة ويلتزم الأراضي الأميرية من الحكومة وكان عمله هذا يدرّ عليه ربحاً وفيراً لكن الحال لم يبق على ما هو عليه فتراجعت حالته المادية وأصبح معدماً بسبب شحّة المياه التي كان يسقي أراضيه بها فعرضت الحكومة ممتلكاته للبيع ومن ضمنها داره فاشتراها السيد محمد القزويني وأرجعها إليه.

وكان لموقف العلامة أبي المعز معه ما سجله التاريخ بأحرف من نور فقد سانده يوم أن عز المساند (3)

هاجر الحلي إلى النجف بعد جفاف نهر الحلة سنة 1906 وانضم إلى دعوة السيد محمد كاظم الخراساني في الحياة الدستورية في إيران وأصبح شاعرها فانضم لدعوته وصار شاعرها ثم رجع إلى الحلة لكنه لم يلبث طويلا حتى سافر إلى البصرة وانضم إلى حركة السيد طالب النقيب (4) وكان يهاجم العثمانيين، ولما هاجم القائد التركي عاكف الحلة وخرب دورها كان من ضمنها دار الحلي.

وعندما احتل الإنكليز بغداد اعتزل الحلي الحياة السياسية وأقام في قرية بيرمانة في الحلة والتي كان له فيها بعض الأملاك حتى وفاته فحمل إلى النجف الأشرف ودفن فيها (5)

قال عنه الخاقاني: (امتاز رحمه الله بظواهر بارزة فيه منها كونه يحفظ شعره كله دون أن يفقد منه بيتا واحدا ويستحضره عند اللزوم ومن الصعب أن يتأتى لغيره ذلك، وكان يحفظ من شعر عمه السيد حيدر أكثره، كما يحفظ معظم شعر مهيار الديلمي وأكثر نتاج شعراء الحماسة لذا تراه جريئا في روحه، رصينا في أسلوبه، محكما في ديباجته) (6)

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (شاعر معاصر ضخم الألفاظ جزلها حر المعاني فحلها أديب شاعر شريف النسب، عالي الحسب، رقيق النظم طيب النفس، ظريف المعاشرة، لطيف المحاورة وهو الذي جمع ديوان عمه السيد حيدر الحلي ونشره) (7)

قال عنه السيد جواد شبر: (علم من أعلام الأدب، كريم الحسب والنسب ... تجد مسحة حيدرية على شعره اكتسبها منه). (8)

ويقول عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي: (كان فصيح البيان جري اللسان كثير الحفظ ذكي الخاطر خصب القريحة مرهف الحس، كان يعرض شعره على عمّه في حياته ورثاه بعد وفاته بثلاث قصائد ...) (9)

وقال عنه الشيخ محمد الجواد الشبيبي: (إن عبد المطلب من النوادر الأفذاذ القليلي العديد والنديد، لا في زمانه فحسب بل بكل زمان ولا في مكانه فقط بل بكل مكان...) (10)

وقال عنه الشبيبي أيضاً: (خاض المعارك السياسية وكان صوته يجلجل بشعره وخطبه داعياً لجمع الكلمة والوحدة الإسلامية وأثار حماسة العشائر الفراتية بنظمه باللغتين الفصحى والدارجة حتى أحرقت داره بعد ما نهبت، وهذه قصائد الوطنية المنشورة يومذاك في صحف بغداد تشهد بذلك). (11)

وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (من بيت طاهر النعمة، وشعره في الطبقة العالية من الجزالة والرقة، عاشرته وحاضرته فرأيته الطيب النفس، الظريف المعاشرة ...) (12)

وقال عنه عبد العزيز البابطين في معجمه: (اشتهر بقدرته على حفظ الشعر، فكان يحفظ شعره وشعر غيره. عرف بجرأته الفكرية).

تأثر السيد عبد المطلب بعمه السيد حيدر كثيراً ويتضح ذلك من خلال رثائه له بثلاث قصائد أعرب فيها عن حبه وتبجيله له كما جمع ديوانه ووضع له مقدمة وافية طبعت مع الديوان، كما جمع ديوان جده السيد مهدي في جزأين كبيرين ومن أبرز آثار السيد عبد المطلب شرح ديوان مهيار الديلمي بثلاثة أجزاء، ويعد هذا الشرح من أفضل شروح ديوان مهيار. (13)

شعره

قال السيد جواد شبر بعد أن يستعرض نماذج من شعر الحلي: (وشعره بهذا المستوى العالي سواء نظم في السياسة أو في الغزل أو المدح والرثاء) (14)

قال من قصيدته التي قدمناها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (57) بيتاً:

أرخصوا دونَ ابنِ بنتِ المصطفى      أنـفـسـاً تـاقـتْ إلــــى اللهِ رواحــــا

فـقـضـوا صـبـراً ومـن أعـطـافـهمْ      أرجُ الـعـزِّ بـثـوبِ الـدهــرِ فـاحــا

لـم تـذقْ مـاءً ســـوى مـــنـــبــعثٍ      مـن دمِ الـقـلـبِ بـه غـصَّتْ جراحا

أنـهـلـتْ مـن دمِــهــا لـــــو أنّـــــه      كان من ظامي الحشا يطفي التياحا

أعـريـتْ فـهـيَ عـلـى أن تــرتـدي      بـنـسـيـجِ الـتـربِ تـمـتـاحُ الـرياحا

وتـبـقّــوا أجــــدلاً مـــــــن عــــزِّهِ      لـسـوى الـرحمنِ لم يخفضْ جناحا

يـتـلـقّـى مـرسـلَ الــنـبــلِ بــصـــد     رٍ وسـعَ الـخـطبَ وقد سدَّ البطاحا

فـقـضـى لـكـن عــزيـــزاً بــعــدما      حـطـمَ الـسـمـرَ كـمـا فـلَّ الصِّفاحا

ثـاويـاً مـا نـقـمـتْ مـــنـــه الــعِدى      صـرعـةٌ قـد أفـنتِ الشعرَ امـتداحا

ونـواعـيـهـا مـدى الـدهـرِ شـجــىً      يــتـجـاوبــنَ مــســــاءً وصــبـاحـا

وآ صــريـعـاً نـهـبـتْ مـنـه الـظبا      مـهـجـةً ذابـتْ مـن الـوجـدِ الـتـياحا

يـتـلـظـى عـطـشـاً فـوق الـثـــرى      والـروى مـن حـولِـه سـاغ قِـــراحا

هـدمـوا فـي قـتـلـه ركـنَ الـهـدى      واسـتـطـاحـوا عـمـدَ الـديـنِ فـطاحا

بـكـتِ الـبـيـضُ عـلـيــه شـجـوها      والـمـذاكـي يـتـصـاهــلـــــنَ نـيـاحا

أيّ يــومٍ مــلأ الــدنـيـا أســـــــىً      طـبّـقَ الـكـونَ عـجـيـجـاً وصِـيـاحا

يـومَ أضـحـى حـــرمُ اللهِ بــــــــه      لـلـمـغـاويـرِ عـلـى الــطـفِّ مُـبـاحا

وقال من الرائية التي تبلغ (64) بيتاً وقد قدمناها:

أيـقـظـتـه نـخــوةُ الـعـزِّ فــثــارا      يــمـلأ الــكـونَ طـعـانـاً ومـغــارا

مُـسـتـميتاً للـوغى يـمشي عـلـى      قـدمٍ لم تشـكِ في الـحـربِ عـثـارا

يـسـبـقُ الـطـعـنةَ بالـموتِ إلــى     أنفـسِ الأبـطالِ فـي الروعِ ابتدارا

ســاهـراً يـرعـى ثـنـايــا عـــزِّهِ      بـعــيـونٍ تـحـتـسي الـنـومَ غـرارا

مفرداً يحمي ذمارَ الـمـصطـفى      وأبـيِّ الـضـيـمِ مـن يحمي الذمارا

منتـضٍ عزماً إذا الـسـيفُ نــبـا      كان أمضى من شبا السيفِ عرارا

ثـابـتٌ إن هــزَّتِ الأرضُ بـــه      قـالَ قِـريّ تـحــتَ نـعـلـيَّ قــــرارا

طـمعتْ أبنـاءُ حـربٍ أن تــرى      فـيـه لـلـضـيـمِ انــعـطـافاً وانكسارا

حـاولـتْ تـصــطـادُ منه أجـدلاً      نـفـضَ الـذلَّ عـلــى الـوكـرِ وطارا

ورجـتْ لـلـخـسفِ أن تـجـذبــه      أرقـمـاً قـد ألـفَ الــعــزَّ وِجــــــارا

كـيـفَ يعطي بـيـدِ الـهـونِ إلـى      طـاعةِ الرجسِ عن المـوتِ حِـذارا

فـأبــــى إلا الـــتـي إن ذكــرتْ      هـزّتِ الـكـونَ انـدهــاشاً وانذعـارا

تـخـلـقُ الأيــــامُ فــي جـدّتِــهــا      وهـيَ تـزدادُ عـــلاءً وفـــخــــــارا

فـأتـى مـن بـأسِــهِ فـي جـحـفـلٍ      زحـفُـه سـدَّ عـلـى الـبــاغي القفارا

وليوثٌ من بـنـي عـمرو الـعلى      لـبـسـوا الـصـبرَ لدى الـطعنِ دثارا

كلُّ مـطـعامٍ إذا سـيــلُ الـقِــرى      يـومَ مـحـلٍ نَـحـرَ الـكــومَ الـعشارا

وطـلـيـقِ الوجهِ يندى مـشـرقـاً      كــلّـمـا وجـهُ الـسـمـا جـفَّ اغبرارا

هوَ تربُ الـغيثِ إن عـامٌ جـفـا      وأخــو الـلـيـثِ إذا مـا الــنـقـعُ ثـارا

أشعروا ضـربـاً بـهــيـجاءٍ غدا      لـهــمُ فـي ضـنـكِـهـا الـموتُ شعارا

غامـروا فـي الـعزِّ حتى عبروا      لـلـعــلـى مـن لـجـجِ الـموتِ غمارا

وعلى الأحسابِ غاروا فقضوا      بـالـظــبا صبراً لدى الهيجا غيارى

فـقـضـوا حقَّ المعالي ومضوا      طاهـري الأعراضِ لم يدنسنَ عارا

قـصـرتْ أعـمـارُهـمْ حين غدا      لهمُ الــقـتـلُ عـلـى الـعـزِّ قـــصـارا

عقدوا الأخرى عـلـيـهـمْ ولـهـا      فـارقـــوا الـدنـيـا طـلاقـاً وظــهـارا

جـعـلـوا أنـفـسَـهــمْ مـهـراً لـها      والـــرؤوسَ الـغـالـبـيـــاتِ نــثـــارا

والـمـصـابـيـحَ التي تجلى بـها      صـيَّــروهـنّ رمــاحــاً وشــفـــــارا

يا لـه عـقـداً جرى فـي كربـلا      بـجـزيــلِ الأجـرِ لـمْ يـعـقبْ خسارا

أقدموا في حيثِ آسادُ الشـرى      نكصــتْ عن موكبِ الضربِ فرارا

وتـدانـوا والــقــنـا مُـشـرعـة      يـتـلـمَّـــظـنّ إلـى الـطـعـنِ انـتـظـارا

بـذلـوهـا أنــفــســاً غـالــيـــةً      كـبـرتْ بــالـعزِّ أن ترضى الصغارا

أنـفـسـاً قـد كضّها حرُّ الظما      فـأسـالـوهـا عـــلـى الـطـعـنِ حـرارا

تـاجـروا للهَ بــهـا فـي ساعةٍ      لـم تـدعْ فـيـه لـــذي بـيـعٍ خـيــــــارا

وقال من مرثية حسينية أخرى تبلغ (77) بيتاً:

لـتـبـقَ الـظـبـا مـغـمـودةً آلَ هـاشمٍ      فما هــــيَ بعدَ الطفِّ منها لقائمِ

وتلقي القنا منزوعةَ النصلِ عن يدٍ      ســــتقـرعُ منها حسرةَ سنَّ نادمِ

وتخلي صدوراً مِن مجامعِ فخرِها      وتعـري ظهوراً للجيادِ الصلادمِ

فـــما هيَ مِن بعدِ الحسينِ لضربةٍ     بها تضربُ الأمثالُ عندَ المواسمِ (15)

..........................................................

1 ــ شعراء الحلة ج 3 ص 213 ــ 216

2 ــ نفس المصدر ص 216 ــ 219

3 ــ نفس المصدر ص 196

4 ــ نفس المصدر ص 198

5 ــ نفس المصدر ص 202

6 ــ نفس المصدر ص 197

7 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 324

8 ــ أدب الطف ج 8 ص 332

9 ــ البابليات ج 4 ص 40

10 ــ نفس المصدر والصفحة

11 ــ أدب الطف ج 8 ص 335

12 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 563

13 ــ شعراء الحلة ج 3 ص 198

14 ــ أدب الطف ج 8 ص 335

15 ــ شعراء الحلة ج 3 ص 227 ــ 230

كما ترجم له:

السيد حسن الأمين / مستدركات أعيان الشيعة ج 1 ص 106

محمد مهدي البصير / نهضة العراق الأدبية ص 343

الدكتور سعد الحداد / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 311

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار