ذكر الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري((عليهما السلام))في تفسيره ، عن أبيه علي بن محمد الهادي عليهما السلام ، في حديث طويل قال : وأما دفاع الله القاصدين لمحمد ((صلى الله عليه وآله))إلى قتله ، وإهلاكه إياهم كرامة لنبيه ، وتصديقه إياه فيه ، فإن رسول الله ((ص)) كان وهو ابن سبع سنين بمكة ، قد نشأ في الخير نشوءا لا نظير له في ساير صبيان قريش ، حتى ورد مكة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمد ((ص))وشاهدوا نعته وصفته .
فأسر بعضهم إلى بعض : هذا والله محمد (ص) الخارج في آخر الزمان المدال على اليهود وساير أهل الأديان ، يزيل الله به دولة اليهود ، ويذلهم ، ويقمعهم ، وقد كانوا وجدوه في كتبهم النبي الأمي الفاضل الصادق ، فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك ، وتفاوضوا في أنه ملك يزال . ثم قال بعضهم لبعض : تعالوا نحتال فنقتله ، فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت لعلنا نصادفه ممن يمحو ، فهموا بذلك ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى نمتحنه ونجربه بأفعاله ، فإن الحلية قد توافق الحلية ، والصورة قد تشاكل الصورة ، وإنما وجدناه في كتبنا أن محمدا (ص) يجنبه ربه من الحرام ، والشبهات ، فصادفوه وألقوه وادعوه إلى دعوة وقدموا إليه الحرام والشبهة ، فإن انبسط فيهما أو في أحدهما فأكله ، فاعلموا أنه غير من تظنون ، وإنما الحلية وافقت الحلية ، والصورة قد ساوت الصورة ، وإن لم يكن الامر كذلك ولم يأكل منهما ، فاعلموا أنه هو ، فاحتالوا له في تطهير الأرض منه لتسلم لليهود دولتهم .
فجاؤوا إلى أبي طالب (عليه السلام) فصادفوه ودعوه إلى دعوة لهم فلما حضر رسول الله(ص) قدموا إليه وإلى أبي طالب والملا من قريش دجاجة مسمنة كانوا قد وقذوها وشووها ، فجعل أبو طالب (ع) وساير قريش يأكلون منها ، ورسول الله(ص) يمد يده نحوها فيعدل بها يمنة ويسرة ، ثم أماما ، ثم خلفا ، ثم فوقا ، ثم تحتا ، لا تصيبها يده فقالوا مالك لا تأكل منها ؟ فقال : يا معاشر اليهود قد جهدت أن أتناول منها ، وهذه يدي يعدل بها عنها وما أراها إلا حراما يصونني ربي عنها ، فقالوا : ما هي إلا حلال فدعنا نلقمك منها .
فقال رسول الله(ص) : فافعلوا إن قدرتم فذهبوا ليأخذوا منها ويطعموه فكانت أيديهم يعدل بها عنها إلى الجهات ، كما كانت يد رسول الله (ص) تعدل عنها . فقال رسول الله (ص) فهذه قد منعت منها ، فأتوني بغيرها إن كانت لكم ، فجاؤوه بدجاجة أخرى ، مسمنة ، مشوية قد أخذوها لجار لهم غائب ، لم يكونوا اشتروها وعملوها على أن يردوا عليه ثمنها إذا حضر . فتناول منها رسول الله (ص) لقمة ، فلما ذهب أن يرفعها ثقلت عليه وفصلت حتى سقطت من يده ، وكلما ذهب يرفع ما تناوله بعدها ثقلت وسقطت . فقالوا : يا محمد فما بال هذه لا تأكل منها ؟ قال رسول الله (ص) : وهذه أيضا قد منعت منها ، وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عز وجل عنها . فقالوا : ما هي شبهة ، دعنا نلقمك منها ، قال : افعلوا إن قدرتم عليه ، فكلما تناولوا لقمة ليلقموه ، ثقلت كذلك في أيديهم وسقطت ، ولم يقدروا أن يعلوها .
فقال رسول الله (ص) : هو ما قلت لكم : شبهة يصونني ربي عز وجل عنها ، فتعجب قريش من ذلك ، وكان ذلك مما يقيمهم على اعتقاد عداوتهم إلى أن أظهروها لما أن أظهره الله عز وجل بالنبوة وأغرتهم اليهود أيضا وقالت لهم اليهود : أي شئ يرد عليكم من هذا الطفل ؟ ما نراه إلا سالبكم نعمكم وأرواحكم ، وسوف يكون لهذا شأن عظيم . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فتواطأت اليهود على قتله في جبل حراء وهم سبعون ، فعمدوا إلى سيوفهم فسموها ، ثم قعدوا له ذات غلس في طريقه على جبل حرا ، فلما صعد صعدوا وسلوا سيوفهم ، وهم سبعون رجلا من أشد اليهود وأجلدهم وذوي النجدة منهم ، فلما أهووا بها إليه ليضربوه بها التقى طرفا الجبل بينهم وبينه فانضما ، وصار ذلك حائلا بينهم وبين محمد(صلى الله عليه وآله) ، وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم ، فغمدوها ، فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضما .
فسلوا بعد سيوفهم وقصدوه ، فلما هموا بإرسالها عليه انضم طرفا الجبل ، وحيل بينهم وبينه فغمدوها ، ثم ينفرجان فيسلونها إلى أن بلغ ذروة الجبل ، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة .
فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل ، فطال عليهم الطريق ومد الله عز وجل في الجبل ، فأبطأوا عنه حتى فرغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذكره وثنائه على ربه واعتباره بعبرة .
ثم انحدر عن الجبل وانحدروا خلفه ولحقوه وسلوا سيوفهم ليضربوه بها فانضم طرفا الجبل وحال بينهم وبينه فغمدوها ثم انفرج فسلوها ، ثم انضم فغمدوها ، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة ، كلما انفرج سلوها ، فإذا انضم غمدوها .
فلما كان في آخر مرة وقد قارب رسول الله (ص) القرار سلوا سيوفهم فانضم طرفا الجبل ، وضغطهم الجبل ، ورضضهم ، وما زال يضغطهم حتى ماتوا جميعا .
ثم نودي يا محمد : انظر إلى خلفك إلى من بغى عليك بالسوء ماذا صنع بهم ربك ، فنظر فإذا طرفا الجبل مما يليه منضمان ، فلما نظر انفرج الجبل ، وسقط أولئك القوم وسيوفهم بأيديهم ، وقد هشمت وجوههم وظهورهم وجنوبهم وأفخاذهم ، وسوقهم ، وأرجلهم ، وخروا موتى ، تشخب أوداجهم دما .
وخرج رسول الله(ص) عن ذلك الموضع سالما مكفيا مصونا محفوظا تناديه الجبال وما عليها من الأحجار والأشجار : هنيئا لك يا محمد (ص) نصرة الله عز وجل لك على أعدائك بنا ، وسينصرك إذا ظهر أمرك على جبابرة أمتك وعتاتهم بعلي بن أبي طالب ، وتسديده لاظهار دينك وإعزازه ، وإكرام أوليائك ، وقمع أعدائك ، وسيجعله تاليك وثانيك ، ونفسك التي بين جنبيك ، وسمعك الذي به تسمع ، وبصرك الذي به تبصر ، ويدك التي بها تبطش ، ورجلك التي عليها تعتمد ، وسيقضي عنك ديونك ، ويفي عنك بعداتك ، وسيكون جمال أمتك ، وزين أهل ملتك ، وسيسعد ربك عز وجل به محبيه ، ويهلك به شانئيه .
المصدر / منتديات مدرسة الامام الحسين(عليه السلام).
اترك تعليق