اعتبر ممثل المرجعية الدينية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أن خطبة النبي، صلى الله عليه وآله، في آخر جمعة من شهر شعبان، كان الغرض منها تهيئة المؤمنين والاستعداد لاستقبال شهر رمضان.
وقال خلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة، من داخل الحرم الحسيني، إن الهدف الأسمى من شهر رمضان المبارك وهو الوصول إلى "التقوى" من خلال الممارسات العبادية فيه، ومنها الصوم.
وفي ما يلي، النص الكامل من الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 26/شعبان/1437هـ الموافق 3 /6 /2016 م:
خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر جمعة من شهر شعبان:
(أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ . شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ . هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ . أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ . وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ . وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ...)
الغرض منها تهيئة المؤمنين والاستعداد لاستقبال شهر رمضان للوصول الى الهدف الاسمى وهو "التقوى" من خلال الممارسة العبادية فيه وهو الصوم، وذلك من خلال:
تهيئة النفس والروح ليأخذان استعدادهما المناسب للشهر الفضيل من خلال بيان ان شهر رمضان هو شهر الله الاكبر وان لهذا الشهر خصوصية زمانية وافعالية كثيرة لا توجد الا في شهر رمضان وان هذه الفرصة يجب استثمارها من خلال مجموعة امور :
تصفية الباطن والروح والقلب والذي يستتبع النية الصافية.
مواجهة سلطة العادات والشهوة والنفس..
تدريب النفس على الرأفة والرحمة بالآخرين خصوصا الطبقات المستضعفة من الايتام والارامل وغيرهم..
تدريب النفس على الجوع والعطش ومقاومة شهوة البطن والفرج..
حفظ الجوارح من اللسان والعين والسمع..
العلاقات الاجتماعية والمعاشرة مع الاخرين وفق اخلاق الاسلام..
(أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ..)
والبركة هي كثرة الخير والخير الحقيقي : هو ما ينفع الانسان على الدوام وهذا انما يتحقق في الدار الباقية لا الدار الفانية يعني ان الانسان المؤمن يحصل على خيرات كثيرة تنفعه في حياته الاخروية كما سيتضح ذلك ومنها الرحمة الخاصة للمؤمنين وكذلك المغفرة التي هي ستر الذنوب وتغطيتها المؤدي الى عدم المؤاخذة عليها واسقاطها من صحائف الاعمال..
ومن البركة مضاعفة الثواب لقرائة القران والصلاة النافلة وحتى النوم يصبح عبادة والانفاس تسبيح ومن بركاتها زيادة الارزاق والآجال ومضاعفة الحسنات ومحو السيئات بحيث ان العبد لو علم ما في شهر رمضان من البركة لتمنى ان يكون لسنة وليس لشهر..
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " هو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمنين".
والمغفرة :
عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : " عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء فاما الدعاء فيدفع عنكم البلاء واما الاستغفار فتمحى به الذنوب).
وقد وردت جملة من الاخبار تذم وتصف الشخص الذي لا يستفيد من المغفرة الالهية في هذا الشهر بالشقي لان الله تعالى فتح كل الابواب للمغفرة فلا يبقى عذر لأي انسان الا اذا اراد لنفسه الشقاء..
عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من لم يُغفر له في شهر رمضان ففي أي شهر يُغفر له).
ومن جملة موجبات المغفرة :
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ان من موجبات المغفرة : إدخال السرور على اخيك المسلم، واشباع جوعته، وتنفيس كربته".
(هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ الله)
دعوة من الله تعالى التي لا تزيده كثرة العطاء الا كرما وجوداً..
وهناك آداب للضيافة لابد من مراعاتها فلا يكون حالنا ونحن مدعوون للضيافة والمائدة الرحمانية كحالنا في باقي الشهور، واداب الضيافة التي تقتضيها احترام الضيافة الالهية هو صوم السمع واللسان والعين وباقي الجوارح عن الحرام والورع عن محارم الله واجتناب معاصيه كالغيبة والبهتان والكذب والرياء بل كل ما يكرهه صاحب الدعوة..
فعلينا ان نكون على الاقل في هذه الدعوة مراعين لحرمة الشهوات وعلينا محاسبة النفس وتربيتها ومجاهدة اهواءها وشهواتها وترك المعاصي والذنوب والتوبة النصوح.. واستغلال بركات هذا الشهر الشريف بترك العادات السيئة والصفات الخبيثة والتحلي بمكارم الاخلاق..
(وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ)
أي جعلتم في هذا الشهر من اهل العزة والشرف والخير والقرب من الله تعالى فالصائم عزيز شريف عند الله تعالى بشرط مراعاة آداب واصول الضيافة عند الله تعالى.. كما ان الضيف حينما يكون عند مضيفه ينال الكرامة والعزة من المضيف بشرط مراعاته لآداب الضيافة بخلاف ما لو اخل بآداب الضيافة..
(أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ)
يبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى أي حد يبلغ كرم الله تعالى للعبادة فهذه الافعال اللاارادية كالتنفس الشهيق والزفير فليس فيها قد لاداء عمل معين او التي لا يبذل فيها جهداً ومشقة بل هو راحة له كالنوم يجعلها الله تعالى اعمالا ً عبادية ويرتب عليها الثواب والاجر ..
(وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ)
ان قيل ان الاعمال تقبل في بقية الشهور والدعاء كذلك يستجاب في بقية الشهور فأي فضل لهما في هذا الشهر.. فالجواب :
ان للقبول شروط وللدعاء شروط وآداب لابد منها للاستجابة ولكن في شهر رمضان من كرامة الله تعالى وخيره على عباده الصائمين فان الدعاء مضمون الاستجابة الا اذا كان يطلب معصية او ما هو شر لنفسه .. وربما تخفف شروط القبول ولكن لا يعني ذلك ان الصائم اذا ارتكب المعاصي يقبل صيامه..
(فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ)
يبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الصيام يحتاج الى توفيق من الله تعالى وعون وتيسير ومفتاح هذا التوفيق هو ان يتوجه الانسان الى الله تعالى بالدعاء والسؤال منه ولكن مع نية ودافع صادق وخالص من الرياء وطلب الجاه والسمعة وغير ذلك من الاغراض التي لا تكون لله تعالى..
(فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ)
أي ان الذي لا يستثمر فرصة هذا الشهر بالصوم بان ينال المغفرة من الله تعالى ففي أي شهر سينال المغفرة..
(وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ)
ان الله تعالى يريد من الانسان المؤمن ان يتذكر الاخرة واهوالها ومواقفها بصورة دائمية لئلا يغفل عنها بسبب حبه للدنيا وغفلته عن الاخرة.. لذلك جعل الكثير من العبادات مرتبطة في حركتها واذكارها بمواقف الاخرة كالصلاة والحج وغيره.. ومنها الصوم فحينما يتعرض الانسان الصائم للجوع والعطش فان الله تعالى يريد منه ان يتذكر احد المواقف الصعبة في الاخرة وهو التعرض للجوع والعطش او جوع وعطش اهل النار..
(وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ)
فان احد علل الصوم وحكمته ان يذوق الصائم مس الجوع ليلمس بألم الفقير ومعاناته من الجوع.. فيدفعه ذلك الى الرحمة به والتصدق عليه..
قال الامام الصادق (عليه السلام) :
(ان فرض الله الصيام ليستوي به الفقير والغني وذلك ان الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما اراد شيئاً قدر عليه فأراد الله تعالى ان يسوّي بين خلقه وان يذيق الغني مسّ الجوع والالم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع).
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق