نبعة من بيت الوحي، وسليلة من سليلات النبوة، وكريمة من كرائم الإمامة، تدرّجت في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة، ونشأت في البيت الذي نشر في الأرض نور السماء وأنقذ الناس من غياهب الجاهلية إلى الهدى.
إنها فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، حفيدة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وأشبه الناس بها خلقاً وخلقاً وعبادةً وخصالاً، ولا أدل على كمالها من قول أبيها سيد الشهداء في وصفها:
إنها أشبه الناس بأمي فاطمة بنت رسول الله، أما في الدين فتقوم الليل وتصوم النهار، وفي الجمال تشبه الحور العين.
وقد شابهت السيدة فاطمة بنت الحسين (عليها السلام) جدتها الزهراء حتى في المآسي والمحن التي جرت عليها فخاضت رحلة الحزن والدموع والسبي من المدينة إلى كربلاء، ومنها إلى الكوفة فالشام مع الركب الحسيني الذي سجل بتضحياته ودمائه ودموعه وآلامه معنى الكرامة والحرية والعقيدة.
ولادتها
ولدت السيدة فاطمة بنت الحسين عام (40هـ)، على أصح الأقوال، ووصفتها المصادر بأنها أكبر بنات الإمام الحسين (عليه السلام)، كما روت أغلب المصادر أن أمها هي السيدة أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي.
ولكن نسبتها إلى أم اسحاق بنت طلحة بالأمومة يخلق تعارضاً في التواريخ، فأم إسحاق هذه كانت زوجة للإمام الحسن (عليه السلام)، ولما حضرته الوفاة قال لأخيه الإمام الحسين: إني أكره أن تخرج هذه المرأة من بيتكم.
فتزوّجها الإمام الحسين بعد وفاة الإمام الحسن، ومن المعروف أن الإمام الحسن توفي عام (51هـ)، وولادة السيدة فاطمة كانت عام (40هـ)، فالتعارض واضح في الروايتين.
ولا يمكن الاعتماد على أي رواية تقول بأن ولادتها كانت بعد عام (51هـ)، لأن السيدة فاطمة كانت في يوم الطف قد بلغت مبلغ النساء، ويدلنا على ذلك زواجها من ابن عمها في حياة أبيها، وخطبتها في الكوفة، وخصّها بوصية أبيها في يوم عاشوراء، لمرض الإمام زين العابدين (عليه السلام).
فمن المستحيل أن يكون عمرها آنذاك ثماني سنوات إذا اعتمدنا على أن أم إسحاق هي أمّها لأن ولادتها ستكون عام (53هـ) على أقصى تقدير بعد انقضاء عدة الزوجة وفترة الحمل، فمعركة الطف كما هو معروف كانت عام (61هـ).
أن هذا الالتباس وقع فيه كثير من الكتّاب لكنهم لم يدخلوا في تفاصيله أو يبيِّنوا ما يكشفه. لكن ابن عنبة الحسني يذكر رواية ترفع هذا التعارض والالتباس حيث يقول:
إن أمَّها ــ أي أمّ السيدة فاطمة بنت الحسين ــ هي شهربانو بنت يزدجرد الثالث آخر الأكاسرة الساسانيين (1).
وهذه الرواية هي التي توافق الصواب والتي تكون طبيعية مع عمر السيدة فاطمة، فالسيدة شهربانو هي أخت السيدة شاه زنان أمّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) والتي توفيت بعد ولادتها للإمام مباشرة.
فقد اتفقت كل المصادر على أن السيدة شاه زنان أم الإمام زين العابدين (عليها السلام) ماتت بنفاسها. وكانت شهربانو زوجة محمد بن أبي بكر قد ولدت له القاسم، ويحتمل أن الإمام الحسين (عليه السلام) تزوّجها لما قتل محمد بن أبي بكر في مصر سنة (38هـ) ــ بعد انقضاء عدتها لتعتني بابن أختها الإمام زين العابدين (عليه السلام) ــ فولدت له فاطمة.
وهذه الرواية تتوافق تماماً مع سنة ولادتها فمن المعروف أن ولادة الإمام السجاد (عليه السلام) كانت عام (38هـ) فهي تصغره بسنتين.
كما تتوافق هذه الرواية مع سنة وفاتها فقد روت كل المصادر أنها قد جاوزت السبعين من عمرها عند وفاتها وحددت سنة وفاتها بتاريخين هما: (110هـ) و(117هـ).
ولا يكون عمرها الشريف قد جاوز السبعين إلا بالاعتماد على رواية صاحب عمدة الطالب التي تقول: بأن أمها هي السيدة شهربانو بنت يزدجرد أخت شاه زنان أم الإمام زين العابدين (عليه السلام).
ولا يخفى الغاية من نسبتها إلى أم إسحاق بنت طلحة ــ على جلالتها ــ لنفي أمومة شهربانو للسيدة فاطمة، فهناك حتى محاولات فاشلة ويائسة لنفي أمومة السيدة (شاه زنان) للإمام زين العابدين (عليه السلام) فلم يجدوا حلاً لهذا التعارض وكبُر عليهم الاعتماد على الرواية التي اعتمدها ابن عنبة الحسني فتخبّطوا في التناقض وأكثروا من التعاليل التي اعتادوا عليها كثيراً فتكرَّرت في تواريخهم مفردة (قيل) وهم يحاولون تحريف الحقائق حسب أهوائهم.
فاطمة المحدّثة
من الطبيعي أن تبلغ حفيدة الزهراء الغاية في العبادة فهي ربيبة بيت الوحي وسليلة النبوة وكريمة الإمامة ويدلنا قول أبيها سيد الشهداء على منزلتها وعبادتها عندما خطبها ابن عمها الحسن بن الحسن: إنها تقوم الليل وتصوم النهار.
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عساكر في مسنده:
إن فاطمة بنت الحسين كانت تُسبّح بخيوط معقود فيها وذلك حرصاً منها على الذكر والعبادة والتسبيح.
فلا عجب أن تكون حفيدة النبي وعلي والزهراء وبنت الحسين وأخت زين العابدين المثل الأعلى في العبادة والطاعة لله وتجد نفسها مستغرقة مع الله تعالى تقف في غاية الخشوع بين يديه تطمئن لمناجاته وتشكره على نعمه.
وقد وُصِفت السيدة فاطمة بـ (الصغرى) تمييزاً عن جدتها سيد نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما وُصفت بالكبرى كونها أكبر أخواتها وهذا أيضاً مما يدل على أن أمّها شهربانو بنت يزدجرد وليس أم إسحاق بنت طلحة.
وقد جاء هذا الوصف في رواية محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة حيث ذكر في سنده ما نصه:
عن عبد الله بن الحسن المحض بن الحسن السبط عن فاطمة (الصغرى) عن أبيها الحسين عن (فاطمة الكبرى) ابنة رسول الله، وتكرر هذا الوصف عنده في الكتاب.
كانت فاطمة عالمة محدّثة.. من رواة حديث جدها النبي (صلى الله عليه وآله).
وروت أيضاً عن جدتها الصديقة الزهراء، وعن أبيها الإمام الحسين (عليها السلام) وعن أمّ سلمة، وأمِّ هاني بنت أبي طالب، وعن عمّتيها زينب الكبرى وأم كلثوم، وعن أخيها زين العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، وعن أسماء بنت عميس وعن بلال الحبشي (مؤذن الرسول) وروى لها أهل السُّنن الأربعة.
ذكرها ابن حبان في كتابه (الثقات)، وجاء ذكرها في صحيح البخاري في الجنائز، وروى لها أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
يقول عنها الزركليّ في الأعلام: فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب.. تابعيّة، من راويات الحديث، روت عن: جَدَّتها فاطمة الزهراء مرسلاً، وعن أبيها، وغيرهما.
ويقول العلامة الشيخ جعفر النقديّ: هي من عالمات نساء أهل البيت، تروي الحديثَ عن: أبيها الإمام الحسين، وعن أمّ سلمة، وأمِّ هاني، وعن عمّتيها زينب الكبرى وأم كلثوم، وعن أخيها زين العابدين. ويروي عنها: ولدُها عبد الله بن الحسن المثنّى بن الحسن المجتبى وأخوه الحسن وغيرهما. (2)
وقد أورد لها الدكتور محمد هادي الأميني في كتابه: (فاطمة بنت الحسين) أربعة عشر حديثاً منها ما رواه البيهقي: روايتها لحديث رد الشمس لجدها أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) عن أسماء بنت عميس وقد أورده البيهقي بما نصه: فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها، فهو عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس أنها قالت:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصلِّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله: صليت العصر؟ - قال: لا. قال رسول الله -: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك فأردد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. (3)
ومنها ما رواه الطبراني عنها عن أبيها عن جدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
إن السعيد كل السعيد من أحبَّ علياً في حياته وبعد موته (4)
ومنها ما ذكره الأنصاري السنبكي عنها عن أم كلثوم بنت أمير المؤمنين، عن أمها فاطمة بنت رسول الله، أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي. (5)
هذه المنزلة السامية من العلم والعبادة التي كانت عليها فاطمة جعلتها مؤهلة لحمل أمانة سر الله في أرضه وإدائها، فكان من خصائصها الشريفة أنها المؤتمنة على مواريث الأنبياء.
فقد استودعها أبوها الإمام الحسين (عليه السلام) مواريثَ الأنبياء، في يوم كربلاء فسلَّمتها إلى الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) بعد أن برئ من مرضه..
فقد روى الكلينيّ (6) والصفار (7) عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) أنه قال: ثم إن حسيناً (عليه السلام) لما حضره الذي حضره، فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) فدفع إليها كتاباً ملفوفاً، ووصية ظاهرة.
وكان علي بن الحسين (عليه السلام) مبطوناً لا يرون إلاّ أنّه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين.
وروى المجلسي: إن فاطمة (عليها السلام) كان عندها أشياء مِن آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رواية أبي المقدام وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع)
فحينما مرَّ أبو المقدام في طريق حجِّه على الإمام الصادق (عليه السلام) وأراد السلام على السيدة فاطمة بنت الحسين، قال الإمام الصادق لجارية له:
استأذني على عمتي، فدخل الإمام الصادق (عليه السلام) مع أبي المقدام على فاطمة فقال أبو المقدام:
يا بنت رسول الله هل بقي شيء من آثار رسول الله ؟
فدعت فاطمة أولادها فجاءوا فقالت:
يا أبا المقدام هؤلاء لحم رسول الله ودمه، ثم أرته جفنة للطعام وأشياء كانت تخصّ رسول الله فتناولها أبو المقدام وتبرّك بها. (8)
وقد ذكر الصفار هذه الرواية (9)
زواجها
من الأكاذيب والموضوعات التي وضعت في تأريخنا الإسلامي وأريد منها النيل من قداسة بنات الرسول هي رواية زواج فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) من عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهي رواية موضوعة بلا شك كما أشارت إلى ذلك كل الدلائل التاريخية والعقلية فهي (عليها السلام) لم تتزوج من غير ابن عمها الحسن المثنى ابن الحسن السبط حتى توفيت كما سنوضح.
جاء الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط بن علي بن أبي طالب إلى عمه الإمام الحسين (عليه السلام) وسأله أن يزوِّجه إحدى ابنتيه، فقال له الإمام الحسين:
اختر يا بني أحبهما إليك.. فاستحى الحسن ولم يرد جواباً. فقال له الحسين: فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله. أمّا في الدين.. فتقوم الليلَ كلَّه، وتصوم النهار، وأما في الجمال فتشبه الحور العين، فتزوجها الحسن وقد ولدت له ثلاثة أولاد وبنت هم: عبد الله المحض، وإبراهيم الغَمْر، والحسن المثلّث، وزينب.
شهد الحسن المثنى ــ زوج فاطمة بنت الحسين ـــ يوم الطف مع عمِّه الحسين وقاتل معه حتى أثخن بالجراح ووقع على الأرض مغشياً عليه ..
ولما أراد جيش ابن سعد قطع الرؤوس وجدوا فيه رمقاً، فقال أسماء بن خارجة بن عيينة الفزاري ـــ وكان في جيش ابن سعد ــ :
ــ دعوه لي فإن وهبه الأمير عبيد الله بن زياد لي وإلا رأى رأيه فيه.
فتركوه له، وأخذوه مع الأسرى محمولاً إلى الكوفة ووصل خبره إلى ابن زياد فقال:
دعوا لأبي حسان ابن أخته ... وعالجه أسماء حتى برئ ثم لحق بأهله في المدينة.
وكان السبب في ذلك أن أم الحسن المثنى كانت من بني فزارة وهي خولة بنت منظور الفزارية.
ولكن بني أمية قد آلوا على أنفسهم أن لا يتركوا بيتاً من بيوت العلويين دون أن ينكبوه ولا علوية دون أن يثكلوها أو يرمّلوها أو يُيتموها... فقد دسّ سليمان بن عبد الملك سماً للحسن المثنى فمات منه (1)
تجددت أحزان كربلاء التي لم تنسَ بعد وتفتقت الجراح التي لم تندمل في قلب فاطمة فقد آلى القدر عليها فراق أهل بيتها وتوديعهم واحداً واحداً !
نظرت فاطمة إلى جنازة زوجها الحسن بْن الحسن، ثم غطت وجهها، وقالت:
وكانوا رجاءً ثم أمسوا رزيةً لقد عظمت تلك الرزايا وجلّتِ..
وسلمت فاطمة أمرها لله...
لقد مات زوجها وابن عمها الحسن المثنى عام (97هـ) ولها من العمر (57) عاماً، فهي قد ولدت عام (40) للهجرة كما ذكرنا ..
وهنا يأتي دور آل الزبير ليزوّروا هذه السيرة الشريفة للسيدة فاطمة ويضعوا لها زواجاً ثانياً يتماهى مع أغراضهم السياسية.
فقد تناسل الحقد في أصلابهم فروى الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام: إن فاطمة بنت الحسين تزوّجت من عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص، وأنها ولدت منه أولاداً منهم محمد، والقاسم، ورقية، بنو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان!.
ومات عنها عبد الله بن عمرو، فأبت أن تتزوج من بعده إلى أن توفيت عام (110هـ) أو عام (117هـ) بالمدينة المنورة وقيل في الشام وقيل في مصر !.
إن وجود الزبير وحده في الرواية يؤكد بطلانها إضافة إلى كل الحقائق التاريخية والمنطقية بصدد هذا الموضوع والتي تشير إلى أن السيدة فاطمة بنت الحسين تزوجت من ابن عمِّها الحسن المثنى بن الحسن السبط فقط، ولم تتزوج غيره لا قبله ولا بعده.
أما رواية زواجها الثاني فهي موضوعة بلا شك، فالراوي كان من الوضّاعين كما أكدت ذلك المصادر، كما كان متهماً في عقيدته، ولكن شاء له الحظ أن يجد من يروّج أكاذيبه وأباطيله مَن هو على شاكلته وهذا الأفّاق الآخر هو أبو الفرج الأصفهاني الذي امتلأ كتابه الأغاني بالأباطيل وتلقّف روايات آل الزبير ودوّنها دون تنقيب وتنقيح.
ومن أكبر الأدلة التي تنفي هذه الرواية هي الطريقة التي تم بها هذا الزواج الوهمي، فقد وضع هذا الكذّاب في سرد هذه الرواية طريقة تتماهى مع نفسه الدنيئة وأخلاقه الوضيعة.
ولاطلاع القارئ على النفسية الخبيثة التي حملها ابن بكار، واستلزاماً للموضوع بإعطاء الصورة الواضحة على زيف هذا الزواج، سنوردها كما ذكرها أبو الفرج وهي كما جاء نصها:
لما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة جزع وجعل يقول:
إني لأجد كرباً ليس من كرب الموت.
فقال له بعض من حضر: ما هذا الجزع تقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جدك وعلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام) وهم آباؤك ؟
فقال: ما لذلك أجزع ولكني كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان حين أموت قد جاء في مضرجتين أو ممصرتين وقد رجل رأسه يقول:
أنا من بني عبد مناف جئت لأشهد ابن عمي وما به إلا أن يخطب فاطمة بنت الحسين فإذا متّ فلا يدخلنَّ عليّ.
قال: فصاحت به فاطمة: أتسمع.
قال: نعم
قالت: أعتقت كل مملوك لي، وتصدقت بكل مملوك لي، إن أنا تزوجت بعدك أحدا.
فسكن الحسن، وما تنفّس وما تحرّك حتى قضى (رضوان الله عليه)
فلما ارتفع الصياح، أقبل عبد الله على الصفّة التي ذكرها الحسن فقال بعض القوم: ندخله.
وقال بعضهم لا ندخله.
وقال قوم: وما يضر من دخوله ؟
فدخل وفاطمة رضوان الله عليها تصكّ وجهها، وتلطم فأرسل إليها وصيفاً كان معه فجاء فتخطى الناس حتى دنا منها.
فقال لها: يقول لك مولاي اتقي على وجهك، فإن لنا فيه إربا ــ أي حاجة ــ فارفقي به فعرف فيها الاسترخاء وخمرت وجهها !
ويواصل ابو الفرج نشر أكاذيب الزبير في تشويه سيرة السيدة الطاهرة فاطمة بنت الحسين غير متأثم فيقول:
فأرسلت يدها من كمها وعرف ذلك فيها فما لطمت حتى دُفن.
فلما انقضت عدتها، خطبها فقالت: كيف بنذري ويميني ؟
فقال: نخلف عليك بكل عبد عبدين، وبكل شيء شيئين ففعل فتزوجته ! (11)
وسيأتي الرد على هذه المهزلة في هذا الموضوع بعد أن نذكر بقية مهازل الزبير هنا ... ونترك للقارئ المقارنة بين شخصية فاطمة العظيمة وما قاله عنها أبوها وبين هذا التصرّف وحاشاها منه.
وهناك رواية أخرى من أكاذيب الزبير أيضاً رواها أبو الفرج وهي:
أن فاطمة بنت الحسين لما خطبها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبت أن تتزوجه فحلفت أمها عليها أن تتزوجه، وقامت في الشمس وآلت ألا تبرح حتى تتزوّجه فكرهت فاطمة أن تخرج فتزوجته !
وبعد أن يذكر أبو الفرج هاتين الروايتين المكذوبتين بدون أن تمرا على عقله يقول:
وقد قيل في تزويجه إياها غير هذا ....!!!
وماذا بعد ؟
هلا أتحفتنا بمهازل أخرى تضاف إلى المهازل والطامات الكبرى التي ابتلي بها تأريخنا ؟
وهكذا يستمر سيناريو الكذب..
نحن لا تعتب على الزبير الذي كان متهماً في دينه ومتسلسلاً من شجرة خبيثة كل أفرادها كانوا من مبغضي آل النبي ولا على أبي الفرج الأصفهاني الأموي الهوى والنسب والنزعة، ولكن عتبنا على من روّج لهذه الروايات الشاذة التي تتعارض مع المنطق والعقل والحقيقة التاريخية ودوّنها تدوين المسلمات التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها.
فهم يعلمون أن الزبير من الذين لا يختلف اثنان من المؤرخين وغيرهم على كذبه وتدليسه، ووضعه للحديث والرواية، كما لا يختلف اثنان على أنه كان من أشد الناس عداوة لأهل البيت، والروايات التي ذكرها المؤرخون حول كذبه ووضعه للحديث كثيرة جداً وقد ذكرنا بعضها في موضوع السيدة أم كلثوم
إن الحقائق التاريخية تفنِّد هذا الزواج المستحيل وتكشف كذب واضعه، وتجعله في عداد الأساطير ..
فقد اتفقت كل المصادر والتواريخ والسِّيَر على أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان مات في مصر سنة (96 هـ) في عهد الوليد بن عبد الملك (86 هـ - 96 هـ / 705 م – 715 م).
كما اتفقت كل هذه المصادر على أن الحسن المثنى توفي بالسم عام (97 هـ) في عهد سليمان بن عبد الملك (96 هـ - 99 هـ / 715 م – 717 م).
فكيف يتزوّج عبد الله من فاطمة وقد مات قبل زوجها ؟
وإليكم المصادر التي ذكرت التاريخين:
قال الذهبي في ترجمة عبد الله بن عمرو:
(عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو محمد الأموي، سبط ابن عمر توفي بمصر سنة ست وتسعين). (12)
وقال ابن منظور: (مات عبد الله بن عمرو بن عثمان بمصر سنة ست وتسعين). (13)
وقال السيوطي: (عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان مات بمصر سنة ست وتسعين) (14)
وقال ابن الأثير: (ثم دخلت سنة ست وتسعين وفيها توفي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في أيام الوليد بن عبد الملك). (15)
وقال ابن سعد: (عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان بن أَبي العاص بن أميّة بن عبد شمس. وأمّه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب .... توفّي بمصرَ سنة ستّ وتسعين). (16)
كما ذكر ذلك ابن كثير (17)
وقد ذكر هؤلاء في تواريخهم أن وفاة الحسن المثنى كانت سنة سبع وتسعين وإضافة إليهم فقد ذكر ذلك كل من:
الصفدي الذي قال: (مات الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب سنة سبع وتسعين) (18)
وقال ابن كثير في حوادث سنة 97 هـ (وفيها توفي الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) (19)
وقال بذلك البخاري في صحيحه (20)
وقال الشيخ عباس القمي في ترجمة الحسن بن المثنى: توفي بالمدينة سنة سبع وتسعين (21)
وقال السيد محسن الأمين: توفي الحسن المثنى بالسم في زمن سليمان بن عبد الملك سنة (97 هـ)، في المدينة المنورة، ودفن بالبقيع. (22)
هذه التواريخ تقطع رواية هذا الزواج من دابرها ولا تبقي مجالاً للشك على كذبها ولكن النفوس التي أعمتها الأهواء أبت إلا أن تروّج الأكاذيب والترهات وتكون أضحوكة للأجيال.
ومن أعجب الأعاجيب أن تجد من يذكر هذين التاريخين ثم يثبت هذا الزواج الأسطوري في تاريخه كما فعل ابن كثير والبخاري الذي يقول:
(والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، أحد أعيان بني هاشم فضلاً وخبراً.
مات سنة سبع وتسعين، وامرأته فاطمة بنت حسين بن علي، وهي التي حلفت له بجميع ما تملكه أنَّها لا تتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان، ثمّ تزوجته، فأولدها محمّد الديباج) !.
ونترك هذا القول للقارئ دون تعليق ...
وإضافة إلى هذا الدليل القاطع فهناك أدلة أخرى كثيرة تنفي هذا الزواج.
فهذا ابن حزم الأندلسي ينفي هذا الزواج والأولاد حيث يقول في ترجمة عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إنه لم يكن له أولاد واقتصر نسله على البنات فقال ما نصه:
وكان لعبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان من البنات:
حفصة، تزوجها عبد العزيز بن مروان ابن الحكم، فماتت عنده.
وأم عبد الله، تزوجها الوليد بن عبد الملك، فولدت له عبد الرحمن، ثم مات الوليد عنها، فخلف عليها ابن أخيه أيوب بن سليمان بن عبد الملك.
وعائشة. تزوجها سليمان بن عبد الملك، فولدت له يحيى وعبد الله، وتوفيت عنده.
وأم سعيد، تزوجها يزيد بن عبد الملك، فولدت له عبد الله، ثم مات يزيد، فخلف عليها أخوه هشام بن عبد الملك، ثم طلقها ولم تلد له.
ورقية، تزوجها هشام بن عبد الملك، فولدت له ابنة، وماتت في نفاسها.
ولا يعلم رجل تزوج بناته أربعة خلفاء إلا عبد الله بن عمرو بن عثمان هذا (23)
هذا نص كلام ابن حزم ... ولو كان عبد الله تزوج من فاطمة لما توانى ابن حزم عن ذكر هذا الزواج والأولاد فهواه كما هو معروف يتلاءم تماماً مع هوى الزبير.
كما إن فاطمة لم تكن شخصية عادية فهي من بيت النبوة الذين يودُّ كل الناس أن يحصلوا على شرف الانتماء إليهم، فلو كان هذا الزواج صحيحاً لذكره ابن حزم قبل ذكر بنات عبد الله وحتى وإن لم تلد له.
الزواج المستحيل
إن زواج فاطمة بنت الحسين من عبد الله بن عمرو بن عثمان يكاد يكون مستحيلاً بل هو المستحيل بعينه إذا تناولنا العداء الأموي للعلويين في تلك المرحلة وما جرّ من تبعات وخيمة على الأمة.
ولنا أن نسأل من نقل هذه الرواية نقل الواثق المطمئن:
ما الذي جعل حفيد آل أبي العاص يتزوج من حفيدة علي ولا تزال أحقاد آل أبي العاص على علي منذ يوم بدر وازداد أوار هذا الحقد وبلغ ذروته على أمير المؤمنين وعلى أولاده في يوم الدار وامتد في نسلهم، حتى وصل الأمر إلى أن قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط ــ وهو عم عبد الله بن عمرو بن عثمان ــ وهو يذكر قيام دولة أمير المؤمنين (عليه السلام):
بني هاشمٍ ردّوا سلاحَ ابن أختكم ولا تـنـهـبـوه لا تـــحـــلّ مــنـــاهـــبُــه
بني هـاشـم كـيـف الـهـوادةُ بـيننا وعــنــد عـلــيٍّ درعُــــه ونـــجــائــبُــه
بني هـاشـمٍ كـيـف الـتـودُّدُ مـنـكم وبـزّ ابـن أروى فــــيــكــمُ وحــرائـبُــه
بـنـي هـاشـمٍ إلا تـردّوا فــإنـــنــا ســـواءٌ عـــلـيـــنــا قـاتــلاه وســالــبُــه
بني هـاشـمٍ إنـا ومـا كـان مـنـكـمُ كصدعِ الصفا لا يشعبُ الصدعَ شاعبُه
قـتـلـتـم أخـي كـيما تـكونوا مكانه كـما غدرت يـومـاً بكـسـرى مـرازبـه
فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بقصيدة طويلة منها:
فلا تسألـونا سيفكم إن سيـفكم أضيعَ وألقاه لدى الروعِ صاحبُه
وشبهته كسرى وقد كان مثله شـبـيهـاً بكسـرى هديُه وضرائبُه
فكيف يُشعب هذا الصدع الكبير الذي جرت عليه دماء الآلاف وأثيرت فيه الفتن ؟
كيف تخمد نار الحقد الأموي بعد أن حمل النعمان بن بشير قميص عثمان وأصابع نائلة ليثير النعرات الجاهلية والفرقة بين المسلمين وليتخذها معاوية ذريعة لدى أهل الشام لحرب أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟
وإضافة إلى هذا العامل الذي يكفل بنفي هذا الزواج فإن ما جاء عن شخصية فاطمة وعظمتها وقداستها وطهرها وعبادتها يجعل من هذا الزواج أسطورياً.
وحسبنا قول أبيها سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة فيها:
(إنها أشبه الناس بأمي فاطمة بنت محمد).
فهل ينطبق هذا القول من الإمام المعصوم في حقها مع الرواية؟
وكيف وفَّق من تبنّى هذا الزواج بين القولين؟
لا أدري كيف تخلف فاطمة بوعدها لزوجها وهي ابنة الوحي والنبوة وتقبل بالزواج ثانية ولا زال زوجها الأول مسجىً أمامها ولا يفصلها عن الزواج بعمرو سوى انقضاء العدة !! حاشا فاطمة من ذلك
فهل يعقل من فاطمة بنت الحسين التي ضربت المثل الأعلى في العقل والكمال والشرف والدين والعبادة والأخلاق ان تقبل الزواج في الأيام الأولى لوفاة زوجها وهي في العدة وتتزوج بعد العدة وتخالف النذر واليمين ولا تعرف كيف تخرج منها!!
وكيف يدخل عليها غريب وهي في تلك الحالة ؟
ثم لنفرض أنها تزوجت من عبد الله بن عمرو كيف تنجب له ثلاثة أولاد وقد بلغت من العمر (57) سنة فإن ولادتها كانت عام (40هـ) وزوجها الحسن مات عام (97هـ) !
وقد ذكرت جميع المصادر التاريخية أنها أقامت على قبر زوجها الحسن سنة كاملة تقوم الليل وتصوم النهار. وهذا نصّ حديث البخاري:
ولما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته فاطمة بنت الحسين القبة على قبره سنة كاملة ثم رفعت....الخ (24).
وقد روى هذا الحديث أيضاً: الشيخ المفيد (25)، وابن أبي الدنيا (26)، وابن أبي الحديد (27).
وعلى فرض زواجها بعد السنة فقد شارفت على الستين وللقارئ أن يتخيل كيف تنجب المرأة في هذا العمر ثلاثة أولاد !!
أما بالنسبة للرواية الثانية التي تقول أن أمها حلفت أن تتزوج عبد الله فهذا بعيد أيضاً، ولا يقبله العقل إذ أن فاطمة لم تكن صغيرة، ثم أين ذهب عمها محمد بن الحنفية ؟ وأخوها زين العابدين ؟ كما أن هذا مستبعد أيضاً من أمها ــ لو فرضنا جدلاً أن أمها أم إسحاق ــ هذه المرأة المؤمنة التي رافقت نساء النبوة في رحلة السبي.
ثم هناك ما يقطع هذا الزواج من دابره أصلاً، وهو العداء الذي استفحل بين الأسرتين بعد معركة الطف وشماتة عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ــ عم عبد الله بن عمرو بن عثمان ــ بمقتل الحسين بعد أن ضجّت المدينة كلها بالبكاء على مقتله (عليه السلام) يقول الطبري:
ولمّا أعلم ابن سعيد بقتل الحسين، ــ وكان والياً على المدينة من قبل يزيد ــ فرح واهتزّ بشراً وشماتة.
وأمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقّة المدينة، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنَّ على سيّد شباب أهل الجنّة واتّصلت الصيحة بدار الأشدق فضحك وتمثّل بقول عمرو بن معد يكرب:
عجَّتْ نساءُ بني زيادٍ عجَّةً كعجيجِ نسوتِنا غداةَ الأرنبِ
ثمّ قال: واعية بواعية عثمان والتفت إلى قبر رسول الله وقال: يوم بيوم بدر.. (28)
وعمرو هذا هو عم عبد الله بن عمرو بن عثمان..
فكيف تتزوج فاطمة رجلاً من هذه الشجرة الملعونة في القرآن ؟
إذن فهذا الزواج هو وهمي أسطوري صنعته الماكنة الزبيرية للسلطة لأسباب سياسية.
لقد أكثر أبو الفرج في نقل هذه الروايات الكاذبة حتى قال عنه القاضي محمود بن محمد عرنوس: إنّ كتاب الأغاني اشتمل على كثير من الأخبار الواهية، بل الموضوعة (29)
وقال عنه ابن الجوزي: لا يوثق بروايته، فإنّه يُصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوى شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتابه الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر (30).
ولا تنتهي مهازل آل الزبير وأكاذيبهم عند حدّ زواج فاطمة من عبد الله بن عمرو بن عثمان فقد وضعوا أكذوبة أخرى في سيرة السيدة فاطمة بنت الحسين، وكالعادة رواها المؤرخون والكتاب رواية المسلمات..
روى السيوطي في الدر المنثور، وعمر رضا كحالة في أعلام النساء في ترجمة السيدة فاطمة بنت الحسين هذه الرواية:
لما مات عنها عبد الله بن عمرو بن عثمان ــ زوج فاطمة المزعوم ــ خطبها عبد الرحمن بن الضحاك الفهري وهو عامل يزيد بن عبد الملك على المدينة فقالت: والله ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء وجعلت تحاجزه وتكره أن تنابذه لما تخاف منه فألح ابن الضحاك في طلبه وقال:
والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر، يعني عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي في شراب ثُمَّ لأضربنه عَلَى رؤوس الناس.
وكان على ديوان المدينة ابن هرمز من أهل الشام، فكتب إليه يزيد بن عبد الملك: أن يرفع حسابه، ويدفع الديوان.
فدخل ابن هرمز على فاطمة بنت الحسين يودّعها. فقال: هل من حاجة ؟
فقالت تخبر يزيد بن عبد الملك بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرّض مني.
وبعثت رسولاً ومعه كتاب إلى يزيد معه تخبره وتذكره قرابتها ورحمها وتذكر ما ينال ابن الضحاك منها، وما يتوعّدها به.
فقدم ابن هرمز والرسول معاً، فدخل ابن هرمز على يزيد فاستخبره عن المدينة وقال: هل كان من مغربة خبر ؟
فلم يذكر ابن هرمز من شأن ابنة الحسين فقال الحاجب: أصلح الله الأمير بالباب رسول فاطمة بنت الحسين.
فقال ابن هرمز: إن فاطمة بنت الحسين يوم خرجت حملتني رسالة إليك وأخبره الخبر.
فنزل يزيد من على فراشه وقال: لا أم لك ألم أسألك هل من مغربة خبر وهذا عندك لا تخبرنيه فاعتذر بالنسيان.
ثم أذن للرسول فأدخله، فأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يديه وهو يقول: لقد اجترأ ابن الضحاك هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي ؟
فقال ابن هرمز: عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النضري وهو بالطائف فوّلِه المدينة ومره بأمرك، فدعا يزيد بقرطاس فكتب بيده إلى عبد الواحد النضري:
سلام عليك... أما بعد فإني قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابي هذا فاهبط واعزل عنها ابن الضحاك واغرمه أربعين ألف دينار وعذبه حتى أسمع صوته وأنا في فراشي.
فأخذ البريد الكتاب وقدم به المدينة ولم يدخل على ابن الضحاك وقد أوجست نفس ابن الضحاك خيفة فأرسل إلى البريد فكشف له عن طرف المفرش فإذا ألف دينار فقال:
هذه ألف دينار لك ولك العهد والميثاق لئن أنت أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك، فأخبره !
فطلب من البريد أن يبطئ ثلاثة أيام حتى يسير ففعل، ثم خرج ابن الضحاك حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك فقال:
أنا في جوارك فغدا مسلمة على يزيد فرفعه وذكر حاجة جاءها فقال يزيد:
كل حاجة تكلمت فيها هي في يدك ما لم يكن ابن الضحاك.
فقال: هو والله ابن الضحاك
فقال: والله لا أعفيه أبداً وقد فعل ما فعل فأغرم النضري ابن الضحاك أربعين ألف دينار وعذبه وطاف به في جبة من صوف !!
إلى هنا تنتهي الحكاية التي ينقصها شيء واحد لكي يتم وضعها مع قصص ألف ليلة وليلة وهو أن تختم بما تختم به قصص تلك الليالي:
وأدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
فعلاً إن شر البلية ما يضحك !
وأية بلية أعظم من هذه البلية ؟
هل يدرك هؤلاء عمَّن يتحدثون ؟
وبماذا يتقولون ؟
وأنّى يفترون ؟
هل أصبحت بنات النبوة وسليلات الإمامة عرضة لكل من هبّ ودبّ !!
هل أصبحت بيوت التنزيل ومنزل الوحي تحت أنظار وتحكم الأمويين وأذنابهم وهم يتقصّون أخبار نساء بني هاشم متى ما بلغت هذه ومتى ما ترمّلت هذه ليتزوجوها !
وإذا أنكروا هم عقولهم فهل علينا نحن أيضاً أن نسير على خطاهم ونحن معصوبي الأعين؟
أن ابن الضحاك الفهري هذا قد تولى المدينة من عام (101هـ) إلى (104هـ)، ولو فرضنا جدلاً إنه خطب فاطمة في بداية ولايته فإن عمر فاطمة الشريف قد جاوز الستين عاما !!
ثم أيّة قرابة ورحم يحفظها يزيد بن عبد الملك لفاطمة عندما يتقولون عليها: تخبره وتذكره قرابتها ورحمها ! وقد قتل أخوه سليمان زوجها الحسن المثنى بالسم كما ذكرت ذلك جميع المصادر ؟؟
ثم هناك ما ينفي هذه الرواية من أصلها وهو قول ابن حزم الأندلسي الذي ذكرناه في ترجمة عبد الله بن عمرو من إنه لم يكن له أولاد واقتصر نسله على البنات فقط، وإن يزيد بن عبد الملك تزوّج أم سعيد بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان فولدت له عبد الله، ثم مات يزيد، فتزوجها أخوه هشام بن عبد الملك.
فلو كان عبد الله تزوّج حقيقة فاطمة بنت الحسين فكيف يجرؤ ابن الضحاك على خطبة عمّة الخليفة ؟ بل ويهددها ؟ وولاة الأمويين أعرف الناس ببطش حكامهم وسطوتهم وقسوتهم ؟
وإن خطر على بال معترض وحاول أن يبدي احتمالاً بأن أم سعيد بنت عبد الله ليست من فاطمة فلا يغير ذلك من الأمر أهمية ففاطمة إذا افترضنا الزواج تبقى زوجة عم الخليفة.
ثم لا أدري أين هم بنو هاشم من هذا التهديد والوعيد من قبل ابن الضحاك لكي يتركوا فاطمة ترسل رسولاً إلى يزيد بن عبد الملك وهم لا يعلمون ؟
أين الإمام زين العابدين والباقر وبنو هاشم من كل هذه الأمور ؟
وكيف ينسى ابن هرمز طلب فاطمة وقد رافق رسولها من المدينة إلى الشام ؟ وكيف يخون رسول البريد الخليفة ؟ بل لا يعرف ما في البريد فيتوجه إلى ابن الضحاك ويطلعه على كتاب الخليفة وكيف..... كل ذلك ينفي هذا الزواج والخطبة من أساسهما ويثير شعوراً لدى القارئ بالهمس مع نفسه: قاتل الله الزبير ولعنه.
فهذه المؤامرة الثلاثية (الأموية والعباسية والزبيرية) جعلت هدفها الأول والأخير النيل من آل علي وحاولت بشتى الوسائل تهميش وطمس الحقائق التاريخية وتشويه السِّيَر لشخصيات إسلامية عظيمة، وتزويق الماضي الوحشي والمخزي لـ (سلفهم) وخلق التبريرات غير المنطقية واعتماد الروايات الموضوعة لتنزيههم.
فاطمة في كربلاء
شاهدت فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) جسد أبيها ابن رسول الله ولحمه ودمه في كربلاء يسحق جسده بسنابك الخيل !
وتصف (عليها السلام) ما رأته بعينيها في ذلك اليوم فتقول:
كنتُ واقفة بباب الخيمة وأنا انظر إلى أبي وأصحابه مجزَّرين كالأضاحي على الرمال والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أو يأسروننا.. !!
لقد رأت بعينيها كل ذلك ثم رأت ما هو أفظع وأفظع فما إن قتل أبوها حتى هجم الجيش الأموي على الخيام لسلب النسوة وترويعهن، تقول ــ وقد أخذ رجل حليّها وبكى ــ ...
فقالت له: لم تبكي ؟
فقال: أأسلب بنت رسول الله ولا أبكي ؟
قالت: فدعه.
قال: أخاف أن يأخذه غيري !
وانتهبوا ما في الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا.. !!
وسارت فاطمة مع قافلة الأسرى وبعد رحلة مضنية دخلت فاطمة مع قافلة الحزن إلى الكوفة فخطبت السيدة زينب خطبتها الخالدة، ثم خطبت بعدها أختها أمّ كلثوم، ثم جاء دور فاطمة بنت الحسين فخطبت خطبة كانت آية في الفصاحة والبلاغة وهي في تلك الحالة من الأسر والسبي فضجّت المدينة بالبكاء والنحيب وقالوا:
حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضحت نحورنا، وأضرمت أجوافَنا.
فقطعت خطبتها لكن وقع المأساة التي جرت عليها والجريمة النكراء التي ارتكبت في كربلاء بحق أبيها وأهل بيتها لم تنقطع صورها عن مخيلتها فقالت:
أيـقـتـلُ ظـمـآنـاً حـســيـن بـكـربـلا ومن نحره البيضُ الصقالُ لها وردُ
وتضحي كريماتُ الحسينِ حواسراً يلاحظـهـا فـي سـيرِها الحرُ والعبدُ
فـيـالـه مـن رزءٍ عـظـيـمٍ مـصـابـه يـشـقّ الـحـشـا مـنـه ويـلـتـدمُ الـخدُ
ثم سارت القافلة إلى الشام فدخلت فاطمة مع عمّاتها وأخواتها ونساء بني هاشم وهنَّ أسيرات على يزيد في مجلسه، فهال فاطمة هذا الأمر وهنَّ حرائر النبوة وربائب الوحي يدخلن على هذا الفاسق الفاجر، فقالت فاطمة مستنكرة هذا المنظر:
يا يزيد ! أبناتُ رسول اللهِ سَبايا ؟!
وتصف السيدة فاطمة دخولها مع السبايا على المجرم يزيد: ولمّا جلسنا بين يدي يزيد، قام إليه رجل من أهل الشام فقال ليزيد: هب لي هذه الجارية، وكنتُ جارية وضيئة، فأرعدتُ وظننتُ أنّ ذلك جائز لهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون.
فقالت عمّتي للشامي: كذبتَ والله ولؤمت، والله ما ذاك لكَ ولا له.
فغضب يزيد فقال: كذبتِ والله، إنّ ذلك لي، ولو شئتُ أن أفعل لفعلت.
قالت زينب: كلاّ والله ما جعل الله ذلك لكَ، إلا أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغير ديننا.
فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.
قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّكَ وأبوك إن كنت مسلماً.
فقال يزيد: كذبتِ يا عدوّة الله.
قالت زينب: أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك.
فكأنّه استحى وسكت، فعاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً.
الخلق العظيم
لم تمنع كل المصائب والمحن التي رافقت السيدة فاطمة في رحلتها الطويلة من المدينة إلى كربلاء ومنها إلى الكوفة والشام وما واجهته من المصاعب فيها من التحلي بالصفات الكريمة والنبيلة التي توارثتها عن أبيها وجدها وهي صفات الأنبياء والمرسلين فلم تنسها الفجائع التي حلت بها من أن تكرم من أحسن إليها حتى في تلك الظروف التي يفقد فيها الإنسان رشده.
تقول الكاتبة السورية السيدة زينب بنت علي الفوّاز العامليّ في كتابها عن السيدة فاطمة بنت الحسين ما نصه:
كانت فاطمة بنت الحسين كريمةَ الأخلاق، حسَنةَ الأعراق.. لمّا جهّز يزيدُ أهلَ البيت إلى المدينة بعد قتل الحسين، أرسل معهم رجلاً أميناً مِن أهل الشام في خيل سيّرها، صحبتهم إلى أن دخلوا المدينة.. فقالت فاطمة بنت الحسين لأختها سكينة:
ــ قد أحسَنَ هذا الرجل إلينا، فهل لك أن نصله بشيء ؟
فقالت لها سكينة : والله ما معنا ما نصله به إلاّ ما كان من هذا الحلي.
فقالت لها فاطمة: فافعلي.
فأخرجت فاطمة له سوارين ودملجين، وبعثت إليه بهما، فردّهما وقال:
لو كان الذي صنعته رغبةً في الدنيا لكان هذا كفاية، ولكنّي ـ والله ـ ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله.
ويستأذنها الكميت بن زيد شاعر أهل البيت ليقرأ عليها ما جرى عليهم من المحن والظلامات فتأذن له وتأمر له بثلاثين ديناراً وفرساً رغم ما ببني هاشم من خصاصة من ذلك العهد الأموي الأسود، وهذا ما جعل الكميت يبكي ويقول: لا والله لا أقبلها..، إني لم أحبكم للدنيا.
توفيت (عليها السلام) عام (110هـ) أو (117هـ) في مصر على الأشهر، ودفنت فيها ولها ضريح يُزار في زقاق يعرف بزقاق (فاطمة النبوية).
وقد ذكر قبرها الرحالة ابن بطوطة المتوفى (779هـ) في رحلته بقوله:
وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع:
بسم الله الرحمن الرحيم لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء وفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة... هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين، وفي اللوح الآخر منقوش: صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر وتحت ذلك هذه الأبيات:
أسكنتُ من كان في الأحشاءِ مسكنه بالرغمِ منيَ بين التربِ والـحـجرِ
يا قـبـرُ فــاطمةٍ بـنـت ابـنُ فـاطـمـةٍ بنتُ الأئـمـةِ بـنـتُ الأنـجمِ الزهر
يا قـبـرُ ما فـيكَ مـن دينٍ ومن ورعٍ ومن عفافٍ ومن صونٍ ومن خفرِ
أولاد فاطمة
حاولنا قدر المستطاع تسليط شعاع صغير من نور فاطمة في هذه السطور فهي (عليها السلام) أكبر من أن تحيط بنورها الدرّي هذه الكلمات وبقي أن نذكر أولادها وهم بقية آل الحسن وما جرى عليهم من قبل المنصور:
عبد الله المحض: سمِّي بالمحض لأنه اجتمعت عليه ولادة الحسن والحسين وكان يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو شيخ بني هاشم في عصره وكان يتولى صدقات أمير المؤمنين علي .
وقيل له: بِمَ صرتم أفضل الناس ؟
فقال: لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد.
وكان نهاية هذا العلوي وأخويه على يد المنصور الدوانيقي.
فلما حجَّ المنصور أيام ولايته سنة (145هـ) ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا أكثر من عشرين رجلاً منهم أولاد السيدة فاطمة وهم: عبد الله المحض، والحسن المثلث، وإبراهيم الغمر وقيدهم بالحديد وقال لعبد الله المحض: اين الفاسقان الكذابان ــ يعني ولديه محمد وابراهيم ــ قال: لا علم لي بهما، فاسمعه كلاماً بذيئاً. ثم أوقفه وأخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم.
وركب المنصور في محمل مغطى فناداه عبد الله المحض:
أهكذا فعلنا بكم يوم بدر يشير إلى صنع النبي بالعباس حين بات يئن، قيل له: ما لك يا رسول الله لا تنام، قال: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق.
وكانت طفلة لعبد الله المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لمّا مرّ محمل المنصور ومعه الأسرى من بني الحسن فالتفت اليها المنصور فأنشأت تقول:
ارحـمْ كـبـيـراً سِـنُّـه مُـتـهـدِّما في السجنِ بيـن سلاسلٍ وقيودِ
إن جُدتَ بالرحمِ القـريبةِ بيننا مـا جـدّنـا مـن جـدّكـم بـبـيـعـدِ
فلم يلتفت المنصور إليها !!
ويرسم الشاعر ابن أبي زناد السعدي صورة مبكية لذلك المشهد الأليم وهو ينظر إلى أكثر من عشرين علوياً من أبناء فاطمة الزهراء وهم مكبلون بالسلاسل مكشوفي الرأس تحت لهيب الشمس وهم يساقون إلى الموت ويرفعون أيديهم رغم ثقل الحديد لتوديع أصحابهم وأهل بيتهم فيقول:
من لـنـفـسٍ كـثـيـرةِ الإشفاقِ ولـعــيــنٍ كـثـيـرةِ الإطـراقِ
لفراقِ الذينَ راحوا إلى المو تِ عياناً والموتُ مرُّ المذاقِ
ثـمّ ظـلّـوا يـسـلّـمـونَ عـلـينا بـأكـفٍّ مـشـدودةٍ فـي الوثاقِ
وجاء المنصور ببني الحسن إلى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الأرض فكانوا لا يعرفون ليلاً ولا نهاراً، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فإنهم جزّأوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتاً من الأوقات ثم ردم المنصور عليهم السجن فماتوا !
...................................................................
1 ــ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 339
2 ــ فاطمة بنت الحسين ص 13
3 ــ دلائل النبوة ج 1 ص ٢١٦ كما ورد هذا الحديث في كثير من المصادر مسنداً عن مجموعة من الصحابة، فورد في: فتح الباري ج 6 ص 168 / ومسند ابن حنبل ج 2 ص 380 / وقرب الإسناد للحميري ص 175.
4 ــ المعجم الكبير رقم الحديث 1026 كما ورد هذا الحديث أيضا وبعدة طرق في كثير من المصادر منها: مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 132 / وينابيع المودة للقندوزي ص 127 و ص 213 كما رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل عليّ، وفي مسنده.
5 ــ أسنى المطالب ص 53
6 ــ الكافي ج 1 ص 303
7 ــ بصائر الدرجات / الباب الثالث عشر من الجزء الثالث.
8 ــ بحار الأنوار ج 26 ص 214
9 ــ بصائر الدرجات ص 205
10 ــ الجواهر الباهرة ــ العمراني الخالدي ص 77 / الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم ج ١ ص ٢١ / شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي ج ٣ ص ١٩٦
11 ــ ــ مقاتل الطالبيين ص 205
12 ــ تاريخ الإسلام ج ٦ ص ٤٠٣
13 ــ مختصر تاريخ دمشق
14 ــ إسعاف المبطأ في رجال الموطأ
15 ــ الكامل في التاريخ ج 4 ص 80
16 ــ الطبقات الكبرى ج 7
17 ــ البداية والنهاية ج 9 في حوادث سنة 96 هـ
18 ــ الوافي بالوفيات ج ١١ ص ٣٢٠
19 ــ البداية والنهاية ج 9
20 ــ صحيح البخاري ــ كتاب الجنائز / باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور حديث رقم 1278
21 ــ منتهى الآمال ج 1 ص 459
22 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 43
23 ــ جمهرة أنساب العرب ج 1 ص 37
24 ــ صحيح البخاري ج 1 ص 230
25 ــ الإرشاد ج 2 ص 26
26 ــ الهواتف ص 92
27 ــ شرح نهج البلاغة ج 10 ص 287
28 ــ تاريخ الطبري ج 4 ص 357
29 ــ تاريخ القضاء في الإسلام / ١٨٢
30 ــ المنتظم ج ٧ ص ٤٠ ــ حوادث سنة ٣٥٦ هـ
اترك تعليق