رِحلةُ المِشكاة

مِنَ العَدَمِ الداجي سَيَبـْني عَوالِمَه

وَيُلقي صُعودًا أو نزولا سَلالِمَه

تَوَغَّلَ في اللاشيءِ لاشيءُ وَهْجِهِ

على مِحْوَرٍ يَمْحو الرؤى المُتقادِمه

لِذا كانَ يَسْتَجْدي الجِهاتِ بِقَدحةٍ

لَعَلَّ انعكاساتٍ سَتَصْحو مُوائمه

فلمْ تَـتَّضِحْ فيها التقاطاتُهُ التي

أرَتْـهُ فضاءً لايَفُكُّ طَلاسِمه

ولكنْ رأى منْ هُوَّةِ الموتِ نُقطةً

تَمُدُّ خُطوطا في الفَراغاتِ هائمه

لِيَغزلَها وَردا لِأشَواكِ شَكِّهِ

إذا اشْتَبَكَتْ أوهامُهُ المُتراكِمه

هناكَ رمى مِنْ نَفْحَةِ العِطْرِ فِكْرةً

تُقَلِّبُها أضدادُهُ المَتَخاصِمه

فما فَسَّرتْ إلا وزادَتْهُ حَيْرةً

وما اسْتَفْسَرتْ إلا وأعْيَتْ تَراجِمه

وفي وَحْشَةِ الايغالِ حينَ تكاثَفَتْ

ضَلالاتُهُ .. واليأسُ أغوى مَعالِمَه

تَبلَّجَتِ الأكوانُ وانْهَلَّ نورُها

فقد أشرقتْ قَبْلَ المَشارقِ فاطِمَه

أتى عالَمُ الإمْكانِ منها .. وهالَهُ

كَمالاتُها فوقَ الكَمالاتِ حاكِمه

فكيفَ يَحوزُ الآنَ بعضَ مديحِها ؟

وعَنْها انـْبَرتْ أشياؤه المتزاحِمَه !

وكيفَ لهذا الجُزءِ أن يَسْتَبينَها ؟

إذا كانَ منها يَسْتعيرُ مَعاجِمَه !

هناكَ أسالَ اللهُ ضوءَ جَلالِها

بِفاكهةٍ في جَنَّةٍ مُتَناغِمه

وَناوَلَها عندَ الأعالي مُحَمَّدًا

لِتَنزلَ لِلدُّنيا الحزينةِ باسِمه

لِتَمْنَحَها الزهراءُ أزهارَ طُهْرِها

وترسمَ أشجارَ الحياةِ المُسالمه

رأتْ واقعًا قيعانُهُ تُنـْبِتُ الدجى

وَتَكْبو به أسْقامُهُ المُتَفاقِمه

فَأجْرَتْهُ أنهارًا تَعالَتْ سُيُولُها

لِتَغْسِلَهُ أمْواجُها المُتَلاطِمه

إذا زَلَّتِ الأقدامُ في أزَلٍ لَها

تَزولُ بِلُقياها الزلازلُ راغِمَه

وَما ادّارَأتْ .. حَتّى إذا اشْتَدَّتِ اللظى

أتَتْنا كَعنقاءٍ عَنِ الموتِ عاصِمَه 

وَرَوَّضَتِ الأرضَ الجموحَ بِرَوْضِها

وَرَبَّتْ لآفاقِ السلامِ حَمائِمه

 ‏

وصارتْ لِفَرْطِ العطفِ أمَّ نَبِيِّها

فَجَمْعُ سِماتِ الأنبياءِ لها سِمَه

إذا البرقُ لَمْ يُدْرِكْ عُلاها .. فَرَعدُهُ

سَيَشْرَحُ تأويلاتِها المُتَعاظِمه

بِفارِقِ وَقْتٍ في القياسِ ثَوانِيا

ولكنْ بَهِ الأعوامُ تَمْتَدُّ عائمه

تُديرُ رَحى الأقْدارِ في قَمْحِ حُزنِها

لِتَنثرَ أفراحَ الحَياتَيْنِ راحِمه

فَكَمْ زارتِ الزهراءُ أمّي بِحُلْمِها

وَمِنْ حَوْلِنا ريحُ الشدائدِ حائمه

وقالتْ لها : صلّي علينا فإنَّنا

موانيءُ أمْنٍ في الشّرورِ المُداهِمَه

فقالتْ : عليكم بالصلاةِ مُداوِمه

وأذكُرُكُمْ حَتّى وإنْ كنتُ نائمه

وحينَ تَقَرَّتْنا بِلَمْسةِ كَفِّها

وذابتْ حَنانا قَدْ شَمَمْنا نَسائمه 

لَهُ الحمدُ قالتْ .. فالبنونَ بِحِفْظِها 

وَفيها بُنَيّاتي مِنَ السُّوءِ سالِمه

نَعَمْ .. هكذا الزهراءُ أمٌّ لأمَّةٍ

شَمائلُها من رحمةِ الله قادِمه

قَضَتْ ها هنا عشرينَ عاما فأصبحتْ

بِذكرى شَذاها جَنَّةُ الله حالمه

وَقالتْ أعيدوها إليَّ .. فَدونَها

ظِلالي كوابيسٌ على القلبِ جاثِمه

مَنابعُ أنهاري دموعٌ .. وَحَوْلَها

بقايا شُجَيراتٍ مِنَ الشوقِ واجِمه

أكادُ أكونُ الآن قعرَ جهنمٍ

وعاشقةً حيرى على الموتِ عازِمه

فَأصْغَتْ لِشَكواها الجحيمُ وأشْفَقَتْ

وكانت بِمَنْ فيها يُخَلَّدُ عالِمه

لذا حَرَّكَتْ للكوثرِ العَذْبِ عُصْبَةً

تَخونُ مواثيقًا وَتَرْتَدُّ آثمه

لِتُطفِيءَ ضَوْءً عندَ مِشْكاةِ حيدرٍ

وتَخْلُقَ أسْبابَ الجَفاءِ المُلائمه

هنالك لم تُخفِ البتولُ احْتِجاجَها

وَغادَرَتِ القومَ المُريبينَ لائمه

فَعادَتْ بها الجَنّاتُ أنهارَ بَهْجَةٍ

وأفقا بِحُسْنِ اللحْنِ يَحْدو غَمائمه

برِحْلَتِها أرضُ الجمالِ تَيَتَّمَتْ

ولكنْ سَتَحيا للطواغيتِ قاصِمه

سَيَظْهَرُ بالمهديِّ غَيْبٌ مُغَيَّبٌ

وَينْصِبُ للأنصابِ فيها مَحاكِمَه

المرفقات

كاتب : حيدر احمد عبد الصاحب