حقيقة المباهلة وجوهر الامامة فيها

من المناسب علينا ان نكرس الجهود لفهم حقائق القران الكريم التي التي ركز عليها وطالبنا بالفهم الحقيقي لها،من هذه الحقايق هي حقيقة المباهلة، وهي الحادثة التي كانت بحق النبي واله.فهي -المباهلة- من آيات اللهه الباهرات التي اشادت بفضل اهل البيت عليهم السلام،وهي كذلك من معالم الوﻻية في حياة اهل البيت عليهم السلام.. وهي عبارة عن اجتماع طرفين ،يدعي أحدهما انه على حق،ثم يطلبان من الله تعالى ان يجعل لعنته على الكاذب منهما، فاﻻنسان عادة ما يطلب بدعائه،اللهم انزل عذابك على القوم الظالمين،لكن في خصوص المباهلة،هو الطلب بانزال العذاب الفوري،لذلك المباهلة تعني البهل والبهل يعني اللعنة،وقول الراغف في كتابه المفردات،المباهلة تعني؛ان يدعو اﻻنسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى ان يترك شخصا بحاله وان يوكله الى نفسه. وهذا يعني ان يكون هذا الشخص ابغض الخلائق الى الله،وهو قمة اللعن والطرد بالسخط والحرمان من الرحمة اﻻلهية.

اما اية المباهلة فهي، قال الله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }ال عمران/61..فقد روي الجمهور بطرق مستفيضة انها نزلت في اهل البيت عليهم السلام وان ابناءنا اشارة الى الحسنين ونساءنا الى فاطمة وانفسنا الى علي عليهم سلام الله تعالى .وموجز قصة المباهلة: كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة المباركة.

لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .

قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .

و قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.(2)

حكت قصة المباهلة عن المنزلة العظيمة التي يحتلها اهل البيت عليهم السلام، وعن سمو مكانتهم ،وانهم افضل خلق الله واحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله .

كما دلت اية المباهلة على امامة علي بن ابي طالب عليه السلام. ووجه الدﻻلة في هذه اﻻية الكريمة بعدما عرفنا من كان مع النبي الخاتم في واقعة المباهلة، هي كما استدل علمائنا اﻻكابر بكلمة (انفسنا)تبعا لأئمتنا عليهم السلام، وقد روى اهل السنة أن اول ما استدل بهذه اﻻية الكريمة هو اﻻمام علي عليه السلام نفسه،عندما احتج في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة، وكلهم اقروا بما قال امير المؤمنين...

ان اختيار وتعيين شخصيات المباهلة لم يكن عفويا، انما هو اختيار الهي عميق الدﻻلة والهدف، وقد اجاب الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله حينما سال عن هذا اﻻختيار بقوله؛لو علم الله ان في اﻻرض عبادا اكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين ﻷمرني أن اباهل بهم، ولكن امرني بالمباهلة مع هؤﻻء فغلبت بهم النصارى.(3).

اما لماذا هذا اﻻقتران الدائم بين الرسول (صلى الله عليه وآله)واهل بيته(عليهم السلام)هو اشعار رباني بنوع وحقيقة اﻻمتداد الوجودي في حركة الرسالة، وهذا اﻻمتداد يمثله اهل البيت (عليهم السلام)بما حباهم الله بعظيم منزلة وسمو مكانة..

 

الكاتبة: نور المياحي