الرؤيا .. مشاهدات وتأويل .. الجزء الأول

(بحث الرؤيا من الأبحاث الشائكة التي تقتضي بيان الكثير من المفاهيم المرتبطة بها ارتباطا وثيقا كالنوم والروح والعقل والزمن والايحاء وما إلى ذلك ...)

بهذه المقدمة يطرق العلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في هذا الكتاب وهو الجزء التاسع عشر من موسوعته (دائرة المعارف الحسينية) واحداً من أهم الأبحاث التي تمثل العوامل المرتبطة بين السايكولوجيا والباراسايكولوجيا، فبما أن النظرة إلى الحياة تنقسم إلى مادية ومعنوية وهو ما ندركه بالحواس الظاهرة، والباطنة فإن هناك رؤية أخذت دور الوسيط بينهما وهي الماورائيات وهي ترتبط بالعالم الاعتقادي وعالم الذر.

فـ (الرؤية حقيقة قائمة لا يمكن إنكارها) وهذه الحقيقة التي جعلها الكرباسي الهرم أو الذروة في منهاج بحثه فهي جديرة بالدراسة باتجاهاتها المتعددة وأقسامها المتنوعة ذات الخلفيات المختلفة دراسة علمية لكشف حقيقتها والوصول إلى كنهها. ليتدرج بعدها في تفرعات البحث.

ويبدأ الكرباسي أولى مراحل هذا البحث بـ (النوم) عبر أبواب النوم في اللغة، ومرادفاته ومراتبه، وتعريفه، وأقسامه، ودورة النوم، واليقظة في الأحياء، ونظرة العلم الحديث إلى النوم، وحقيقة النوم، والهدف من النوم، ومراحله، والطريقة المثلى للنوم، والتنويم المغناطيسي، وتاريخ التنويم المغناطيسي.

وفي كل من هذه الأبواب يفصل الكرباسي الحديث عن ماهيته وحقيقته وتفرعاته. ففي اللغة يستعرض آراء اللغويين وأصحاب المعاجم عن معنى النوم واشتقاقاته، أما مرادفاته فهي تعبر عن درجاته ابتداء بالخفقة، فالنعاس، فالكرى، فالسنة، فالغفوة، فالرقاد، فالسبات. وهذه التدرجات تخللتها بعض الألفاظ التي وردت في فقه اللغة.

أما تعريفه ــ فكعادته ــ عرض الكرباسي أقوال الأئمة المعصومين وآراء الأعلام من العلماء والمؤرخين من المصادر المعتبرة ليتخلص إلى القول: (وعلى العموم، فيمكن تعريف النوم بأنه حالة صحية تعتري الإنسان عادة بعد غناء النهار وهو يحتاج إليها ليريح جوارحه وأعضاءه فترة زمنية تناسب حاله ليتسنى له الاستمرار في عمله)

وهناك أنواع خاصة من النوم كنوم المريض أو مرض النوم والذي يسمى (النوّام) ثم يشير الكرباسي إلى نقطة مهمة وهي أن النوم لا يختص بالإنسان والحيوان فقط بل والنبات أيضاً وقد سبق الإمام الصادق (عليه السلام) العلم الحديث إلى ذلك بقوله: (ما من حي إلا وهو ينام خلا الله وحده عز وجل وقد قال الله تبارك وتعالى في نفسه لا تأخذه سنة ولا نوم).

ولما كان النوم مختصاً بالليل فقد خصصت للنوم في النهار بعض الأسماء استعرضها الكرباسي وحدد أوقاتها وفوائد بعضها ومضار بعضها الآخر في باب أقسام النوم وهذه الأقسام هي: العيلولة والفيلولة والقيلولة والحيلولة والغيلولة.

وفي (دورة النوم واليقظة في الأحياء) يفصل الكرباسي الحديث عن فوائد هذه الدورة لدى الإنسان والحيوانات والنباتات بتأثير الضوء والظلام عليها ثم يضع جدولاً لحاجة الأطفال إلى النوم والذي يكون فيه الطفل أكثر نمواً منه في اليقظة.

وتتجلى مقدرة الكرباسي في بحثه وتمكنه من أدواته في باب نظرة العلم الحديث إلى النوم حيث استعرض آخر ما توصل إليه العلماء في العالم حول هذا الموضوع بدقة متناهية ويستخلص بالقول: (إن الإنسان يحمل جسماً ترشده وتملكه روح وكلاهما مؤثران في مسألة اليقظة والنوم)

ثم يتوسع الكرباسي في بحثه والالمام بجميع جوانبه وكشف ملابساته في أبواب (حقيقة النوم) و(الهدف منه) الذي أشار فيه إلى نقطة مهمة وهي قوله (ليس للنوم قضاء ولا كفارة) وهي كلمة موجزة تعني أن الإنسان يكفي أن ينام لفترة ما بين (12 ــ 15) ساعة لتعويض حرمان طويل من النوم دون أن يكون لذلك الحرمان مضاعفات على المدى البعيد.

أما في مراحل النوم فيبدأ بالتمهيدي فالخفيف فالمتوسط فالعميق فالأعمق فغير المألوف وفي كل باب من هذه الأبواب يوجه الكرباسي القارئ إلى مؤشرات وأمور دقيقة تخص كل منه. ثم يبين الطريقة المثلى والآثار السلبية والايجابية لكل منها من خلال أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) والمعصومين (عليهم السلام)

ينتقل الكرباسي إلى مبحثه الثاني وهو (الوحي) بعد أن يعرض آخر أبواب مبحث النوم وهي التنويم المغناطيسي وتاريخه وحقيقته، وفي (الوحي) يستحضر الكرباسي كل ما له علاقة بهذا المبحث بالتفصيل مستندا في ذلك إلى التحقيق والتدقيق والتمحيص والاستدلال بأقوال المعصومين (عليهم السلام) وأعلام العلماء قبل أن ينتقل إلى الرؤيا ليبحثها (لغة واصطلاحا) و(في القرآن الكريم) و(في الحديث) و(حقيقتها) ثم ... (من وراء الرؤى والأحلام ؟) وما (يجوز في الرؤيا وما لا يجوز في اليقظة) و(النفس) و(العقل) و(الحاسة السادسة) و(نسيان الرؤيا) و(البرزخ بين اليقظة والنوم) ليدخل الغاية من كتابه وهو (رؤى الإمام الحسين عليه السلام).

يستخرج الكرباسي في الفصل الأول من المصادر اثنتي عشر رؤية للإمام الحسين (عليه السلام) رواها المؤرخون في سيرته والتي دلت على استشهاده في كربلاء، أما في الفصل الثاني فيستخرج اثنتين وثلاثين رؤيا عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأم البنين (عليهم السلام) وأم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، وأم أيمن وغيرهم حول ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) واستشهاده وكذلك رؤيا بعض شهداء كربلاء والنهضة الحسينية أمثال سفير الحسين مسلم بن عقيل (عليه السلام) والحر بن يزيد الرياحي حول شهادتيهما

أما الفصل الثالث فقد سرد فيه الكرباسي أكثر من أربعين رؤيا لعدة شخصيات حول استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) كما يضع في كل رؤية فصلا لتعبيرها.

كاتب : محمد طاهر الصفار