تكشف هذه القصة كثيراً من الروايات الكاذبة التي تبجّح بها مؤرخو السلطة حول زواج بنات الأئمة المعصومين من بعض الخلفاء والأمويين أو الزبيريين كزواج أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب من عمر، وزواج سكينة بنت الحسين من مصعب بن الزبير وغيره، وزواج فاطمة بنت الحسين من عبد الله بن عمرو بن عثمان، وغيرها من الأكاذيب التي ابتدعتها الماكنة الإعلامية الأموية والعباسية لأغراض سياسية.
أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر
الزهرة التي تفتّحت في بيت الوحي، والغصن الذي تفرّع من شجرة النبوة، نمت في ظلال الوحي، وشبّت على أخلاق الرسالة، وتطبّعت بطبائع أمها سيدة الصبر وجدتها سيدة نساء العالمين، هي البنت الوحيدة لعقيلة الطالبيين السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، أبوها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فحازت الشرف والكمال من ضفتيهما فكان من الطبيعي أن يخطبها أشراف العرب.
ولعل السلطة أنست معاوية نسبه المشبوه وحسبه الوضيع فتطاول لخطبتها لابنه يزيد !! وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية، لكن عبد الله بن جعفر لم يكن ليسبق رأيه رأي سيد شباب أهل الجنة فيها فقال لمروان:
ــ إن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها
وأخبر الحسين بذلك، فقال: أستخير الله..، اللهمّ وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد.
وجاء مروان وحاشيته إلى المسجد وقال للحسين:
إن معاوية أمرني بأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، مع صلح ما بين هذين الحيين، مع قضاء دينه، واعلم إن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له، وبوجهه يستسقى الغمام فرد خيراً يا أبا عبدالله !
هذه النبرة لم تكن جديدة على هذا السيئ فقد كان له مثلها يوم الجمل ولا زالت نغرته وحقده وشعوره بالنقص يتفاقم يوماً بعد يوم.
فقال الحسين: الحمد لله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه.
أما قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما.
وأما قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنا ديوننا ؟.
وأما صلح ما بين هذين الحيين فإنا قوم عاديناكم في الله، ولم نكن نصالحكم للدنيا، فلعمري لقد أعيا النسب فكيف السبب ؟
وأما قولك: والعجب كيف يستمهر يزيد ؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد، ومن أبي يزيد، ومن جد يزيد !
وأما قولك: إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له، فمن كان كفؤه قبل اليوم فهو كفؤه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً.
وأما قولك: وجهه يستسقى به الغمام: فإنما كان ذلك وجه رسول الله .
وأما قولك: من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.
لقد وجه الحسين رسالة إلى مروان وجميع الحضور مفادها: إن هذا النسب السماوي الطاهر لا يليق به إلا منه كما قال رسول الله (ص) عندما رأى أبناء علي وجعفر وهم صغار: (بنونا لبناتنا، وبناتنا لبنينا).
ثم قال (ع) تطبيقاً لحديث جده: فاشهدوا جميعاً إني قد زوّجت أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة وإن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى.
وجم ابن الزرقاء كمن تلقى صفعة قوية ولكنه تجرّأ أيضاً وقال:
أردنا صهركم لنجدّ وداً قد أخـلـقهُ به حدث الزمانِ
فلما جئـتكم فجبهتموني وبحتمْ بالضميرِ من الشنانِ
ولكن مروان لم يخرج من المسجد دون أن يسمع الرد فأجابه ذكوان مولى بني هاشم:
أماط الله عنهم كل رجسٍ وطهرّهـم بذلـك في المثاني
فمالـهمُ سـواهمْ من نظيرٍ ولا كـفؤٍ هــنـاكَ ولا مداني
أتـجـعـــل كل جبارٍ عنيدٍ إلى الأخيارِ من أهلِ الجنانِ
..............................................
العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام) - الشيخ عبد الله البحراني ص ٨٧ ـ 88
مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب ج ٣ ص ١٩٩ ــ 200
أعيان الشيعة ــ السيد محسن الأمين ج 6 ص 432
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (عليهما السلام) ــ الشيخ حسن الصفار ص 106 ــ 107
دائرة المعارف الحسينية ــ معجم أنصار الحسين - النساء ج 1 ص 177 ــ 180
بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج ٤٤ ص 207 ــ ٢٠٨
موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) – ص 298 ــ ٢٩٩
زينب الكبرى ــ الشيخ جعفر النقدي ج 1 ص 129 ــ 131
دائرة المعارف الحسينية - ديوان القرن الأول للكرباسي ج 2 ــ 245
الصابري الهمداني ــ أدب الحسين وحماسته 76
السيد محمد كاظم القزويني ــ زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد ص 108 ــ 114
دائرة المعارف الحسينية / معجم أنصار الحسين - النساء ــ الشيخ محمد صادق الكرباسي ج 1 ص 178 ــ 179
اترك تعليق