الشعراء والنهضة الحسينية

قوله تعالى: ((وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ)) الشعراء، آية 224

توافرت الأدلة على خلود كثير ممن انتسب إلى النهضة الحسينية المباركة؛ إذ شايع الشعراء الخطباء والمتحدثين في نقل المواقف والأحداث وتصويرها بما يتناسب مع حجم الملحمة التي غيرت مجرى التاريخ وزلزلت عروش الظالمين ولا تزال, ففي كل عام ونحن نحيي هذه الملحمة بالمواقف والخطابات التي تساير إحياء الشعائر الحسينية نؤكد انتماءنا لهذه المسيرة وتأثرنا بها؛ لأنها تنتقل بنا إلى عالمٍ قائم على العطاء النبيل وتوحيد صفوف الأبرار من مختلف البقاع؛ ليشهدوا منافع لهم ويتضافروا تحت خيمة الحسين (عليه السلام) التي اتسعت لجميع الأحرار ولم تستقبل إلّا أصحاب المبادئ ممن أيقنوا النجاة في اتّباع المنهج الذي طفق عن نهضة كربلاء. 

إنَّ الشعراء على مرِّ التاريخ كانوا ذوي رسالة خطابية جليلة, إذ حفظوا التراث والمواقف بكلماتهم الرصينة التي كانت تحمل الأبعاد القيميَّة للثورات والثوار؛ لذلك كان لهم وقعٌ كبير في مختلف الأوساط ولاسيَّما الأدبية والفنية, وهذا الأمر زاد من قدرتهم على تحمُّل المسؤولية في اختيار الألفاظ والقوالب والأوزان التي يمكنها أن تحفظ الأحداث بموضوعية وواقعية يستند إليها الباحث في تنظيم دراسته التي ينبغي أن تكون بعيدة عن العواطف والإنشاء؛ لتكون سجلًا للتاريخ وديوانًا للحاضر وعبرة للمستقبل.

ولا يخفى أن الخطاب لا ينحصر بقول أو فعل أو إشارة؛ بل يتعدى ذلك إلى كل ما من شأنه أنْ يؤسس لفهم وبيانٍ يتماهى عليه المنتج والمتلقي عن طريق مبدأ التعاون فيتأثران بالخطاب وينجزان أمورًا استندت إلى متضمنات الخطاب؛ لذلك فالشاعر يمثل جزءًا من منظومة كبيرة في إيصال رسالة أو تأكيد أمرٍ, وهذا يلزم حسن اختيار الكلمات والعبارات ومناسبتها للموضوع بالشكل الذي يحفظ القيم ويتصل بالمنهج ويحافظ على المبادئ.

ولمَّا كانت النهضة الحسينية مقدسة في انطلاقتها, مباركة في عطاياها, كبيرة في وقعها, فلابدَّ للشاعر من رعاية حسن الاختيار في التعبير عن الأحداث التي رافقت النهضة ولاسيَّما تلك الوقائع التي تتعلق بالمعصوم وأحواله وأفعاله, ومن جهة أخرى فإن الكلمات التي يعلنها الشاعر ليعبِّر بها عن النهضة الحسينية تكون موضع اهتمام الناس, وتغلب على ألسنتهم وهذا بحدِّ ذاته مسؤولية كبيرة؛ إذ قد يُثبت الشاعر في أذهان الناس فعلًا أو قولًا أوموقفًا لا يمُتُّ إلى الملحمة بصلة؛ بل قد يغير بعض الحقائق أو يحرِّفُها وبذلك يكون ممن أساء إلى النهضة الحسينية من حيث يعلم أو سفاهة غير مدروسة؛ لذلك ينبغي الفحص الشرعي كما اللغوي قبل نشر المقاطع التي قد يستأنس بها السامع ولا يترتب عليها إلَّا البعد عن النهضة ومقاصدها, فالكثير يتَّبع الشاعر وكأنَّه ينقل الأحداث بكلمات معصومة وبعبارات مقدسة والأصل أن الشعراء يتبعهم الغاوون.

: الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي