927 ــ محمد صالح بحر العلوم (1326 ــ 1412 هـ / 1909 ــ 1992 م)

محمد صالح بحر العلوم (1326 ــ 1412 هـ / 1909 ــ 1992 م)

قال من قصيدة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (60) بيتا وقد ألقاها الشاعر في الاجتماع الكبير الذي أقيم في حسينية الدوريين ببغداد سنة يوم 12 / محرم 1367 هـ الموافق 26 / 12 / 1947 م):

فجيعةُ يومَ (الطفِّ) تروي فصولَها     أصولُ حيـــــــاةٍ طورُها يتجدَّدُ

وتضــــــــــحيةُ الحرِّ الشهيدِ بنفسِهِ     شهادةُ حــقٍّ باسمِها الحقُّ ينشدُ

رأى ابنُ عــــــــــليٍّ أنَّ بنيانَ جدِّهِ     تداعى وبـيتُ المالِ بالبغي ينفدُ

وإنَّ يداً لمْ يألفِ الـــــــناسُ بطشَها     تعيثُ بـحكمِ الناسِ ظلماً وتُفسدُ

فجرَّدَ للهيجاءِ وهوَ ابـــــــــنُ ليثِها     حساماً بأحشاءِ الطواغيتِ يُغمدُ

ومهَّدَ للأحرارِ نــــــــــــهجَ كرامةٍ     بـــــــدونِ دمِ الأحرارِ لا يتمهَّدُ (1)

ومنها:

رأى ابنُ عليٍّ أنَّ ثــــــــــــــــورةَ حقِّهِ     بدونِ ضحايا (الطفِّ) لا تتخلَّدُ

خذوا من ضحايا (الطفِّ) درسَ تحرُّرٍ     فـتلـــكَ الضحايا للتحرُّرِ معهدُ

ولا تـــــــــــــذكروها بالبكــاءِ مُجرَّداً     فلمْ يُجــــدِها هذا البكاءُ المُجرَّدُ

وكونوا كما كــــانَ الحسينُ وصــحبُه     مصابيحَ خــــيرٍ للجماهيرِ تُوقدُ

الشاعر

السيد محمد صالح بن مهدي بن محسن بن حسين الطباطبائي بحر العلوم (2)، شاعر وأديب وسياسي، ولد في النجف الأشرف من أسرة علمية برز منها العديد من أعلام الفقه وعباقرة الأدب وفحول العلم، ويرجع نسب هذه الأسرة الشريف إلى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) (3)

توفي أبوه وهو في الخامسة من عمره فنشأ برعاية والدته العلوية الفاضلة كريمة السيد هادي بحر العلوم التي كانت أديبة وتكتب الشعر باللهجتين الفصحى والعامية، كما رعاه خاله العلامة السيد علي بحر العلوم وأحسن تربيته وكفالته فأدخله مدرسة الغري والحيدرية حتى أكمل المرحلة الابتدائية. ثم ترك المدرسة والتحق بحلقات جامع الهندي والصحن الحيدري الشريف (4)

درس بحر العلوم على يد خاله السيد علي بحر العلوم، والشيخ محمد جواد الحجامي، والشيخ محمد جواد الجزائري، والشيخ محمد رضا المظفر، ثم درس في كربلاء على يد الشيخ محمد الخطيب، وكان للشيخ عبد الحسين الحويزي أثر كبير في نمو شاعريته، وقد أجازه الإمام محمد حسين كاشف الغطاء للتدريس. (5)

ثم اتجه نحو الشعر بقوة ولمع اسمه كشاعر ثوري وطني ندد بالاستعمار وأذنابه ودعا إلى التكاتف بين أبناء الشعب الواحد حتى لقب بـ (شاعر الشعب) وقد تعرض للاعتقال وأحكام السجن والتعذيب مرات عدة لكن ذلك لم يثنه عن قول الحق ومحاربة الفساد ولم ينل من روحه الثائرة التواقة إلى العدالة والحرية.

قال عنه الأستاذ علي الخاقاني: (واندفع بحكم روحه الثائرة لأن يكون ضحية إزاء هدف يراه من أثمن الأهداف وهو قوة المعارضة للحكم بكل لون يكون، وبأي أسلوب كان، وتلذذ في السجون أكثر من تلذذه في بيته، ونسي أولاده السبعة الذين شبوا ولم يرهم، وتمادى به الرأي فتجرد عن كل ذهنية إلا ما هو فيه منم حب الوطن والحنو على الضعيف والهجوم على كل مسؤول في الحكم في مختلف الأدوار...) (6)

وقد دخل السجن عام 1930 إثر المعاهدة العراقية ــ البريطانية فكتب قصيدة مطلعها:

السجنُ بالعزِّ خيرٌ مِن النعيمِ بذلة

وفي عام 1932 كتب قصيدته (يا شعب سجل) فوضع تحت المراقبة لمدة سنة كاملة، وفي عام (1934) حكم عليه بالسجن لمدة شهرين، أمضى منها عشرين يوما ثم خرج على إثر قرار محكمة الاستئناف بنقض الحكم، وفي عام (1935) حكم عليه بالسجن المؤبد من قبل المجلس العرفي العسكري في المنتفك على إثر قصيدته (الفلاح)، ثم شمله العفو. وفي عام (1947) قضى في السجن أكثر من سنة إثر اشتراكه في الوثبة، وفي عام (1952) سجن لمدة ثلاث سنوات. حتى بلغ مجموع الأحكام الصادرة عليه من قبل السلطات أكثر من 30 سنة قضاها في سجون الحلة وبغداد والنجف وخانقين والموصل وحلبجة والموصل والعمارة وسامراء والفاو. (7)

وعلى أثر سجنه قال فيه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري:

يا أبا ناظمٍ وســــــــــــــجنُكَ سَجني      وأنا منكَ مثلما أنــــــــــتَ منِّي

وأنا منكَ في المودَّة حيــــــــثُ المر     ءُ سِيان عــــــــــــلمُه والتظنِّي

أنا عرقٌ في جسمِكَ النابِـضِ الحيِّ      ولمحٌ من عِلقك الــــــــمُستَضنّ

يا ابن صِيدِ الرجالِ كـــــــلِّ مُضحٍّ      بشبابٍ كــــــــالروض لَفٍّ أغنّ

سنَّنوا شِرعَة الــــــــــتذوُّبِ في النا     سِ ومــــاتوا على مِحكّ المِسن

يا ابن صِيدِ الرجالِ دربُك دربُ الـ     ـصيدِ مُستوحَشُ الثنيَّات مضني (8)

ترأس تحرير مجلة (المصباح) التي تصدر في النجف، وترجم أشعار سعدي وحافظ الشيرازيين وعمر الخيام، (9) أصدر رواية بعنوان (العفة) (10) ترجمت بعض قصائده إلى اللغات الإنكليزية والروسية والألمانية والفرنسية والصينية والإسبانية والآذرية والفارسية (11)

كان مستميتا في نضاله ضد الظلم والجبروت ففي إحدى مرات أعتقاله الكثيرة قال له قال له مدير السجن: ليس في هذا السجن غير الموت. فرد عليه قائلا: ومتى كان الموت يعيق الأحرار عن إداء رسالتهم السامية ومواصلة كفاحهم المجيد (12)

شاعريته

قال الأستاذ علي الخاقاني عن شاعريته: (غني عن تعريف شاعريته والتحدث عنها، فقد دوّخ الصحف والمجلات وموج أندية النجف وأدخل عليها ألوانا جديدة من الأدب الواقعي كانت قبل لم تسمعه، فقد ذهب فيه إلى يقظة العامل والفلاح ومقاومة الأقوياء، وألهب في شعره روح المواطنين بحماسه القوي وثورته النفسية... غير أنه لم يبتعد عن الدين، وإن الإيمان بالله ورسله من المقدسات الواضحة...) (13)

شعره

قال من قصيدة في ذكرى وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) تبلغ (52) بيتاً وقد ألقيت في الاحتفال التأبيني الكبير الذي أقامه شباب الكاظمية يوم 11 / 2 / 1945 الموافق 27 / صفر / 1364 هـ في ذكرى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله):

تعطّلَ الوحيُ فـــــــــضجَّتِ السّورْ     تنعى مــــــــن الفرقانِ آيةَ البشرْ

يا رائدَ الإيمانِ في مسيـــــــــــــرةٍ     لـــــــــــولاكَ ما كانَ لها أيُّ أثرْ

وجَّهتَ للحقِّ شعـــــــــــوباً اهتدتْ     في أمسِها الداجي بوجهِكَ الأغرْ

أتيتَ والــــــــــــــفرحةُ في ربيعِها     ورحتَ والقرحةُ فيها فــي صُفرْ

وكنتَ سيلَ البرِّ للســــــــــائلِ عن     حقٍّ ولليتيمِ كـــــــــــــالأبِ الأبرْ

فلا يرى الســــــــــــائلُ فيكَ جفوةً     ولا اليتيـــــــمُ في حِـــماكَ يُنتهرْ

ونــــــــــــــالتِ المـرأةُ فيكَ حظّها     وحظّــــها قبلكَ ضـــــاعَ واندثرْ

ولم تعدْ بضـــــــــــاعةً معروضةً     بالســــوقِ كالرقيقِ فيـــــها يُتَّجَرْ

وصحتَ بالناسِ احفظوا حاميةَ الـ     ـعدلِ ففي حاميةِ العـــــدلِ الظفرْ

وكـــــــــــــــنتَ بالناسِ بلا تمايزٍ     يـــــرفعُ مِن شأنِ فريــــقٍ ويذرْ (14)

وقال من قصيدة في ذكرى المولد النبوي الشريف تبلغ (60) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقامه الجامع الصفوي في الكاظمية المقدسة بالمناسبة يوم 17 / ربيع الأول 1364 هـ الموافق 3 / 3 / 1945 م)

الأرضُ تهتفُ والـــــسماءُ تُردِّدُ     حـيي الرسالةَ فالوليدُ محمدُ

حي الرسالةَ في صباحِ جبيـــنِه     شمساً لها في كلِّ حيٍّ مشهدُ

جاءَ البشيرُ وكلُّ جارحةٍ بــــــهِ     ثغرٌ يــــــبشّرُ باسمِه ويُردِّدُ

فتناقلتْ أرجاءُ مكّةَ صـــــرخةً     خرَّ المقيمُ لــها وخفَّ المقعدُ

وتصارختْ أشرافُهــا مذعورةً     ماذا يريدُ محـــــمدٌ ما يقصدُ

أيجرِّدُ الأعرابَ مِـــن أعرافِها     وطباعِها هذا اليتـــيمُ الأجردُ

ويسفِّهُ الأحلامَ قبـــلَ بلوغِه الـ     ـحلمَ الصبيُّ الثائرُ الـــمُتمرِّدُ

ما للصبيِّ وللـــــــعباداتِ التي     كنّا بـــــــــــها من قبلِهِ نتعبَّدُ

إن كانَ يــــعهدُ علَّةً في جسمِه     فجميعُنا فـــــــي طبِّها نتعهَّدُ

أو كانَ يشكو العوزَ وهوَ بفاقةٍ     جئناهُ بالمالِ الـــــذي لا ينفدُ

أو كانَ يرغبُ في سيادةِ قومِهِ     ويكفُّ عمَّا جاءَ فـــهوَ السيدُ

فأبى ابــنُ عبدِ اللهِ إلّا أن ترى     عيناهُ شرعَ الحقِّ وهوَ مُعبَّدُ (15)

وقال من قصيدة في مولد النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً تبلغ (29) بيتا وقد ألقاها الشاعر في الاحتفال الذي أقامته جمعية شبان أندونيسيا في قاعة الشعب ببغداد بالمناسبة عام (1947)

غمرَ الأرضَ ومن فيهــــا السناءُ     بوليـــــدٍ بشّرتْ عــــنه السماءُ

واســـــــتعادَ البيتُ مِــــن طلعتِهِ     مُــــــــثلاً فرَّطَ فـــــيها السفهاءُ

وزهتْ مـــــــــكّةَ تــــشدو فرحاً     إذ أتاها العـــــدلُ والناسُ سواءُ

لا سراةٌ في الـــــــورى لا سادةٌ     لا سوادٌ لا عـــــــبيدٌ لا إمـــــاءُ

فالمفاهيمُ التي عــــــــــاشتْ بها     فئةُ السوءِ هيَ اليـــــومَ هبــــاءُ

حكمةٌ أدركَ طـــهَ شــــــــــأوها     بعدما قصَّرَ فيها الحــــــكــــماءُ

وحوى الـــقرآنُ في إعـــــجازِهِ     آيةً يعــــــــــجزُ عنها الــــبلغاءُ

إنَّ أصـــلَ الناسِ في تكويـــنِهمْ     وحدةٌ يجمعهــــــا طيــــنٌ وماءُ

ودعاوى البعضِ في تفريــــقِهمْ     شِيعاً بالعنصريــــــــــاتِ هراءُ

وافتراضُ الفرقِ بينَ الناسِ مِن     جوهرِ الدينِ على الديـنِ افتراءُ (16)

قال من قصيدة في استشهاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (22) بيتاً:

يا ابـنَ عمِّ الرسولِ قارعَــكَ الدهـ     ـرُ ولمْ يثنِ مِن عظيـــــمِ ثباتِكْ

وحــــــــــباكَ الإيمانُ مـنه بروحٍ     قد تجلّتْ صفاتُه فـــــي صفاتِكْ

وارتـأى أن تــــــــــــكونَ آيتُه أنـ     ـتَ فحلّتْ في النــهجِ مِن آياتِكْ

وشكـتْ مشكلاتُ عصرِكَ عسراً     فأتاها التيســــــــيرُ مِن بركاتِكْ

كــــــنتَ أنتَ الإنسانُ تفقهَ أن الـ     ـعدلَ أصلُ الأصولِ في ملكاتِكْ

عشتَ عيشَ السوادِ بالخبزِ والملـ     ـحِ ولمْ تدَّخرْ ســـــوى حسناتِكْ

مثلَ كـــــــلِّ البنينِ أبناؤكَ الطهـ     ـرُ وكـــــــــلُّ البناتِ مثلُ بناتِكْ

لا امتيازٌ لـــــــــلأقربينَ بين النا     سِ على الأبعدينَ في نظـــراتِكْ

ليتَ مَن يدَّعي الإمــــامةَ يرعى     حرمةَ الناسِ وهيَ مِن ميزاتِـــكْ

ويرى كيفَ كنتَ تشبـــــعُ غرثا     همْ وتـــكسي عـــراتَهمْ بصِلاتِكْ

هكذا عشـتَ أنتَ تشملُ حــــــتى     أبـــــعدَ الأبعدينَ فـــي رحماتِكْ

وإذا استـــــــــــهترَ الولاةُ بحيفٍ     كنتَ ســيفاً على رقـــابِ ولاتِكْ

يــــــــــا مثالَ الأناةِ في كلِّ حكمٍ     أنتَ أحكــمته بفضـلِ أنـــــــاتِكْ

أينَ مِـــــــن هديِكَ الوسيمِ تيوسٌ     حاربتْ كــلَّ مهتدٍ بــــــــسماتِكْ

واستباحتْ مــــــحارماً لم يبحها     أيُّ شرعٍ لهــاتِــــــــرٍ أو هــاتِكْ

يا إمامَ العقلِ المفـــــــضَّلِ بالعد     لِ حفظتَ الحـــــدودَ فـي بيِّناتِكْ

كرَّمتْ وجهَكَ الحقيقةُ بـــــالحقِّ     ولاحتْ زهراءَ فــــي مـكرماتِكْ

واختشى السيفُ أن يجابِه مـــرآ     كَ فــوافاكَ غيلةً فـــي صَـلاتِكْ

وقضــــــــــيتَ الحياةَ تعملُ للنا     سِ ولـــلناسِ حجَّةٌ فـــي حـياتِكْ

وتنزَّهتَ مِــــــــــن شوائبِ دنيا     كَ فنلـــــتَ الخلودَ بعـــدَ وفـاتِكْ

وكفى أن تروحَ روحُــــكَ للخلـ     ـدِ وتبقي لــــلخلقِ أنـوارُ ذاتِـــكْ

فنضالُ الأخيارِ في كــلِّ عصرٍ     يتعالى على الـــشرارِ الفواتِـــكْ (17)

وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام)

أبــــــــا حسنٍ لو يعلمُ السيفُ أنه     يُسلُّ لسيفِ الحقِّ لاصطكَّ بالغمدِ

ولا طاوعَ الكفَّ التي أجرمتْ بهِ     علــــى العدلِ حدَّاً لا يُعادلُ بالحدِّ

ذهبتَ ولـو خلَّفتَ (نهجكَ) خاتماً     بذكـــــركَ بعد الذكرِ فاتحةَ الحمدِ

فذكرُكَ فــي الفرقانِ سورةُ دهرِهِ     ونهجُــكَ في تقويمِه صورةُ الخلدِ (18)

وقال من قصيدة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (50) بيتا وقد ألقاها في الاجتماع الجماهيري الكبير الذي انعقد في الصحن الكاظمي الشريف يوم عاشوراء عام (1365 هـ الموافق 16 / 1 / 1946 م):

بدمِ الشهيدِ تُخطّ فـــــــــاجعةُ الإبا     حـــــقَّاً بدونِ دمٍ أبى أن يُكــتبا

تاريخُ إثباتِ الـــــــحقوقِ سطورُه     حمرٌ تعلّمُنا النضالَ الأصــوبا

والحرُّ إن خافَ المنيّةَ لمْ ينـــــــلْ     حرباً بـدونِ ضحيّةٍ لــن تُكسبا

ما قيمةُ النفسِ التي تنجـــــــو ولم     تنجبْ لأمَّــتِها الصنيــعَ الطيِّبا

أسمى النفوسِ هيَ التي لـم تنهزمْ     عن دفعِ تضــحيةٍ ولــن تتهرَّبا

وأحطّ نفسٍ في الحــــــــياةِ مُهانةٌ     نفسُ امرئٍ يردِ الــردى مُتهيِّبا

ما مِن يدٍ تزكـــــــو بطابعِ عدلِها     وتقرُّ طائعةً أمـــــــــــيراً مُذنبا

شُلّتْ يـــــــــــدٌ تُدعى لبيعةِ ظالمٍ     طاغٍ وتخشى أن تثورَ وتغضبا

يا خيرَ من وطأ الثرى مِـن هاشمٍ     بـــــعدَ النبيِّ وحيدرٍ والمجتبى

وأعــــــــزَّ ليثٍ غالبٍ فـي غالبٍ     وأذلَّ غــــالبَ أن تضامَ وتُغلبا

تأبى المـــروءةَ أن تقطّـعكَ الظبا     نهشاً وسيفُ أبـــيكَ كان لها أبا

ما حالُ جدِّكَ لو رآكَ ولاحــظتْ     عيناهُ شيبَكَ بالنجـــــيعِ مُخضَّبا

لسلا بحقِّكَ ألـــــــفَ ألـفِ براءةٍ     مِن عصبةٍ وضــعتكَ نهباً للظبا

وجثا يقبِّلُ منحراً بـــــــــــــدمائهِ     قلبَ الرسالةِ والــرسولَ تصبَّبا

يا ثائراً شقَّ الطريـــــــقَ لـغيرِهِ     مِن بعدِه ليشقَّ عنــــــــه الغيهبا

لهفي لوجهِكَ وهوَ شمسُ هـدايةٍ     غربتْ وذكرُكَ مشرقٌ لن يغربا

فالموتُ في طلبِ الكرامةِ منهلٌ     عذبٌ وميْتٌ مَن يعيـــــشُ معذباً (19)

وقال من قصيدته في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (60) بيتاً وقد قدمناها:

أروحُـــكَ أم روحُ الــــــــــــنبوةِ تَصعدُ     مِن الأرضِ للفردوسِ والحورُ سُجَّدُ

ورأسُــــكَ أم رأسُ الرســـولِ على القنا     بـــــــــــــآيةِ أهلِ الكهفِ راحَ يُردِّدُ

وصــــدرُك أمْ مستودعُ العلــمِ والحِجى     لتحطيمِه جــــــــيشٌ من الغدرِ يَعمدُ

وأمُّــــــــــــــــــكَ أمْ أمُّ الكتــابِ تنهَّدتْ     فذابَ نشيـجاً قلبُـــــــــــــــها المُتنهِّدُ

وشاطــــرتِ الأرضُ السمــاءَ بشجوِها     فــــــــــــــواحدةٌ تبكي وأخرى تُعدِّدُ

وقد نـــــــــــصبَ الوحيُ الــعزاءَ ببيتِهِ     عـــــــــــليكَ حِداداً والمعزَّى مُحمدُ

يــــــــــــــــلوحُ له الثقلانِ ثــقلٌ مُمزَّقٌ     بــــــــــــــسـهمٍ وثقلٌ بالسيوفِ مُقدَّدُ

فعترتُـه بــــــالسيفِ والــسهمِ بعضُـــها     شهيدٌ وبعـــــــــــــضٌ بالفلاةِ مُشرَّدُ

بنفسـي شهيداً أصلتِ الـشمسُ جـــسمَه     ومــــــــــــــــنشأها مِن أصلِه مُتولِّدُ

وخـــــيرَ ذبيحٍ داســـــتِ الخيلُ صدرَه     وفرسانُها من ذكـــــــــــــــرِه تتجمَّدُ

ألْـمْ تـــــــــكُ تـــــدري أنَّ روحَ محمدٍ     كقرآنِه في ســـــــــــــــــبطِهِ مُتجسِّدُ

فلـو علمـــــــتْ تلـــــكَ الخيولُ كأهلِها     بأنَّ الذي تحتَ السنابكِ أحـــــــــــمدُ

لـثارتْ على فـــــــــــرسانِها وتمرَّدتْ     عــــــــــليهمْ كمـا ثاروا بها وتمرَّدوا

فرى البغيُ نحراً يخبطُ الـــبغيَ نـورُه     وفي كلِّ عــــــــــرقٍ منه للحقِّ فرقدُ

وهشّمَ أضلاعاً بها العـــــطـفُ مُـودعٌ     وقطّع أنفاساً بها اللـــــــــطفُ مُوجدُ

وأعظمُ ما يشجي الغـــيـــــورَ حـرائرٌ     تُضـــــــــــــامُ وحاميها الـوحيدُ مُقيَّدُ

فمِن موثَقٍ يشكو الـــتشدُّدَ مِــــــــن يدٍ     وموثَقةٍ تبكي فــــــــــــــــتلطمُها اليدُ

كأنَّ رســـــــــــــــــولَ اللهِ قال لقـومهِ     خـــــذوا وتَركمْ من عترتي وتشدَّدوا

فجيعـــةُ يومَ الطــــفِّ تروي فصـولَها     أصــــــــــــــولُ حياةٍ طورُها يتجدَّدُ

وتـــضحيةُ الحرِّ الشـــــــــــهيدِ بـنفسِهِ     شهادةُ حقٍّ بـــــــــاسمِها الحقُّ ينشدُ

رأى ابنُ عليٍّ أنَّ بــنيانَ جـــــــــــــدِّهِ     تداعى وبيتُ المــــــــالِ بالبغي ينفدُ

وإنَّ يــــــــداً لمْ يــألفِ الناسُ بــطشَها     تــــــــعيثُ بحكمِ الناسِ ظلماً وتُفسدُ

فجرَّدَ للهيجــــــــــــاءِ وهوَ ابــنُ ليثِها     حساماً بـــــــأحشاءِ الطواغيتِ يُغمدُ

ومـــــــــــــهَّدَ لـلأحــرارِ نهـجَ كرامةٍ     بـــــــــــــدونِ دمِ الأحـرارِ لا يتمهَّدُ

متى عرفَ الـــــــــتاريخُ حـقاً بلا دمٍ      يُصانُ ومــــــــــــجداً بالدموعِ يُشيَّدُ

وأينَ الذي يــــصغي لــدعـوى بلا يدٍ     تُطالبُ فــــــــــــــيها أو نُـضالٌ يُؤيَّدُ

وهلْ أنَّ ســــدَّاً عائقاً لمــــــــــــسيرةٍ     يزولُ بلا ضربٍ عــــــــــــليهِ يُسدَّدُ

وكيفَ يفــــوزُ الحقُّ في سحقِ باطـلٍ     إذا لم يكنْ للحقِّ حزبٌ مُــــــــــــجنَّدُ

رأى ابــــنُ عليٍّ أنَّ ثـــــــــورةَ حـقِّهِ     بدونِ ضحايا الــــــــــــطفِّ لا تتخلَّدُ

خذوا من ضحايا الطفِّ درسَ تـحرُّرٍ     فـــــــــــــتلكَ الضحايا للتحرُّرِ معهدُ

ولا تـــــــــــــذكروها بالبكاءِ مُـجرَّداً     فلمْ يُجدِها هــــــــــــذا البكاءُ المُجرَّدُ

وكونوا كما كــــانَ الحسينُ وصـحبُه     مصابيحَ خيرٍ للجمــــــــــــاهيرِ تُوقدُ

وصونوا حقوقَ الشعبِ مِن كلِّ ماردٍ     على الشعبِ في طغيانِهِ يــــــــــتمرَّدُ

أبا الشهداءِ الطهــــــــرِ يومُكَ جرَّني     لـــــــــتـشخيصِ يومي وهوَ فيهِ مُلبَّدُ

تماسَكَ فيه البغيُ والبــــــعضُ مُبرِقٌ     بوجهـــي وبعضٌ فوق رأسي مُرعِدُ

وأنتَ مناري كلّما اسودَّتِ الـــــــدنى     بطرفي فــــــطرفي في سناكَ مُزوَّدُ

وهبني أصبتُ الدربَ منذُ طفولــــتي     فلا فضلَ لـــــــــي فيهِ وأنتَ المُعبِّدُ

..........................................

1 ــ ديوان محمد صالح بحر العلوم ــ مطبعة دار التضامن ــ بغداد 1968 م ج 2 ص 121 ــ 124

2 ــ شعراء الغري ج 9 ص 321

3 ــ مقدمة كتاب: الفوائد الرجالية للسيد محمد مهدي بحر العلوم المعروف برجال السيد بحر تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم - حسين بحر العلوم ص 12 ــ 21

4 ــ شعراء الغري ج 9 ص 321

5 ــ مقدمة الديوان ج 1 ص 9 ــ 10

6 ــ شعراء الغري ج 9 ص 323 ــ 324

7 ــ مقدمة الديوان ج 1 ص 19 وما قبلها

8 ــ ديوان الجواهري ط وزارة الثقافة والإعلام 1973 ج 5 ص 229 من قصيدة تبلغ (83) بيتا

9 ــ مقدمة الديوان ج 1 ص 14

10 ــ نفس المصدر ص 11

11 ــ نفس المصدر ص 22

12 ــ نفس المصدر ص 18

13 ــ شعراء الغري ج 9 ص 325

14 ــ ديوانه ج 2 ص 41 ــ 43

15 ــ نفس المصدر ص 44 ــ 47

16 ــ نفس المصدر ص 116 ــ 117

17 ــ نفس المصدر ج 1 ص 191 ــ 192

18 ــ نفس المصدر ج 2 ص 149

19 ــ نفس المصدر ص ص 84 ــ 86

كما ترجم له وكتب عنه:

الشيخ محمد صادق الكرباسي / دائرة المعارف الحسينية - معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 1 ص 319

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 64 ــ 65

حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 1 ص 191

الشيخ أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 129

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 216

الشيخ محمد هادي الأميني / المطبوعات النجفية ص 252

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 191

الشيخ جعفر آل محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 1 ص 181

الدكتور جميل سعيد / نظرات في التيارات الأدبية الحديثة في العراق ص 77

عبد الرضا علي مشعب الكناني ــ الطبيعة وتحولاتها الدلالية في شعر محمد صالح بحر العلوم، بحث منشور في مجلة (كلية الفقه)، الصادرة عن كلية الفقه/ جامعة الكوفة/ العدد (22)، السنة التاسعة، (1437هـ/ 2016م).

حميد جفات ثويني كحيط ــ مصادر الصّورة الفنّيّة في شعر محمد صالح بحر العلوم / جامعة بغداد مجلة كلية العلوم الإسلامية العدد 66 لسنة 2021

كاتب : محمد طاهر الصفار