913 ــ عبيد الله بن قيس الرقيات (12 ــ 75 هـ /633 ــ 694 م)

عبيد الله بن قيس الرقيات (12 ــ 75 هـ /633 ــ 694 م)

قال من قصيدة في هجاء بني أمية تبلغ (60) بيتاً

كيف نَوْمي عَـلى الفِرَاشِ ولمَّا     تَشمَلِ الشامَ غارةٌ شَعواءُ

تُذهِل الشيــــخَ عَن بنيهِ وتبدي     عن خِدامِ العقيلةُ العذراءُ

أَنا عَنـــــــــكُم بَني أُمَيَّة مُزوَرٌ     وَأَنــتُمْ في نَفسِيَ الأَعداءُ

إِنَّ قَتلى بِـ(الطَفِّ) قَد أَوجَعَتني     كانَ مِنكُم لَئِن قُتِلتُم شِفاءُ (1)

وقال من أخرى

يا لَهفَ لَو كانَت لَهُ     بِـ(الطَفِّ) يَومَ (الطَفِّ) شيعَه

أَو لَم يَخونوا عَهدَهُ     أَهـــلَ الــــــعِراقِ بَنو اللَكيعَه

لَوَجَدتُموهُ حينَ يَغـ     ـضَبُ لا يُعَــــــرِّجُ بِالمُضيعَه (2)

الشاعر

عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن وهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري (3)، المعروف بـ (ابن قيس الرقيات)، والملقب بـ (شاعر قريش في العصر الأموي) (4)، و(شاعر قريش) (5) و(شاعر قريش في الإسلام غير منازع) (6)

أمه قتيلة بنت وهب بن عبد الله بن عبد الله بن ربيعة بن طريف بن عديّ بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، (7) وُلِدَ بمكة، وأقام بالمدينة، وكان أول عهده بالشعر أن عرض في حداثة سنه بضعة أبيات على عمّه طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري قاضي المدينة، فأعجب بشعره وأجازه. (8)

وقد اختلف في اسمه فسمّاه الجاحظ (9)، وابن قتيبة الدِّينَوري (10): عبد الله.

وسمّاه أبو الفرج الأصفهاني (11)، وابن منظور (12) ومحمد بن سلام الجمحي (13)، والبلاذري (14): عبيد الله.

وقد وقع الإشتباه في اسمه لأن له أخ من أمه وأبيه اسمه عبد الله، قال البغدادي: (وإذا قيل ابن قيس الرقيات فالمراد ابنه الشاعر فإن لقيس ابنين: عبد الله وعبيد الله واختلفوا في الشاعر منهما) (15) وقال المرزباني: (هو عبيد الله بالتصغير، ومن الرواة من يقول الشاعر عبد الله وهو خطأ) (16) ويقول الدكتور شوقي ضيف: (اختلف الرواة في اسمه هل هو عبيد الله أو عبد الله، والأول أرجح، لأن في أخباره أنه كان له أخ يسمى عبد الله) (17)

ويقول الدكتور إبراهيم عبد الرحمن بعد أن يعرض إختلاف الأقوال حول اسم الشاعر: (ونعتقد أنه من المفيد ــ لكي نصل إلى رأي في هذه المسألة ــ أن نستعين براوية ثقة هو ابن الكلبي، وهو فيما يقول القدماء أول من ألف في الأنساب، وقد أخذ عنه سائر المتأخرين من الرواة وعلى الرغم من أن كتابه: جمهرة النسب ليس بين أيدينا، فقد حفظ البغدادي في خزانته نصا يذكر نسب الشاعر برواية الكلبي فقال: وابن قيس الرقيات شاعر قريش، وهذه نسبته من الجمهرة لابن الكلبي: عبيد الله الذي يقال له ابن قيس الرقيات وهو ابن شريح بن مالك بن ربيعة بن وهيب... وعبد الله بن قيس أخو عبيد الله الرقيات له عقب ولا عقب لعبيد الله، وأسامة بن عبد الله ابن قيس قتل يوم الحرة..) (18)

أما لقبه (الرقيات) فقد قيل فيه أسباب عدة منها: أنه كان يتغزل بثلاث نساء اسم كل واحدة منهن رقية (19) وقيل: إنما نسب إلى الرقيات لأن جدات له توالين يسمين رقية (20) وقيل إنه تزوج نساء كل واحدة رقية (21)

وقيل سمي ابن قيس الرقيات لقوله:

رقية لا رقية لا رقية أيها الرجل (22)   

يقول شوقي ضيف بعد أن يعدد الأقوال في ذلك: (وعلى نحو ما اختلفوا في اسمه اختلفوا في سبب نعته بالرّقيّات، وأصوب الآراء أنه كان يشبّب بغير فتاة تسمى رقية، فنعت بالرقيات إشارة إلى ذلك) (23)

وهناك من يرى أن لقب الرقيات يعود لقيس والد عبيد الله لأن له عدَّة جدات كلهنَّ يسمين رقية (24) كما ذكر البغدادي هذا القول في شرح الشاهد الثالث والثلاثين بعد الخمسمائة من خزانته وهو:

قل لابن قيسٍ أخي الرقيَّاتِ     ما أحسنَ العرفِ في المصيباتِ

فيقول نقلاً عن الشارح: (واعلم أن قول الشارح المحقق تبعاً لغيره، إن الرقيات تابعٌ لقيس لا لابنه، هو قول أبي علي، فإنه قال: قيس هو الملقب بالرقيات، لا اختلاف في ذلك، لقب به لأن له جدات توالين يسمين الرقيات. قاله ابن سلام...

ثم يرد البغدادي على هذا القول ويفنده فيقول: وقوله: لا اختلاف في ذلك، هو خلاف الواقع، فإن الأكثرين ذهبوا إلى أنه لقب لابنه: إما عبد الله وإما عبيد الله، ثم يقول بعد أن يذكر الأقوال في لقب الرقيات التي نسبت إلى عبيد الله أو عبد الله (فأنت ترى أن مبنى كلام هؤلاء الأئمة على أن الملقب بالرقيات، إنما هو ابن قيس، لا قيس. ولا جائز أن يقال إنه من قبيل تعدي اللقب من الأب إلى الابن، لما نقلنا عن هؤلاء الأئمة

ثم استدل على ذلك بالقول: (ونقل السيوطي عن ابن الأنباري في فصل معرفة الألقاب وأسبابها أنه كان يختار الرفع في الرقيات، ويقول: إنه لقبٌ لعبد الله، لتشبيبه بثلاث نسوة أسماؤهن رقية. وقال غيره: الرقيات جداته، فهو مضاف) (25)، يعني أن عبد الله مضافٌ إلى الرقيات على تفسيرها بالجدات فيكون مثل حب رمان زيد، فإن القصد إلى إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد. والمتلبس بالرقيات ابن قيس لا قيس. وبهذا يوجه رواية جر الرقيات..) (26)

كان عبيد الله بن قيس الرقيات زبيرياً ولازم عبيد الله الرقيات مصعب بن الزبير، وأقام معه في الكوفة لما ولاه أخوه عليها، ثم خرج مع مصعب لقتال عبد الملك بن مروان وبقي معه حتى قتل ابن الزبير، فهرب عبيد الله إلى الكوفة، فأقام مختفياً في دار امرأة اسمها كثيرة لمدة سنة، وكان عبد الملك قد هدر دمه، ثم هرب إلى المدينة ولجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الذي توسط له عند عبد الملك في أمره فعفا عنه، إلا أنه حرمه أن يأخذ مع المسلمين عطاء، فكان عبد الله بن جعفر إذا خرج عطاؤه أعطاه ووصله وأجزل له ووفى دينه. (27)

ويروي أبو الفرج الأصفهاني قصة هرب الرقيات واختفائه ومن ثم لجوئه إلى عبد الله بن جعفر وتوسطه له عند عبد الملك، على لسانه فيقول:

(قال عبيد اللّه بن قيس الرقيّات: خرجت مع مصعب بن الزبير حين بلغه شخوص عبد الملك بن مروان إليه، فلما نزل مصعب بن الزبير بمسكن، ورأى معالم الغدر ممن معه، دعاني ودعا بمال ومناطق، فملأ المناطق من ذلك المال وألبسني منها، وقال لي: انطلق حيث شئت فإني مقتول، فقلت له: لا واللّه لا أريم حتى أرى سبيلك، فأقمت معه حتى قتل، ثم مضيت إلى الكوفة، فأوّل بيت صرت إليه دخلته، فإذا فيه امرأة لها ابنتان كأنهما ظبيتان، فرقيت في درجة لها إلى مشربة فقعدت فيها، فأمرت لي المرأة بما أحتاج إليه من الطعام والشراب والفرش والماء للوضوء، فأقمت كذلك عندها أكثر من حول، تقيم لي ما يصلحني وتغدو عليّ في كل صباح فتسألني بالصّباح والحاجة، ولا تسألني من أنا ولا أسألها من هي، وأنا في ذلك أسمع الصّياح فيّ والجعل، فلما طال بي المقام وفقدت الصياح فيّ وغرضت بمكاني غدت عليّ تسألني بالصباح والحاجة، فعرّفتها أني قد غرضت وأحببت الشّخوص إلى أهلي، فقالت لي: نأتيك بما تحتاج إليه إن شاء اللّه تعالى، فلمّا أمسيت وضرب الليل بأرواقه رقيت إليّ وقالت: إذا شئت! فنزلت وقد أعدّت راحلتين عليهما ما أحتاج إليه ومعهما عبد، وأعطت العبد نفقة الطريق، وقالت: العبد والراحلتان لك، فركبت وركب العبد معي حتى طرقت أهل مكة، فدققت منزلي، فقالوا لي: من هذا؟ فقلت: عبيد اللّه بن قيس الرقيّات، فولولوا وبكوا، وقالوا: ما فارقنا طلبك إلا في هذا الوقت، فأقمت عندهم حتى أسحرت، ثم نهضت ومعي العبد حتى قدمت المدينة، فجئت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عند المساء وهو يعشّي أصحابه، فجلست معهم وجعلت أتعاجم وأقول: يار يار / ابن طيّار، فلما خرج أصحابه كشفت له عن وجهي، فقال: ابن قيس؟ فقلت: ابن قيس، جئتك عائذاً بك؛ قال: ويحك! ما أجدّهم في طلبك وأحرصهم على الظّفر بك! ولكني سأكتب إلى أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان فهي زوجة الوليد بن عبد الملك، وعبد الملك أرقّ شيء عليها. فكتب إليها يسألها أن تشفع له إلى عمّها، وكتب إلى أبيها يسأله أن يكتب إليها كتاباً يسألها الشفاعة، فدخل عليها عبد الملك كما كان يفعل وسألها، هل من حاجة؟ فقالت: نعم لي حاجة، فقال: قد قضيت كل حاجة لك إلا ابن قيس الرقيّات، فقالت: لا تستثن عليّ شيئا! فنفح بيده فأصاب خدّها، فوضعت يدها على خدّها؛ فقال لها: يا بنتي ارفعي يدك، فقد قضيت كلّ حاجة لك وإن كانت ابن قيس الرقيّات، فقالت: إنّ حاجتي ابن قيس الرقيات تؤمّنه، فقد كتب إليّ أبي يسألني أن أسألك ذلك؛ قال: فهو آمن، فمريه يحضر مجلسي العشيّة، فحضر/ ابن قيس وحضر الناس حين بلغهم مجلس عبد الملك، فأخّر الإذن، ثم أذن للناس، وأخّر إذن ابن قيس الرقيّات حتى أخذوا مجالسهم، ثم أذن له، فلما دخل عليه قال عبد الملك: يا أهل الشأم، أتعرفون هذا؟ قالوا: لا، فقال: هذا عبيد اللّه بن قيس الرقيّات الذي يقول:

كيف نومي على الفراشِ ولمّا     تشملُ الشامَ غارةٌ شعواءُ

تذهلُ الشـــيخَ عن بنيهِ وتبدي     عن خدامِ العقيلةُ العذراءُ

فقالوا: اسقنا دم هذا المنافق! قال: الآن وقد أمّنته وصار في منزلي وعلى بساطي! قد أخّرت الإذن له لتقتلوه فلم تفعلوا. أمّا الأمان فقد سبق لك، ولكن واللّه لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا!. قال: وقال ابن قيس الرقيّات لعبد اللّه بن جعفر: ما نفعني أماني، تركت حيّا كميت لا آخذ مع الناس عطاء أبداً، فقال له عبد اللّه بن جعفر: كم بلغت من السنّ؟ قال: ستين سنة، قال: فعمّر نفسك، قال: عشرين سنة من ذي قبل، فذلك ثمانون سنة، قال: كم عطاؤك؟ قال: ألفا درهم، فأمر له بأربعين ألف درهم، وقال: ذلك لك عليّ إلى أن تموت على تعميرك نفسك، فعند ذلك قال عبيد اللّه بن قيس الرقيّات يمدح عبد اللّه بن جعفر:

تَقَدَّتْ بيَ الشَّهْباءُ نَحْوَ ابـــنِ جَعْفَرٍ     سَوَاءٌ عليهــــــــــــــا لَيْلُها ونَهَارُهَا

تزورُ امرأ قد يعلــــــــــــمُ اللّهُ أنه     تجــــــــــــــودُ له كفٌّ قليلٌ غرارُها

وواللهِ لولا أَنْ تَـــــزُورَ ابنَ جَعْفَرٍ     لكانَ قَليلاً في دمَشْقَ قَـــــــــــرَارُهَا

أَتَيْنَاكَ نُثْـــــــــنى بالذي أَنْتَ أَهْلُهُ     عليكَ كما أَثْنَى على الرَّوْضِ جارُهَا

إذا متُّ لم يوصلْ صديقٌ ولم تقمْ     طـــــريقٌ من المعروفِ أنتَ منارُها

وواللهِ لــــولا أن تزورَ ابنَ جعفرٍ     لكـــــــــــانَ قليلاً في دمشقَ قرارُها

ذكرتكَ إذ جاشَ الفراتُ بـأرضِنا     وفاضَ بأعــــــــــلى الرقّتينِ بحارُها

وعنديَ ممّا خوَّلَ اللهُ هجـــــــمةً     عطاؤكَ منها شولــــــــــها وعشارُها

مبــــــــاركةً كانت عطاءَ مباركٍ     تمانحُ كبراها وتنــــــــمي صغارُها) (28)

لقد حقن عبد الله بن جعفر دمه بعد أن هدره عبد الملك، وأمنه حين أخافه، وآواه حين طارده، وضمن له عطاءه حين قطعه عنه، ووصله وأجزل له ووفى دينه، وكان الأولى من الرقيات أن يكون مع الهاشميين بدلاً من الزبيريين الذين خذلوه. قال ابن عساكر: (قدم على عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بمالٍ عظيم من قبل عبد الملك بن مروان، ومتاع كثير، فقسمه، وقال لنديم له: احفظ نصيب عبيد الله بن قيس الرقيات، فعزل له جارية وكسوة، وعشرة آلاف درهم، فلما قدم دفعه إليه، فقال ابن قيس الرقيات:

إذا زرتُ عــــبدَ اللّهِ نفسي فداؤه     رجعتُ بفضـــــلٍ من نداهُ ونائلِ

وإن غبتُ عنه كـان للودِّ حـافظاً    ولم يكُ عــــنّي في المغيبِ بغافلِ

أبو جعفرٍ نفسي تقيهِ من الردى     ربيعُ الـــــيتامى عصمةٌ للأراملِ

أبوهُ كريمٌ ذو الجناحينِ جعفرٌ     فبخ بخ له مــن فاضلٍ وابن فاضل

تداركني عبد الإلهِ وقــــــد بدتْ     لذي الــحقدِ والشّنآنِ منّي مقاتلي

فأنقذني من غمرةِ الموتِ بعدما     رأيتُ حياضَ الموتِ جمَّ المناهلِ

حبانيَ لمّــــــــــــا جئته بعطيّةٍ     وجـــــــاريةٍ حسناءَ ذاتِ خلاخلِ (29)

وقال عمر فروخ: (شهد عبيد الله مع مصعب بن الزّبير معركة دير الجاثليق فلمّا قتل مصعب (72 ه‍ـ / 691 م) هرب عبيد اللّه ثم تخفّى في بيت امرأة تدعى كثيرة فأكرمته. فلمّا ارتحل عن بيتها، بعد عام أو أكثر، لم يكن يعرف من أمرها شيئاً غير اسمها، ولم تكن هي تعرف من كان ولا ما كان.

ولقد تنقّل عبيد اللّه بن قيس الرقيّات حينا بين مكّة والمدينة، ثم لجأ إلى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب واستشفع به إلى عبد الملك بن مروان فأمّنه عبد الملك في حديث طويل.... والذي نلاحظه أن السنوات الثلاث الاخيرة من حياته كانت مزدحمة بالحوادث وبالتنقّل في البلاد) (30)

أما المرأة التي آوته والتي ذكرتها المصادر باسم كثيرة فقال عنها الأصمعيّ: (كثيرة هذه امرأة نزل بها بالكوفة فآوته. قال ابن قيس: فأقمت عندها سنة تروح وتغدو عليّ بما أحتاج إليه، ولا تسألني عن حالي ولا نسبي، فبينا أنا بعد سنة مشرق من جناح إلى الطريق، إذا أنا بمنادي عبد الملك ينادي ببراءة الذمّة ممن أصبت عنده، فأعلمت المرأة أني راحل، فقالت: لا يروعنّك ما سمعت، فإن هذا نداء شائع منذ نزلت بنا، فإن أردت المقام ففي الرّحب والسّعة، وإن أردت الانصراف أعلمتني؛ فقلت لها:

لا بدّ لي من الانصراف، فلما كان الليل، قدّمت إليّ راحلة عليها جميع ما أحتاج إليه في سفري؛ فقلت لها: من أنت - جعلت فداءك - لأكافئك؟ قالت: ما فعلت هذا لتكافئني، فانصرفت ولا واللّه ما عرفتها إلا أني سمعتها تدعى باسمها «كثيرة»، فذكرتها في شعري). (31)

ويقول شوقي ضيف: (استتر عند امرأة أنصارية تسمى كثيرة نحو عام، ونظن ظنّا أنها زوجة علي بن عبد الله بن العباس، وكان ممن يجيرون على عبد الملك) (32) والذي جعل ضيف يظن أنها زوجة علي بن عبد الله بن العباس أن العباسيين في تلك الفترة كانوا يهيئون لدولتهم.  

وكما كان هوى الرقيات زبيرياً فقد كان كارهاً للأمويين وكان مما زاد بغضه لبني أمية أنهم قتلوا ابني أخيه سعد وأسامة ابنا عبد الله بن قيس يوم الحرة، فبكاهما بكاء المفجوع وقال يرثيهما:

إِنَّ الــحَوَادثَ بـالمَدينَة قَدْ     أَوْجَعْنَني وقَرَعْــــنَ مَرْوَتِيَهْ

وجَبَبْنَنى جَـبَّ السِّنام ولم     يَــتْرُكْنَ رِيشــــاً في مَناكِبِيَهْ

وأتى كتابٌ من يزيدَ وقد     شــدَّ الحــــزامَ بسرجِ بغلتيهْ

ينعي أسامةَ لــي وإخـوتَه     فظــــــللتُ مستكّاً مسامعيهْ

كالشاربِ النشوانِ قطّـرهُ     سملُ الزقاقِ تفيضُ عبرتيهْ

ينعى بنو عبدٍ وإخـوتـهمْ     حلّ الهلاكُ على أقـــــاربيهْ

تبكى لهمْ أسماءُ معــولةً     وتقولُ ليلى: وارزيـــــــــتيهْ

والله أبرحَ في مـــــقدّمةٍ     أهدى الجيوشَ، علي شكّتيهْ

حتى أفجّعهم بإخوتِـــهم     وأسوقُ نسوتِهــــــم بنسوتيهِ (33)

أقام الرقيات باقي حياته بالشام حتى وفاته فيها (34)

شعره

قال من قصيدته الهمزية التي تبلغ (60) بيتاً:

أَقفَرَت بَعدَ عَبــــدِ شَمـــسٍ كَـــداءُ     فَكُدَيٌّ فَالرُكنُ فَالبَـــــــطحاءُ

فَمِنىً فَالجِمارُ مِـن عَـــبدِ شَـــمسٍ     مُقفِراتٌ فَبَـــــــــــلدَحٌ فَحِراءُ

فَالخِيامُ الَّتي بِـعُســــــفانَ فَــالجُحـ     ـفَةُ مِنـــــــهُم فَالقاعُ فَالأَبواءُ

موحِشاتٌ إِلى تَعــــــاهِـــنَ فَالسُقـ     ـيا قِفارٌ مِن عَبدِ شَمسٍ خَلاءُ

قَد أَراهُم وَفـي المَـــواسِمِ إِذ يَـــغـ     ـدونَ حِلـــــــــمٌ وَنائِلٌ وَبَهاءُ

وَحِسانٌ مِثلُ الدُمى عَـــــــــبشَميّا     تٌ عَلَيهِنَّ بَهجَـــــــــةٌ وَحَياءُ

لا يَبِعنَ العِيابَ فـــي مَــوسِمِ النا     سِ إِذا طافَ بِالعِيــابِ النِساءُ

ظاهِراتُ الجَمالِ وَالسَروِ يَنظُــر     نَ كَما يَنظُرُ الأَراكَ الـــظِباءُ

حَبَّذا العَيشُ حينَ قَــومي جَمــيعٌ     لَم تُفَرِّق أُمـــــــورَها الأَهواءُ

قَبلَ أَن تَطمَعَ القَبائِــــلُ في مُــلـ     ـكِ قُرَيشٍ وَتَشمَــــتَ الأَعداءُ

أَيُّها المُشتَهي فَناءَ قُرَيـــــــــــشٍ     بِيَدِ اللَهِ عُـــــــــــمرُها وَالفَناءُ

إِن تُوَدِّع مِـــــــنَ البِلادِ قُرَيــشٌ     لا يَكُن بَعدَهُم لِحَـــــــــيٍّ بَقاءُ

لَو تُقَفّي وَتَترُكُ الـــناسَ كـــانوا     غَنَمَ الذِئبِ غابَ عَنها الرِعاءُ

هَل تَرى مِن مُخَلَّدٍ غَــــــيرَ أَنَّ      اللَهَ يَبقـــــــى وَتَذهَبُ الأَشياءُ

يَأمُلُ الناسُ في غَدٍ رَغَبَ الدَهـ     ـرِ أَلا في غَــــدٍ يَكونُ القَضاءُ

لَم نَزَل آمِنيـــــــــنَ يَحسُدُنا النا     سُ وَيَجري لَــــنا بِذاكَ الثَراءُ

فَرَضينا فَمُت بِدائِـــــــــكَ غَمّاً     لا تُــــــــــميتَنَّ غَيرَكَ الأَدواءُ

لَو بَكَت هَذِهِ السَــــماءُ عَلى قَو     مٍ كِــــــرامٍ بَكَت عَلينا السَماءُ

وَقَتيلُ الأَحزابِ حَــــــمزَةُ مِنّا     أَسَدُ اللَهِ وَالـــــــــــــسَناءُ سَناءُ

وَعَلِيٌّ وَجَعفَرٌ ذو الـــــجَناحَيـ     ـنِ هُنـــــاكَ الوَصِيُّ وَالشُهَداءُ

وقال من قصيدة يبكي بها من قتل على يد بني أمية ومنهم الإمام الحسين (عليه السلام):

قالَت كَـــــــثيرَةُ لي قَد كَبِرتَ     وَما بِكَ اليَومَ مِن داهِـــمَه

رَأَت رَجُــــــــلاً شاحِباً لَـونُهُ     أَخـــا سَفَرٍ أَنزَعَ القـــادِمَه

تَــــــــــــخَوَّنَهُ الدَهرُ إِخـوانَهُ     كَثيرَةُ قَد كُنتِ بي عالِــمَه

وَمَصرَعِ إِخوانِيَ الـصالِحينَ     بِالنَعفِ وَالأَعيُنُ الساجِـمَه

يَتامى يُبَكّونَ آبــــــــــــــائَهُم     وَلَم يُبــقِ دَهرٌ لَهُم سائِـمَه

وَأَرمَـــــــلَةٍ يَعتَريهـا النَحيبُ     إِذا نامَتِ الأَعيُنُ الناعِــمَه

تُبَكّي رِجــــــــالَ بَنـي عَمِّها     وَإِخـــــوَتَها وَحدَها قَــائِمَه

فَيا لَيلَ بَكّي أَبـــــــــا عاصِمٍ     بُكاءَ مُـــــــــــؤاسِيَةٍ دائِمَه

وَيا لَيلَ بَكّي أَبا مــــــــــالِكٍ      وَيا لَيلَ بَكّي أَبـــــا فاطِمَه

أَلَدُّ إِذا الخَصمُ لَـــــــم يَستَقِم     شَديدُ القُوى يَدفَعُ الـضائِمَه

وَبَكّي أُسامَةَ لِلنائِبــــــــــاتِ     وَلِلدينِ وَالخُطَّة الحـــازِمَه

وَبَكّي حُسَيناً حُسَينَ الطِعانِ     إِذا الخَيلُ لَم تَنقَلِب ســـالِمَه (35)

................................................................................

1 ــ ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ــ تحقيق وشرح الدكتورة عزيزة فوّال بابتي / دار الجيل، بيروت 1416 هـ / 1995 م ص 41 ــ 48 / تاريخ الأدب العربي - العصر الاسلامي لشوقي ضيف ص 297 / شعر المعارضة السياسية في العصر الأموي ـ دراسة في الخصائص الأسلوبية .. رسالة دكتوراه لحسين سياسي ص 52

2 ــ الموفقيات ص 533 / الكامل ج 1 ص 271 ــ 272 / ديوان القرن الأول ج 2 ص 9 ــ 10

وجاء في: ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 31 / سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٤٣/ تاريخ دمشق ج ٥٨ ص ٢٥١: يا لهف لو كانت له بالدير يوم الدير شيعة

وفي الأغاني ج 19 ص 137 :يا لهف لو كانت له بالدين

ونسبت في الفتوح لبن أعثم الكوفي ج ٦ ص ٣٣٦ لحماد بن أبي ليلى

3 ــ تاريخ دمشق لابن عساكر ج 38 ص 85

4 ــ الأعلام للزركلي ج 4 ص 196

5 ــ خزانة الأدب للبغدادي ج 3 ص 267 

6 ــ تأريخ الأدب العربي لعمر فروخ ج 1 ص 449

7 ــ عبيد الله بن قيس الرقيات حياته وشعره ــ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن محمد ص 65

8 ــ الأغاني ج 5 ص 52 ــ 53

9 ــ البيان والتبيين ج 2 ص 287

10 ــ الشعر والشعراء ج 1 ص 530

11 ــ الأغاني ج 5 ص 50

12 ــ مختصر تاريخ دمشق ج 13 ص 354

13 ــ طبقات فحول الشعراء ص 529

14 ــ أنساب الأشراف ج 11 ص 22

15 ــ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ج 3 ص 262

16 ــ معجم الشعراء ص 212

17 ــ تاريخ الأدب العربي ج 2 ص 293

18 ــ عبيد الله بن قيس الرقيات حياته وشعره ص 57

19 ــ الشعر والشعراء ج 1 ص 530 / الأغاني ج 5 ص 50

20 ــ طبقات فحول الشعراء ج 2 ص 647

21 ــ الاشتقاق للأصمعي ص 71

22 ــ المنتخب من غريب كلام العرب لعلي بن الحسن الهنائي المعروف بكراع النمل ج 1 ص 746

23 ــ تاريخ الأدب العربي ج 2 ص 293

24 ــ الوافي بالوفيات للصفدي ج 19 ص 263

25 ــ المزهر لجلال الدين السيوطي ج 2 ص 418

26 ــ خزانة الأدب ج 7 ص 278

27 ــ الأغاني ج 5 ص 53 / تاريخ دمشق ج 28 ص ٩4 / الشعر والشعراء ص 530 ــ 531 / البداية والنهاية ج ٨ ص ٣٥٤

28 ــ الأغاني ج 5 ص 53 ــ 54

29 ــ تاريخ دمشق ج 38 ص 94

30 ــ تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 449

31 ــ الأغاني ج 5 ص 58

32 ــ تاريخ الأدب العربي ص 299 ــ 300

33 ــ ديوانه ص 291 ــ 222

34 ــ الأعلام للزركلي ج 4 ص 196

35 ــ ديوانه ص 194 ــ 196

كما ترجم له وكتب عنه:

أبو عبيد البكري / سمط اللآلي في شرح أمالي القالي ج 1 ص 294 ــ 296

أبو القاسم السهيلي / الروض الأنف ج 1 ص 50

جلال الدين السيوطي / شواهد المغني ص 211 ــ 212

أبو بكر الصولي / أخبار أبي تمام ص 30

محمود مصطفى / إعجام الأعلام ص 34

أبو علي القالي / الأمالي ج 1 ص 95 ، 104

محمود شكري الألوسي البغدادي / بلوغ الأرب في معرفـة أحوال العرب ج 3 ص 143

الطبري / تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 790

المسعودي / التنبيه والإشراف ص 211 ــ 313

المسعودي / مروج الذهب ج 3 ص 116

ابن قتيبة / عيون الأخبار ج 1 ص 103

ياقوت الحموي / معجـم البلدان ج 1 ص 100

محمد بن إسحاق الوشاء / الموشى ص 54، 72، 107

الجرجاني / الوساطة بين المتنبي وخصومه ص 295

المرزباني / المرشح ص 186

أسامة بن منقذ / لباب الآداب ص 107

إبن مهران العسكري / الصناعتين ص 73

ابن عبد ربه / العقد الفريد ج 1 ص 340

جرجي زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية ج 1 ص 292

حنا الفاخوري / تاريخ الأدب العربي ص 303

فارس عزيز المدرس / تاريخ الأدب العربي ص 49

أحمد الشايب / تاريخ الشعر السياسي ص 177

طه أحمد / تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص 42

طه حسين / حديث الأربعاء ج 1 ص 244

يوسف غنيمة / الحيرة ص 270

بطرس البستاني / دائرة المعارف الإسلامية ج 11 ص 689

سيد بن علي المرصفي / رغبة الآمل من كتاب الكامل ج 3 ص 124

أنطوان صالحاني / رنات المثالث والمثاني ج 1 ص 52

الدكتور محمد مهدي البصير / عصر القرآن ص 113

جبرائيل جبور / عمر بن أبي ربيعة ج 1 ص 85

حسان أبو رحائب / الغزل عند العرب ص 200

إبراهيم ‏أحدب / فرائد اللآل في مجمع الأمثال ج 1 ص 333

محمد كامل حسين / في الأدب المصري الإسلامي ص 127

محمد أحمد جاد المولى، علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم / قصص العرب ج 2 ص 216

طه حسين / المجمل في تاريخ الأدب العربي ص 69

محمد بهجت الأثري / المدخل في تاريخ الأدب العربي ص 91

إليان سركيس / معجم المطبوعات العربية ص 220

محمد الخضري / مهذب الأغاني ج 6 ص 129

الدكتور عبد الله أحمد الوتوات / المستوي التركيبي في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات ــ مجلة التربوي العدد 5 ص 6 ــ 46

ميادة عبد القادر عمران خطاب / عبق قريش في شعر عبيد الله بن قيس الرّقيّات

رفعت عبد الحميد محمود الليثي / الضرورة الشعرية في ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات دراسة وتحليل

علاء الدين محمد هلال الحوت / الصورة الفنية في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات

أحمد فاروق عبد العال / شعر عبيد الله بن قيس الرقيات دراسة أسلوبية

عبير عمر عبد الله بن ماضي / ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات معجم ودراسة دلالية

انصاف سلمان علوان الدليمي / قصيدة الولاء السياسي في مديح عبيد الله بن قيس الرقيات

الدكتور محمد إبراهيم عبد الرحمن / عبيد الله بن قيس الرقيات ــ حياته وشعره

الدكتور محمد يوسف نجم / ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ــ تحقيق وشرح

حمد محمد فتحي الجبوري / اللون في شعر عبيد الله بن قيس الرُّقيات

محمد بدر القناعي / بلاغة الحجاج في بائية عبيد الله بن قيس الرقيات

الدكتورة عزيزة فوال بابتي / ديوان عبيد الله بن قيس الرقيّات ــ تحقيق

إبراهيم عبد الرحمن / شعر عبيد الله بن قيس الرقيات برواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري عن أبي جعفر محمد بن حبيب البصري ــ تحقيق

الدكتور عبد الله أحمد الوتوات / تجليات التناص والتضمين العروضي في شعر الرقيات ــ دراسة نظرية تطبيقية

أمل منسي عائض الخديدي / عوارض التركيب في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات ــ دراسة نحوية

حمدي إبراهيم أحمد النشار / مستويات البناء الشعري عند عبيد الله بن قيس الرقيات

عبير عباس مطرود / الموروث الثقافي في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات         

على النجدي ناصف / ابن قيس الرقيات شاعر السياسة والغزل

تسنيم زهران حسن طوباسي / الرسائل السياسية في غزليات عبيد الله بن قيس الرقيات

عبير عمر عبد الله بن ماضي / ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ــ معجم ودراسة دلالية

سهر العامري / ظرف الشعراء إبن قيس الرقيات ــ الحوار المتمدن العدد 789 بتاريخ 30 / 3 / 2004

عبد الله عبد الكريم العبادي / رؤية جديدة في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات

خلف الله نادي محمد عبد الرحمن / المشتقات والمصادر في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات

محمد بن مشعل الطويرقي / ابن قيس الرقيات والأسماء - قراءة نقدية في ضوء الأنساق الثقافية

رفعت عبد الحميد محمود الليثى / الضرورة الشعرية في ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات دراسة وتحليل

كاتب : محمد طاهر الصفار