عباس زغَيب (1274 ــ 1304 هـ / 1857 ــ 1887 م)
قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام)
ولا مـــــــــجدَ حتى تأنفُ النفسُ ذلَّها وتخــــــتارَ دون الضيمِ للحتفِ مشربا
كــــما شنَّها يومَ (الطفوفِ) ابنُ حيدرٍ فأروى صدورَ السمرِ والبيضَ خضَّبا
وحينَ رحى الحربِ استدارتْ بقطبِها مـــــــــشى للمنايا مشيةَ الليثِ مُغضبا
كريمٌ أبـــــــتْ أن تحملَ الضيمَ نفسُه وأن يســــــــــــلكَ النهجَ الذليلَ المؤنَّبا (1)
الشاعر
الشيخ عباس بن محمد جواد بن محمد عباس زغيب، عالم وأديب وشاعر، ولد في قرية يونين في بعلبك بلبنان، وتوفي فيها سنة 1304، وله من العمر حوالي الثلاثين عاما
قال السيد الأمين في ترجمته: وكان في أول قراءته سافر إلى النجف الأشرف لطلب العلم وبقي فيها قريبا من شهرين والمرض يساوره والسقم يعاوده، فلما رأى أن الجو لا يوافقه والمرض لا يفارقه رجع إلى بلده ثم ارتحل إلى جبل عامل إلى قرية حنويه من قرى ساحل صور ليدرس فيها على الشيخ محمد علي عز الدين، فقرأ عليه شيئا من النحو والمنطق والبيان والفقه في مدة سنتين إلى أن توفي الشيخ فرجع الشيخ عباس إلى بلاده ولم يقرأ بعدها. وحين وصوله إلى حنويه واختلاطه بالطلاب كان كلما سال عن شخص ونسبه قيل له: من آل مروة حتى أجيب بذلك من كثير من الطلبة فاخذ الدواة والقرطاس وكتب بديها:
بــــنو مروَّة جلّ اللهُ خالقهم غــــرُّ الوجوهِ حَبَوا فضلاً وإيمانا
تسابقوا للعلى من كلِّ ناحيةٍ حتى اجتبوا صـــفوها شيباً وشبَّانا
ثم أورد له السيد الأمين طائفة كبيرة من شعره دلت على شاعرية كبيرة وقدرة على النظم والارتجال
ومما أورد له الأمين قوله:
لــــكمُ التمنّي بالمحالِ والحزمُ مِن شيمِ الرجالِ
ما كانَ ظنَّ الناسِ بي عــندَ التخاصمِ والجدالِ
أتظـــــنُّ أن تستامني خســــفاً وكنفي لا يُطالُ
هيهـاتَ دونَ ظنونِها حطمَ الـــذوابلِ والنصالِ
وقوله:
عندي من الجدِّ ما يغني عن الهزلِ ومَن يراعيَ ما يزري على الأسلِ
قـــــــد ينبئُ القلمُ الجاري بصفحتهِ مــــــــــا لا ينبِّئ بالخرصانةِ الذبلِ
وطعنةُ الرمحِ قد تُرجى ولو وقعتْ مِن اليــــــــراعِ لساقتْ أبعدَ الأجلِ
وقال ارتجالاً فيمن تضجَّرَ من المشقة في طلب العلم:
أراكَ تحبُّ نيلَ المجدِ رغدا ولمْ تتعبْ به نفساً وبالا
ومَن لم يدَّرعْ للمجدِ صبراً تــعدْ فيه مساعيهِ وبالا
وكتب إلى أبيه من جبل عامل وقد عرض له أبوه الزواج:
لعمركَ ما بي غيـــرَ أنّي إلى العلى وإدراكهــا قد بتُّ أصبو وأطربُ
ولي مِن صنـــــيعِ اللهِ نفسٌ عزوفةٌ يطيبُ لها كــــسبُ العلومِ ويعذبُ
أخذتُ علـــــيها في القماطِ عهودَها بأن لم تزلْ تسمو وإن عزَّ مطلبُ
فما برحتْ تسمو إلى المجدِ والعلى إلى أن غـــدتْ أمثاله بيَ تُضربُ
فــــــأن نلتُ ما أبغي ملكتُ كريمةً وإلّا فكمْ ســـــــــــــاعٍ يجدُّ فيغلبُ
عليـــــــــكمْ سلامٌ كلّما هبَّتِ الصَّبا وغرَّدَ قمريٌّ وما لاحَ كـــــــوكبُ
وقال يرثي والده الشيخ محمد جواد زغيب:
هزمَ الشجى صبري فبُتُّ مروَّعا أسقي الثرى مِن كلِّ عضوٍ مدمعا
وألمَّ بــــــي خطبٌ يقولُ مخاطباً لا تُبقِ في قـــــــوسِ المآتمِ منزعا
أرأيتَ كيفَ تــذوبُ أكبادُ الورى حـــــــــــزناً فتذريها دموعاً هُمَّعا
للهِ مَن تخذَ الأكـــــــــــفَّ منابراً وغدا بـــصمتتِه الخطيبَ المصقعا
اللهُ أكبرُ أيّ بدرٍ غـــــــــابَ عَن أفــقِ الهــدى وعمادِ مجدٍ زعزعا
وقال يرثي أستاذه الشيخ محمد علي عز الدين:
أقولُ لناعيهِ وفـــــــــــــي القلبِ لوعةٌ على كبــــــــدي تـذكي أحرُّ مِن الجمرِ
بربِّـــــــــــــــــــكَ من تنعى فقالً محمداً فتـــــــــــــى آلِ عزِّ الدينِ نادرةَ الدهرِ
فــــــقلتُ عليكَ السوءُ أعميتَ ناظري وأوقرتَ سمعي بل قصمتَ به ظهري
نعيتَ لي الدنيا معَ الدينِ والـــــــورى جميعاً ببــــــــدرٍ غـابَ عَن ذلكَ القطرِ
أيا رائحاً ما كانَ تحـــــــــــــتَ إزارِهِ سوى منبعِ الأفــــضالِ مِن طيِّبِ الذكرِ
فقدناكَ فقــــــــــــــــدَ البدرِ عندَ تمامِه لدى الليلةِ الظلماءِ فــــــي المهمهِ القفرِ
فــــــــــــمَن مُبلغُ الركبانَ عني ألوكةً تحثّ مــــــــــــطاياهمْ إلى مبركِ العقرِ
بأنَّ مناخَ الجودِ صـــــــــــــــوَّحَ نبتُه فلا سائقٌ يحـــــــدو ولا ظاعنٌ يسري
حرامٌ عليهـــــــا بعدَكَ اليـومَ أن ترى منالَ المُنى فلتدفــــــــــعِ الضرَّ بالضرِّ
ولـــــــــــــو أنني أعطيتُ يومَكَ حقَّه لكنتُ ضجيعَ العلمِ في ذلــــــــــكَ القبرِ
أعزّي المعاني فيكَ والفضلَ والحجى وأنــــــــــــــعاكَ للتقوى وللعلمِ والذكرِ
ولــــــــــلدينِ والدنيا ولليلِ والضحى وللـــــــــطرسِ والأقلامِ والنهيِ والأمرِ
أتاسعَ عــــــــشرِ الصومِ كمْ لكَ نكبةٌ أصـيبَ بــــــــها الإيمانُ يا تاسعَ العشرِ
أرى ليلَ هذا الــــــرزءِ لا فجرَ بعدَه وفي كلِّ ليلٍ طـــــــــــالَ لا بدَّ مِن فجرِ
أما شعره في أهل البيت (عليهم السلام) فقال فيهم:
واشدُدْ عُراكَ بمدحِ حيدرةٍ صنوِ النبيِّ المصطفى العربي
وبــــــنيهِ خيرِ أئمةٍ أخذوا بيــــــــــمينِ آملِهم عن العطبِ
نسَّاكُ لـــــمْ تهجعْ عيونُهمُ طلباً لمــــــــا عرفوهُ مِن قربِ
فتَّاكُ لمْ تعــــــــرفْ أكفُّهمُ إلّا قراعَ الســــــــمرِ والقضبِ
جمعوا فأوعوا كلَّ مكرمةٍ تسمو مدى الأيامِ والـــــــحُقبُ
وقال من قصيدته الحسينية:
نــــــــــــسيمُ الصَّبا خلِّ الفؤادَ المعذّبا ودعْ مــهجتي ترتاحُ مِن لوعةِ الصِّبا
فلا أمَّ لي إن لمْ أثــــــــــــرها عجاجةً تــــــــــــــحجِّبُ وجهَ النيِّرينِ ولا أبا
وأوردهـــــــــــــا دونَ المحامدِ علقماً رأته بعقباها من الـــــــــــــشهدِ أطيبا
وأبني بها بيتاً من المــــــــجدِ لا يَرى لدى غيره الـــــــداعونَ أهلاً ومرحبا
رفيعاً عليهِ الـــــــــــعزُّ أرخى سدوله وخـــــــــــــيَّمَ في الأكنافِ منه وطنَّبا
ولا مـــــــــجدَ حتى تأنفُ النفسُ ذلَّها وتخــــــتارَ دون الضيمِ للحتفِ مشربا
كـــــــما شنَّها يومَ الطفوفِ ابنُ حيدرٍ فأروى صدورَ السمرِ والبيضَ خضَّبا
وحينَ رحى الحربِ استدارتْ بقطبِها مـــــــــشى للمنايا مشيةَ الليثِ مُغضبا
كريمٌ أبـــــــتْ أن تحملَ الضيمَ نفسُه وأن يســــــــــــلكَ النهجَ الذليلَ المؤنَّبا
أتــــــــــــــــــــنبو بهِ عمَّا يرومُ أميةٌ وفي كفِّه مــــــــاضي الغرارينِ ما نبا
وناضلَ عنه كــــــــلُّ أروعَ لو سطا على الدهرِ يومَ الـــــروعِ للدهرِ أرعبا
تقولُ وقد عامَ الهيــــــــــاجُ رماحَهم لأسيافِهم لا كانَ برقُـــــــــــــــــكِ خلّبا
فللهِ كمْ ســـــــــنُّوا مِن الحقِّ واضحاً وشقّوا بها مـــــــــن ظلمةِ الغي غيهبا
......................................................
1 ــ ترجمته وشعره عن: أعيان الشيعة ج ٧ ص 425 ــ 428
كما ترجم له:
السيد جواد شبر / أدب الطف ج 8 ص 39
محمد منير عبد المجيد لكود / كتاب: لكود القشعم وهو كتاب يبحث في التاريخ والأدب والجغرافية البشرية ج 2 ص 204
اترك تعليق