تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ (عبد المهدي الكربلائي) خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في(28/شوال/1436هـ)الموافق(14/8/2015م) إلى ثلاثة أمور استهلها سماحته:الأمر الاول:أقدم الارهابيون المتوحشون يوم امس على تفجير سيارة مفخخة في (علوة) الجميلة ببغداد مما اسفر عن سقوط المئات من المواطنين الابرياء بين قتيل وجريح، وقد اُعلن عن تبني تنظيم (داعش) الارهابي لهذه الجريمة الطائفية النكراء وتبجحه بها، وهو انما يقوم بأمثال هذه الجرائم الوحشية انتقاماً من الشعب العراقي الكريم الذي وقف ابناؤه الميامين في القوات المسلحة والمتطوعون الابطال وابناء العشائر الغيارى سداً منيعاً دون تحقق اهدافه المشؤومة.واننا اذ نعبر عن مواساتنا وتضامننا مع العوائل المفجوعة ونترحم على الاحبة الذين قضوا في هذا الاعتداء الآثم وندعو للجرحى والمصابين بالشفاء العاجل فإننا نؤكد على ان هذه الجرائم الوحشية لن تكسر ارادة الشعب العراقي أبداً بل تزيده اصراراً على مواصلة القتال حتى تحقيق النصر النهائي وتخليص البلد من رجس الارهابيين الظلاميين بعون الله تعالى.كما اننا نؤكد مرة اخرى على الجهات الحكومية المسؤولة ضرورة الاسراع في اصلاح المؤسسات الامنية والاستخبارية لتكون قادرة على اداء دورها المنشود في توفير الامن والاستقرار والكشف عن العمليات الارهابية قبل وقوعها. الأمر الثاني :ان مكافحة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية كانت من اهم هواجس المرجعية الدينية العليا منذ السنوات الاولى من تغيير النظام. وقد اكدت مراراً وتكراراً في السنوات العشر الماضية في البيانات الصادرة من مكتبها في النجف الاشرف وفي خطب الجمعة على اهمية القيام بخطوات جادة في مكافحة الفساد المالي والإداري وانه لا أمن ولا تنمية ولا تقدم من دون ذلك.وأود ان اقرأ على مسامعكم مقاطع من البيانات التي صدرت من مكتب المرجعية بهذا الخصوص في السنوات الماضية :ففي نيسان عام 2006 أي قبل ما يقرب من عشرة اعوام وبعد انتخابات الدورة الاولى لمجلس النواب وقُبيل تشكيل الحكومة أصدر المكتب بياناً ورد فيه ( ان من المهام الاخرى للحكومة المقبلة التي تحظى بأهمية بالغة مكافحة الفساد الاداري المستشري في معظم مؤسسات الدولة بدرجة تنذر بخطر جسيم، فلابد من وضع آليات عملية للقضاء على هذا الداء العُضال وملاحقة المفسدين قضائياً أياً كانوا).وفي ايلول عام 2006م وبعد تشكيل الحكومة اصدر المكتب بياناً ورد فيه التأكيد مرة اخرى على ضرورة مكافحة الفساد وسوء استغلال السلطة الذي يتسبب في ضياع جملة من موارد الدولة العراقية وشدد على لزوم تمكين القضاء من ممارسة دوره في محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم في أسرع وقت.وفي شباط عام 2011م أصدر المكتب بياناً ورد فيه (ان المرجعية الدينية العليا تدعو مجلس النواب والحكومة العراقية الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولا سيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة، وقبل هذا وذاك اتخاذ قرارات حاسمة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي مُنحت للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم، والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنوياً مبالغ طائلة من اموال هذا الشعب المظلوم والغاء ما يوجد منها حالياً).هذه نماذج من دعوات المرجعية الدينية العليا وتأكيداتها المستمرة على ضرورة مكافحة الفساد في دوائر الدولة التي لم نجد مع الاسف آذاناً صاغية لها في السنوات الماضية. الأمر الثالث :قد أُعلن في الايام الاخيرة عن اتخاذ عدة قرارات في سبيل اصلاح المؤسسات الحكومية ومكافحة الفساد فيها وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية..ونحن اذ نقدّر ذلك ونأمل ان تجد تلك القرارات طريقها الى التنفيذ في وقت قريب نود الإشارة الى ان من اهم متطلبات العملية الاصلاحية :اولا ً :اصلاح الجهاز القضائي، فانه يشكل ركناً مهماً في استكمال حُزم الإصلاح، ولا يمكن ان يتم الاصلاح الحقيقي من دونه.ان الفساد وان استشرى حتى في القضاء الا ان من المؤكد وجود عدد غير قليل من القضاة الشرفاء الذين لم تلوث أيديهم بالرشوة ولا تأخذهم في الحق لومة لائم، فلابد من الاعتماد على هؤلاء في اصلاح الجهاز القضائي ليكون المرتكز الاساس لإصلاح بقية مؤسسات الدولة.ثانياً :ان هنالك العديد من القوانين والقرارات التي صدرت في الأعوام الماضية مما فتحت افاقاً واسعة لممارسة الفساد بأشكال متنوعة، فلابد للحكومة ومجلس النواب ان يعيدا النظر في تلك القوانين والقرارات ويعملا على تعديلها او إلغائها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة.وفي المقابل فإن هنالك حاجة ماسة الى تشريع قوانين واصدار قرارات لا يتم الاصلاح بدونها، ومن أهم القوانين الاصلاحية هو القانون الخاص بسلم الرواتب لموظفي الدولة بحيث تراعى فيه العدالة الاجتماعية، اذ ليس من المقبول ان يحظى بعض كبار المسؤولين برواتب تبلغ عشرات الملايين شهرياً في حين لا تبلغ الرواتب الشهرية لكثير من الموظفين ثلاثمائة ألف دينار.اننا نأمل ان تقوم الحكومة ومجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى باجراء الاصلاحات المطلوبة بصورة مدروسة ولكن من غير تلكؤ وتأخير..وليعلموا ان الشعب الكريم يراقب عملهم ويتابع أدائهم وسيكون له الموقف المناسب ممن يعرقل او يماطل في القيام بالإصلاحات ومكافحة الفساد.ان من المنطقي ان يُمنح المسؤولون فرصة ً معقولة ً لاثبات حُسن نواياهم في السير بالعملية الاصلاحية الى أمام من دون ان يُخشى مِن زج البلد في الفوضى وتعطيل مصالح الناس والدخول في المهاترات التي لا جدوى منها.نسأل الله العلي القدير ان يوفق الجميع الى ما فيه خير العراقيين وصلاحهم وأمنهم واستقرارهم..
اترك تعليق