حكم وقوع التربة المباركة في الخلاء وحملها له و تجهيز الميت بها

فقه التربة الحسينية القسم الثالث (حكم وقوع التربة المباركة في الخلاء وحملها له و تجهيز الميت بها)

تعرّضنا في مقالين سابقين إلى حرمة الاستنجاء بالتربة المباركة، ثمّ إلى حرمة تنجيسها ووجوب إزالة النجاسة عنها، وهنا نتناول حكمين مهمّين من أحكام التربة الحسينية، في مسألة وقوع التربة المباركة في بيت الخلاء، ومسألة تجهيز الميت بالتربة الحسينية المباركة.

إنّ الشريعة الإسلاميّة المنقولة عن طريق آل البيت علیهم السلام لم تترك شاردةً ولا واردةً إلّا ذكرت حكمها، بل الروايات في ذلك متضافرة، سواء بنحوٍ كلّي، وذلك من خلال القواعد العامّة التي تنطوي المسألة تحتها، المعبّر عنها بالأُصول، أو بنحوٍ خاصّ من خلال ورود نصٍّ خاصٍّ يعالج حكم المسألة المعيّنة.

والمُستفاد من كلام أهل البيت علیهم السلام: أنّ أحكام الشريعة عامّة لكلّ واقعة، بل صرّحت بعض الروايات أنّ معارفهم علیهم السلام مُستقاة من منابع خاصّة، كمصحف فاطمة، والجامعة، وغيرهما، وورد أنّ فيها الحلال والحرام حتى أرش الخدش[2]، بل ورد أنّه: «ما ترك علي علیه السلام شيئاً إلّا كتبه حتى أرش الخدش»[3].

ومن هنا؛ تميّزت الشريعة الإسلاميّة عن غيرها من الشرائع؛ بكونها شريعةً خاتمة لجميع الشرائع.

ومن المُؤسف أنّ هذا الطريق الواضح الذي أراد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أن يكون هو منبع الأحكام والوقائع، قد هُمّش وحُورب من قبل سلطان المال والرئاسة؛ ولذا غُيّبت عن الخط الثاني ـ وهو الخط الآخر الذي أهمل فكر أهل البيت علیهم السلام وجعله وراء ظهره ـ كثير من الأحكام المتوفّرة عند مدرسة آل البيت علیهم السلام؛ ممّا اضطرّ أولئك للأخذ بالروايات الضعيفة، وقول الصحابة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، وغيرها.

بينما بقيت مدرسة أهل البيت علیهم السلام حيّة وفاعلة على مدى العصور، وقد وصل إلينا الكثير من معالم الدين عن طريقهم، المتمثّل بأئمّةٍ اثني عشر معصومين عن الخطأ والنسيان.

وبالاستفادة من الكليات الواردة في معالجة الأحكام يمكن الاستدلال على كثير من الأحكام المتعلّقة بالتربة الحسينية المباركة، إضافةً إلى ورود روايات خاصّة مستفيضة أو متواترة على بعض أحكامها، وسنتعرّض في مقالنا هذا إلى ثلاث مسائل مهمّة تتعلّق بالتربة الحسينية:

المسالة الأُولى: وقوع التربة المباركة في بيت الخلاء

 

كلمات الفقهاء في المسألة

قال السيد اليزدي قدس سره: «إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته؛ وجب إخراجه ولو بأُجرة، وإن لم يمكن فالأحوط والأوْلى سدّ بابه، وترك التخلِّي فيه إلى أن يضمحلّ»[4].

وجاء في كتاب صراط النجاة: «س: ما المقصود من المحترمات التي هي غير ورق القرآن، والتي لو وقعت في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجها ولو بأُجرة، وإن لم يمكن سُدَّ بابه وتُرِك التخلّي فيه إلى أن يضمحلّ؟

الخوئي: المقصود منها: كلّ ما يجب احترامه ولا يجوز هتكه، مثل كتب أحاديث الأئمّة علیهم السلام، والكتب الفقهية، والتربة الحسينية، وتربة سائر الأئمّة الأطهار علیهم السلام، وما شاكل ذلك»[5].

وقد وافق الشيخ جواد التبريزي رحمه الله السيد الخوئي رحمه الله في ذلك.

وتنحلّ المسألة إلى فرعين:

الفرع الأول: وجوب إخراج التربة الحسينية مع التمكّن

يجب إخراج التربة الحسينية وكلّ محترمٍ إذا وقع في بيت الخلاء، أو بالوعة البيت، ولو بدفع الأُجرة لمَن يُخرجها.

أدلّة الفرع الأول

يمكن تقريب دليل وجوب إخراج التربة من بيت الخلاء أو بالوعته بتقريبين:

التقريب الأوّل: إنّ إخراج التربة يُعدُّ مقدّمة لإزالة النجاسة عن التربة، وقد تقدّم مفصّلاً أنّ إزالة النجاسة عن المحترمات واجب، بل هو من الوجوبات الفورية؛ ولأجل ذلك حُكِم بوجوب الإخراج.

التقريب الثاني: إنّ وجوب الإخراج للتربة المباركة إنّما هو لصدق الهتك والوهن لها، فيجب لذلك الإخراج والمسارعة فيه، لتوقّف رفع الإهانة على الإخراج.

ولا يخفى أنّ وجوب الإخراج لا يُفرّق فيه بين عدم صرف المال لذلك وبذل الأُجرة ـ كما لو استطاع الشخص استخراج التربة بنفسه بدون أُجرة ـ وبين بذل الأُجرة لشخص وتوقّف الإخراج على بذل بعض المال؛ لأنّ الشارع المقدس لا يرفع يده عن حرمة هذه المقدسات بالضرر المالي ما لم يبلغ إلى درجة الحرج[6].

 

الفرع الثاني: مع عدم إمكان إخراج التربة من بيت الخلاء

في حالة عدم إمكان إخراج التربة من بيت الخلاء أو بالوعته، فهنا قولان:

القول الأول: وجوب سدّ باب بيت الخلاء

يجب سدّ باب الخلاء إلى أن تضمحلّ وتنتفي التربة الحسينية، وفي حالة عدم اضمحلالها لا يجوز الاستفادة من الخلاء، ولعلّ هذا القول هو مختار أكثر الفقهاء، وخصوصاً المحدَثين والمعاصرين[7].

وذهب أكثر المعلّقين والمحشّين على متن العروة الوثقى إلى وجوب سدّ باب الخلاء إذا لم يمكن إخراج التربة من البالوعة، واعترضوا على ما ذهب إليه السيد اليزدي من الاحتياط الاستحبابي في سدّ بيت الخلاء وعدم التخلّي فيه.

فإنّ وجوب سدّ الباب ليس لأجل كون المتنجّس لا يتنجّس، بل هو لأجل أمرٍ آخر، وهو لزوم الهتك والمهانة من تنجيسها، ولا يُفرَّق في ذلك بين طهارة المحترم ونجاسته؛ فإنّ التربة أو الورق بعدما تنجّست بوقوعها في البالوعة إذا أُلقيت عليها النجاسة مرة أُخرى يُعدّ ذلك هتكاً لحرمتها، وكلّما تكرّر الإلقاء تعدّد الهتك والمهانة، وكلّ فردٍ من الإهانة والهتك حرامٌ في نفسه؛ وعليه فلو أمكن إخراجها من البالوعة وجب ولو ببذل الأُجرة عليه، إلّا أن يكون عَسِراً أو ضررياً، ومع عدم التمكّن من إخراجها فلا طريق إلّا سدّ البالوعة إلى أن تضمحلّ التربة المباركة.

القول الثاني: يُسدّ باب الخلاء على نحو الأحوط الأوْلى

إنّ سدّ باب الخلاء إنما هو على نحو الأحوط الأوْلى، ولا يصل إلى حدّ الوجوب، فيمكن للمكلّف استعمال الكنيف وإن لم تضمحلّ التربة، وهذا ما ذهب إليه السيد اليزدي.

وقد استدلّ السيد الخوئي لذلك بقوله: إنّ وجوب إخراج التربة من بيت الخلاء إنّما هو لأجل نجاستها، والتربة ما دامت في النجاسة ـ ولم يمكن إخراجها ـ فيجوز إلقاء النجاسة عليها، بدعوى أنّ المتنجّس لا يتنجّس ثانياً، فالنجاسة الثانية لا تؤثّر شيء جديد في مقابل النجاسة الأُولى.

وأما محذور الإهانة والهتك لها ـ بإلقاء النجاسة الثانية عليها ـ فهو غير معلوم؛ لأنّ سدّ الباب ما دام لا يؤثّر في تقليل النجاسة الواقعة، وما دام إخراج التربة وغيرها من المحترمات غير متيسّر؛ فلا يُعلم أنّ مجرّد استعمال تلك البالوعة يكون هتكاً، والشك وعدم العلم يكفي أيضاً لإجراء البراءة؛ لأنّ الشبهة هنا من الشُبه الموضوعية[8][9].

والخلاصة: أنّ وجوب سدّ الباب لأجل كون الاستنجاء مرة أُخرى إهانة جديدة، وهو لا يجوز.

ولا يخفى أنّ فتوى أكثر المتأخّرين ـ أعني المعاصرين ـ هي وجوب سدّ باب الخلاء في حالة عدم إمكان استخراج التربة.

نعم، إذا اضمحلّت التربة، وتلاشت وانعدمت، جاز بعد ذلك استعمال بيت الخلاء؛ لأنّ حرمة التنجيس أو وجوب الإخراج لها إنّما كان مترتّباً على عنوان التربة الحسينية، وفي حال الاضمحلال ينتفي عنوان التربة؛ وتبعاً له ينتفي الحكم الشرعي المترتّب عليه، وهو حرمة التنجيس أو وجوب الإخراج[10].

 

المسألة الثانية: حمل التربة الحسينية إلى بيت الخلاء

ذكرت الشريعة الإسلاميّة آداباً خاصّة للتخلّي، تحت عنوان: فصلٌ في مستحبات التخلِّي ومكروهاته، ولا ننكر أنّ هناك آداباً قد ذكرتها الديانات الأُخرى، ولكن اختصّت الشـريعة الإسلاميّة بالشمولية، بحيث عالجت أدقّ حالات المكلّف، وقد اكتشف العلم الحديث بعض أسرار هذه الآداب من المستحبات والمكروهات، ممّا يكشف ارتباط هذه الشريعة الغرّاء بمبدأ الغيب، وكونها شريعة إلهية بكلّ تفاصيلها.

ومن تلك المكروهات التي لا بدّ أن يتجنّبها المكلّف عند دخوله لبيت الخلاء: استقبال الشمس عند قضاء حاجته، واستقبال الريح، والجلوس في الشوارع و... واصطحاب الدراهم البيض، بل مطلقاً إذا كان عليه اسم الله تعالى، أو محترمٍ آخر.

والمراد بها: كلّ ما أُحرز من الشرع المقدس أنّه يجب احترامه، ويحرم هتكه، مثل القرآن العزيز، وكتب الحديث، والتربة الحسينية، وأمثالها.

وقد حكم بعض الفقهاء المعاصرين بكراهة اصطحاب المحترمات ـ ومنها تربة الحسين علیه السلام ـ إلى بيت الخلاء.

وقد أشار إلى هذا القول كلٌّ من السبزواري ـ صاحب ذخيرة المعاد ـ وكاشف الغطاء، والسيد عبد الأعلى السبزواري في مهذّب الأحكام.

وقد ناقش البعض الآخر في أدلّة هؤلاء، وانتهى إلى عدم وجود دليل يدلّ على الكراهية.

والحاصل من كلماتهم أنّ في المسألة قولين:

القول الأول: الحكم بكراهة اصطحاب المحترمات إلى بيت الخلاء[11].

وحاصل الدليل الذي يمكن استفادته من كلماتهم ما يلي:

1ـ إنّ الروايات دلّت على النهي من اصطحاب الخاتم وعليه اسم الله إلى بيت الخلاء، وهذا النهي محمولٌ على الكراهة، كما صرّح به الفقهاء، وقد حمل الفقهاء ذكر الخاتم على مجرّد المثال ـ فنتعدّى بتنقيح المناط[12] ـ إلى كلّ شيء فيه علّة التحريم، ونُعطيه حكم الخاتم الذي عليه اسم الله تعالى.

2ـ إنّ الشارع المقدس أمر باحترام وتعظيم كلّ ما هو محترم شرعاً، وإدخال مثل هذه الأشياء إلى بيت الخلاء يُنافي الاحترام والتعظيم؛ فلا بدّ من تجنّبه، بما أنّ هذا التنافي لا يصل إلى حدّ الحرمة، فيُحمل على الكراهة.

وخلاصة الدليل: إنّ الظاهر من الأدلّة أنّ المناط في الكراهة هو التحفّظ على الاحترام ـ لمثل الخاتم ـ فيصحّ التعدّي إلى كلّ محترم لا بدّ من احترامه شرعاً، وهذا هو الموافق لمرتكزات المتديّنين أيضاً[13].

وأمّا الروايات التي تدلّ على كراهة اصطحاب الخاتم المكتوب عليه اسم الله تعالى فهي:

1ـ رواية أبي أيّوب الخزّاز، قال: «قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسمٌ من أسماء الله تعالى؟ قال: لا، ولا تُجامع فيه»[14].

2ـ وعن معاوية بن عمار ـ أبو القاسم ـ قال: «قلت له: الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى؟ فقال: ما أحبّ ذلك. قال: فيكون اسم محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: لا بأس»[15].

3ـ وفي موثّقة عمار الساباطي، عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام أنّه قال: «لا يمسّ الجُنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله، ولا يُجامع وهو عليه، ولا يدخل المخرج وهو عليه»[16].

4ـ المروي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام أنّه قال: «سألته عن الرجل يجُامع ويدخل الكنيف، وعليه الخاتم فيه ذكر الله، أو الشيء من القرآن، أيصلح ذلك؟ قال: لا»[17].

القول الثاني: عدم الكراهة، أو القول باستحباب عدم الاصطحاب:

إنّ الفقهاء الذين ناقشوا أدلّة القول الأوّل اتّجهوا إلى اتّجاهين:

الاتّجاه الأول: التوقّف بمعنى أنّهم نفوا الكراهة فقط، ولم يصرّحوا بشيءٍ آخر.

الاتّجاه الثاني: القول باستحباب عدم حمل المحترمات واصطحابها إلى بيت الخلاء، فهم يحكمون بالاستحباب بعد مناقشة دليل الكراهة.

وممّن لم يحكم بالكراهة الشيخ البحراني[18]، والنراقي[19]، والظاهر من السيد محسن الحكيم[20]، وغيرهم.

وحاصل نقاشهم للروايات السابقة أمران:

الأول: ما قاله النراقي بعد نقله لتلك الروايات: «إنّ الروايات كما ترى مختصّة بالخاتم في اليد صريحاً كالأول [إشارة منه إلى الرواية الأُولى المتقدّمة] وظاهراً كالبواقي [إشارة إلى بقية الروايات] فلا يفيد تعميم الكراهة بالنسبة إلى مطلق الاصطحاب كما قد يُذكر، والتعدّي بتنقيح المناط موقوفٌ على القطع بالعلّة، والتمسّك بمنافاته التعظيم لا يُثبِت إلّا استحباب عدم الاصطحاب بقصد التعظيم، ولا كلام فيه، ولكلّ امرئٍ ما نوى[21]، وفتوى البعض أيضاً [إشارة إلى فتوى الصدوق] لا يُثبِت أزيد من ذلك، فالحكم بالكراهة مطلقاً لذلك لا وجه له»[22].

الثاني: إنّ القول بالكراهة لأجل التعظيم والاحترام، يُنافي ما في بعض الروايات من الدلالة على أنّ النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليّاً علیه السلام كانا يدخلان بيت الخلاء وكانا يتختمّان، وعليهما نقش فيه اسم الله تعالى واسم النبي صلى الله عليه وآله[23]، ففي رواية الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثاني علیه السلام قال: «قلت له: إنّا روينا في الحديث، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستنجي وخاتمه في إصبعه، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين علیه السلام، وكان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله: محمد رسول الله؟ قال: صدقوا. قلت: فينبغي لنا أن نفعل؟ فقال: إنّ أولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى، وإنّكم أنتم تتختّمون في اليسـرى»[24]. وقريب منها رواية عيون الأخبار[25].

والظاهر عرفاً أنّ اصطحاب التربة المباركة إلى بيت الخلاء ـ خصوصاً إذا كانت في قطعة قماش، أو في الجيب ـ لا يُعدّ خلاف الاحترام والتعظيم.

نعم، قد يُدّعى أنّ عدم اصطحابها من الأُمور المستحبّة؛ للأمر باحترام مثل هذه الأشياء شرعاً، وقد تقدّم من النراقي أنّ هذا لا إشكال فيه.

أمران لا بدّ منهما

الأمر الأول: ذكر النراقي رحمه الله أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الكراهة إنّما هي عند دخول الخلاء، سواء كان للتغوّط أو البول، فلا كراهة عند البول في غيره، بل ولا عند التغوّط في مثل الصحراء؛ لعدم صدق الخلاء والكنيف، بل ولا المخرج؛ لأنّ الظاهر منها أيضاً البيت المُعدّ له[26].

الأمر الثاني: إنّ القول بالكراهة إنّما يثبت فيما إذا لم تتلوّث التربة وبقية المحترمات بالنجاسة، وأمّا إذا أدّى حملها إلى بيت الخلاء إلى تلويثها وتنجيسها ففي هذه الحالة لا إشكال في حرمته، بل يُكفَّر فاعله لو فعله بقصد الإهانة[27].

 

المسألة الثالثة: تجهيز الميت بالتربة الحسينية

يُجهّز الميت بالتربة الحسينية في مواضع عديدة، نبيّنها ضمن المطالب التالية:

المطلب الأول: استحباب وضع التربة الحسينية مع حنوط الميت

امتازت الشريعة الإسلاميّة عن غيرها من الشرائع باحترام الإنسان، سواء أكان حياً أم ميتاً، ولم تفرّق بين احترامه حياً أو ميتاً، والأحكام التي ترافق الميت من حين احتضاره إلى ما بعد دفنه لا تقلّ أهمية ـ من حيث المضمون والعدد ـ عن الأحكام في حال وجوده في هذه الدنيا، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّ الموت لا يُعتبر فناءً لهذا الكائن، بل هو مرحلة يمرّ بها، فهو انتقالٌ من دارٍ إلى دارٍ أُخرى، وله نوع تعلّقٍ بالحياة التي فارقها، من ناحية وصول الثواب إليه من ذويه، وزيارته لأهله في كلّ جمعة، كما ورد في بعض الروايات، واحتياجه للثواب من أهله، وغير ذلك.

وقد ورد عنهم علیهم السلام: «إنّ حُرمة الميت كحُرمة الحي»[28].

ومن الأُمور التي يستفيد منها الميت بعد مفارقته لهذه الحياة تغسيله بعد الموت مباشرةً؛ لذا أوجبت الشريعة الإسلاميّة تغسيل الميت على نحو الكفاية، وللغسل كيفية خاصّة مذكورة في كتب الرسائل العملية وغيرها، وحكمت الشـريعة أيضاً بوجوب تحنيطه بعد غسله، والمراد بالتحنيط هنا هو: مسح أعضاء السجود السبعة ـ الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين ـ بالكافور، ويجب أن يكون ذلك الكافور مسحوقاً.

ومن مستحبات التحنيط أن يُخلط الكافور بشيء من تربة قبر الحسين علیه السلام، قال البحراني رحمه الله ـ وهو بصدد بيان مستحبات التكفين ـ: «ومنها: وضع التربة الحسينية على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام والتحية في حنوط الميت... »[29].

وقال السيد اليزدي رحمه الله: «يُستحب خلط الكافور بشيءٍ من تربة الحسين علیه السلام، لكن لا يُمسح به المواضع المنافية للاحترام»[30].

وقال الشيخ زين الدين رحمه الله: «يُستحبّ أن يُخلط الحنوط بشـيءٍ من تربة الحسين علیه السلام، على وجهٍ لا يخرج به عن اسم الكافور، وينبغي أن يتجنّب وضع المخلوط بها على المواضع التي تُنافي الاحترام، كإبهاميّ الرجلين... »[31].

وقد وافق عبارة السيد اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى كلّ مَن علّق عليها.

فالحكم بالاستحباب ـ وهو خلط الكافور بتربة الحسين علیه السلام ـ هو المعروف بين المعاصرين ومَن قارب عصرهم، بحيث لم نجد مخالفاً بينهم بحدود اطلاعنا القاصر[32].

أدلّة القول بالاستحباب

استُدلّ للقول بالاستحباب بدليلين:

الدليل الأول: ما رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في التهذيب بسنده عن محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال: «كتبت إلى الفقيه علیه السلام أسأله عن طين القبر يُوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب ـ وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ: توضَع مع الميت في قبره، ويُخلَط بحنوطه، إن شاء الله»[33].

ورواه الطبرسي رحمه الله أيضاً في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف مثله[34].

والمراد بالفقيه في رواية التهذيب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بقرينة رواية الطبرسي.

والمراد بالطين المذكور في الرواية هو الطين المعهود بالتبرّك، وهو طين قبر الحسين علیه السلام، والقرينة في ذلك ظاهرة، وقد فهم الشيخ الطوسي ذلك أيضاً؛ حيث أورده في جملة أحاديث تربة الحسين علیه السلام[35].

الدليل الثاني: وهو ما ذكره السيد السبزواري بقوله: «إنّ تربة قبر الإمام الحسين علیه السلام ممّا يُرجى فيه الأمان؛ فيُستحب وضعها مع الكافور لذلك»[36].

وبتعبير الشيخ محمد تقي الآملي: «إنّ وضع التربة مع الكافور فيه استشفاع واستدفاع، فيدلّ كلّ ما ورد في الاستشفاع بتربة الحسين الزكية على رجحانه»[37].

وهنا أمران لا بد من الإشارة إليهما وهما:

الأول: لا يجوز مسح الكافور المخلوط بتربة الحسين علیه السلام على مواضع الميت التي تُنافي احترام تلك التربة المباركة، كإبهاميّ الرجلين، وباطن القدمين، وظاهرهما، وأمثال ذلك؛ لأنّ ذلك هو الموافق لمرتكزات المتشرّعة، ولوجوب صون التربة عن كلّ ما ينافي احترامها؛ لورود الأمر بوجوب احترامها وتعظيمها.

الثاني: أن لا يؤدّي خلط التربة الحسينية بالكافور إلى خروجه عن إطلاق اسم الكافور عليه، بل يُخلط الكافور بكمّية قليلة من التربة بحيث يبقى معها إطلاق اسم الكافور عليه[38].

المطلب الثاني:  استحباب الكتابة بتربة الحسين علیه السلام على الكفن

من السُّنن والمستحبات في تجهيز الميت أن يُكتب اسم الميت ـ قيل: واسم أبيه أيضاً ـ على الكفن، وأنّه يشهد الشهادتين، أي: يُكتب على الأكفان: إنّ فلاناً يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن يُضيف إليهما كتابة اسم النبي صلى الله عليه وآله وأسماء الأئمّة علیهم السلام، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ، ويدلّ على ما تقدّم دعوى الإجماع، والسيرة العملية من المتشـرعة، وأنّ ذلك كلّه من طرق التوسّل واستجلاب الخير والبركة.

وزاد بعض الفقهاء استحباب كتابة القرآن ودعاء الجوشن الصغير والكبير، وبعض الكتابات الأُخرى[39].

ثمّ ذكروا بأنّه يُستحب أن يُكتَب اسم الميت والأدعية المتقدّمة على كفن الميت بتربة الإمام الحسين علیه السلام، وقد ذَكَرهُ كلّ من الشيخ المفيد والشيخ الطوسي[40]، وتبعهُ كلّ مَن تطرّق لهذه المسألة من الفقهاء، ونسبة الحكم إلى الفقهاء صرّح به كلّ من الكركي والهندي، قال الكركي رحمه الله ـ بعد نقله عبارة العلّامة ـ: «استحباب الكتابة بتربة الحسين علیه السلام ذكره الأصحاب»[41]. وقال الهندي رحمه الله: «وليكتب بتربة الحسين علیه السلام إن وُجد، ذكره الشيخان وتبعهما الأصحاب، وهو حَسن... »[42].

وقد وافق عبارة العروة الوثقى ـ الآتية في حصول ذلك ـ كلّ المعلقين، إمّا بذكر الدليل الذي يُمكن أن يستدلّ على الاستحباب، وإمّا بالسكوت تأييداً لما ذكره السيد اليزدي، قال رحمه الله ـ بعد ذكر ما يستحب كتابته على الكفن ـ: «والأوْلى أن يُكتب الأدعية المذكورة بتربة قبر الحسين علیه السلام، أو يُجعل في المداد شيء منها، أو بتربة سائر الأئمّة»[43].

وصرّح العلامة الحلي في المختلف بأنّ هذا الحكم هو المشهور[44].

واختلفت كلمات فقهاء الإمامية في المقدار الذي يُكتب عليه من الأكفان، من الأذكار واسم الميت المتقدّم ذكرها.

الذي نسبه العلّامة إلى المشهور أنّه يُستحب أن تُكتب تلك الأذكار على الأكفان والجريدتين، ولعلّ هذا القول هو أوسع الأقوال هنا؛ حيث أطلق لفظ الأكفان الذي يشمل جميع قِطَعِه الواجبة والمستحبة.

وذهب جماعة إلى أنّ استحباب الكتابة على الأكفان يشمل فقط: الحبرة، والقميص، والإزار، والجريدتين، والعمامة. واقتصر جماعة على الأربعة الأُولى دون العمامة.

وزاد بعض الفقهاء على ما تقدّم: العمامة، فجعلها ممّا يُكتب عليه، ولكنّه في نفس الوقت لم يأتِ على ذكر الجريدتين.

واقتصر آخر على ذكر الأكفان دون غيرها.

وذكر البعض أنّ المستحب هو الجريدتان، والقميص، والإزار، والحبرة، والعمامة، دون المواضع التي يستقبحها العقل لسوء الأدب، فلا يُكتب على المئزر إلّا على ما يحاذي الصدر والبطن، فالذي يقرب من القُبل والدُّبر تُستثنى من الكتابة عليها.

وقال البعض: إنّه يُكتب على الجريدتين والحبرة والقميص، وترك الإزار.

وقال آخر: إنّه يُكتب على الجريدتين والقميص والإزار، وترك الحبرة، وظاهرهُ دعوى الإجماع عليه[45].

وصرّح الشهيد الثاني بالاستحباب لجميع الأكفان بقوله: «وأضاف الشهيد [أي: الشهيد الأول]: المئزر، والكلّ جائز، بل لو كُتب على جميع الأقطاع فلا بأس؛ لثبوت أصل المشروعيّة، وليس في زيادتها إلّا زيادة الخير إن شاء الله تعالى»[46].

والفتوى في الوقت الحاضر ـ وهو المشهور على ما صرّح به الشيخ الأنصاري ـ هو: «أن يُكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب والمستحب حتى العمامة... والجريدتين»[47].

أدلّة القائلين بالاستحباب

إنّ القول باستحباب أن تكون الكتابة على الكفن بتربة الحسين علیه السلام هو المنسوب إلى الفقهاء، والظاهر منه عدم الخلاف أو الإجماع.

هذا وقد استُدلّ للاستحباب المذكور بأنّ الكتابة بتربة الحسين علیه السلام على الأكفان ممّا يُرجى فيها الحفظ والأمان، وهي أمانٌ من كلّ خوف كما في الحديث، والكتابة بالتربة يُعدُّ أيضاً من الأُمور التي يُتبرّك بها.

كما أنّ الكتابة بالتربة يُعتبر جمعاً بين مندوبين وهما: الكتابة، وجعل التربة مع الميت.

 والمستفاد من المروي في كتاب الاحتجاج في التوقيع الخارج عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في جواب مسائل الحميري: فإنّه سأله عن طين القبر يُوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أو لا؟ فأجاب علیه السلام: «يوضَع مع الميت ويُخلط بحنوطه إن شاء الله»[48]. وعبّر عنه الشيخ الجواهري بالصحيح[49].

وكتب الحميري أيضاً إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: «رُويَ لنا عن الصادق علیه السلام أنّه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله. فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب: يجوز ذلك»[50].

ثمّ ذكر جملة من الفقهاء ـ تفريعاً على أصل الكتابة بتربة الحسين علیه السلام على الكفن ـ أنّه ينبغي أن تُبلّ التربة الحسينية بالماء لتكون الكتابة مؤثرة بالكفن، فلكي تؤثّر التربة بالكفن، وتكون الكتابة بارزة وواضحة يُشترط أن تُبلّ بمقدار من الماء؛ لأنّ حقيقة الكتابة لا تتحقّق إلّا بذلك.

والظاهر أنّ مراد جميع الفقهاء ذلك، سواء المصرّح منهم بهذا أو الذين أطلقوا القول؛ للسبب المتقدّم ذكره[51].

المطلب الثالث: استحباب وضع التربة الحسينية مع الميت في القبر

ذكر الفقهاء أنّ من مستحبات تجهيز الميت هو وضع التربة الحسينية مع الميت في القبر، وكان أول القائلين بهذه المسألة هو الشيخ المفيد والشيخ الطوسي رحمهما الله: وهو المشهور بين المتقدّمين من فقهائنا، بل صرّح البعض بأنّه لا يوجد خلاف في القول بالاستحباب.

قال الشهيد الأول رحمه الله ـ وهو بصدد ذكر مستحبات كيفية الدفن ـ: «يستحب وضع التربة معه، قاله الشيخان ـ المفيد والطوسي ـ ولم نعلم مأخذه، والتبرّك بها كافٍ في ذلك، والأحسن جعلها تحت خدّه، كما قاله المفيد في المقنعة»[52].

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله: «ويُستحبّ أن يُجعل معه شيء من تربة الحسين علیه السلام»[53].

وقال صاحب المدارك رحمه الله ـ تعليقاً على كلام العلّامة رحمه الله: «ويُجعل معهُ شيء من تربة الحسين علیه السلام» ـ: «ذكر ذلك الشيخان، ولم أقف لهما على مأخذ سوى التبرّك بها، ولعلّه كافٍ في ذلك، واختلف قولهما في موضع جعلها... »[54].

وقال البحراني رحمه الله ـ وهو بصدد ذكر مستحبات الدفن ـ: «منها: وضع التربة الحسينية على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام والتحية معه، وهذا الحكم مشهور في كلام المتقدّمين، ولكن مستنده خفيٌّ على المتأخّرين ومتأخّريهم، قال في المدارك وقبله الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما: ذكر ذلك الشيخان... »[55].

وقال صاحب مفتاح الكرامة رحمه الله ـ تعليقاً على كلام العلّامة رحمه الله: «وجعل شيء من تربة الحسين علیه السلام معه» ـ: «لم أجد في هذا خلافاً؛ لأنّها أمان من كلّ خوف، وفي المعتبر: ويُحلّ عقد كفنه، ويُجعل معه تربة. وعليه اتفاق الأصحاب، وظاهره دعوى الإجماع على الأمرين، لكن يظهر من آخر كلامه، حيث يقول: وأمّا وضع التربة ففتوى الشيخين: أنّ الإجماع على الأوّل، فتأمّل»[56].

وقال النجفي رحمه الله: «ومنها أن يُجعل معه شيء من تربة الحسين علیه السلام على ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يُعرف فيه، فلعلّ شهرته بينهم، والتبرّك بها، وكونها أماناً من كلّ خوف، وما في الفقه الرضوي... كافٍ في ثبوته، مضافاً إلى الصحيح المروي عن الحميري... »[57].

والقول بالاستحباب هو الذي أفتى به المعاصرون، كما في رسائلهم العملية، وغيرها من كتب الفتوى[58].

أدلّة القول بالاستحباب

أدلّة القول باستحباب وضع التربة مع الميت واضحة ومتعدّدة، ولكن رغم ذلك نجد أن العاملي في مدارك الأحكام ـ بعد أن نسب القول بالاستحباب إلى الشيخين ـ قال: «لم نقف لهما على مأخذ»[59]. وتبرّع لهما بأنّ المدرك الوحيد هو التبرّك بالتربة، وهذا يكفي لإثبات الاستحباب.

وهذا اعتراف منه بعدم وجود دليل سوى الدليل الذي تبرّع به، ولكنّ هذه الدعوى مجانِبة للحقيقة، فبالإضافة إلى كون الحكم مشهوراً بين الفقهاء، بل عليه دعوى عدم الخلاف بينهم[60]، ذُكر له أدلّة أُخرى، وهي كالآتي:

1ـ ما رواه الشيخ الطوسي في أبواب المزار من كتاب التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال: «كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يُوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب ـ وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ: يُوضع مع الميت في قبره ويُخلط بحنوطه أن شاء الله تعالى»[61].

وقد رواه الطبرسي في الاحتجاج[62] عن محمد بن عبد الله، عن أبيه، عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

2ـ ما رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في مصباح المتهجّد عن جعفر بن عيسى أنّه سمع أبا الحسن علیه السلام يقول: «ما على أحدكم إذا دفن الميّت ووسّده التراب أن يضع مقابل وجهه لَبِنَة من الطين، ولا يضعها تحت رأسه»[63].

والظاهر أن المراد من الطين المذكور في الرواية هو طين قبر الحسين علیه السلام، ومن هنا أورده الشيخ الطوسي في جملة أحاديث تربة الحسين علیه السلام.

ولعلّ اختيار هذه العبارة المجملة من قِبَل الإمام علیه السلام؛ لأجل التقية التي كانوا يعيشونها آنذاك، أو لكون هذا الإطلاق على التربة الحسينية كان شائعاً في ذلك الزمان، ومعلومية المراد منه عند السامع[64].

3ـ النصّ الوارد في فقه الرضا علیه السلام قال: «ويجعل معه في أكفانه شيئاً من طين القبر وتربة الحسين بن علي علیهما السلام»[65].

4ـ ما رُوي عن منتهى المطلب وتذكرة الفقهاء ونهاية الأحكام قال: «إنّ امرأة كانت تزني وتضع أولادها وتحرقهم بالنار خوفاً من أهلها، ولم يعلم به غير أُمّها، فلمّا ماتت دُفنت فانكشف التراب عنها، ولم تقبلها الأرض، فنُقلت من ذلك المكان إلى غيره، فجرى لها ذلك، فجاء أهلها إلى الصادق علیه السلام وحكوا له القصة، فقال لأُمّها: ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها، فقال الصادق علیه السلام: إنّ الأرض لا تقبل هذه؛ لأنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله، اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين علیه السلام، فَفُعِلَ ذلك بها فسترها الله تعالى»[66].

وقال الكركي ـ وهو بصدد معالجة سند الرواية ـ: إنّ الرواية الأخيرة مشتهرة مضمونها، فتُقبل وإن ضُعِّفت، بل يُقبل الضعيف في روايات السُّنن مطلقاً[67].

5ـ الروايات الواردة بلسان: إنّ تربة الحسين علیه السلام أمان من كلّ خوف. وهذا يكفي دليلاً للاستحباب، فإنّ الميت بعد انقطاعه عن هذه الدنيا يمرّ بحالات من ظلمة القبر، والوحدة، وضغطة القبر، وغيرها من الأهوال التي يحتاج معها إلى الأمان، والتخفيف من الوحشة والعذاب والحساب، ومن هنا ورد أنّ ابن آدم إذا مات قامت قيامته[68].

والنصوص الدالّة على هذه الحقيقة هي ما ورد في كتاب كامل الزيارات، في الباب الثاني والتسعين، تحت عنوان: إن طين قبر الحسين علیه السلام شفاء وأمان، فعن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين علیه السلام شفاءً من كلّ داءٍ وأماناً من كلّ خوفٍ»[69].

المكان الذي تُجعل فيه التربة مع الميت

بعد إثبات أصل استحباب وضع التربة مع الميت، وقع بين الفقهاء خلاف في المكان الذي تُوضع فيه التربة، وحاصل الأقوال هو:

1ـ ليس لها مكان محدّد، فتوضع مع الميت كيفما اتفق، وهذا القول هو المنسوب إلى أكثر العلماء، وهو مختار كبار الفقهاء؛ لدلالة بعض الأدلّة السابقة عليه، ولا أقلّ وجود التبرّك في جميع الحالات.

2ـ أن تُجعل التربة في كفن الميت، وهو مختار بعض الفقهاء، ويدلّ على هذا القول بعض الأدلّة السابقة.

3ـ أن تُجعل التربة الحسينية تحت خدّ الميت.

4ـ أن تجعل التربة الحسينية في وجه الميت.

5ـ أن تجعل التربة الحسينية في لحد الميت تلقاء وجهه.

والأقوال الثلاثة الأخيرة لا دليل عليها؛ على ما صرّح به بعض الفقهاء.

نعم، استُدلّ للقول الأخير برواية الشيخ في مصباح المتهجد.

ولكن ناقش البعض في ذلك: بأنّ إرادة طين القبر منه غير معلومة، وإن فهمه الشيخ الطوسي وغيره منه، وشيوع إطلاق الطين المطلق عليه بحيث يتبادر منه ممنوع[70].

وقد يحتمل البعض أنّ التربة الحسينية قد تصل إليها النجاسة من بدن الميت بعد دفنه ومضي أيام عليه، لضعف البدن وقابليته للتفسخ والفناء، وهذا غير جائز؛ لحرمة تنجيس التربة كما مرّ سابقاً.

ويمكن دفع هذا الإيراد بأنه:

أولاً: أنّه يمكن التحرّز عن تنجيس التربة بوضعها في مكان من القبر لا يُحتمل وصول النجاسة إليها؛ لأنّ صحيح عبد الله بن جعفر الحميري، وحديث الزانية المتقدّمين يدلّان على وضعهما في مطلق القبر، والأول منها صريح في ذلك.

ثانياً: إنّنا نقطع لحظة وضع التربة مع الميت بعدم وصول النجاسة إليها، وبطهارة بدن الميت وأكفانه حسب الفرض، واحتمال وصول النجاسة إليها لأجل تفسخ وتناثر بدن الميت بعد ذلك وهو مجرد شكّ، فنتمسّك بأصالة عدم وصول النجاسة إليها، وهذا يكفي لارتفاع الحرمة المُحتملة[71].

المطلب الرابع: دفن الميت عند مشهد الإمام الحسين علیه السلام

إنّ من مظاهر تقديس الشريعة لبدن الميت ـ والذي يرجع إلى احترام الميت نفسه ـ هو الحكم بدفن الميت في المكان الذي مات فيه، أو نقله إلى المشاهد المشرَّفة؛ ولذا أجمع الإمامية على كراهة نقل الميت قبل دفنه من بلدٍ إلى آخر؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله أمر بالمسارعة بدفنه، وعدم تأخيره مهما أمكن، وأيضاً قد يؤدّي التأخير إلى عدم الأمن على جسد الميت من الفساد، ومعنى هذا أنّ الإمامية يجوِّزون النقل مع الكراهة[72].

نعم، صرّح السيد الخوئي وغيره بأنّه لو لا الإجماع لحكمنا بالجواز بدون كراهة، للمناقشة الواضحة في أدلّة الكراهة[73].

وأمّا فقهاء المذاهب، فقد اختلفوا في ذلك على أقوالٍ ثلاثة:

فيرى الحنفية ـ وهو رواية عن أحمد بن حنبل ـ أنّه لا بأس بنقل الميت مطلقاً، وقيل: إنّه يجوز النقل إلى ما دون مدّة السفر، وقيّده محمد بن الحسن ـ من الحنفية ـ بقدر ميل أو ميلين.

وذهب جمهور الشافعية والحنابلة إلى أنّه لا يجوز نقل الميت قبل الدفن من بلدٍ إلى آخر إلّا لغرضٍ صحيح، وبه قال الأوزاعي وابن المنذر.

وقال الشافعي: إنّي لا أحبّ النقل إلّا أن يكون بقرب مكة، أو المدينة، أو بيت المقدس، فيختار أن يُنقل إليها لفضل الدفن فيها، وقال البعض منهم: إنّه يُكره نقله. وقال البعض الآخر: إنّه يحرم نقله.

وأمّا المالكية، فيجوز عندهم نقل الميت قبل الدفن وبعده من مكان إلى آخر، لكن بشروط ثلاثة:

أ أن لا ينفجر حال نقله.

ب أن لا تُنتهك حرمته.

ج وأن يكون لمصلحة، كأن يُخاف عليه من أن يأكله البحر، أو تُرجى بركة الموضع المنقول إليه، أو ليُدفن بين أهله، أو لقرب زيارة أهله، وغيرها[74].

وقد استثنى الإمامية من الحكم بالكراهة، ما إذا كان النقل إلى أحد المشاهد المشرّفة، والتي منها مشهد الإمام الحسين علیه السلام كربلاء، فحكموا باستحباب النقل، هذا كلّه إذا كان النقل قبل الدفن.

وأمّا إذا كان النقل بعد الدفن ففيه خلاف وتفصيل، وخلاصته:

أجمع فقهاء الإمامية[75] على أنّه لا يجوز نقل الميت بعد دفنه، وقد صرّح بالإجماع أكثر من واحد.

نعم، قال صاحب الوسيلة: يُكره تحويل الميت من قبرٍ إلى قبرٍ آخر[76]. فإنّ الظاهر منه الكراهة لا النهي.

وأطلق ابن الجنيد نفي البأس عن تحويل الميت إذا كان صلاحاً للميت[77].

وقد اختلف فقهاء المذاهب أيضاً على قولين:

فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّه لا يجوز نقل الميت من مكانٍ إلى آخر بعد الدفن مطلقاً.

نعم، أفتى بعض المتأخرين من الحنفية بجواز النقل.

وجوّز المالكية النقل لكن بشروط ثلاثة تقدّم ذكرها، والتي منها أن تُرجى بركة الموضع المنقول إليه[78].

واستثنى جماعة من الإمامية من عدم جواز النقل إذا كان لأحد المشاهد المشرَّفة، وسوف يأتي.

هذا حاصل الأقوال في أصل جواز النقل وعدمه، مع بيان وجه الاستثناء من الكراهة أو الحرمة.

والمهم دراسة المستثنى، وهو جواز النقل ـ قبل وبعد الدفن ـ إلى المشاهد المشـرَّفة، ومنها مشهد الإمام الحسين علیه السلام، واستحباب ذلك وذكر أدلّته وفروعه.

استحباب نقل الميت إلى مشهد الإمام الحسين علیه السلام

إنّ نقل الميت له حالتان: تارة قبل الدفن، وأُخرى بعده:

الحالة الأُولى: نقل الميت قبل دفنه

إن القول باستحباب نقل الميت إلى المشاهد المقدسة ـ ومنها مشهد الإمام الحسين علیه السلام والدفن بقربه علیه السلام ـ هو المشهور بين الإمامية، بل لا خلاف فيه، وعليه دعوى الإجماع من قِبل جماعة، وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمّة إلى زماننا، كما صرّح به البعض[79].

قال المحقّق الحلي رحمه الله: «وأمّا الثاني [أي: استحباب نقل الميت إلى مشاهد الأئمّة] فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمّة إلى الآن، وهو المشهور بينهم لا يتناكرونه... »[80].

وقال الطوسي رحمه الله: «يُكره نقل الميت من الموضع الذي مات فيه إلى بلدٍ آخر، إلّا إذا نُقل إلى واحدٍ من المشاهد، فإنّ ذلك مستحبٌّ له»[81].

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله: «يُكره نقل الميت عن بلد موته بإجماع العلماء؛ لقوله علیه السلام: عجّلوهم إلى مضاجعهم. ويُستحب نقله إلى أحد مشاهد الأئمّة علیهم السلام؛ لأن عمل الإمامية عليه من زمن الأئمّة علیهم السلام إلى زماننا فكان إجماعاً، ولأنّه موضع شريف فينبغي قصده»[82].

وقال الكركي رحمه الله ـ معلّقاً على عبارة العلّامة الحلّي رحمه الله: «والنقل إلّا إلى أحد المشاهد» ـ: «أي: يُكره نقل الميّت عن بلد موته لمنافاته التعجيل المأمور به، وعلى ذلك إجماع العلماء، وهذا في غير مشاهد الأئمّة علیهم السلام، فيستحب النقل إليها، وعليه عمل الإمامية من زمن الأئمّة علیهم السلام إلى زماننا، فكان إجماعاً، قاله في التذكرة»[83].

وقريب منها عبارة صاحب الرياض[84].

وقال أيضاً في الشرح الصغير: «و [يكره] نقل الميت قبل الدفن إلى غير بلد موته، إلّا إلى أحد المشاهد المشرَّفة، فيستحب إجماعاً فتوى وعملاً، ويجوز بعده أيضاً ما لم يكن معه محرّم على الأظهر، خلافاً للأكثر، وهو أحوط»[85].

وقال السيد اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى ـ وهو بصدد تعداد الأُمور المكروهة في الدفن، وقد وافقه كلّ مَن جاء بعده وعلّق على عبارته مؤيّداً له ـ: «الحادي والعشرون: نقل الميّت من بلد موته إلى بلدٍ آخر، إلّا إلى المشاهد المشرَّفة، والأماكن المقدّسة، والمواضع المحترمة، كالنقل من عرفات إلى مكة، والنقل إلى النجف، فإنّ الدفن فيه يدفع عذاب القبر، وسؤال الملكين، وإلى كربلاء والكاظمية وسائر قبور الأئمّة، بل إلى مقابر العلماء، بل لا يبعد استحباب النقل من بعض المشاهد إلى آخر لبعض المرجّحات الشرعية»[86].

وقال السيد الخوئي رحمه الله ـ بعد أن ناقش أدلّة الكراهة في أصل النقل ـ: «الجهة الثانية: النقل إلى الأماكن المتبرّكة ـ كالمشاهد المشرَّفة وغيرها من الأماكن التي يُتقرّب بالدفن فيها إلى الله سبحانه ـ جائزٌ، بل مستحب، كالنقل إلى بيوت النبيّ صلى الله عليه وآله كالمعصومة عليها السلام[87]، وغيرها من قبور الأئمّة وبناتهم علیهم السلام، أو النقل إلى قبر عالم من العلماء، أو سيّد من السادات؛ للتوّسل بهم والاستشفاع بقبورهم»[88].

وممَّن صرّح بجواز النقل لشرف البقعة المنقول إليها: الشافعي، ولكنّه قيّدها بثلاث: مكة، والمدينة، وبيت المقدس.

وكذلك المالكية؛ حيث جوَّزوا النقل بشرط أن تُرجى بركة الموضع المنقول إليه الميت، وأيُّ بركةٍ أفضل من مجاورة سيد الشهداء علیه السلام؟

وأمّا الحنفية ورواية عن أحمد، فلم يقيّدوا جواز النقل بقيدٍ أو شرط[89].

أدلّة جواز نقل الميت قبل الدفن

إن الأدلّة المذكورة في عبائر الأعلام حول جواز نقل الميت قبل دفنه كثيرة، بعضها يصلح للاستدلال به مستقلاً، وبعضها يصلح للتأييد فقط، وسوف نعرض جميع الأدلّة تتميماً للفائدة:

الدليل الأول: الإجماع، وقد ادّعاه جماعة، منهم المحقّق الحلّي، والعلّامة الحلّي، والشهيد الأول، وصاحب اللوامع، والمحقّق الثاني في روض الجنان[90].

الدليل الثاني: إنّ عمل فقهاء الإمامية على النقل إلى مشاهد الأئمّة من زمن الأئمّة علیهم السلام إلى الآن، وهو مشهور بينهم لا يتناكرون له[91].

الدليل الثالث: إنّ الناقل للميت إلى المشاهد المشرَّفة يقصد بذلك التمسّك بمَن له أهليّة الشفاعة، وهو أمرٌ حسنٌ بين الأحياء توصّلاً إلى فوائد الدنيا، فالتوصّل إلى فوائد الآخرة أوْلى، أو لأجل خصوصية في نفس التربة وهو التبرّك بها[92].

ويؤيّد هذا المعنى عدّة روايات؛ حيث قال في الجواهر ـ ناقلاً عن بحار الأنوار قوله ـ: «إنّه وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد المشرَّفة لا سيّما الغري والحائر»[93].

قال في في الجواهر: «إنّي سمعت من بعض مشايخي ناقلاً له عن المقداد أنّه قال: قد تواترت الأخبار أنّ الدفن في سائر مشاهد الأئمّة علیهم السلام مُسقطٌ لسؤال منكر ونكير»[94].

ومن هذه الأخبار:

أ فحوى خبر محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام المروي في مجمع البيان وقصص الأنبياء للراوندي ـ مسنداً في الثاني ـ عن الإمام محمد الباقر علیه السلام قال: «لمّا مات يعقوب حمله يوسف علیه السلام في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس»[95].

ب الخبر المروي في الفقيه والعلل وعيون الأخبار والخصال عن محمد بن علي بن الحسن قال: قال الإمام الصادق علیه السلام: «إنّ الله أوحى إلى موسى بن عمران: أن أخرِجْ عظام يوسف من مصر ـ إلى أن قال ـ: فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر، فلمّا أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام، فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام»[96].

ج رواية علي بن سليمان، قال: «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات يُدفن بعرفات أو يُنقل إلى الحرم، فأيّهما أفضل؟ فكتب: يُحمل إلى الحرم ويُدفن؛ فهو أفضل»[97].

د وجود نصّ يدلّ على استحباب ذلك، وهو النصّ الذي أشار إليه في ذكرى الشيعة قال: «قال المفيد في العزية: وقد جاء حديث يدلّ على رخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول صلى الله عليه وآله، إن وصّى الميت بذلك»[98].

ﻫ وهناك روايات أُخرى تؤكّد استحباب الدفن في مشاهد الأئمة علیهم السلام، منها: خبر اليماني المشهور الذي جاء بأبيه ليدفنه بالغري[99]، وقد أقرّه الإمام علي علیه السلام على فعله، ومنها: أمر الإمام الرضا علیه السلام بأن يُدفن يونس بن عبد الرحمن بالبقيع[100]، وغيرها.

وقال صاحب الجواهر رحمه الله ـ مُعقّباً على تلك الروايات ـ: «والحاصل: أنّ مَن أيقظته أخبار الأئمّة الهداة علیهم السلام لا يحتاج إلى خصوص أخبار في التمسّك على رجاء النفع للميّت، ودفع الضـرر عنه بالدفن قرب مَن له أهليّة الشفاعة لذلك، والأرض المباركة المشـرَّفة بدفنهم بها أو بغيره، سيّما ما كان لفضلها تعلّق بالدفن ونحوه كمقبرة براثا؛ لما في خبر أبي الحسين الحذّاء عن الصادق علیه السلام: إنّ إلى جانبكم مقبرة يُقال لها: براثا. يُحشر بها عشرون ومائة ألف شهيد كشهداء بدر»[101].

و الأخبار الواردة في فضل كربلاء وشرفها، منها: ما رواه الطوسي بسنده إلى عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر الصادق علیه السلام قال: «خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك، وجعلها الله أفضل الأرض في الجنّة»[102].

الحالة الثانية: نقل الميت بعد دفنه

اختلف فقهاء الإمامية في جواز نقل الميت بعد دفنه إلى مشهد الإمام الحسين علیه السلام على قولين:

فالمشهور منهم لم يجوّزوا النقل مطلقاً، وإن كان لأحدِ المشاهد المشـرَّفة، ومنها مشهد الإمام الحسين علیه السلام.

بينما ذهب جماعة إلى جواز النقل، بل استحبابه[103]، فكان ذلك استثناءً من عدم الجواز المذكور، وإليك بعض كلماتهم:

قال الطوسي رحمه الله ـ بعد أن صرّح بكراهة نقل الميت قبل دفنه ـ: «فإذا دُفن في موضع، فلا يجوز نقله وتحويله من موضعه، وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهدِ الأئمّة، سمعناها مذاكرةً، والأصلُ ما ذكرناه»[104].

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله: «ولو دُفن في غيره [أي: في غير أحد المشاهد المشرَّفة] لم يَجُزْ نقله، وإن كان إلى المشاهد، لإطلاق تحريم النبش، وسوّغه بعض علمائنا، قال الشيخ: سمعناه مذاكرةً»[105].

وقال الشهيد الثاني رحمه الله: «وكذا يحرم نقل الميت بعد دفنه إلى موضعٍ آخر؛ لتحريم النبش، واستدعائه الهتك، وإن كان ذلك إلى أحد المشاهد المشرَّفة على المشهور، ونقل المصنف في التذكرة جوازه إليها عن بعض علمائنا... »[106].

وقال في الرياض: «ولا يجوز نقل الموتى بعد دفنهم إلى غير المشاهد إجماعاً؛ وكذا إليها [أي: المشاهد] على الأشهر، كما في القواعد و... ولا دليل عليه سوى استلزام النبش المحرّم، وهو غير المدّعى؛ فإذاً الجواز أقوى وفاقاً لظاهر النهاية... »[107].

وقريب منها عبارة المستند[108].

وقريب منها عبارة الجواهر، مدّعياً عليه الشهرة، ونسبها إلى عدّة من الفقهاء[109].

وقال صاحب العروة رحمه الله: «والظاهر عدم الفرق في جواز النقل بين كونه قبل الدفن أو بعده، ومَن قال بحرمة الثان

المرفقات