تناول المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في الجزء الأول من هذا الكتاب الكثير من علوم القرآن، وتفسيره ومناهجه وخواصه وما يتعلق به، ثم استعرض بعض الآيات التي فُسّرت أو أوِّلت بأهل البيت (عليهم السلام) بشكل عام، والتي تشمل الإمام الحسين (عليه السلام)، والآيات التي فُسِّرت أو أوِّلت به (عليه السلام) خاصة، وقد اعتمد في تفسيرها بشكل موجز بعيداً عن خلافات المفسرين مع اعتماده على الروايات المعتبرة في ذلك، وقد وضع في الجزء الأول جدولاً تضمّن ثماني عشرة آية خاصة، وتسع عشرة عامة، مع مصادرها وأرقامها وعدد الأحاديث فيها، مع تفسيرها.
وقد اتّبع الكرباسي في ذكر الآيات منهجية تسلسل السور في القرآن الكريم، وفي هذا الجزء يواصل رحلته في ذكر الآيات القرآنية، ويضع لكل آية هامشاً يحتوي على تفسير اسم السورة ومكان نزولها وتاريخه وسببه مع ذكر المصادر والروايات.
استدرك الكرباسي في هذا الجزء على ما فاته في الجزء الأول من الآيات الخاصة من سورة البقرة فيبدأ بآية ليصبح المجموع تسع عشرة آية لينتقل بعدها إلى سورة آل عمران، ففسّر منها فيما يخص الإمام الحسين (عليه السلام) ست آيات
ولا يخلو هذا الجزء من البحوث القرآنية التي تخللت بعض الآيات موضوع البحث، ومن هذه البحوث مبحث الأنبياء حيث وضع الكرباسي جدولاً أوضح فيه لكل نبي وصياً، وبيَّن معنى النبي، وميَّز بين النبي والرسول، فالأول أعم والثاني صاحب شريعة، وقد بلغ عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، ومنهم خمسة من الأنبياء ذوي العزم الذين تعد شرائعهم عامة وناسخة لما قبلها وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام). ثم يترجم الكرباسي لسبعة وثلاثين نبياً.
ويشير الكرباسي كذلك في هذا الكتاب إلى من سبقه في مبحثه هذا بتأليف كتاب مستقل إلى مُؤلَّفين هما:
كتاب ما نزل من القرآن في الحسين (عليه السلام) للشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، وهو أحد علماء القرن الرابع الهجري صاحب كتاب نوادر الحكمة في الفقه، وقد ذكره الكرباسي نقلاً عن فهرست ابن النديم ولم يطلع عليه.
أما الكتاب الثاني فهو: الحسين في القرآن للواحدي القمي الذي أورد أكثر مائتين وخمسين رواية في فضل الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال تأويل مائة وثمان وعشرين آية.
كما كان هناك اثنان أيضاً خصَّصا باباً أو فصلاً لهذا الموضوع في أحد مؤلفاتهما وهما:
الشيخ ابن قولويه القمي المتوفى سنة (368 هـ) في كتابه: كامل الزيارات، بعنوان: ما نزل من قرآن بقتل الحسين وانتقام الله عز وجل من قتلته ولو بعد حين
أما الثاني فهو الشيخ جعفر التستري في كتابه: الخصائص الحسينية، تحت عنوان: خصائصه المتعلقة بالقرآن المجيد والكلام العزيز
ثم يعود الكرباسي إلى علم من علوم القرآن وهو التأويل في مبحث مفصل فيذكر الآيات الشريفة التي وردت فيها لفظة (التأويل) وهي سبع عشرة آية، ثم يستعرض في تفسيرها قولين أحدهما من مدرسة أهل البيت والثاني من السنة ويناقشهما ثم يحدد المعنى وفق الدراسة والتدقيق:
فالقول الأول: المراد بالتأويل هو الآية المتشابهة فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغير الراسخين في العلم. وهو الذي قال به السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان
أما القول الثاني: فهو إن المراد بالتأويل هو التفسير وأصله في اللغة المرجع والمصير، من قولك آل الأمر إلى كذا إذا صار إليه، وأولته تأويلا إذا صيرته إليه. هذا معنى التأويل في اللغة.
ثم يسمى التفسير تأويلا، قال تعالى: (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا)
وقال تعالى: (وأحسن تأويلا)
وذلك إنه إخبار عمّا يرجع إليه اللفظ من المعنى، واعلم أن المراد منه أنهم يطلبون التأويل الذي ليس في كتاب الله عليه دليل ولا بيان، مثل طلبهم أن الساعة متى تقوم؟ وأن مقادير الثواب والعقاب لكل مطيع وعاص كم تكون. وهذا قول الفخر الرازي في تفسيره الكبير
كما يستعرض الآراء الحديثة في هذه الموضوع ومنها: إن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ، وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع.
ثم ينوّه الكرباسي إلى أمر، وهو أن المعنى الأول شاع بين المفسرين القدماء، أما الثاني فهو الشائع بين المتأخرين، ويستعرض سبعة أقوال أخرى يلخصها الكرباسي بالقول إنها: من شُعَب القول الأول وإن تحاشى القائلون عن قبوله، ثم يرد عليها رداً علمياً منطقياً ويشفعه بالروايات التاريخية
ويلخص القول في معنى التأويل بالقول: (ومما قدمناه من نصوص أعلام الفريقين في التأويل نستأنس أن التأويل الذي نبحث عنه هنا هو ليس التأويل اللغوي والذي استخدمه القرآن الكريم بشكل عام في جميع الآيات التي وردت فيه مفردة التأويل ولا نحتاج إلى كثير من الفلسفة في المراد منه، بل الذي نريد قوله إن التأويل هو إرادة شيء مضافاً إلى ما يفهم من ظاهر النص، وهذا الأمر لا يتم إلا إذا جاء من معاقد الوحي الإلهي وإلا فلا قيمة له، وهذا يعني لا بد وأن يرد في الآية رواية صحيحة أو موثقة من أحد المعصومين عليهم السلام دون غيرهم)
ويختم الكرباسي كتابه بفصل مفصل حول المحكم والمتشابه ويقف عنده حتى يكشف منتهاه ويسبر غوره
اترك تعليق