قال تعالى(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
الحج من العبادات المهمة التي شرعها الإسلام , فهو مصدر عظمة الإسلام, كونه تظاهرة إيمانية كبرى يجتمع فيها المسلمون بكل طوائفهم وقومياتهم وألوانهم, في صعيد واحد وزمان واحد, ويرددون شعارا واحدا , مستجيبين لنداء القرآن الكريم ودعوة رب العالمين, متحدّين كل ما يعترضهم ويمنعهم من أداء هذه الشعيرة المقدسة, يملأ الإيمان نفوسهم, والرضا قلوبهم.
وتظهر آثار وبركات وفوائد الحج على مستوى الفرد والمجتمع, على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي:
1- أما البعد الأخلاقي للحج, فيمثل أهم أبعاده, لأن مراسيم الحج تبعد الإنسان عن متعلقاته المادية والمناصب الاعتبارية, وتلغي الفوارق بين أفراد المجتمع المسلم, فيكتسي حجاج بيت الله لباسا عباديا واحدا, وتظهر على تصرفات المسلم وسلوكه مشاعر الأخوة الإسلامية .
والحج بما يتضمن من أعمال شاقة ومتعبة, فإنه يعوّد الإنسان على الصبر وتحمل مشاق الحياة, وتدفعهم تلك العبادة إلى الاختلاط مع بعضهم وتعارفهم وزرع المودة بينهم, والتحلي بحسن الخلق, والابتعاد عن الخصومة والتكبر, فتتوطد علاقة المسلمين مع بعضهم وتنصقل ملكاتهم الروحية والخلقية .
2- أما البعد السياسي للحج, فيتجلى لجميع الناس حين يظهر الحجاج متوحدين تحت راية التوحيد الإلهي, ويدفع المسلمين, بمقتضى اجتماعهم في مكان وزمان واحد وعبادة واحدة, إلى توحيد صفوفهم, ونبذ التعصب بكل أشكاله المذهبية والعنصرية والقومية, وكل ما يحاول أعداء المسلمين زرعه لتأجيج النزاع والفرقة في صفوف المسلمين, ليدب فيهم الاختلاف والتخاصم والاقتتال, ولأجل ذلك وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بـ (جهاد الضعفاء), إذ يمكن حتى للشيوخ والأطفال والنساء المشاركة في الحج, وإظهار عظمة الإسلام وزرع الخوف في قلوب أعدائهم .
ويستذكر المسلمون, وهم يتنقلون بين المشاهد المكرمة والمشاعر المقدسة, عظمة نبيهم وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) في تشييد الدين والدفاع عنه, وترنو عيونهم إلى صرح الكعبة المشرفة, وتلحظ ذلك الشق الذي انشق منه جدار الكعبة لتدخل (فاطمة بنت أسد(عليها السلام)) وتضع وليدها العظيم أمير المؤمنين (عليه السلام), ويستذكرون تضحيات المسلمين الأوائل حينما يزورون أماكن دفنهم, وتبعث فيهم المعاني السامية من الإيمان والشجاعة والإيثار .
3- وللحج بعد اقتصادي لا يقل أهمية عن سواه, فهو يعمل على تقوية وتنمية اقتصاد البلاد الإسلامية بما يوفره موسم الحج من التنقلات الفعالة والنشطة لحركة رؤوس الأموال في الشراء والبيع والتنقل والسكن والاستثمار وتبادل العملات, وغيرها من مظاهر النمو الاقتصادي, وبالتالي تدفع المسلمين لممارسة أنشطة إنتاجية أكبر في مجال الزراعة والصناعة والتجارة وتنمية الموارد البشرية, بما يؤسس لاقتصاد إسلامي متكامل مستقل عن هيمنة الدول الغربية, وبالتالي يدفع إلى تحرير الاقتصاد الاسلامي من التبعية الأجنبية, إذ يعتبر الاستقلال الاقتصادي عامل محوري في التأثير على الاستقلال السياسي والثقافي والاجتماعي وغيرها .
الكاتب: السيد نبأ الحمامي
اترك تعليق