صراعات دائمة ومستمرة بين أئمة اهل البيت عليهم السلام و أئمة التحريف والعدوانية، ومحاولات في خدش السلالة الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام، نعم لكل عصر قصة يرويها لنا التاريخ بأوراقه الحزينة عليهم، ويشهد التاريخ في محاولات هارون العباسي بمضايقات الامام الكاظم عليه السلام والضغط عليه و ايذائه بالسجن لعدة مرات ومحاولة اغتياله ... والكثير ولكن لو لاحظنا هارون العباسي بعد افلاس محاولاته في الاطاحة بالامام عليه السلام كيف التجأ الى أفعال اعلن بها عن استسلامه باستخدام اساليب ضغط يقيسها -هارون- على نفسه وامثاله ضاناً ان الامام الكاظم عليه السلام سيتأثر بها كما لو أنه انسان عادي. ومن اروع هذه القصص التي ترويها لنا كتب الروايات هو ما جرى في سجن هارون العباسي كما ياتي:
كانت من المحاولات البائسة - لهارون - هو ارساله إلى الإمام -الكاظم- عليه السلام جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن، أرسلها بيد أحد خواصّه لتتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها، فلما وصلت إليه قال عليهالسلام لمبعوث هارون: قل لهارون:بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها . فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام عليهالسلام فالتاع غضباً وقال له: ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف. فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمام عليهالسلام وأبلغه بمقالته. وأنفذ هارون خادماً له إلى السجن ليتفحص عن حال الجارية، فلما انتهى إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها: قدوس ، قدوس. فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر، عليّ بها.
فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون: ما شأنك ؟! قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمام عليهالسلام :وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. فقال الإمام عليهالسلام :فما بال هؤلاء ، وأشار بيده إلى جهة ، فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والأكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهن الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد أترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت: لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد إلى خادمه ، وأمره باعتقالها وإخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح.
ولم تنتهي المحاولات في الاطاحة بشخصية الإمام الكاظم عليه السلام وصولاً الى اغتياله بالسم في سجون هارون تحت الارض بعشرات الامتار، في مكان لا يستطيع الوقوف فيه منتصبا لدنو سقفه ولا يدخل له ضوء الشمس الا اليسير حقداً وبغضاً عليه.
أما قصة الجارية الثانية وهي جارية أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي فقد ذكر المؤرخون أن (أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي) العارف والزاهد الكبير الذي تاب على يد الامام الكاظم عليه السلام، وكان سبب توبته هو أن الإمام عليهالسلام حين اجتاز على داره ببغداد سمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تعلو من داره، وخرجت منها جارية وبيدها قمامة فرمت بها في الطريق، فالتفت الإمام إليها قائلاً:(يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟) فأجابت: (حر). فقال عليهالسلام :صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه . ودخلت الجارية الدار، وكان بشر على مائدة السكر، فقال لها: ما أبطأك؟ فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام عليه السلام فخرج بشر مسرعاً حتى لحق الإمام عليه السلام فتاب على يده، واعتذر منه وبكى وبعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه واتصل بالله عن معرفة وإيمان حتى فاق أهل عصره في الورع والزهد).
اعداد: قيس العامري
اترك تعليق