الإمام الثاني عشر:محمد بن الحسن المهدي_عجل الله فرجه_مختصر من سيرته...

نشأة الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عليهما السلام):

نسبه: هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

تأريخ الولادة:ولد ـ سلام الله عليه ـ في دار أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) في مدينة سامراء أواخر ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان وهي من الليالي المباركة التي يُستحب إحياؤها بالعبادة وصوم نهارها طبقاً لروايات شريفة مروية في الصحاح مثل سنن ابن ماجة وسنن الترمذي وغيرهما من كتب أهل السنة[1]إضافة الى ما روي عن ائمة أهل البيت (عليهم السلام)[2].وكانت سنة ولادته (255 هـ ) على أشهر الروايات، وثمة روايات أُخرى تذكر أن سنة الولادة هي (256 هـ ) أو (254 هـ ) مع الاتفاق على يومها وروي غير ذلك، إلا أن الأرجح هو التأريخ الأول لعدة شواهد، منها وروده في أقدم المصادر التي سجلت خبر الولادة وهو كتاب الغيبة للشيخ الثقة الفضل بن شاذان الذي عاصر ولادة المهدي (عليه السلام) وتوفي قبل وفاة أبيه الحسن العسكري(عليهما السلام) بفترة وجيزة[3]، ومنها أن معظم الروايات الأخرى تذكر أن يوم الولادة كان يوم جمعة منتصف شهر شعبان وإن اختلفت في تحديد سنة الولادة، ومن خلال مراجعتنا للتقويم التطبيقي[4] وجدنا أن النصف من شعبان صادف يوم جمعة في سنة (255 هـ ) وحدها دون السنين الاُخرى المذكورة في تلك الروايات.ومثل هذا الاختلاف أمر طبيعي جار مع تواريخ ولادات ووفيات آبائه وحتى مع جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، دون أن يؤثر ذلك على ثبوت ولادتهم (عليهم السلام)، كما أنه طبيعي للغاية بملاحظة سرّيّة الولادة عند وقوعها حفظاً للوليد المبارك.

تواتر خبر ولادته (عليه السلام):روى قصة الولادة أو خبرها الكثير من العلماء بأسانيد صحيحة أمثال أبي جعفر الطبري والفضل بن شاذان والحسين بن حمدان وعلي بن الحسين المسعودي والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ المفيد وغيرهم، ونقلها بصورة كاملة أو مختصرة أو نقل خبرها عدد من علماء أهل السنة من مختلف المذاهب الإسلامية أمثال نورالدين عبدالرحمن الجامي الحنفي في شواهد النبوة والعلاّمة محمد مبين المولوي الهندي في وسيلة النجاة والعلامة محمد خواجه بارسا البخاري في فصل الخطاب والحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، كما نقل خبر الولادة ما يناهز المائة وثلاثين من علماء مختلف الفرق الإسلامية بينهم عشرات المؤرخين ستة منهم عاصروا فترة الغيبة الصغرى أو ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، والبقية من مختلف القرون الى يومنا هذا في سلسلة متصلة وهذا الاحصاء يشمل جانباً من المصادر الإسلامية وليس كلها. وبين هؤلاء عدد كبير من العلماء والمؤرخين المشهورين أمثال ابن خلكان وابن الأثير وأبي الفداء والذهبي وابن طولون الدمشقي وسبط ابن الجوزي ومحي الدين بن عربي والخوارزمي والبيهقي والصفدي واليافعي والقرماني وابن حجر الهيثمي وغيرهم كثير. ومثل هذا الإثبات مما لم يتوفر لولادات الكثير من أعلام التأريخ الإسلامي[5].

كيفية ظروف الولادة:يُستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادته (عليه السلام)، أن والده الإمام الحسن العسكري ـ سلام الله عليه ـ أحاط الولادة بالكثير من السرية والخفاء، فهي تذكر أن الإمام الحسن العسكري قد طلب من عمته السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد أن تبقى في داره ليلة الخامس عشر من شهر شعبان واخبرها بأنه سيُولد فيها إبنه وحجة الله في أرضه، فسألته عن أمه فأخبرها أنها نرجس فذهبت إليها وفحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل، فعادت للإمام واخبرته بذلك، فابتسم (عليه السلام) وبيّن لها أن مثلها مثل أم موسى (عليه السلام) التي لم يظهر حملها ولم يعلم به أحد الى وقت ولادتها لأن فرعون كان يتعقب أولاد بني إسرائيل خشية من ظهور موسى المبشر به فيذبح ابناءهم ويستحي نساءهم، وهذا الأمر جرى مع الإمام المهدي(عليه السلام) أيضاً لأن السلطات العباسية كانت ترصد ولادته إذ قد تنبأت بذلك طائفة من الأحاديث الشريفة.ويُستفاد من نصوص الروايات أن وقت الولادة كان قبيل الفجر وواضح أنّ لهذا التوقيت أهمية خاصة في إخفاء الولادة; لأن عيون السلطة عادةً تغط في نوم عميق. كما يُستفاد من الروايات أنه لم يحضر الولادة سوى حكيمة التي لم تكن تعرف بتوقيتها بشكل دقيق أيضاً[6].وتوجد رواية واحدة يرويها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة تصرح باستقدام عجوز قابلة من جيران الإمام لمساعدة حكيمة في التوليد مع تشديد الوصية عليها بكتمان الأمر وتحذيرها من إفشائه[7].تنقسم حياة الإمام المهدي (عليه السلام) الى أربع مراحل متمايزة، وهي:المرحلة الأولى : حياته في ظل أبيه أي من الولادة سنة (255 هـ ) حتى يوم استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ ) . وهي خمس سنوات تقريباً.المرحلة الثانية : حياته منذ وفاة ابيه (عليه السلام) (سنة 260 هـ ) حتى انتهاء الغيبة الصغرى سنة (329 هـ ). وهي تناهز السبعين عاماً.المرحلة الثالثة: حياته في الغيبة الكبرى والتي بدأت بعد وفاة سفيره الرابع عام (329 هـ ) وهي مستمرة حتى يوم ظهوره على مسرح الأحداث السياسية والاجتماعية من جديد.المرحلة الرابعة : حياته في مرحلة الظهور التي تبدأ بعد انتهاء الغيبة  الكبرى، وهو عهد الدولة المهدوية العالمية المرتقبة والتي أخبرت عنها نصوص الكتاب والسنة.تنصيب الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)للإمامة:روى الشيخ الصدوق الحادثة بالتفصيل عن أبي الأديان البصري أحد ثقاة الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث قال :«كنت اخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) واحمل كتبه الى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: «امض بها الى المدائن فإنك ستغيب اربعة عشر يوماً وتدخل الى (سر من رأى) يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل».قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فاذا كان ذلك فمن ؟ قال: «من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي»، فقلت: زدني فقال : «من اخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي» ثم منعتني هيبته ان اسأله عما في الهميان وخرجت بالكتب الى المداين واخذت جواباتها ودخلت (سر من رأى) يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام) واذا أنا بالواعية في داره واذا به على المغتسل واذا انا بجعفر الكذاب ابن علي اخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه فقلت في نفسي ان يكن هذا الإمام بطلت الإمامة لأني كنت اعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فتقدمت فعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن اخوك فقم فصلِّ عليه.فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار اذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي على اخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: «تأخر يا عم فأنا احق بالصلاة على أبي» فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن الى جانب قبر ابيه(عليهما السلام) ثم قال: «يا بصرى هات جوابات الكتب التي معك» فدفعتها إليه فقلت في نفسي : هذه بيّنتان بقي الهميان ثم خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟فقال: والله ما رأيته ولا اعرفه فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فتعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فاشاروا الى جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض اثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف ذلك فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته، وادعت أن بها حبلاً لتغطي على حال الصبي، فسلّمت الى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيدالله بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت من أيديهم والحمد لله رب العالمين... »[8].غيبتا الإمام المهدي (عليه السلام):كان للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ غيبتان: صغرى وكبرى، أخبرت عنهما معاً الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعن الائمة المعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) ، بل وأشارت إليها بعض نصوص الكتب السماوية السابقة.تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ ) وتولّى المهدي مهام الإمامة الى حين وفاة آخر السفراء الأربعة الخاصين بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة (329 هـ ) تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام المهدي (عليه السلام); فتكون مدتها قرابة السبعين عاماً، وقد تميزت هذه الفترة بعدم الاستتار الكلي للإمام حيث كان يتصل بعدد من المؤمنين، كما تميزت بكثرة الرسائل الصادرة عنه (عليه السلام) في موضوعات عديدة، وكذلك بوجود السفراء الخاصين والوكلاء الذين كان يعينهم مباشرة. وهذه الفترة مثلت مرحلة انتقالية بين الظهور المباشر الذي كان مألوفاً في حياة آبائه وبين الاستتار الكامل في عهد الغيبة الكبرى.أما الغيبة الكبرى فقد بدأت إثر وفاة الشيخ السمري إذ أمره الإمام بعدم تعيين خليفة له، بعد أن استنفذت الغيبة الصغرى الأهداف المطلوبة منها . والغيبة الكبرى مستمرة الى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله تبارك وتعالى للإمام بالظهور والقيام بمهمته الإصلاحية الكبرى.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  [1] راجع مثلاً مسند أحمد بن حنبل:  2/ 176، سنن ابن ماجة: 1/ 444 ـ 445، فيض القدير: 4/ 459، سنن الترمذي: 3/ 116، كنز العمال: 3/ 466 وغيرها كثير.  [2] ثواب الأعمال للشيخ الصدوق : 101، مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : 762، إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس  718.  [3] راجع هذه الروايات في كتاب النجم الثاقب للميرزا النوري: 2/ 146 ومابعدها من الترجمة العربية، وراجع الكافي: 1/ 329، كمال الدين : 430.  [4] نقصد بالتقويم التطبيقي التقويم الذي يطبق بين أيام تقويم السنة الشمسية مع ما يصادفها من أيام تقويم السنة القمرية، وقد أعدت عدة تقاويم من هذا النوع على شكل كتب أو برامج كومبيوترية حددت ما يصادف كل يوم من أيام السنة الهجرية القمرية مع تقويم السنة الهجرية الشمسية والسنة الميلادية الشمسية، وقد راجعنا في البحث التقويم التطبيقي الذي أصدرته جامعة طهران والذي يبدأ بالتطبيق من اليوم الأوّل من السنة الاُولى لهجرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) الى نهاية القرن الهجري الخامس عشر.  [5] راجع تفصيلات أقوالهم في الاحصائية التي أوردها السيد ثامر العميدي في كتابه دفاع عن الكافي: 1/535 ـ 592 .  [6] راجع الروايات التي جمعها السيد البحراني بشأن قصة الولادة من المصادر المعتبرة في كتابه تبصرة الولي : 6 وما بعدها، وكذلك التلخيص الذي أجراه الميرزا النوري في النجم الثاقب: 2/ 153 وما بعدها، وراجع غيبة الشيخ الطوسي الفصل الخاص باثبات ولادة صاحب الزمان (عليه السلام)  : 74 وما بعدها.  [7] غيبة الشيخ الطوسي : 144.  [8] كمال الدين : 475 ـ 476 .

المرفقات