بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى من الآيات البينات التي اعلنت فضل أهل البيت عليهم السلام آية المباهلة:
قال تعالى في كتابه المجيد(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(1).
نذكر قبل الدخول في البحث :صفة المباهلة ومعناها:
قال ابن منظور : معنى المباهلة :أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة الله على الظالم منّا .صفة المباهلة : أن تشبك أصابعك في أصابع من تباهله وتقول : اللهم رب السماوات السبع والأرضين السبع ، ورب العرش العظيم ، إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسباناً من السماء وعذاباً أليماً .
ان المفسرون ورواة الحديث اتفقوا على انها نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) وان أبناءنا إشارة الى الحسنين (عليهم السلام )ونساءَنا اشارة الى فاطمة الزهراء عليها السلام وانفسنا اشارة الى محمد (صلى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام).فقد نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية في بالغ الخطورة جرت بين قوى الاسلام وبين القوى الممثلة للنصارى .
وموجز هذه الحادثة ان وفدا من نصارى نجران على رسول الله (صلى الله عليه واله)ليناضروه في الاسلام ، وبعد حديث دار بينهم وبين النبي الاكرم (صلى الله عليه واله)اتفقوا على الابتهال الى الله جل جلاله ليجعل لعنته وعذابه على الكاذبين والحائدين عن الحق وقد عينوا وقتا خاصا لذلك ،ونصرف وفد النصارى على موعد للعودة للمباهلة حتى يستبين امر الله ويظهر الحق ويزهق الباطل وقد هامت نفوسهم بتيارات من الهواجس والاحاسيس لا يعلمون ان النبي (صلى الله عليه واله) بمن يباهلهم ؟
وفي اليوم الذي اتفقا عليه خرج النبي (صلى الله عليه واله)،وقد اختار للمباهلة افضل الناس وأكرمهم عند الله ، وهم باب مدينة علمه وأبو سبطيه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وبضعته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأقبل(صلى الله عليه واله) وقد يحتضن الحسين وامسك بيده الاخرى الحسن (عليه السلام) وسارت خلفه الزهراء مغشاة بملاءة من نور الله يسير خلفها الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)وهو باد الجلال .
وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم وهم على احسن هيبة واستعداد واحتشدت الجماهير وقد اشرأبت الاعناق تراقب الحادث الخطير وساد الوجوم وصار الكلام همساً ولما رات النصارى هيئة الرسول مع اهل بيته وهي تملأ العيون وتعنو لها الحياة امتلأت نفوسهم رعبا وهلعا من هيبة الرسول وروعة طلعته وجثا النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) للمباهلة بخضوع فتقدم اليه السيد والعاقب وقد سرت الرعدة في نفوسهم قائلين :ياابا القاسم بمن تباهلنا ؟ فاجانبهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) بكلمات فيها روعة البيان والايمان والخشية من الله قائلا اباهلكم بخير أهل الارض واكرمهم الى الله واشار الى علي وفاطمة والحسن والحسين.
وانبريا يسألان بتعجب قائلين :لم لا تباهلتنا باهل الكرامة – والكبر واهل الشارة ممن امن بك واتبعك ؟ فاجابهم (صلى الله عليه واله)يؤكد لهم ان اهل بيته أفضل الخلق عند الله قائلا :أجل أُباهلكم بهؤلاء خير أهل الارض وافضل الخلق.
فذهلوا وعرفوا أن الرسول (صلى الله عليه واله)على حق وقفوا راجعين الى الأسقف زعيمهم يستشيرونه في الامر قائلين له :يا أبا حارثة ماذا ترى في الامر؟ فقال :اني ارى وجوها لو سال الله بها أحد ان يزيل جبلا من مكانه لازاله ولا يكتفي بذلك وامن ادعم قوله بالبرهان واليمن قائلا أفلا تنظرون محمدا رافعا يدية ينظر ماتجيئان به وحق المسيح ان نطق فوه بكلمة لانرجع الى اهل ولا الى مال ,وجعل ينهاهم عن المباهلة ويهتف فيهم قائلا :الا ترون الشمس قد تغي لونها والافق تنجع فيه السحب الداكنة والريح تهب هائجة سوداء حمراء وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان لقد اطل علينا العذاب انظروا الى الطير وهي تقئ حواصلها والى الشجر كيف تتساقط اوراقها والى الارض كيف ترجف تحت أقدامنا لقد غمرتهم تلك الوجوه العظيمة ورأوا بالعيان مالها من مزيد الفضل والكرامة عند الله ويتدارك النصارى الامر فاسرعوا الى النبي (صلى الله عليه واله) قائلين :يا أبا القاسم أقلنا أقال الله عثرتك ويخضعون لما شرطه عليهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) واعلن بعد ذلك انهم لو استجابوا للمباهلة لهلكت النصارى قائلا: والذي نفسي بيده ان العذاب تدلى على اهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قرده وخنازير ولأضطرم عليه الوادي نارا ولأستأصل الله نجران أهله حتى الطير على الشجر وما حال الحول على النصارى كلهم(2).
واوضحت هذه الحادثة الخطيرة اهمية اهل البيت عليهم السلام وانهم لامثيل لهم في المجتمع الاسلامي الحافل آنذاك بالمجاهدين والمكافحين في سبيل الاسلام ولو ان النبي (صلى الله عليه واله) وجد من هو خير منهم ورعا وتقوى لاختارهم للمباهلة بل لو كان هناك من يساويهم في الفضل لامتنع ان يقدم اهل بيته عليهم لقبح الترجيح بلا مرجح كما يقول علماء الاصول.
كما انه(صلى الله عليه واله) لم ينتدب احدا من عشيرته الاقربين فلم يدع صنو أبيه عمه العباس بن عبد المطلب ولم يدع حدا من ابناء الهاشمين ليضمه الى سبطيه وكذلك لم يدع واحدة من امهات المؤمنين وهن كن في حجراته بل لم يدع عمته صفية بنت عبد المطلب ولا غيرها ليضمها الى بضعته سيدة نساء العالمين ولم يدع غيرها من عقائل السرق وخفيرات عَمرو العلى من المهاجرين والانصار وجميع اسرته كانوا بمرأى منه ومسمع والغرض من ذلك التدليل على فضل اهل بيته وعظيم شأنهم عند الله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
يقول الامام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (قدس سره): وانت تعلم ان مباهلته (صلى الله عليه واله) بهم والتماسه منهم التأمين على دعائه بمجرد لفضل عظيم وانتخابه اياهم لهذه المهمة العظيمة واختصاصهم بهذا الشأن الكبير وايثارهم فيه على من سواهم من اهل السوابق فضل على فضل لم يسبقهم اليه سابق ولن يلحقهم فيه لاحق ونزول القرآن العزيز امرا بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث يزيد فضل المباهلة ظهورا ويضيف الى شرف اختصاصهم بها شرفا والى نورهم نوراً(3). كما دلت الاية بوضوح على ان الامام امير المؤمنين هو نفس رسول الله (صلى الله عليه واله). ورسول الله أفضل من جميع خلق الله فعلي كذلك بمقتضى المساواة بينهما .
وقد ادلى الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال (كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي وكان معلم الاثنى عشرية وكان يزعم ان عليا أفضل من جميع الانبياء سوى محمد (صلى الله عليه واله) واستدل على ذلك بقوله تعالى (وانفسنا وانفسكم )اذ ليس المراد به غيره واجمعوا على ان ذلك الغير كان علي بن ابي طالب(عليه السلام) فدلت الآية على نفس علي هي نفس محمد ولا يمكن ان يكون المراد ان هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد ان هذه النفس مثل تلك النفس وذلك يقتضي المساواة بينهما في جميع الوجوه ترك العمل بهذا العموم في حق النبوه وفي حق الفضل لقيام الدلائل على ان محمد (صلى الله عليه و آله) كان افضل من علي (عليه السلام) فبقي ما وراءه معمولا به ثم الاجماع دل على ان محمدا (صلى الله عليه و آله) كان افضل من سائر الانبياء فيلزم ان يكون علي(عليه السلام) افضل من سائر الانبياء(4).
شعر في المباهلة: قال أحد الشعراء : تعالوا ندع أنفسنا جميعاً ............ وأهلينا الأقارب والبنينا فنجعل لعنة الله ابتهالاً ............ على أهل العناد الكاذبينا
وقال الشاعر الكربلائي حسين صادق-في قسم الاعلام في العتبة الحسينية:
بصفوةِ الخلقِ هذا اليومُ ينحصرُ *** يومُ التباهلِ يومٌ زاهرٌ نَضِرُ يومٌ بِهِمْ باهَلَ المبعوثُ عن ثِقَةٍ *** نصارى نجرانَ إذ باتُوا لينتظِروا فقالَ أسقُفُهُم للجمعِ مُرْتَعِباً *** لا لنْ نباهلَ مَنْ أهلِوهُ قد حَضَرُوا إنّا نرى لَهُمُ نوراً سيمحَقُنا *** لوْ باهَلوُنا خُسِفْنا وانْمَحى الأَثَرُ إذا دعا الله طهَ اليومَ مبتهلاً *** وأمّنوا بعدهُ قُلْ حاقَنا الخطَرُ كأنَّ سِراً مِن المعبودِ يحرِسُهم *** وما لَنا مخرَجٌ إلاّ إذا عَذَرُوا همْ خمسةٌ قبلَ هذا الكونِ قد خُلِقُوا *** في عالمِ النّورِ قبلِ الذرِّ قد زَهِروا وسادةُ الخلقِ في علمٍ وفي خُلقٍ *** همُ الميامينُ والأبرارُ والغُرَرُ منْ يعرفِ اللهَ يعرفْ أنَّ حُبَّهُمُ *** فرضٌ من اللهِ لا زَيْغٌ ولا بَطَرُ قد عاهدوا اللهَ في إخلاص ِطاعتِهِم *** فأيَّدَ اللهُ مسعاهُمْ بما صَبَروا بِلُطْفِهِ حاطَهُمْ عن كلِّ سيئةٍ *** وطهّرَ اللهُ أهلَ البيتِ مُذْ فُطِروا لأجلهمْ قامت الدنيا بأَجمعِها *** أوتادُ نورٍ بهم قدْ كُرِّمَ البشرُ تسْتَبْشِرُ الروحُ لو حفَّتْ بنورهِمُ *** لنا بحبِّهِمُ مَنْجىً ومُفتخرُ إنّي لأقسمُ بالرحمنِ عن ثِقَةٍ *** رِضا الإلهِ بهذا النّورِ ينحصِرُ سفينةٌ باسمِ هذا النورِ قد حُفِظتْ *** لماّ طغى الماءُ والأمواجُ تنفجرُ مرَّتْ أمامَهُمُ الدّنيا بزينتِها *** وقُدِّمَتْ لَهُمُ التّيجانُ والسُّرُرُ وزُخرِفَتْ ساحةُ الإغراءِ عارضةً *** شتّى الملذّاتِ منها العَينُ تنبهِرُ فأَلْزَمُوا النفسَ فانصاعَتْ لأمرِهُمُ *** وقيّدُوها بِحبْل ِالصبرِ فانتَصَرُوا وطمْأَنوُها لِتَحْيى العُمْرَ راضِيةً *** حتى إذا رجَعَتْ للحقِّ تبْتَشِرُ لهمْ نفوسٌ تَسامَتْ من طهارتِها *** تَزكو وتَرقى بتقوىً كلّما اختُبِروا فما غزاها الهوى يوماً بجانحةٍ *** وإنْ رَمَتْها سِهامُ الغَيِّ تنكَسِرُ ولا عيونُهُمُ رفّتْ لِبارِقَةٍ *** وما تَرَدّدَ في أسماعِهِم وَتَرُ قالوا لدنياهُمُ والحقُّ يَسْمَعُهُمْ *** لنْ تَخدعينا بَزَيْفٍ إثْرَهُ سَقَرُ إنّا خَبِرْناكِ والواعونَ لو رَجَعُوا *** لَطلّقوكِ ثلاثاً بعدَما خُبِروا ذي صَفوةِ الخلقِ آياتٌ تُقَوِّمُنا *** صَلّوا عليهِم تُثابوا كلّما ذُكِروا
المصدر / منتدى الوارث من العتبة الحسينية المقدسة.
---------------------------- 1- سورة ال عمران ،الآية 61. 2- مناقب آل ابي طالب: 3: 369و 370و بحار النوار :21: 344و 345. 3- الفصول المهمة في تاليف الامة، السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي. 4- حياة الامام الحسين بن علي،دراسة وتحليل ،باقر شريف القرشي.
اترك تعليق