خلق السماوات والأرض في ستة أيام

 قال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت 9 – 12]

وقال جل شأنه: {أأنْتُم أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَآءُ بَناهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} النازعات (27ـ30)

وقال تعالى: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ) السجدة اية 6

وقد تكرر ذلك في سبعة مواضع من القرآن.

والسؤال هنا من وجهين:

الأول: دلت الآية الأولى على أن الأرض خلقت قبل السماء، في حين أن الآية الثانية نصّت على أن الأرض بعد ذلك دحاها.

الثاني: ظاهر دلالة الآية الأولى هو أن خلق السماوات والأرض وما فيها وقع في ثمانية أيام، في حين أن الآية الأخيرة ونظيراتها دلّت على وقوع ذلك في ستة أيام.

فكيف التوافق؟

والجواب على هذا التشكيك هو:

دلّت الآية على أن الأرض ذاتها خلقت قبل السماء وإن كان دحوها أي بسطها و تسطیح قشرتها قد تأخر بعد ذلك بأيام.

وهذه الأيام هي من أيام الله التي يعلم هو مداها، وليست من أيام الناس. وقد خلقت الأرض في يومين، وجعل فيها الرواسي وقدّر فيها الأقوات أيضًا في يومين، فهذه أربعة أيام، تمّ فيها خلق الأرض وما فيها من جبال وأرزاق وبركات. ثم استوى إلى السماء فخلقهن في يومين، فتلك ستة أيام على ما جاء في آيات أخرى. وهذا كما يقال: سرت من البصرة إلى الكوفة في يومين، وإلى بغداد في أربعة أيام، أي من البصرة إلى بغداد، باندراج اليومين اللذين سار فيهما إلى الكوفة.

وهناك تفسير آخر للآية لعله أدق، يجعل الأيام الأربعة ظرفًا لتقدير الأقـوات إشارة إلى فصول السنة الأربعة، حيث فيها تتقدر أرزاق الخلائق والأنعام والبهائم والدواب. ذكره علي بن إبراهيم القمي في تفسيره للآية. قال: يعني في أربعة أوقات، وهي التي يخرج الله فيها أقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الأرض وما في البرّ والبحر من الخلق والثمار والنبات والشجر وما يكون فيه معاش الحيوان كله، وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء... ثم جعل يذكر كيفية تقدير هذه الأقوات في كل من هذه الفصول.

وقد ارتضاه العلامة الطباطبائي واعتمده في تفسيره.

فمعنى الآية ـ على ذلك: أن الله خلق الأرض في دورتين، وجعل فيها رواسي وبارك فيها، وقدر أقواتها حسب فصول السنة. وهكذا قضى السماوات سبعًا في دورتين.

فهذه أربعة أدوار ذكرتهن الآية: دورتان لخلق الأرض، ودورتان لجعل السماوات سبعًا. وبقيت دورتان لخلق أصل السماء وما بينها وبين الأرض من أجرام كانت الآية ساكتة عنهما ومن ثم فهي لا تتنافى وآيات أخرى ذكرن ستة أدوار لخلق الأرض والسماء وما بينهما.

: محمد هادي معرفة : دار القرآن الكريم