جمالية السطوح الخزفية .. التقنيات والتنفيذ

تعد حرفة الفخار من أقدم الحرف الفنية والصناعية اذ تعتمد بشكل اساس على تشكيل الطين في هيأة مشغولات نفعية ثم حرقها لتكتسب الصلابة ، حيث يؤكد كثير من الباحثين في هذا المجال  أن حرفة الفخار ترجع إلى ما يقارب سبعة آلاف سنة قبل الميلاد ، فيما بعض منهم  إلى أنها ظهرت قبل ذلك بكثير، وقد انتشرت تقنية الفخار في معظم بلدان الشرق الأوسط القديم ، وكانت أشكال تلك المشغولات تكاد تكون بدائية وبسيطة جداً و مصنوعة من طين خشن غير مصفى من الشوائب ، ليقاوم عمليات التجفيف والحرق البدائية ، أما لون تلك المشغولات بعد الحرق فقد كان غير متجانس وذلك لملامسة بعض أجزاء الأشكال للوقود الخشبي أثناء الحرق ، الأمر الذي كان يلطخها باللون الأسود في بعض أجزاءها .

 ومع تطور هذه الصناعة عبر الحقب الزمنية المتعاقبة  توصل صانعو الفخار إلى معجزة الطلاء الزجاجي ، وهو الطلاء الذي يعطي الآنية سطحاً زجاجياً مصقولاً غير مسامي بعد الحرق الثاني لتسمى هذه المشغولات بالخزفيات .

مع انبثاق الدولة الإسلامية واتساع رقتها الجغرافية منح الخزاف دفعة قوية عززتها عقيدة الإسلام مما أدى إلى تطور هذا الحقل تقنياً وفنياً وجمالياً ، فقد لعبت طبيعة العقيدة الإسلامية وقيمها السماوية في العدالة والمساواة بين بني البشر وممارسة حرية العمل وتنقل المسلمين وغير المسلمين بين البلدان دوراً مهما في إظهار ملامح فنية ذات خصوصيات قومية في كل مجالات الإنتاج الفني والصناعي ومنها صناعة الخزف ، والتي تبلورت ونضجت تجربتها الإبداعية بتداخل أعتمد خبرات وتجارب الحضارات القديمة في بلاد الرافدين ومصر ، مضافاً لها الإرث الفني المكتسب من حضارة الشرق الاقصى في الهند والصين واليابان  وبلاد فارس حيث أستطاع الفنان المسلم بذكاء استثمارها إلى أن أفرزت خصوصية حضارية تتناغم مع روح العقيدة والتي أطلق عليها المختصون مصطلح فـن وتقنيات الخزف الإسلامي .

حقق فن الخزف فكرة الحضارة الإسلامية في جوانب عديدة ، إذ أن روح الإسلام السمحة لا تتماشى واستخدام خامات غالية الثمن مثل الذهب والفضة ، ولذلك أقبل الفنانون المسلمون على فـن الخزف إقبالاً عظيماً واستطاعوا أن ينتجوا خزفاً على مستوى عالٍ من حيث القيمة الفنية ولم يكتفوا بذلك، بل وصلوا إلى أن يكون إنتاجهم الخزفي يصلح من حيث الفخامة والجمال لأن يكون بديلاً لأواني الذهب والفضة باستعمالهم لتقنية تسمى بالبريق المعدني  والتي تُعد صفة أنفرد بها الخزف الإسلامي .

شمل إنتاج الخزف جوانب متعددة أمام احتياجات الناس اليومية سواء كانت هذه الاحتياجات عامة أو خاصة فقد صنع الفنان المسلم بلاطات الخزف على أشكال مختلفة ليكسو الجدران وكذلك بعض المحاريب والفناجين والأقداح والكؤوس والصحون والأكواب والقوارير والأباريق والمسارج .

وتعددت أنواع الخزف الإسلامي في أشكالها وطريقة معالجتها وأنواع الزخارف بشكل ليس لهُ نظير ، ولا تعود أهمية الخزف الإسلامي إلى تقنياته فحسب بل وبشكل رئيسي إلى رسوماته التي تختصر جمالية الفـن الإسلامي ومن أهم هذه الأنواع :-

1. الفخار والخزف ذو الزخارف البارزة

وفيه تنفذ وترسم العناصر الزخرفية المكونة للمشهد التصميمي بارزة عن المستوى الأصلي لسطح القطعة الخزفية ، ويتم أما باللصق مباشرة باستخدام المستحلب الطيني بتخديش السطح الطيني اللين أو باستخدام القمع ، وأحياناً تستخدام أشكال قالبيه لخلق وحدات تصويرية متشابهة أو باستخدام حفر قليل البروز ، ثم يطلى بطلاءات متعددة الألوان على أرضية البطانة الناصعة البياض أو قد تكون ملونة بألوان أخرى فاتحة .

2. الخزف ذو الزخارف المحفورة

وتتكون المشاهد التصويرية في هذا النوع من الخزف بعدة طرق منها ما يكون حفرا بسيطاً ويسمى ( بالحز) ،

والاخر حفرا عميقا يكون بإزالة كمية من الطين من على السطح الخزفي بوساطة آلة حادة ،ويتم الحز على الطينة المشكلة بمراحل جفاف عديدة بعد أن تطلى بطبقة من المستحلب الطيني ومن ثم الحز عليه للحصول على تغايراً لونياً جراء ظهور الطينة الأصلية .

3. الخزف المرسوم تحت الزجاج أو فوق الزجاج

و يمتاز هذا النوع من الخزف أن جميعهُ مطلي بطبقة من البطانة ذات اللون الفاتح ، الأبيض أو الأزرق أو الأخضر الباهت ، ثم تأتي الزخارف ذات اللون الواحد التي تكون عادةً داكنة السواد ، أو كحلية أو بنية داكنة ، والنوع الآخر الذي يدخل ضمن نطاق الرسم تحت الزجاج هو الخزف الذي سمي بالخزف الازرق والأسود .

أما عن الزخارف التي استعملت في الخزف المرسوم تحت الطلاء ، فتمتاز بقرب العناصر النباتية المكونة للمشهد التصويري والتي تحمل لونا واحد من الطبيعة إلى حد كبير ، وفي كثير من الأحيان تقتصر المشاهد التصويرية على عنصر كتابي واحد مرسوم بأسلوب زخرفي ، وكانت ترسم في الغالب على بطانة بيضاء ، لإظهار الألوان المرسومة بدرجة لونية صريحة إضافة إلى توضيح العناصر الزخرفية المرسومة ، ويكون الخزاف المسلم بذلك قد أخترع تقنية البطانة البيضاء المشابهة للخزف الصيني .

4. الخزف الأبيض والأزرق

يعد هذا النوع من أجود أنواع الخزف من حيث المادة الخام ، ويحتوي على مشاهد تصويرية زرقاء مرسومة على أرضية بيضاء تحت الطلاء الزجاجي الشفاف ، وهذه الرسوم جاءت متأثرة إلى حد كبير بالأسلوب ألزخرفي الصيني  ، إذ أن التأثير الصيني بدأ يظهر واضحاً في أغلب الخزف الإسلامي منذ القرن السادس عشر .

5. الخزف المبقع والمخطط 

ويحتوي على عدة ألوان تأتي موزعة على السطح الخزفي الأبيض على شكل أشرطة متجاورة شعاعيه تنطلق من مركز الإناء أو منتشرة على شكل بقع ، وتغلب على ألوانه الأخضر المزرق والأصفر الداكن أو تأتي البقع الزرقاء منتشرة على السطح الخزفي وقد تكون صفراء بنية أو خضراء وأحياناً يتم تلوين السطح الخلفي للإناء .

6. خزف البريق المعدني

من أهم ما أمتاز به الخزف الإسلامي البريق المعدني ، وكان أول ظهور هذا النوع من الخزف في العصر العباسي ، وقد صنع هذا الخزف من صلصال أصفر نقي يغطى بطبقة غير شفافة من ألمينا القصديرية ترسم عليها المشاهد التصويرية بالأكاسيد المعدنية بعد تسويتها للمرة الأولى ، ثم تسوى مرة ثانية تسوية بطيئة في درجة حرارة أقل من الأولى وعندئذ تتحول الأكاسيد المعدنية باتحادها مع الدخان إلى طبقة معدنية رقيقة جداً ويصبح لون البريق المعدني أما ذهبياً وأما يكون كإحدى درجات البني أو الأحمر حسب التركيب الكيميائي لنوع   الدهان .

أما عن المشاهد التصويرية التي وجدت على البريق المعدني فهي قد جاءت بقوام متجانس من الزخارف النباتية المحورة غير المتقنة وقد ملئت ـ الزخارف النباتية ـ بنقط مطموسة وفروع ملتوية تملأ أرضية السطح الخزفي كلهُ منتظمة تارة وغير منتظمة تارة أخرى ، في حين رسمت المشاهد التصويرية الآدمية والحيوانية بأسلوب تجريدي تعبيري بحت ، كما تميزت نماذج القرن الثالث الهجري باختصار مشاهدها التصويرية على المفردة الهندسية والنباتية المجردة والتكوينات الحروفية البسيطة ذات التعبيرات القوية .

 

جمع وتحرير

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات