ممثل المرجعية العليا خلال الملتقى الشبابي الثالث لطلبة الجامعات العراقية يحذر من “التبعية العمياء” ويدعو الشباب إلى مواكب معرفية في مسيرة الأربعين

حذر ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، من مخاطر التبعية الفكرية والانقياد الأعمى وراء ما يعرف بـ”العقل الجمعي الجامعي”، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون أهداف الشباب الجامعي متصلة بالغاية الإلهية من خلق الإنسان، وأن ترتبط مسيرتهم العلمية بالمعرفة بالله وتحقيق التكامل الروحي والفكري، جاء ذلك خلال كلمته في الملتقى الشبابي الثالث لطلبة الجامعات العراقية، الذي ينظمه المشروع التبليغي للحوزة العلمية في النجف الأشرف تحت شعار (شبابنا بين المسيرة والبصيرة.. في مدرسة الأربعين)، بمشاركة نخبة من الأساتذة والطلبة من مختلف الجامعات العراقية.

وقال ممثل المرجعية الدينية العليا في كلمته، إن “الغاية من خلق الإنسان لا تكتمل إلا عبر الارتباط الواعي بالله تعالى، وتحقيق التكامل المعنوي من خلال أهداف سامية ترتبط بالمعرفة الإلهية والعبودية الحقة”، مشددا على أن “الطالب الجامعي، رغم ما يواجهه من تحديات وضغوطات، قادر على تحويل مسيرته العلمية إلى وسيلة لتحقيق الكمال الإنساني إذا ما ربط أهدافه بالمقصد الإلهي، لا بالمكاسب الدنيوية فقط”.

وأضاف أن “الشاب المؤمن مدعو إلى أن يعيش حياته برؤية قائمة على الوعي والهدفية، وأن تكون له غاية تتجاوز الماديات وتنسجم مع الغاية العليا من الخلق، وهي معرفة الله وتجسيد معاني العبودية له”.

ثم تأمل ممثل المرجعية الدينية العليا في الشعار الذي يحمله الملتقى، مبيا أن "المقصود بالمسيرة، هو مسار الأربعين الحسيني، باعتباره نموذجا متكاملا للعودة إلى الذات وربطها بمركزية النهضة الحسينية"، داعيا إلى استثمار هذا الحدث الروحي بمنهج يرتكز على البصيرة لا على التبعية والانقياد الأعمى.

أضفى الشيخ الكربلائي بعدا واقعيا على كلمته من خلال استعراض نماذج واقعية من الحياة الجامعية، قال فيها، إن "هناك طالب يسعى للتخرج فقط، بدافع العمل أو الراتب أو الزواج، وهذا يحد من طموحه عند أفق دنيوي محدود، وآخر يطلب العلم لذاته، لأنه يرى فيه عزة النفس وكرامة الفكر، ويؤمن أن طلب المعرفة يستمر مدى الحياة، ورياضي يسعى لصحة بدنه، لكنه قد يفتقد البعد الإيماني، فيما نجد رياضيا آخر يجعل من قوته وسيلة لعبادة الله وخدمة الناس، وهناك من يكتفي بالعمل لأجل الراتب، وآخر يجعله منطلقا لخدمة المجتمع ووسيلة لتعريف الناس بالله تعالى".

وتناول ممثل المرجعية الدينية العليا أحد أبرز تحديات الشباب الجامعي، وهو غرور القوة في بدايات العمر، محذرا من أن هذا الغرور قد يعطل التفكير السليم، واستشهد بقول الإمام علي (عليه السلام) "ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال، وسكر القدرة، وسكر العلم، وسكر المدح، وسكر الشباب".

وأوضح أن "سكر الشباب حالة تعترض بين الإنسان والعقل، فتعطل دوره في التمييز بين الحق والباطل، والصحيح والخطأ، حينها لا يقبل النصيحة، ولا يرضى بالتقييم حتى من ذوي الخبرة".

وأكد أن "الانفتاح على التقييمات، ومراجعة النفس، وتقبل النقد البناء، هو طريق بناء الشخصية السليمة، مشددا "لا ينبغي ربط المواقف بالعاطفة أو بردود الفعل غير المنضبطة، بل يجب إخضاعها إلى ميزان العقل والشرع".

حذر الشيخ الكربلائي من التأثير الخفي لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، مشيرا إلى أنها تشكل الهوية وتنحرف بالسلوك عبر رسائل غير مؤتمنة، مبينا أن "هناك مؤسسات تروج لمواقف لا تستند إلى منهج ديني أو أخلاقي، بل تهدف إلى زعزعة اليقين والهوية".

ودعا الشباب إلى اليقظة، قائلا، إن "الشخصية تتكون في مرحلة الشباب، فإذا تشربت التشكيك والسطحية، كانت عرضة للانهيار أمام أي تيار مظلم أو متطرف".

وفي حديثه عن الاختلاط غير المنضبط، أكد الشيخ الكربلائي أن، طبيعة الحياة البشرية تفرض نوعا من الاختلاط، لكن لابد من ضوابط شرعية وعقلائية تحفظ الأخلاق العامة، قائلا، "حين لا تكون هناك ضوابط، فإن الاختلاط يؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى الأسري والمجتمعي".

ولفت ممثل المرجعية الدينية العليا إلى انتشار التيارات الفكرية المادية والإلحادية التي تستغل الشعارات الحداثية لبث الشبهات، قائلا "في وقت نرى فيه تدينا عاما، تظهر موجات تشكيك تحاول أن تزعزع اليقين باسم التجديد والانفتاح".

ودعا إلى عدم الانجرار وراء العقل الجمعي، قائلا، "ما لدى الآخرين لا أخذه على أواهنه، ولا على شكله الظاهري، بل أُحاكمه بالعقل، وأعرضه على أهل الخبرة والعلم، فإن وافق الحق أخذت به، وإلا تركته".

وركز الشيخ الكربلائي على أهمية التفقه العميق، مشيرا إلى حديث الإمام الصادق (عليه السلام) "لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالين، إما عالما أو متعلما، فإن لم يفعل فقد فرط، وإن فرط ضيع، وإن ضيع أثم، وإن أثم سكن النار".

ونوه "لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في علم ليس فيه تفكر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر".

واستعرض الشيخ الكربلائي جزءا من شبابه، قائلا "قضيت شبابي بين الدراسة والعمل، من الصباح حتى المساء، ومن المدرسة إلى السوق، ومنه إلى المراجعة ليلا. لم يكن هناك وقت للراحة، لكنها كانت مرحلة بناء الشخصية المتكاملة".

ربط ممثل المرجعية الدينية العليا بين الزيارة الأربعينية وبناء الإنسان، مشيرا إلى ضرورة التأمل في معانيها، قائلا "أنظر كيف أن الغني وصاحب الوجاهة يصبح خادما يقدم الماء والطعام بتواضع، أتعلم منه التواضع، وأحاسب نفسي إن كان في تكبر أو أنانية".

وختم ممثل المرجعية الدينية العليا كلمته بدعوة إلى إطلاق (مواكب معرفية وثقافية) ترافق المواكب الخدمية في الزيارة الأربعينية، قائلا "كما لدينا مواكب خدمية، فلنؤسس مواكب معرفية، فيها الأساتذة والطلبة، يقدمون الاستشارة الفكرية والعقائدية، ويستمعون إلى مشاكل الشباب، ويوزعون الكتب، ويخلقون حوارا بناء على طريق الإمام الحسين (عليه السلام)".

تحرير : فلاح حسن غالي