870 ــ زين الدين بن محمد العاملي (1009 ــ 1064 ــ 1600 ــ 1652 م)

زين الدين بن محمد العاملي (1009 ــ 1064 ــ 1600 ــ 1652 م)

قال في رثاء الإمام الحسين (عليه ‌السلام) من قصيدة مخمّسة في (10) مقاطع:

لهفَ نفسي على رهينِ الـحتوفِ          

حينَ أمسى نهبَ القنا والـسيوفِ

ثـاوياً جسمُه بأرضِ (الـطفوفِ)     

وهوَ ذو الفضلِ والـمقامِ المُنيفِ     وسلـــــــــيلُ الشـفيعِ يومَ المعادِ (1)

الشاعر

الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين (الشهيد الثاني) (2) بن نور الدين علي بن أحمد بن محمد بن علي بن جمال الدين بن تقي بن صالح بن مشرف الجبعي العاملي (3) عالم وأديب وشاعر من أعلام الشيعة ومن كبار علمائها، ولد في قرية جبع في جبل عامل ــ لبنان ــ (4) من أسرة علمية برز منها كبار العلماء والفقهاء الأفذاذ، وتسلسل فيهم العلم والفضل زماناً طويلاً حتى وُصف رجالها بـ (سلسلة الذهب) (5) وكان منهم:

جده الأعلى هو الشيخ زين الدين (الشهيد الثاني)، والأدنى، الشيخ حسن (صاحب المعالم)، ووالده محمد بن الحسن العاملي (شارح الاستبصار)، وعمه الشيخ علي بن الحسن بن زين الدين، وأخوه علي بن محمد بن الحسن، وابنه علي بن زين الدين بن محمد بن الحسن، وكانوا من كبار الفقهاء والعلماء الأعلام، ولهم تصانيف في الفقه وتخرج على أيديهم كثير من الأعلام. (6)

درس زين الدين عند أبيه الشيخ محمد وجده الحسن ثم سافر إلى العراق وأقام فيه لفترة ومنه سافر إلى إيران ودرس عند الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي (الشيخ البهائي) الذي أكرمه غاية الإكرام وأحله في داره وبقي ملازماً له لفترة طويلة، وبعد وفاة أستاذه البهائي سافر إلى مكة ودرس عند محمد أمين الاسترآبادي، ثم رجع إلى بلاده في جبل عامل ثم عاود الكرة إلى مكة وأقام فيها حتى وفاته ودفن مع والده بالمعلّى عند أم المؤمنين خديجة الكبرى (عليها السلام). (7)

والشيخ زين الدين هو من شيوخ الشيخ المجلسي حيث روى المجلسي ما نصه: (وعن شيخنا الأجل الأكمل الأوحد الشيخ زين الدين بن الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين العاملي، عن الشيخ الأوحد الأفضل الشيخ بهاء الدين العاملي، عن أبيه، عن الشهيد الثاني، وعن شيخنا الشيخ زين الدين المذكور، عن مولانا الأفضل المحقق محمد أمين الاسترآبادي عن السيد الجليل محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي بالسند السابق، عن الشهيد الثاني...) (8)

أما تلامذته فمنهم: الشيخ محمد بن الحسن (الحرّ العاملي) الذي قال في ترجمته: (قرأت عليه جملة من كتب العربية والرياضة والحديث والفقه وغيرها وكان له شعر رائق، وفوائد وحواش كثيرة، وديوان شعر صغير رأيته بخطه ولم يؤلف كتاباً مدوناً لشدة احتياطه ولخوف الشهرة) (9)

وقال عنه الحر العاملي أيضاً: (شيخنا الأوحد كان عالماً فاضلاً متبحراً محققاً ثقة صالحاً عابداً ورعاً شاعراً منشئاً أديباً حافظاً جامعاً لفنون العلم العقلية والنقلية جليل القدر عظيم المنزلة لا نظير له في زمانه قرأ على أبيه وعلى الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي وجماعة من علماء العرب والعجم وجاور بمكة مدة وتوفي بها ودفن عند خديجة الكبرى قرأت عليه جملة من كتب العربية والرياضي والحديث والفقه وغيرها نروي عنه قدس سره عن مشايخه جميع مروياتهم وكان له شعر رائق وفوائد وحواش كثيرة وديوان شعر صغير رأيته بخطه..) (10)

وقال عنه علي خان المدني المعروف بـ (ابن معصوم): (زين الأئمة وفاضل الأمة وملث غمام الفضل وكاشف الغمة، شرح الله صدره للعلوم شرحاً وبنى له من رفيع الذكر صرحاً إلى زهد أسس بنيانه على التقوى وصلاح أهلّ به ربعه فما أقوى وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا. رأيته بمكة شرفها الله تعالى والفلاح يشرق من محياه وطيب الأعراق يفوح من نشر رياه..) (11)

وقال عنه أخوه الشيخ علي بن محمد العاملي: (كان فاضلاً ذكياً ورعاً لوذعياً كاملاً رضياً عابداً تقياً، اشتغل في أول أمره في بلادنا على تلامذة أبيه وجده ثم سافر إلى العراق في أوقات إقامة والده بها ثم سافر إلى بلاد العجم فأنزله الشيخ بهاء الدين في منزله وأكرمه اكراماً تاماً وبقي عنده مدة طويلة مشتغلاً عنده قراءة وسماعاً لمصنفاته وغيرها وكان يقرأ عند غيره من الفضلاء في تلك البلاد في العلوم الرياضية وغيرها ثم سافر إلى مكة في السنة التي انتقل فيها الشيخ بهاء الدين فأقام بها ثم رجع إلى بلادنا ثم عاد إلى مكة إلى أن توفي بها في التاريخ المتقدم وكنت إذ ذاك في مكة المشرفة اجتمعت معه في يوم عرفة وبقيت في خدمته إلى ذلك اليوم من تلك السنة ودفن مع والده في المعلى قدس الله روحه ونور ضريحه وآخر الصحبة الفراق وآخر العمر الموت نسأل الله حسن الخاتمة بمنه وكرمه) (12)

وقال عنه محمد أمين بن فضل الله المحبي الحموي الدمشقي: (أحد فضلاء الزمان..) (13)

وقال عنه الشيخ جعفر سبحاني: (كان جامعاً لفنون العلوم العقلية والنقلية، محقّقاً، أديباً، شاعراً، منشئاً، جليل القدر، تصدى للتدريس، وبرع فيه، وكان حسن التقرير، قوي الاستحضار، حاضر الجواب) (14)

وقال الشيخ محمد السماوي: (كان فاضلاً، تربى في حجر العلم والأدب، وتنقل إليه الفضل عن أب فأب، مشاركاً في العلوم) (15)

شعره

قال من قصيدته المخمسة في رثاء الإمام الحسين (عليه ‌السلام):

سلبتْ لوعتي لذيــــــــــــــــذَ رقادي     

وكستني ثـــــــــــوبَ الضنا والسهادِ

ورماني دهـري بــــــــــــسهمِ العنادِ

وغرامــــــــــــــي ما أن له من نفادِ     كـــــــــــــــــل يومٍ وليلةٍ في ازديادِ

لي حزنٌ في كلِّ آنٍ جــــــــــــــديدُ

وعناءٌ يشـــــــــــــــــيبُ منه الوليدُ

والـــــــــــــتهابٌ يذوبُ منه الحديدُ

قد بكى رحمة لـــــــــحالي الحسودُ     ودمــــــــــــــوعٌ تسحُّ سحَّ الغوادي

لــــــــستُ أبكي لفقدِ عصرِ الشبابِ

وتقضّي عهدُ الهوى والــــــتصابي

وصدودِ الكواعــــــــــــبِ الأترابِ

وتنائي الـــــــــــــــخليطُ والأحبابِ     من سليمى وزينـــــــــــــبٍ وسعادِ

قد نهاني الـــــــــنهى عن التشبيبِ

وادّكــــــــارِ الهوى وذكرِ الحبيبِ

فتفرَّغتُ للأسى والـــــــــــــنحيبِ

مُذ أتى زاجـــــــــراً نذيرُ المشيبِ     مــــــــــــــعلماً بالـفناءِ حين ينادي

بل بكائي لأجلِ خطبٍ جـــــــــليلِ        

أضرمَ الحزنَ في فــــــؤادِ الخليلِ

ورمى بالعــــــــــــناءِ قلبَ البتولِ         

وأسالَ الدموعَ كـــــــــــــلَّ مسيلِ     فتردّى الهــــــــــدى بثوبِ الحِدادِ

رزءُ مَــــــــن قد بكتْ له الفلواتُ         

واقشعرّتْ لـــــــــموتِهِ المكرماتُ

وهــــــــوتْ من بروجِها النيِّراتُ     

والمعالـي لفقدِه قـــــــــــــــائلاتُ     غابَ واللهِ مـــــــــلجأي وعِمادي

فجعةٌ نكَّستْ رؤوسَ الــــــمعالي          

واستباحتْ حِمـى الهدى والجلالِ

ورمتْ بالـــــــقذى عيونَ الكمالِ          

قد أنـــــــاختْ بخيرِ صحبٍ وآلِ     عــــترةِ المصطفى النبيِّ الهادي

يا لها فجعةً وخطباً جســـــــــيما           

أوقعتْ في حشى الكلــــيمِ كلوما

وبقلبِ الأميرِ حــــــــــزناً مقيما           

وأعادتْ جـــــــسمَ القسيمِ سقيما     جـــــــــفنُه للأسى حليفُ السهادِ

لهفَ نفسي على رهينِ الـحتوفِ          

حينَ أمسى نهبَ القنا والـسيوفِ

ثــــاوياً جسمُه بأرضِ الـطفوفِ     

وهوَ ذو الفضلِ والـمقامِ المُنيفِ     وسلـــــــــيلُ الشـفيعِ يومَ المعادِ

منعوهُ ورودَ مـــــــــاءِ الفراتِ 

وسقوهُ كأسَ الـفنا والــــــمماتِ

بــــــــــعد تقـتيلِ أهلِه والـحماةِ     

وأحاطتْ بــــــه خيولُ الـطغاةِ     بــــمواضي الظبا وسمرِ الصعادِ

................................................................

1 ــ الطليعة ج 1 ص 82 ــ 83 / أعيان الشيعة ج 7 ص 161 / أدب الطف ج 5 ص 109 ــ 110 عن: الدر المنثور للشيخ علي بن محمد بن الحسن. شقيق الشاعر / وشهداء الفضيلة ص ١٥٧

2 ــ الطليعة ج 1 ص 82

3 ــ أعيان الشيعة ج 7 ص 143 في ترجمة الشهيد الثاني

4 ــ أدب الطف ج 5 ص 111

5 ــ الفوائد الرجالية - السيد مهدي بحر العلوم ــ مطبعة آفتاب ــ إيران 1363 تحقيق السيدين: محمد صادق بحر العلوم، وحسين بحر العلوم ج ٢ ص ٢٠٨

6 ــ شهداء الفضيلة للشيخ الأميني ص ١٥٧

7 ــ أعيان الشيعة للسيد الأمين ج 7 ص 159 ــ 160

8 ــ بحار الأنوار ج ١٠٧ ص ١١٠

9 ــ أمل الآمل ج ١ ص ٩٣

10 ــ نفس المصدر ص 92

11 ــ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر ص 182

12 ــ الدر المنثور، من المأثور وغير المأثور ج 1 ص 72

13 ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ج 1 ص ١٩١

14 ــ موسوعة طبقات الفقهاء ج 11 ص 113

15 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 82

كما ترجم له:

الميرزا حسين النوري / خاتمة مستدرك الوسائل ص ٣٩٠

السيد الخوئي / معجم رجال الحديث ج 8 رقم الترجمة 4921 ص 390 ــ 393

خير الدين الزركلي / الأعلام - ج 3 ص 64 ــ 65

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 4 ص 450

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 2 ص 291

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار