فن المرايا من الفنون الاسلامية التي تستعمل بشكل واسع في تزيين بيوت الله والأضرحة الدينية المقدسة ، وايضاً في تزيين سقوف وجدران كثير من المشاريع الهندسية المعمارية الكبيرة .
يعمد الفنان في هذا المجال على تقطيع المرايا الى قطع صغيرة وكبيرة وبأشكال وهيئات متنوعة ومن ثم يقوم بتثبيتها في اماكنها المخصصة وحسب تصميمها المعد مسبقا لينتج من تراصفها وتجاور قطعها فضاء مشع نتيجة انعكاس النور وبزوايا مختلفة .
المصورة اعلاه تمثل جدارية من قطع المرايا المثبتة على احد الجدران الداخلية للحائر الشريف لضريح المولى ابي الفضل العباس ( سلام الله عليه ) ، وهي مزينة بزخرفة هندسية قوامها ، قطاعات هندسية مثلثة ومعينية الاشكال والأضلاع ، ناتجة من تشابك خطوط مستقيمة تنطلق من نقطة مركزية وسط الجدارية تتمثل بشكل نجمي مميز .
يمتاز التكوين العام لهذا التصميم باحتوائه على نقطة زخرفية رئيسة مركزية ذات صفات متميزة ، إذ عمدَ المصمم على توزيع الاشكال المنتظم للخطوط المتقاطعة المكونة للأشكال الزخرفية الصغيرة الممثلة بالأشكال الهندسية المذكورة انفا والموزعة على فضاء التصميم , وهذا بطبيعته جعل التصميم يمتاز بإيقاع حركي تتبعه عين المتلقي باتجاهات شتى .
ومن جانب آخر تظهر الخطوط بطابع هندسي انكساري ومستقيم في عموم التصميم ، من خلال الحدود الخارجية للوحدات الزخرفية ، وباتجاه أفقي يوحي بالثبات والاستقرار وآخر مائل يوحي بحركة تصاعدية وتنازلية ، فضلا عن التوازي والتشابك الحاصل بين الخطوط الذي يعطي العمل التصميمي صفة التماسك والروعة .
في حين تنتشر بعض التكوينات من الاشكال المذهبة ذات الطابع الهندسي المنتظم بين ثنايا فضاء التصميم ، وعلى الرغم من اختلافها الشكلي او المادي ، فهي تبدو مرتبطة مع بعضها البعض وباقي الاشكال الاخرى بطريقة تمنع التنافس فيما بينها بل تبدو اكثر تكاملا معها .
وبفعل الملمس الناعم واللون لحيادي السائد للخامات المستخدمة في هذا التصميم ، فقد اكتسب قيماً ضوئية ساطعة تمتاز باللمعان ، عدا الحدود الفاصلة بين الوحدات الزخرفية ذات اللون الأزرق والتي تظهربقيم ضوئية معتمة.
بينما يظهر واضحاً عنصر الحجم والتجسيم بفعل تقنية لصق المرايا بزوايا مختلفة ، خاصة في الاشكال الهرمية الذهبية والتي تظهر أكثر بروزا على فضاء التصميم .
وعلى الرغم من التنوع الحاصل في اتجاه الوحدات الزخرفية على فضاء التصميم , إلا إنها مع بعضها البعض اتخذت اتجاها عاماً وبشكل متعارض نتيجة التنوع الحاصل في حركة الخطوط الفاصلة بين الوحدات الزخرفية ،والتوزيع الانتشاري على فضاء التصميم الذي يوحي بحركة متموجة .
أما الفضاء فيظهر بشكل منتظم نتيجة التوازن المحوري الحاصل في توزيع الوحدات الزخرفية على محيط المركز ذي الشكل النجمي ، وهذا بطبيعته جعل التصميم يكتسب نظاما واستقرارا في اندماج أجزائه وتأكيد خصائصه المظهرية المنطلقة من مركز محدد .
في حين يمتاز التصميم بشكل عام بالتناسب نتيجة التباين الحاصل في أبعاد وقياسات الوحدات الزخرفية ، والتي تظهر أنها تسير على وفق أنظمة رياضية محكمة من التناظر والتقابل والتجاور .
كما يمتاز بصفة الاستمرارية واللانهائية ، بفعل التكرارات المتنوعة التي تظهر بشكل متعاكس نتيجة التقابل والتجاور المتعاكس بين الوحدات الزخرفية ، وايضاً التكرار المتناوب الحاصل بفعل التوزيع المنتظم للوحدات الزخرفية واتجاهاتها المنطلقة من المركز ، والتي تبدو متكررة بدون قيد وفي جميع اتجاهات الفضاء التصميمي .
أما الانسجام فقد حققه المصمم من خلال الأسلوب المتبع في التنفيذ المعتمد على لصق المرايا بزوايا مختلفة والبنية الهندسية المحكمة للوحدات الزخرفية ، ولا يخفى ما للعلاقات المتوازنة بين المساحات التي تشغلها الوحدات الزخرفية المتوافقة شكليا على فضاء التصميم ، ليكون المصمم قد حقق بذلك كل المواصفات و السمات الجمالية المطلوبة بالأعمال الفنية الاسلامية .
ومن الجدير بالذكر فأن المرآة والماء بصفاته الانعكاسية يرمزان في كثير من الثقافات الشرقية الى النقاء والنور والصدق والمحبة ، وان استعمال المرآة لتزيين جدران وسقوف العمائر الاسلامية ما هو الا وليد هذه الثقافة .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق