أكد الخطاطون على أهمية الحضور الجمالي للحرف العربي والكلمة المقدسة في اعمالهم الفنية التي تعد من أكثر أشكال الفنون الاسلامية قداسة لارتباطها المباشر بدلالة الحروف اللغوية والروحية المقدسة.
فبالحرف العربي تحقق الوجود اللفظي للكون ومنه الى وجوده الرقمي وبهما معا تمت الإحاطة بالكون معرفيا ، حيث تفاعلت ذاكرة المرء ومخيلته ووجدانه ودأبت لنسج شبكة من العلاقات المتوازنة ، وبناء منظومة من الترميزات والدلالات ، يتماهى فيها الظاهر مع الباطن والحاضر مع الغائب وتتعلق فيها تجليات الخالق في الموجودات مع ذواتها ، فاصبح الخطاط العربي متنقلاً بين تلك الحروف بدلالاتها المتنوعة واشكالها المختلفة وهي تحمل معاني جليلة متغايرة نستطيع ان نأتي بذكر اليسير منها وحسب وجودها الهجائي من الالف الى الياء ومن الله التوفيق ..
أول حروفنا العربية هو الألف - وهو اول مرتبة في تقسيم الحروف على العناصر ، وابتدأ به لفظ الجلالة الله ، ويشير بعض الفلاسفة والنحويين الى ان الألف أول الحروف واعظمها وهو الاشارة الى الله الذي الف بين الاشياء وانفرد عنها ، والألف اشارة للتوحيد حيث تكمن اهميته لدى المتصرفة في انه مقام ( احد ) أي انه صار حيزاً لوحدة الله المطلقة فالوحدة الالهية هي منبع كل ما في الكون ، وكثيراً ما يحكى في المناقب بان فلاناً لم يتعلم سوى حرف الألف وهو الحرف الأول من الهجائية وبه استغنى عن الاحرف الاخرى لأنه يشتمل على كل شيء .
اما الباء فهو حرف صامت ( بارد يابس ) ، والباء سطح الألف كما ان الألف قائم بالباء والاصل في تشكيل الحروف كلها هي النقطة ، ويعد هذا الحرف من الحروف المقدسة عند أهل المعرفة ، لأنه الحرف الأول في القرآن الكريم ، حيث ابتدأت به البسملة ظناً انها منبع الحروف كلها فالباء " لها حركتها لأنها أول حرف في القرآن .
ويأتي حرف التاء كالباء صامت بارد يابس ، وهو مقرون باسمين مشتقين منه يدعى بهما ( وهي اللهم اني اسألك ياثابت ياتواب ) .
ولو تأملنا حرف الثاء لوجدناه صامتاً ايضاً و يذكر عنه الفلاسفة بأنه يحمل طبع الحياة ( حار رطب هوائي ) وهو في النطق متقارب من حرف التاء مخرجاً ، وهذا الحرف نوراني الشكل بطبعه قريب من الاعتدال وله خواص عجيبة .
اما حرف الجيم فيعد من الحروف الناطقة النورانية المثلثة الشكل في الخط والوجود ، ويعد فلسفياً أول مراتب الحرارة والرطوبة ويقال انه اقرب الى اليبس من الرطوبة لأن رطوبته مائلة الى الحرارة ، وبهذه العلة اقتضى ان يكون له يوم الثلاثاء ، حيث قيل عنه انه ثالث من مرتبة الحروف واول عنصر الهواء أي يبسه غالب على رطوبته وشكله مثلث ، ومن الاسماء المقدسة التي وجد فيها هذا الحرف بعض من اسماء الله الحسنى مثل ( الجبار والجليل ) جل شانه .
وحرف الحاء ياتي من بعده كحرف سلس في الخط صامت بارد مائي ، والاسماء الحسنى التي يدعى بها بهذا الحرف ( يا حي ، يا حكيم ، يا حنان ، يا حبيب ، يا حفيظ ، يا حق ، يا حافظ ) .
ويأتي بعده حرف الخاء وهو ايضاً صامت بارد كحرف الحاء ويعدان كعنصر واحد لكنهما مختلفان في الخواص والنقطة في الكتابة والخط ، وله ايضاً اسماء حسنى يدعى بها مثل نداءنا لله حين الدعاء ( يا خلاق ، يا خالق ، يا خبير ، يا خفي اللطف ) .
اما حرف الدال فهو حرف ناطق دال على العلوم والحكمة وهو منسوب الى الفلك في كوكب (عطارد) وهو بارد ورطب ايضاً .
حرف الذال : حرف ناطق صامت مثل الدال وهو حرف ناري لانه في آخر عنصر الحرارة واليبوسة كما عرف عند الفلاسفة . ومما يدعى بهذا الحرف ( اللهم اني اسألك يا ذا الفضل يا ذا المن والجود ، يا ذا الاحسان ويا ذا الجلال والاكرام ، يا ذا البطش الكبير يا ذا العفو ياذا الصفح ) وما الى ذلك .
وحرف الراء صامت مائي زائد الرطوبة والبرودة ومن اسمائه جل وعلا التي يدعى بها بحرف الراء (اسألك يارحمن ، يارحيم ، يارزاق ) ولقد تم تسمية هذا الحرف لدى الشعراء ومن ثم مجودي الخط بالسكين والخنجر والهلال ، حيث شبهه احد الشعراء بقوله ..
أهو نون اذا يبدو في آخر شعبان ***** أم راء في ابتداء رمضان
ويأتي حرف السين من بعده كحرف ناطق حار رطب ترابي هوائي رطوبته معتدلة ، والاسماء الحسنى التي يدعى بها ( اللهم اني اسألك ياسلام ياسميع .. ياسريع ) ويقارن السين احياناً بالمشط عند الخطاطين للتشابه بينهما .
وحرف الشين من بعده ناطق حار رطب عند العرب يابس عند الهندو اليونان وعند أهل المغرب عكس ذلك فهو رطب وبارد ، وله اسماء حسنى نلتمس فيها الدعاء الى الخالق جل وعلا وهي ( الشكور ، الشهيد والشديد ) .
اما حرف الصاد فهو ناطق يابس طبعه التراب وبرودته زائدة على يبوسته ومن الاسماء التي يدعى بها ( اللهم اني اسألك يا صادق ، يا صبور ، يا صاحب .
وحرف القاف اتى عند البعض ناطق حار رطب يابس ، وقد ابتدأت به اسماء الله تعالى ( القادر ، القوي ، القهار ) وهو أحد رؤوس القوة في الخط والكلام .
و الكاف حرف حار رطب ناطق يقترب من الفرح السرور ، ومن اسماؤه التي يدعى بها ( اللهم اني اسألك يا كبير ، يا كافي ، يا كريم ،
وحرف الكاف هو الكينونة التي تبعث الحياة في كل شيء من خلال قدرة الباري على خلق الاشياء عبر لفظه ( كن فيكون ) .
اما حرف اللام فهو حرف بارد ناطق سعيد ومن سرمده اللطف الخفي واشتقاقه من اسم اللطيف جل جلاله .
وحرف الميم ناطق حار يابس فيه بعض الرطوبة في الخط ومن اسماء الله التي يدعى بها بهذا الحرف ( اللهم اني اسألك يا مالك الملك يا مليك يا مؤمن يا مهيمن يا متكبر، ويعد الميم من الحروف المهمة لدى الكثير ومنهم المتصوفة فالفرق عندهم بين ( أحد ، واحمد ) هو حرف الميم وهو يرمز الى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله .
وايضاً حرف النون هو ناطق بارد يابس فيه بعض رطوبة وليونة في الخط والتشكيل ، ومن الاسماء المقدسة التي يدعى بها بهذا الحرف ( يا نور يا نافع ) .
وحرف الهاء وهو ترابي هوائي فيه بعض الصلابة والخصوصية في الخط ، وهو من اشتقاق اسم الله تعالى هو الله الذي لا اله الا هو .
اما حرف الواو فهو يابس وفيه بعض الرطوبة في الخط لارتباطه بحرف الراء ومرونته في الخط ، والاسماء الحسنى التي يدعى بها ( يا وهاب ، يا واحد ، يا وراث يا ودود يا ولي ) وقد شبه في بعض الرسوم والخطوط التركية بالزورق .
واخيراً حرف الياء وهو آخر حروف الهجاء فهو للنداء وله ارتباط وثيق بالألف لفظاً والتاء رسماً.
هذا غيض من فيض لغتنا العربية وحروفها الجميلة ولنا الحق في عمق افتخارنا بالحرف العربي ورسمه البهي .. وكيف لا وقد شرفه العلي القدير في ان يكون سفر كلامه المنزل على رسول الرحمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويكون معجزته على الخلق وبحروف عربية جميلة ... تلك هي حروفنا العربية .
جمع وتحرير
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق