فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الوحيد بن كلاب بن ربيعة العامري، امرأة قل الوجود لنظيرها و ارعدت السماء لمصابها، و افجعت النساء بتضحيتها، اربع اقمار نور على نور رضعوا منها الشجاعة و التضحية و الذوبان بحب أهل البيت عليهم السلام و الجهاد معهم في سبيل الله، كانت عليها السلام صلبة الايمان عارفة عالمة ومن اشراف العرب كما عرفهم عقيل بن ابي طالب الذي لا تخفى عليه اعلامهم، اختارها من بين النساء و من اسياد العرب اصحاب الاخلاق النبيلة و الصفات الحميدة، فيا ترى من هي الام التي تنوب عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، فكانت تعامل الحسن و الحسين عليهما السلام بلين القول كحنان الام يصحبها خجلٌ من شغل مكان امهما، خلق رفيع من اصل عريق وقربها من نور الله الذي يأبى الله ان ينطفئ فارتفعت درجات ودرجات حتى بلغت من الكرامات ما جعل منها علماً شامخا و قدوة تنتهج الى طريق التضحية .
لم تحضر في معركة الطف يوم عاشوراء ولكن كانت هناك اجزاء منها و فلذات كبدها نابوا عنها في تلبية النداء للامام الحسين عليه السلام وكتبوا التاريخ بدمائهم الطاهرة ومع ذلك لم تطمئن حتى سمعت بخبرهم شهداء بين يدي الحسين عليه السلام، ولم تستند الى ركبتيها لم يرف قلبها الا حين سماعها استشهاد الامام الحسين عليه السلام، حين جاء الناعي والقى كلمات العزاء باولادها الاقمار الاربعة العبّاس ، وجعفر، وعثمان ، وعبدالله، -ابناء علي بن ابي طالب عليه السلام- فانها لم تبالي الا حين سماعها بشهادة بطل العلقمي و حامل لواء الحسين عليه السلام الذي احسنت تربيته ذخرا للامام الحسين عليه السلام، فانثنت ركبتيها و سقط الطفل من على كتفها لما اوجست نفسها بما اصاب الحسين بعد فقد العباس عليه السلام.
لم يتبقى لام البنين من بنين، ولم يترك بني امية اي من المناصرين لاهل البيت عليهم السلام بعد جريمتهم التي لا ياتي مثيلها في التاريخ الا ونصبوا له العداء ، فكانت السيدة فاطمة ام البنين عليها السلام غصة في حلقوم بني امية، ولم يكن نشاطها في هذه الدولة النكراء بقليل، بل كان وجودها يرهبهم و بكائها يكسرهم و نعيها يحرقهم وشعرها العذب يبكيهم و يحطمهم فان الألم الذي جرعته على فراق الحسين عليه السلام وأولادها يفضي بقريحتها ما يدمع العين و لها من الشعر حين طلبتها الجارية منادية لها بام البنين فاجابتها سلام الله عليها بهذه الابيات الشعرية:
لا تدعوني ويك ام البنين تذكريني بليوث العرين
كانت بنون لي أدعى بهم واليوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الربى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلائهم فكلهم أمسى صريعا طعين
ياليت شعري أكما أخبروا بأن عباسا قطيع اليمين
وقد كانت تخرج الى البقيع ويلتف حولها الناس لسماع رثائها لاولادها وكان مروان بن الحكم معهم فتقول:
يا من رأى العباسَ كرّ على جماهير النقدْ
ووراه من أبناء حيدر كلّ ليثٍ ذيِ لبد
أنبئت أنّ ابني أصيبَ براسه مقطوع يد
ويلي على شبلي أما لَ برأسه ضرب العمد
لوكأن سيفك في يد يك لما دنا منه أحد
فكانت تَبكي حتى اعدائها على مصابها وظلمهم لآل بيت النبوة، ودارت السنون والقرون ولم يبقى لنا من هذه السيدة الجليلة سوى الاطلال من سيرتها ومحل قبرها المهدم على ايدي بقايا الدولة الاموية، نعم ان حقدهم عليها و على قبور البقية الصالحة في البقيع الفرقد يبرهن لنا كيف كانت الدولة الاموية في تلك الازمنة تعامل السلالة الطاهرة حيث كان وجودهم يشكل تهديدا لهم ولزوال دولتهم الظالمة، وايضا هذا ماكانت عليه ام البنين عليها السلام، فإن من شعائر الدولة الاموية التي تتقنها هي اخفاء آثار جرائمهم بإتقان و إطفاء نور الله تعالى مهما كلفهم ذلك من الدماء ولكن الحقيقة تبقى بالمرصاد لهم الى ان يحين وقتها المعلوم عند الباري تعالى.
قيس العامري
اترك تعليق