ربما لم يخطر لزعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي بعد بسط سيطرته في سوريا أن يحقق شيئاً مماثلاً في العراق بعد استحواذ تنظيمه على الموصل ، وربما لم يعي "إبراهيم عواد" المولود في سامراء والمدعو بالبغدادي ؛ حجم الفارق الكبير بين المجتمعين ( السوري – العراقي ) ، فلكل منهما طبيعته الخاصة ، فبعد مرور (4) أعوام فقط من سيطرة التنظيمات المتشددة على أجزاء واسعة من سوريا ؛ لتغص مخيمات أوربا باللاجئين السوريين هرباً من مصير مجهول مع هذه الجماعات التي لا تعرف سوى الدمار، وهذا ما لم يشهده البغدادي في العراق ، وأن توقع حدوث ذلك ، إلا أن سيطرته على مدينة الرمادي أنسته تلك الحقيقة .
"جرف النصر" الصدمة الأولى التي أيقظت البغدادي من غفلته وعودته إلى قناعاته مجدداً ، فبعد أن فقد جرف الصخر ـ أهم مناطق العراق بالنسبة للتنظيمات الإرهابية وأكثرها أمناً ـ منذ ذلك الحين عرف داعش أن هناك هزائم أخرى بانتظاره ، نسبة كبيرة منها ـ إن لم نقل جميعها ـ تحققت على يد مقاتلي الحشد الشعبي ـ التشكيل الذي ظهر بعد فتوى المرجعية العليا بالجهاد الكفائي ـ والذين يروّن أن لمعركتهم مع داعش بعداً عقائداً لا يمكن أن تترجمه الجيوش الرسمية على أرض الواقع كما ينبغي ، إذ تُرجمت هذه العقائد إلى سلسلة من الانتصارات في مدن صلاح الدين ومناطق أخرى .
إذن ... البغدادي رجل الولايات الأمريكية المتحدة وإسرائيل "المدلل" بشكل غير مباشر يجب أن يُتدارك بأسرع وقت ممكن ، وإلا فإن شبح الحشد الشعبي ـ وليد حماسة الشعب العراقي ـ سيقضي على أهم مشروع استراتيجي وضعته أمريكا والصهيونية العالمية عبر داعش لتقسيم المنطقة ، تطهير مدن العراق من داعش عبر الحشد الشعبي بهذه السهولة سيفقدهما ـ امريكا والصهيونية ـ الكثير، وربما يخرج العراق عن سيطرتهما وبالتالي فقدان السيطرة على المنطقة برمتها ... هكذا يفكرون!
تحرير الموصل .. كيف ومتى؟
بعد تحرير مدن صلاح الدين تحديداً ، برزت ثمة أصوات تطالب بتحرير "الرمادي" من سيطرة داعش على يد أبناء العشائر وبمساندة من القوات الأمنية حصراً ، كانت تلك الأصوات المدفوعة الثمن من الخارج ، ترفض أي تدخل للحشد الشعبي في الرمادي وباقي المدن الأخرى التي لاتزال تخضع لسيطرة داعش ، وكانت تتحدث عن تحرير الرمادي والموصل أيضا بطريقة تملؤها الثقة المفرطة ، ما أثار علامات استفهام عدة كان أبرزها " إذا كان أهالي الرمادي او الموصل او أي منطقة سُنية أخرى قادرون على حماية مدنهم ؛ إذن كيف تمكن داعش من السيطرة على أراضيها ؟!
كما أن عدم قدرة التنظيم على فتح جبهة مشابهة في كربلاء والنجف وسائر المحافظات الجنوبية أثار هذا التساؤل بشدة ... إذن ؛ هناك من يحاول أن يخفي الحقيقة ... الحقيقة التي تقول إن داعش يجد في المناطق الشمالية والغربية ملاذاً آمناً له، وهناك تأييد حقيقي لوجوده رغم الرفض الشديد الذي تبديه تلك المدن ظاهراً، واذا ما أراد الحشد الشعبي أن يكون موجوداً لمواجهة داعش في الرمادي أو الموصل؛ فإن هناك كوارثاً كبيرةً ستحصل بعد أن يخسر هؤلاء الكثير من أبنائهم الذين انخرطوا ضمن صفوف داعش ، خصوصاً وإن تلك المدن تحاول أن تعيد أمجاد النظام السابق ، إذ كانت تحظى ـ على عهده ـ برعاية خاصة ، وهو ما يضمن لأبنائهم مناصب حساسة في الدولة ، لا تحتاج هذه المدن التي يشكل السُنة فيها الغالبية المزيد من الخسائر في الأرواح، كل ما تحتاجه تلك المناطق "مصالحة" بسيطة مع قيادات تنظيم داعش الذين هم من أبناء هذه المدن؛ والمصالحة كفيلة بإنهاء الأزمة، بعدها يعلن أن مدينة الرمادي أو الموصل عادت إلى حضن الوطن بمعركة "نظيفة" كما يعبر ممثليهم!.
البيشمركة الكردية: تنظيم داعش ضعف كثيراً وتحرير الموصل بات أسهل بكثير!
على خلفية ذلك ارتفعت بعض الاصوات للمطالبة بتحرير الموصل بعد أن تمكنت القوات الأمنية من تحرير الرمادي مؤخراً، تلا ذلك إصرار الولايات الأمريكية المتحدة على تعاونها مع قوات البيشمركة الكردية و تنفيذ "إنزالات" متكررة في مناطق عديدة من الموصل وتصريحها بإلقاء القبض على قيادات مهمة من "داعش".
قائد قوات البيشمركة الكردية في محور بعشيقة بمحافظة الموصل "حميد افندي" أشار في تصريح له تابعه الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة أن "تحرير الموصل من داعش سيكون على يد قوات البيشمركة وليس على أية قوات اخرى حتى الجيش العراقي".
ويقول أفندي "إن تحرير الموصل ليس بالأمر الصعب ويحتاج الى البدء به فقط لان تنظيم "داعش" قد ضعف كثيراً"!!!
لكن من أضعف داعش وكيف تم ذلك؟ هذا السؤال يبحث عن إجابة من "الأفندي" والجهات الأخرى التي ترى في داعش ـ بعد تلقيه هزائم مذلة في صلاح الدين ومدن أخرى على يد الحشد الشعبي ـ أنه بات أضعف بكثير ، الا ان في الإجابة عن هذا التساؤل حقيقة مزعجة تلزمهم بوضع اصابعهم في اذانهم من سماعها .
وترى البيشمركة و جهات أخرى بعد تحرير الرمادي من قبل القوات الأمنية ، أن الأخيرة ليست قادرة على تحرير الموصل ، في الوقت الذي دعت فيه وجاهدت سابقاً إلى أن تكون عمليات تطهير الأراضي العراقية عبر "القوات الرسمية" للدولة العراقية على حد وصفها، في إشارة منها إلى رفضها الشديد بإمكانية دخول قوات الحشد الشعبي ومشاركتها في معارك تحرير الرمادي أو الموصل ، فما عدا مما بدى ؟!
الحشد الشعبي يمثل دوراً شيعياً ... فلا مجال لوجوده في الموصل !
و يرى الكتاب والإعلامي "توفيق التميمي" أن هناك تصدعاً وتشظياً واضحاً بين الأطراف المستعدة للمشاركة بتحرير مدينة "الموصل" أو باقي المدن العراقية التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش .
وقال في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة إن "الأطراف المشاركة بصياغة المشهد السياسي العراقي ترى أن مشاركة الحشد الشعبي بتحرير الموصل يمثل دوراً شيعياً".
وأضاف أن "ارتباط الحشد الشعبي بالمرجعية الدينية والإسلام السياسي يشكل تضاداً في الذاكرة الجمعية السنية" .
وعزا "التميمي" تحفظ الولايات الأمريكية المتحدة والقوى السنية على مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل إلى ما وصفه بـ "اختلاف الغايات وتشظي القوى واختلاف النوايا وغياب الحس الوطني الجامع بين الأطراف المشاركة".
وقال : " إن هناك خشية من تمدد النفوذ الايراني الذي يتصورون بانه الاداة التي يتحرك من خلالها الايرانيون ويحققون غاياتهم في الميدان القتالي والعراقي عموماً ".
لماذا يرفضون الحشد الشعبي في مدنهم؟
من جهته أكد الباحث الإسلامي الشيخ عقيل الحمداني : " أن الحشد الشعبي وخلال الفترة الماضية أثبت قدرته العالية في تحرير العديد من المناطق التي كانت تخضع لسيطرة داعش " .
وأشار الحمداني إلى أن هناك محاولات واضحة من قبل بعض القوى والأطراف تحاول تضعيف دور الحشد الشعبي في المعارك الجارية ضد داعش .
وقال الحمداني في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة : " إن الحشد الشعبي قدم تضحيات كبيرة وحقق انتصارات مبهرة على الرغم من قلة الامكانيات وضعف التسليح " .
واعتبر أن " القوى والتشكيلات المقترحة كبديل عن الحشد الشعبي في تحرير مدينة الموصل إنما جاءت لتصدير انتصارات الحشد الشعبي وتقليص دوره ".
وعزا الحمداني محاولات تهميش دور الحشد الشعبي إلى مشاريع تروم إعادة سيطرة ما وصفه بـ "البعث الصدامي" على تلك المناطق التي يمثل غالبية سكانها من مؤيدي النظام السابق .
وقال : " إن الحشد الشعبي انبثق من ارادة ملايين العراقيين الرافضين للظلم والهوان وهو متوشح بوشاح الطاعة للمرجعية الدينية في العراق لذلك يرفضون وجوده هناك ".
وزبدة القول ، أن الأزمات التي تخلقها الولايات الامريكية المتحدة ودول إقليمية أخرى بين الأطراف السياسية في العراق هي من يعرقل سير العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش ، إنهم يحاولون سرقة منجز " الخلاص من داعش" الذي قدمته المرجعية لسُنة العراق بفتواها ، من خلال توفير خيارات تبدو ظاهراً أكثر ضماناً لحفظ هيبتهم كمكوّنٍ سياسيٍ أمام دول المنطقة .
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق