من دعاء الامام السجاد (عليه السلام) لجيرانه واوليائه :
(وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإِفْضَـالِ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً).
(وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ) النصرة : اعنته وقويته (بمعنى الاعانة).
فالجار او الاخ المؤمن او الاخت المؤمنة قد يتعرض احدهم للظلم اما من حاكم او مسؤول او من بعض ارحامه او تظلم زوجة من زوجها او زوج من زوجته وقد يكون الظلم جسديا او معنويا او ماليا فالمطلوب هو اعانة المظلوم والوقوف معه بالطرق الحكيمة التي تؤدي الى رفع الظلامة عنه مهما كان ذلك ممكنا..
(وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ)
المواساة : هي المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق..
الماعون: اختلف في معناه فقيل : هو المعروف كله، وقيل هو اسم جامع لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني في اغلب الاحوال ولا ينسب سائله الى اللؤم، بل ينسب مانعه الى اللؤم والبخل، كالفأس والقصعه والقدر والدلو والغربال والقدوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار..
وقيل هو مطلق المنفعة وكل ما ينتفع به ..
(وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإِفْضَـالِ)
والعود عليهم : من العائدة بمعنى : ايصال المعروف اليهم او بمعنى الرجوع، أي التكرار عليهم بالانعام..
الجدة:الثروة والغنى، والإفضال: الزيادة والاكثار او الكثرة في العطاء..
فقوله (عليه السلام) والعود عليهم بالجدة : أي التطول عليهم والاحسان اليهم..
فالمعنى: أي يعطف بعضهم على بعض بالثروة فيساعده مالياً ..
(وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ)
كما روي عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حق المؤمن: (واذا علمت ان له حاجة تبادر الى قضائها، ولا تلجئه ان يسألها، ولكن تبادره مبادرة).
(واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ)
ان الانسان معرّض لصدور الخطأ والإساءة منه تجاه الاخرين فمنها ما يكون بقصد ومنها ما يكون بسبب سرعة الانفعال او سوء الخلق ومنها ما يكون من غير قصد.. والرد على الإساءة بالإساءة يفاقم المشكلة ويعقدها وقد تتطور بحيث يصعب حلها..
التسامح من الاخلاق التي ندب اليها الاسلام وقد جاء مدحها كثيراً في النصوص واكدت حسنها الكثير من مواقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة من آله وكانت سبباً لهداية الكثير من الذين كانوا يدينون بغير الاسلام او لم يكونوا مهتدين بهدى آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)..
فالتسامح سجية وخلق تدفع الانسان للتجاوز عن اساءات الآخرين، والصفح عن اخطائهم والإغضاء عنها، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، بل باللين والعفو والتساهل وعدم التشدّد والعنف، والتسامح يعبر عن إفاضة المحسن بالرحمة والعطف والحنان..
من آثار التسامح : طول العمر والعزة والوقاية من سوء الاقدار والنجاة من النار.. فعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : (تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار).
ومن التوجيهات المهمة في اصلاح العلاقة هو قبل الاعتذار من المسيء اذا ما اراد الاعتذار وعدم التسرّع برد الفعل وكبت الرغبة في الانتقام بمقابلة الاسائة بالاسائة..
قال امير المؤمنين (عليه السلام) : (افضل الناس من كظم غيظه وحَلُم عن قدرة).
وفي نفس الوقت فان عدم العفو وترك رغبة النفس بالانتقام والتشفي من قبائح العيوب..
عن علي (عليه السلام) : (قلة العفو أقبح العيوب والتسرّع الى الانتقام أعظم الذنوب).
(وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ)
اعرضت عن الشيء: أضربت ووليت عنه أي : أعفو واتجاوز عن ظلم الظالمين منهم في حقي..
(وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ)
"استعمل" أي اعمل بحسن الظن في جملتهم وقاطبتهم.. (أي جميعهم).
نجد الانسان احياناً يغلب عنده سوء الظن على الظن الحسن بسبب سيطرة الوهم والخيال عليه وعدم تحكيم قواعد التثبت لديه من الدليل والبرهان..
فكثيراً ما يحكم الانسان على الاشخاص الاخرين ومواقفهم وسلوكهم واقوالهم بحكم معين مبني على التصورات والتخيلات والاوهام والتحليل الشخصي غير المستند الى دليل او برهان يمكن ان يتأكد من خلاله الانسان عن صحة حكمه.. فيظن ظناً سيئاً بالآخرين..
والاصل في الانسان العاقل ان يبني احكامه ومواقفه على العلم كما يقول تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا).
فحينما تريد ان تحكم على شخص معين او امر ما او حدث ما فتريث وتأنّى في حكمك وحاول ان تبحث عن الدليل ولا تخضع للانفعال او التخمين والظن بل حاول ان تتأكد وتتثبت من الامر من خلال الدليل الصحيح.. ولا تعتمد على الاوهام والاحتمالات فهو منهج خاطئ غالباً ما يؤدي بالإنسان الى الانحراف من جادة الصواب وقد يؤدي الى الندم الشديد اذا رتب عليه الآثار غير الصحيحة..
والظنون السيئة على أقسام :
الظن بوقوع ما هو امر سيء واتهام شخص به من دون دليل وبرهان بل بناء على احتمالات واوهام وشكوك وربما يكون شخص عليه انطباع بسبب صدور بعض الامور السيئة منه ولكن هذا الامر السيء لا يعلم انه صدر منه فيتهمه به ..
اساء الظن بالنية والقصد أي من نية وقصد فعل هو في حد ذاته حسن ولكن يسيء الظن بنيته وقصده..
اساءة الظن من مقصد فعل هو في حد ذاته سيء ولكن يحتمل وجود تبرير مقبول له.. كأن ترى شخصاً يعمل عملا ً في ظاهره سيء او غير مقبول ولكن يحتمل ان له مبرر شرعي او مسوِّغ مقبول شرعاً وعرفاً ومن دون ان يضع هذا الاحتمال موضع الاعتبار فيشكك في امره ويسيء الظن به..
آفة سوء الظن وآثارها الاجتماعية :
سوء الظن من الخصال الشنيعة والرذائل الاخلاقية فهو مرض اخلاقي فتّاك من الافراد والمجتمعات وهو على قسمين :
سوء الظن بالناس..
سوء الظن بالله تعالى..
مراتب سوء الظن :
سوء الظن اللساني والعملي : وهو سوء الظن الذي يتجسّد في افعال الشخص وكلماته واقواله وهذا النوع هو المحرم شرعاً والذي يترتب عليه العقاب..
سوء الظن النفسي : وهو سوء الظن الذي لا يترتب عليه اثر خارجي وهو خارج تماماً عن دائرة اختيار الانسان وارادته ولكن على الانسان ان يحذر من استمراره وتحوله الى افعال خارجية بأن لا يرتب عليه اثراً من كلام او سلوك يعكس سوء الظن.. وهو ما يعبر عنه بالخواطر والخلجات..
الآثار السلبية لسوء الظن :
من آثاره زوال الثقة بين الناس والذي يؤدي الى تمزّق المجتمعات البشرية والانسانية ويؤدي الى التفرقة بين العوائل..
ان سوء الظن يؤدي الى تدمير وتخريب الهدوء النفسي والروحي لذلك المجتمع فمن يعيش سوء الظن لا يجد الراحة والاطمئنان في علاقته مع الاخرين ويخاف من الجميع، واحياناً يتصور ان جميع الافراد يتحركون للوقيعة به ويسعون ضده، فيستنزف طاقات الفكرية والنفسية في امور موهومة..
التخلص من سوء الظن بحسن الظن:
سوء الظن يفضي الى النتائج السيئة المذكورة على مستوى الفرد والمجتمع ويؤدي الى سقوط الانسان الاخلاقي والثقافي، ويورثه التعب والالم والشقاء والمرض الجسمي والروحي والنفسي.. بينما نجد في المقابل ان حسن الظن يتسبب في ان يعيش الانسان الراحة الاجتماعية والطمأنينة النفسية، ويورث المجتمع روح التعاون والتكافل وحسن العلاقة فيما بينهم.. ولهذا نجد ان الروايات تؤكد على حسن الظن بالأقربين..
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق