لفترات طويلة.. ظل "داعش" يتحدث عن دخول "حتمي" لبغداد والسيطرة عليها كما الموصل بعد سيطرته أيضاً على أجزاء واسعة من المدن الشمالية للعراق أبرزها محافظة صلاح الدين، وبخطاب ممزوج بـ "الثقة" كان يتوعد داعش المد "الصفوي" – على حد وصفه - بمجازر لم ولن يشهد لها التاريخ مثيلاً في حال وصوله إلى بغداد، وكربلاء، والنجف، وتناقلت مواقع إلكترونية تابعة للتنظيم حينها خطة الإبادة هذه في تفاصيل دقيقة، كان منها إقامة مقبرة كبيرة للشيعة في مدينة الكاظمية بعد هدم المراقد المقدسة هناك.
لكن بعد أن أعلنت القوات الأمنية العراقية وفي طليعتها فصائل الحشد الشعبي تحرير مدينة "آمرلي" التي شهدت حصاراً قاسياً من قبل داعش قرابة الـ 80 يوماً، وتحرير "جرف الصخر" و "ديالي" و "صلاح الدين"؛ حتى بدأ "داعش" يتلاشى شيئاً فشيئاً في العديد من المدن التي خضعت لسيطرته، والتي كان يقاتل فيها بكل ما يملك من قوة لتحقيق أطول وقت من "البقاء"، ولم يعد بعدها "حلم" السيطرة على بغداد أو النجف أو كربلاء موجوداً لدى داعش، وما يؤكد ذلك خلو "الإصدارات الفيديوية" الأخيرة لداعش من أي وعيد مشابه، بعد أن اعتاد على ترديد عبارات النصر المزعوم بدخول بغداد و"تطهير" كربلاء والنجف من المراقد على حد وصف التنظيم.
تراجع الأداء الإعلامي لداعش
مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، أكد في تقرير له حدوث تراجع وصفه بـ "الكمي" و "النوعي" للمواد الإعلامية التي يواظب تنظيم "داعش" على نشرها باستمرار، ويستخدمها كـ "سلاح" قوي لبث مزيدٍ من الرعب لدى خصومه، خصوصاً وهو يعمد إلى استخدام أبشع طرق القتل المرعبة التي يوثقها فيديوياً.
ويؤكد التقرير تراجع الأداء الإعلامي لتنظيم "داعش" بعد نجاح الضربات العسكرية الموجهة ضده في سوريا والعراق في إضعافه، والحد من قدراته، وتكبده خسائر مادية وبشرية كبيرة أثرت في قدرة التنظيم ومقوماته الأساسية، والتي انعكست بشكل مباشر على الأداء الإعلامي والدعائي للتنظيم في الأشهر الثلاثة الماضية.
ويقول المرصد في تقريره، إن "المتابعة الدقيقة والمكثفة لأكثر من 30 موقعًا تابعًا للتنظيم الإرهابي، بالإضافة إلى العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت عن تراجع نوعيٍّ وكميٍّ للمواد الإعلامية التي يبثها إعلاميو التنظيم وعناصره".
ولفت التقرير إلى أن "داعش عندما يكون في ذروة قوته كان يصدر المزيد من المواد الإعلامية المختلفة، فمع سيطرته على المزيد من الأراضي العراقية والسورية في أواخر عام 2014 كان هناك تزايداً فيما يصدره من مواد إعلامية مختلفة، إلا أن الأمر قد تغير بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الماضية".
نفوذ داعش 40% إلى 17%
إلى ذلك أعلن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي السبت 19/ كانون الأول، أن سيطرة تنظيم "داعش" على الأراضي العراقية تراجعت من 40 بالمائة الى 17 بالمائة بفعل العمليات العسكرية التي تقودها القوات الأمنية العراقية ومقاتلي الحشد الشعبي.
فيما أكد ذلك تقرير بحثي أعده المعهد الأمريكي "IHS" أن مساحة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" تقلصت في سوريا والعراق، بشكل كبير خلال عام 2015 في ظل انخفاض قدرته المالية.
ويقدر التقرير أن المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" انخفضت بنسبة 12 ألفا و 800 كيلومتر مربع، وذلك خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2014، إلى الـ14 من ديسمبر/كانون الأول 2015، مشيرا إلى أن التنظيم لا يزال يهمين اليوم على مساحة تقدر بـ 78 ألف كيلومتر مربع.
تراجع كبير في بيع النفط لدى تنظيم داعش
ويعزو الرئيس الفرنسي "فرانسو هولاند" أسباب تقلص وجود "داعش" في العراق وسوريا إلى تراجع "كبير" لتجارة تهريب النفط التي تمول التنظيم، مؤكداً في مؤتمر صحفي له استمرار الطائرات الفرنسية والأمريكية باستهداف مصادر تمويل داعش التي منها تجارة النفط والقطع الأثرية.
ويشير "هولاند" إلى الفضل الكبير للعمليات البرية التي تخوضها القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي والغارات الجوية لفرنسا في استعادة الكثير من الأراضي العراقية، في الوقت الذي تستهدف فيه هذه الغارات مراكز التدريب والمواقع اللوجستية والمنشآت النفطية لداعش على حد قول الرئيس الفرنسي.
"داعش" ناله الكثير من "الصدع" بعد أن أعادت المنطقة عقوداً إلى الوراء
ويرى مراقبون أن القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي ومع قرب انتهاء عام 2015 أصبح على اعتاب تحرير الموصل من سيطرة "داعش" بعد أن حققت انتصارات كبيرة في صلاح الدين والرمادي وعدد من مدن العراق التي كانت تحت سيطرة "داعش" فيما أشاروا إلى أن التدخل الروسي حرم "داعش" من تهريب النفط الذي يعد المصدر الرئيس لتمويله.
إلى ذلك اعتبر الكاتب والصحفي حسن الفرطوسي تنظيم "داعش" ناله الكثير من الصدع والإنهاك المالي تحديداً، لاسيما بعد التدخل الروسي العسكري الذي حرم التنظيم من تهريب النفط، المصدر المالي الرئيس.
وقال الفرطوسي في حديث خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة، "إني لا أعوّل كثيراً على النسبة المئوية (40% إلى 17%) التي أعلنتها وزارة الدفاع مؤخراً لأنها ربما لا تكون دقيقة، لكن مما لا شكّ فيه هو أن تنظيم داعش ناله الكثير من الصدع والإنهاك المالي".
وأضاف أن، "الدولة التي أقامها داعش أوشكت أن تتحلل وتنتهي قريباً، خصوصاً مع ما تحققه القوات المسلحة من انتصارات سريعة في الأنبار، لكن التنظيم سيبقى يمارس شغبه في عملية ارهابية هنا وأخرى هناك.. إنها دولة تأسست لتنتهي، لا لتبقى، لأنها إفراز سياسات حزبية أنانية حاكمة في المنطقة، لكنها كتجربة أعادت المنطقة عقوداً إلى الوراء".
تكاتف شعبي وحكومي وراء تقلص "داعش" في العراق
من جهته أكد الباحث الإسلامي الشيخ عقيل الحمداني أن الحشد الشعبي "كسر هيبة" تنظيم داعش الذي شكّل خطراً كبيراً على المنطقة برمتها، مشيراً إلى دور "المرجعية الدينية" و "زيارة الأربعين" برفع الروح المعنوية لدى المقاتلين وتحقيق المزيد من الانتصارات.
وقال الحمداني في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية، إن "تقلص نفوذ داعش في العراق يعود الى تكاتف الجهد الشعبي والحكومي والانصهار في بوتقة واحده جمعت في طياتها الشيعي البطل والسني الغيور والتركماني الشجاع والعربي صاحب النوماس".
وأشار إلى أن "زيارة الأربعين كان لها أثر كبير في شحن المقاتلين بالروح المعنوية والطاقة الجهادية لأن الإمام الحسين عليه السلام لا يزال يستنهض الأحرار بثورته الخالدة ضد الظلم والتكفير".
ولفت الحمداني، إلى أن "الخطط العسكرية المحكمة" كان لها دوراً كبيراً بتحرير الكثير من المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيمات المتشددة.
إن هزيمة "داعش" في العراق لن تمر دون أن تأخذ من التنظيمات المتشددة المزيد من قوتها وهو ما سيؤدي بالنهاية إلى ضعفها وصعوبة سيطرتها مجدداً على مناطق أخرى في المنطقة، لا سيّما وأنها لا تحظى بأي قاعدة جماهيرية مريدة لها، وهو ما سيعزز من رفع قدرة المواجهة لدى قوات الدفاع في سوريا بعد العراق وباقي البلدان التي تستهدفها "داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق