عاش الامام الحسين عليه السلام ، مرحلة الاعداد الروحي الالهي لتحمل اعباء الامامة ، والرسالة والهداية لما بعد ابيه واخيه الامام الحسن عليهما السلام ، تحت اشراف جده صلى الله عليه واله وابيه عليه السلام وامه الزهراء عليها السلام ، اشرافا مباشرا بالتوجيه ، وارشاد روحي وفكري حتى خلصت ملامح شخصيته تجسد تلك الرسالة السماوية ، فكرا ونهجا وعملا وسلوكا .
وعند تحمله المسؤولية الالهية بعد اخيه الامام الحسن عليه السلام ، واجه المخطط الاموي المنحرف عن النهج السماوي ، وعايش الانقلاب على وثيقة الهدنة بين اخيه الامام الحسن عليه السلام ومعاوية بن ابي سفيان ، من قبل معاوية . وكان المخطط الاموي المنحرف قائم على عدة دعائم :
١- اشاعة الارهاب والتصفية الجسدية لكل القوى المعارضة لنظام الحكم الاموي .
٢- اغداق الاموال لشراء الضمائر والذمم للقضاء على الشخصية الاسلامية .
٣- اسلوب التجويع والمضايقة ، وهو اكثر اذلالا واشاعة المسكنة في نفوس الامة الاسلامية .
٤- العمل على تمزيق اواصر الامة الاسلامية ، بأثارة روح القومية والقبلية والاقليمية بين قطاعاتها المختلفة .
٥- اغتيال الامام الحسن عليه السلام لضرب الوحدة الاسلامية .
٦- اعلان يزيد خليفة على الامة الاسلامية تحت الكبت والاضطهاد ، والاغراء والترغيب . خلافا للوثيقة القاضية باستلام الامام الحسن عليه السلام الخلافة بعد معاوية .
فما على الامام الحسين عليه السلام الا ان يواجه هذا المخطط الاموي المنحرف بما يمتلك من قوة روحية وفكرية ، بعد ان غير معاوية بن ابي سفيان بوصلة الحكم من الخلافة الى الملكية الوراثية ، فاوجد اطروحة جديدة للحكم مبنية على الطابع الوارثي الدكتاتوري ، الامر الذي ادى الى تغير مسار الخط الاسلامي الاصيل .
وبهذا التغيير من قبل معاوية في مسار الخلافة ، وقفت الامة على عتبة التاريخ الجديد من حياتها ، واصبحت امام خيارين لا ثالث لهما :
اما ان تتبنى سياسة الرفض القاقطع للواقع الذي فرض عليها مهما كان الثمن .
واما ان تقبل بسياسة الامر الواقع حيث عليها ان تتنازل عن رسالاتها وسر عظمتها وعنوان عزتها في الحياة .
وبناءا على هذا الواقع ، لابد ان يكون للامام الحسين عليه السلام رأيا واضحا وجليا للنهوض بالامة من مستنقع الذل والهوان ، ولذا رفض تقبل سياسة الامر الواقع ، والاتجاه الى الرفض القاطع للواقع المفروض مهما كلفه ذلك .
اعلان الثورة :
حينما يقدم الانسان على عمل ما او امر الغرض منه تغير الواقع المنحرف ، لابد من دراسة ذلك الامر دراسة يستكشف بها الموانع المؤثرة في عملية التغير ، والنتائج التي تترتب عليه من خلال حركة التغير للواقع الاجتماعي والسياسي .
والمتابع لحركة الامام الحسين عليه السلام التغييرية للواقع السياسي ، والحوادث التي عاشها والظروف الموضوعية لم تكن لصالح حركته التغييرية على النحو المادي الخارجي ، الا انها لها اثر معنوي مستقبلي يحفز الاجيال على رفض الظلم والطغيان والوقف بوجه الانحراف السياسي والعقائدي . فقد تحرك الامام الحسين عليه السلام لتصحيح المسار وارجاعه الى ما كان في عهد جده رسول الله صلى الله عليه واله ، ومع علمه انه سوف لن ينتصر عليهم ماديا لكنه سوف ينتصر عليهم معنويا ووجوديا ومع هذا الواقع كان مصرا على الثورة واعلانه ذلك .
سؤال :
قد يطرح سؤال لماذا هذا الاصرار من قبل الامام الحسين عليه السلام على الثورة مع علمه انه سوف لن ينتصر ماديا على ذلك الواقع المنحرف ؟
تكمن الاجابة عن هذا السؤال المهم ضمن الحقائق الاتية بعد ملاحظتها والتدقيق بها :
اولا: ان تولي يزيد بن معاوية الامر بتدبير شؤون الامة وهو منحرف له خطورته على مستقبل الامة ، فينبغي الوقوف ضده وكشف حقيقته للامة ، اذ لم يحظ باي نصيب من التربية الاسلامية السليمة ، فقد نشأ في بيت منحرف معلوم التاريخ ، لم تشرق عليه شمس الهداية .
ثانيا: المسار العام للامة لم يكن بمستوى المطلوب في مواجهة تيار الانحراف ، وهذه من الامراض التي تبتلي بها الامم ، فتقع تحت ظلم الظالمين ، بعد ان تغيبت عن روح الجهاد ، وسكنت الى الراحة ، بتقديم مصلحتها الشخصية على المصلحة العامة التي فيها تحفظ كرامتها وعزتها . وهذه الحالة ظهرت بصورة جليلة من بعض رجالات المسلمين الذين قدموا النصح للامام الحسين عليه السلام بعدم الخروج على يزيد وقبول الامر الواقع ، مع ادراكهم الحقيقي للانحراف الاموي من جهة ، واحقية الامام الحسين عليه السلام في التصدي للانحراف من جهة اخرى .
ثالثا: خطورة الدور الذي لعبته السياسة الاموية في المفاهيم الاسلامية لابعاد الامة عن المفهوم الاسلامي للامامة الشرعية الشرعية وابعادها ومنطلقاتها . وهذا التلاعب لم ينطلق من القواعد الشعبية وانما انطلق من اعلى هرم في السلطة الذي استحوذ على وسائل التوجيه الاجتماعي في الامة ، وهذه المسألة لابد من ملاحظتها والاهتمام بها .
رابعا: الانسان المكلف الهيا عليه ان يؤدي دوره وواجبه الرسالي وان يفي بالتزاماته نحو الرسالة الاسلامية .
وبناءا على هذه الحقائق ادرك الامام الحسين عليه السلام بادراكه الذاتي ، ومن خلال مسؤوليته الشرعية ، لابد من اجراء عملية قيصرية تخرج الامة من حضانة بني امية ، فبدأ :
١- عمله لارشاد الامة الى مواضع الخطر في الحكم الاموي باعتباره حكما مغايرا لمفهوم الامامة في مؤسساته واشخاصه ، حيث اعتمد في منهجه في الحكم اطروحة الحكم الوراثي الدكتاتوري التي وضعها معاوية موضع التنفيذ عند عقد البيعة لابنه يزيد .
٢- اعلان الثورة للقضاء على الظاهرة السلبية ، الا وهي التهالك على الدنيا لانه عليه السلام كان مدركا بشكل قاطع ان حالة الخنوع التي تعايشها الامة ليس لها اي مبرر شرعي على الاطلاق ، بل ان الشريعة ذاتها ترفض الواقع المنحرف الذي سلكه يزيد .
٣- عمل الامام الحسين عليه السلام مع متطلبات الرسالة الاسلامية والشروط الموضوعية التي يشترط توفرها في الحاكم المسلم ، انطلق لبلورة هذه المسألة في ذهنية الامة عن طريق الخطب والبيانات في كل فرصة يجدها مناسبة للبيان .
وباعتباره وليد الرسالة الاسلامية ، وحفيد رسول الله وابن علي بن ابي طالب ، الامر الذي جعله ان يلبي امر النداء الرسالي في عصره حفاظا على ديمومة النهج الاسلامي الذي خطه جده رسول الله وسار عليه ابيه ، مع العمل بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لانها من اساسيات البقاء والحفاظ على روح الاسلام وثباته .
٤- ان الوفاء بالتزاماته نحو الشرعية الاسلامية ، كان يفرض سلوك منهج الثورة ، ولا سبيل سواه لانه بدون الثورة لا يرتجي اي اصلاح .
وبيان ثورته عليه السلام الاول يجسد هذه الحقيقة بكل مدلولاتها الايجابية : ( واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلى الله عليه واله ، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب ).
٥- يدرك الامام الحسين عليه السلام ان دمه سوف يسلب الصورة التي مثلها الحكم الاموي بكل ما تحمل من تشويه وانحراف ، ولولا دمه الشريف المعطاء لبقيت تلك الصورة المشوه للاسلام في ذهن البشرية حتى يومنا الحاضر .
وبناءا على تلك المعطيات فانها تكون مبررات شرعية وعقلية لانطلاق ثورة الامام الحسين واصحابه البررة رضوان الله تعالى عليهم ضد الحكم الاموي.
وتبقى روح الامام الحسين عليه السلام مدرسة خالدة ملهمة عبر الاجيال للذود عن الاسلام والصمود في معارك الجهاد المقدس .
والحمد لله رب العالمين ..
الكاتب: السيد زكي الموسوي
اترك تعليق