انوار وقباب ..

 للقباب دور كبير في حياتنا، اذ انها تعد واحدا من اقدم سقوف الابنية على اختلاف جنسها، اذ لعبت دورا كبيرا في الفن العماري فباتت بكل تجلياتها والوانها عنصراً ورمزاً يدل على الجلال والاكبار وخصوصاً في الاسلام، والقبة عنصر عماري استخدم كنوع من أنواع التسقيف، وقوامها نصف كرة مجوفة تعلوا الابواب المقعرة من الداخل والمحدبة من الخارج ، وعرفت تقنية بناء القباب واستخدامها بشكلها البدائي الاول في عصر ما قبل الإسلام ،حيث كانت صغيرة الحجم ومبنية من عدة طبقات وبشكل مركب وتفتقر للمسات الجمال والمتانة، ليأتي الاسلام بعدها مستخدما القباب بهيئتها الحالية المتميزة بهياكلها المتجانسة الموحدة التي تتسم بالمتانة العمرانية وجمالية الشكل.

تفاوتت اشكال واحجام القباب فمنها الكروية ومنها البصلية ومنها المفردة والمزدوجة وغيرها من الاشكال ، فقد اختلفت باختلاف مواد البناء المستخدمة في انجازها فضلا عن ذلك تقنية بناءها والطرز المعمارية السائدة في اماكن بناءها وغيرها من المؤثرات الاخرى ، فهناك قباب نصف كروية و بصلية ومخروطية واخرى مضلعة كأن تكون ثمانية او خماسية الاضلاع او غيرها ، ومنها ماهي مؤلفة من طبقة واحدة ، أو طبقتين أو قد تكون أكثر من ذلك فضلا عن ، النقوش المميزة لبعض القباب وطريقة تغليفها وطلاءها بصفائح من صفائح مختلفة الخامات كصفائح الذهب والفضة ومعادن اخرى مميزة الشكل والهيئة كما هو الحال في قباب اضرحة الائمة الاطهار سلام الله عليهم .

وتزين القباب بالعناصر الزخرفية ، أو زخارف تربيعية ، أو هندسية ، أو مشتركة ، وهناك قباب تزين بالحجر المنحوت ، كما في قباب مصر الأثرية ، وبعضها كان ذا طابع بنائي مزجج مثل بعض القباب في بلاد إيران أو سمرقند .

وقد أقبل المسلمون على استعمال القباب في المساجد والأضرحة، حتى انتشرت القباب في العالم الإسلامي بشكل عام، وأصبحت من الخصائص المميزة للعمارة الإسلامية، وحسبما تشير الدلائل التاريخية فان قبة الصخرة، هي من أقدم نماذج القباب الإسلامية.

ومن جانب اخر فقد تنوعت أشكال القباب في العمارة الإسلامية وأساليب تشكلها وتزيينها بحيث تم الخروج بها عن مجرد وظيفتها الأصلية كأسلوب للتسقيف وتحولت إلى عنصر جمالي خاص يتميز عن باقي عناصر العمارة الإسلامية، حتى بلغت القبة الاسلامية درجة عالية من الرقي الجمال، وابتكرت العمارة الإسلامية أشكالاً كثيرة ومتنوعة لا حصر لها من القباب، كما تنوعت أشكال زخارفها التي تجمع بين مختلف عناصر الزخرفة العربية الإسلامية، ولاستخدام القباب رؤية خاصة في الفكر الإسلامي، فهي لم تكن حلاًّ بيئياً أو مناخياً أو إنشائياً أو وظيفياً فقط؛ بل هي رمز روحاني يرمز إلى السماء خاصة في المناطق المصفوفة من المسجد، مع اتساع الأفق واستدارة السماء من فوقه .

ومن اهم أساليب تحلية القباب المتعارف عليها استخدام ألواح الخشب، أو النحاس أو تغطية القباب بألواح الذهب أو الرخام المحفور وأكثرها شيوعاً القباب المغطاة بالكاشي المزجج المتنوع الزخارف، مثل العناصر الزخرفية النباتية والهندسية والكتابات القرآنية الكريمة، وتغلف القباب ايضاً – وبالخصوص قبب الائمة الاطهار سلام الله عليهم - بقطع مطلية من الذهب، وهي منتشرة في عدد من البلاد الإسلامية كما في العراق وإيران وسوريا ، ولا شك ان اهمها ما يوجد في العراق الذي لقبه البعض ببلد القباب الذهبية التي بنيت على أضرحة الأئمة الاطهار عليهم السلام والتي عدت من اعلى المستويات الفنية والعمارية التي شيدت عبر تأريخ المنطقة، وتعد قبة أمير المؤمنين أعلى قباب الأئمة من آل البيت وأعظمها دقة وأكثرها تنسيقا وأنضرها بهاءً، لتاتي بعدها قبتي كربلاء المقدسة وقباب الكاظمين والعسكريين عليهم السلام في بغداد وسامراء، وراح المعماريون والمصممون بخيالاتهم في التعبير عما يزين هذه القباب واستخدموا شتى الاساليب الفنية وبقيم جمالية مختلفة، وبالوان عديدة ليحافظوا على هذا الرمز الانساني الروحي متناقلاً بين الاجيال.

كاتب : سامر قحطان القيسي