اشار ممثل المرجعية الدينية العليا السيد احمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف في 18/ رمضان/1437هـ الموافق 24/6/2016م الى ضرورة الوقوف عند الحقوق التي ارساها الامام السجاد عليه السلام في رسالته الموسومة (رسالة الحقوق) لمعرفة ما للآخرين من حقوق علينا وما لأعضائنا وجوارحنا من حقوق علينا.
وقال ان الله تعالى خلقنا بجوارح وادوات وجعلنا في محيط نحتك به بالاخرين فلابد من وجود شِرعة ومنهاج لهذه الجوارح والادوات، مبينا انه قد نمتلك صحيفة او فضائية او لسان او اعوان لكن من الضروري تربية النفس على استخدم هذه الامور في مواقعها اللائقة بها.
واضاف اننا من خلال استعراض بعض المقاطع للامام السجاد (عليه السلام) في الحقوق ومن بينها حق اللسان الذي جاء فيه (حق اللسان اكرامه عن الخنا وترك الفضول التي لا فائدة لها)، موضحا ان (الخنا) أي الفحش يشير الى ان اللسان له حق عليك اكرمه ونزهه عن الفحش والسباب والشتيمة وتعويده الخير وعلى كلام الخير، مستدركا ان الفضول يعد الشيء الزائد الذي لا فائدة منه.
وتابع في حديثه مستعرضا حديث الامام (عليه السلام) (والبر بالناس وحسن القول فيهم)، موضحا ان حق اللسان سواء اكان الشخص سياسياً او اجتماعياً او اقتصادياً يجب ان يبر به للناس ويقول به الحسن اذ لا يوجد مبرر لمخالفة ذلك لان اللسان الجارحة سيتعب الشخص ويتعب وقوفه ويتعبه في الدنيا لذا من الضروري ان يصان ذلك اللسان.
واردف السيد الصافي في خطبته ثم قال (عليه السلام) : (وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه) لان الله تعالى اعطى للانسان هذه الجارحة التي لها الحق عنده ولايوجد ايضاً اي مبرر لاستخدامها في التفتيش عن افعال الاخرين ومحاولة استراق السمع بدعوى ان الموقع يستلزم ذلك، موضحا ان هذا كلام غير صحيح، ثم يقول (عليه السلام) : (وحق البصر ان تغضّه عمّا لا يحل لك وتعتبر بالنظر به) مؤكدا في حديثه الى ضرورة الملاحظة في ان الامام عليه السلام بين جهتان اولها في الغض عن النظر عمّا لا يحل وثانيا الاعتبار بالنظر به.
وبخصوص قول الامام (عليه السلام) : (وحق يدك ان لا تبسطها الى ما لا يحل لك) أي لا تجعل يدك تصل الى ما لا يحل لك، وكذلك قوله (عليه السلام): (وحق رجليك ان لا تمشي بهما الى ما لا يحل لك فبهما تقف على الصراط) مبينا ان الرجلين تقف بهما على الصراط وان الانسان قد تأتيه لحظة يقول يا ليتهما قد قُطعتا ولم اسع بهما الى وشاية على آخر او اسعى بها الى موبقة، اذ قال (عليه السلام): (فانظر ان لا تزلاّ بك فتردى في النار) فهذه قدم ستقف بها لابد ان تكون قدم ثابتة.
واوضح خلال استعراضه لقوله (عليه السلام): (وحق بطنك ان لا تجعله وعاءً للحرام ولا تزيد على الشبع) أي ان الانسان قد يتمكن من اخذ اموال الاخرين بغير حق ويتمكن ويفعل حتى تمتلئ بطنه (هذا الوعاء) الذي سيكون نتناً ويجمع من هنا وهناك، مبينا ان الامام (عليه السلام) يقول لا تجعله وعاءً للحرام ولا تزيد على الشبع حتى في الحلال وعوّد نفسك على ان لا تكون شرهاً، وقال (عليه السلام): (وحق مالك ان لا تأخذه الا من حلّه ولا تنفقه الا في وجهه) مشيرا ان هناك مشكلة تكمن في ان شخص عنده مستحقات مالية عند الدولة ويذهب يريد استحقاقه الا ان بعض المتنفذين يجبره ويقول له اعطيك المال ولكن اخذ 20% مثلا ً او نسبة اخرى يستغل حاجة صاحب الحق ويأخذ منه المال بلا حق وهذا بالنتيجة وبال هذا الشخص الذي يأخذ المال الحرام في زهوة الصحة والفتوة والموقع ولا يعرف ماذا يجدي، ولكن واقعاً هم يأكلون في بطونهم ناراً وسرعان ما تنقلب عليه الاشياء ويبحث عن هذا الشخص الذي اخذ منه فلا يجده، مذكرا بقول الامام (عليه السلام) : (ولا تنفقه الا في وجهه ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك فاعمل به بطاعة ربك ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة)، مشيرا ان المال الحلال فائدته في الانفاق لا فائدته في الاكتناز والانسان اذا انفق ماله بيّنت الفائدة اما اذا اكتنزه سيعيش عيشة الفقراء ويحاسب محاسبة الاغنياء.
وتقدم السيد الصافي خلال الخطبة بالشكر والتقدير قائلا " انا احب واقعاً ان اسجل شكري وامتناني لجميع الاخوة اصحاب الاموال الذين بذلوا اموالهم ويبذلون دفاعاً عن هذا البلد..واقعاً هذه أيادي تٌقبّل.. ان الانسان يجاهد بأمواله لعله عنده ظرف لا يستطيع ان يقاتل لكن الله تعالى منحه ورزقه وهو يحاول ان ينفق فمصداق لقوله (ولا تنفقه الا في وجهه) وهذا الان من افضل الوجوه ان يجهز غازياً ومتطوعاً ومقاتلا ً بأمواله وبحمد الله تعالى كثير من الاخوة اعطوا هذه الاموال ومدّ الاخوة المقاتلين بمدد جيد ساعد على الصمود والوقوف بوجه الاعداء..فهنيئاً لهم وان شاء الله تعالى يعوّضهم اموال مضاعفة والبعض شهد بذلك قال بحمد الله تعالى المال كثير وينمو ما دمنا ننفقه في طاعة الله تعالى".
واردف في خطبته ثم يقول الامام (عليه السلام): (ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة)، مشيرا ان هنالك انسان بخيل حريص على الاموال اوشك ان يموت يقف عنده الورثة وهو يعلم ان الورثة لا يعتبرونه اصلا ً وانما وقوفهم استعجالاً لمنيته وحتى يتم تقسيم الحصص يتمنى في هذه اللحظة ان هذه الاموال انفقها حتى تكون له..فترى هناك حسرة وندامة هذا الندم لعل بعض الاخوة يعلمون الانسان عندما يندم على فعل ماضي يندم وتبقى هذه الحالة النفسية تؤلمه ولكنها لا تنتهي بالحسرة والندامة وانما مع التبعة، موضحا ان الانسان اذا سنَ سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها.
وتابع السيد الصافي خطبته مستعرضا قول الامام السجاد عليه السلام (وحق اهل ملتك اضمار السلامة والمرحمة لهم) أي ان تضمر في داخلك وان (الاضمار) أي انا في داخلي اضمر وانوي لك المحبة وواقعاً لابد ان تكون متربي على اضمار هذا الفعل ولابد ان يكون كظاهره، كما اشار عليه السلام (والرفق بمسيئهم وتالفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الاذى عنهم)، موضحا ان تكون مع جار حسن يكف الاذى ويحاول ان يلتفت اليك والله يكون بيتك من افضل البيوت حتى وان كان صغيراً ضيقاً لكنك تلتذ بالمعيشة مع اناس من اهل ملتك يحترمون الجار، وقد يكون بيتك من البيوت الفرهة الواسعة لكن عندك جار سوء يحاول ان يجعل هذه الدار عليك جحيماً لا يفعل الا الاذية تراه يرمي النفايات بباب دارك وتجد الصراخ والصوت العالي ويجعلك تريد ان تفر من هذه الدار تخلصاً من جار السوء، مستدركا ان هذه ليست مسائل كمالية فصاحب السياسة يسمع والاجتماعي يسمع والمثقف يسمع هذه ليست امور كمالية لا يعفى منها احد وتكون على احد، هذه امور ضرورية الانسان يريد ان يعيش في جو اعرف حقوقك وتعرف حقوقي أي (وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك) وان هذه الاشياء وجدانية فالائمة عليهم السلام في مقام ارشادهم لنا ليس في مقام الظاهر فقط وانما ان تحدث عندنا واقعية.
واختتم خطبته بالوقوف عن قول الامام عليه السلام (وان يكون شيوخهم بمنزلة ابيك وشبانهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة امّك والصغار بمنزلة اولادك) مشيرا ان هذه المنزلة تجعل الانسان متوازن، اذ عندما يعاشر الناس وهم طبقات يعاشر رجلا ً كبيراً في مقام الاب يتعامل معه كتعامله مع ابيه وصغيراً في مقام الابن يحرص عليه كحرصه على ابنه ونساء عجائز يتعامل معها كمقام الام ويبر بها كبره بوالدته واخته وابنته.
تحرير: ولاء الصفار
الموقع الرسمي للعتبة احسينية المقدسة
اترك تعليق