الوحدة .. السيادة ..الحركة ..الإيقاع ..الانسجام ..التضاد والتوازن ، مبادئ تتجمع برتابة ليعتمدها الفنان المسلم في تنظيم العناصر الفنية للصورة الاسلامية ، فكل عنصر فني لابد له من أن يؤلف مفردة ضرورية في المعنى الوظيفي أو التعبيري الجمالي الذي يهدف الفنان المسلم في الوصول اليه من خلال منجزاته الفنية المختلفة .
ولنستطيع ان ندرك دلالات وخصوصيات الاعمال الفنية الاسلامية بشتى انواعها والوانها الفنية لابد من محاولة فهم آليات عمل الفنان الابداعية ولو الشئ اليسير منها ، وهذا لا يكون بدون الاطلاع على المبادي الاساسية المعتمدة في تنظيم العمل الفني الاسلامي " المذكورة انفا " ليكون كلا متكاملا مؤثرا في نفس المتلقي ومتناغما وروح الحيز المكاني الذي تشغله ، وهنا في هذه الدراسة سنتطرق الى محاولة فهم مبدأي الوحدة والسيادة وبشكل مبسط ، ومن الله التوفيق ..
اما الوحدة فهي تعبير واسع يشمل عناصر متعددة منها وحدة العمل الفنى ووحدة الاشكال ووحدة الأسلوب الفني ووحدة الهدف والفكرة أو الغرض من العمل الفني ، ولا تعني الوحدة بان تكون أجزائها متشابهه بل أن تنجح في أن تكون متماسكة كعمل فني متكامل ذي جاذبية للمشاهد .
فمثلاً نجدالوحدة في بنية المجز الفني الإسلامي قد تمثلت بتآلف واجتماع كل الخصائص الفردية أو العناصر التكوينية في العمل ، من اجل إحداث تلخيص فني موحد ، بمعنى ان الوحدات الزخرفة والمعمارية في المشهد الواحدة على سبيل المثال، ترتبط ببعضها البعض من جهة وبعضها مع الكل من جهة اخرى ضمن التكوين الكلي العام للوحة الفنية لتصبح لها وحدة مترابطة في الشكل والأسلوب والهدف فضلاً عن وحدة الفكر الديني " المبتغى لدى الفنان المسلم " ، فقيام الفنان المسلم بإيجاد صلة جوهرية بين أجزاء التكوين الفني ما هي إلا إشارة الى فكرة وحدة الوجود وهذا ما يفسر حضور لفظ الجلالة في دور العبادة على العناصر المعمارية والزخرفية من قباب ومنائر ومنابر وما الى ذلك ، لتظهر الوحدات في بنية الصورة الإسلامية التكوينية كلا متماسكاً ، ليقترب الفنان بنتاجه من جوهر الفن الإسلامي وهو المطلق اللامتناهي " الله جل وعلا " ، من خلال طرحه لمفردات زخرفية ذات أشكال مجردة ومتخيلة ضمن وحدة تكوينية تدرك بالبصر والبصيرة على حد سواء .
فالوحدة الجمالية التي نجدها بين مفردات الفنون الاسلامية الإسلامية ، لا تتحقق إلا في حالة وجود تلاؤمٍ بين أجزاء تكوين الصورة في نظام يتبناه الفنان كأسلوب ، وهذا النظام قد يكون بسيطاً أو معقداً حسب نوع التكوين والأسلوب الفني المتبع على أساس خبرة الفنان وتراكمه المعرفي والديني ومن أبسط الطرق لانتاج الوحدة في الفن الاسلامي هي استعمال العناصر المماثلة أو المتطابقة بالتكرار ليبتعد فيها الفنان المسلم عن مطابقة الواقع الى استدعاء سلسلة من الدلالات التي تتعمق لتصل إلى بناء صورة مصغرة عما يجول في خاطره عن العالم ككل ، ونجد هذا جليا في في النقوش والزخارف التي تعم المساجد والمزارات الدينية المقدسة .
أما السيادة فنجد ان بنية التكوين الفني للصورة الاسلامية تتطلب من خلاله وحدة في الشكل كأن تسود خطوط ذات اتجاه أو طبيعة معينة أو مساحات زخرفية ذات شكل أو ملمس أو حجم أو لون معين ، أي ان يكون هناك مركز سيادة في الصورة يمثل الثقل الاكبر في العمل الفني ، الذي قد يتمثل بشكل انسان أو غيره من المرئيات او قد يمثل قبة تحيط بمساحة مربعة تمثل مسجد فتكون القبة مركزاً لأجزاء المسجد والقبة كرمز للامتناهي .
ومن الجدير بالذكر ان الفنان المسلم لم يتوقف عند وحدات اللوحة في جعل احداها هي مركز السيادة ، بل تعدى ذلك الى جعل فضاء اللوحة يمثل مركز السيادة في بعض صوره الفنية المميزة ، فنجد انه قد استعان بالتسطيح والتركيب في صياغة بعض وحدات التكوينات الزخرفية ذات العناصر النباتية والآدمية والكتابية ، فنرى هذا جليا بأعطاء السيادة الكاملة للوحدات الزخرفية ذات العناصر النباتية على أغلفة نسخ القرآن الكريم عن بقية العناصر الزخرفية الأخرى ، أو قد تعطي سيادة للعناصر الكتابية وخاصة التي تحوي نصوصاً قرآنية ، فنراها قد احتضنتها الزخارف الهندسية من كل جانب ، كما في التكوينات الزخرفية التي تغطي بعض مداخل وسقوف المراقد المقدسة والمساجد والقباب والمآذن التي تعلوها . ... يتبع ...
جمع وتحرير
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق