المنظور الروحي وجمالية الفن الاسلامي..

     تعود جذور الفن الإسلامي ذات الدلالات العلامية او الرمزية إلى الحضارات الاولى للعراق القديم، فهي بمثابة جذور للفكر العربي لكنها امتزجت من جانب آخر مع الدلالات الذهنية والروحية والغيبية التي اكدها الخالق جل وعلا في القرآن الكريم، فكانت أهم سمة من سماتها عدم محاكاة الطبيعة والابتعاد عن نسخ اشكالها، وذلك عن طريق تحوير الاشكال وتجريدها مع مراعاة الابتعاد عن التجسيم كونها تبحث عن عمق آخر تختص به دون الفنون الأخرى، وهو: العمق الوجداني.

 ابتعد الفنان المسلم عن قوانين المنظور التقليدي بشكل عام لأنه اهتم بما سمي بالمنظور الروحي والذي يتميز على المنظور البصري بخصائص عدة منها ما يقوم على أساس إن الكائنات والكون كله من صنع الخالق جل وعلا لله، والإنسان المشاهد يرى من خلال عين الله المطلقة التي لا يحدها بصره فهو منظور لا يمتد بقانون الرؤية المادية للتلاشي كما هو حال المنظور التقليدي، ومن هذا نلاحظ ابتعاد الفنان المسلم عن تجسيد الرؤية البصرية التقليدية لأنها تعمل في نطاق زاوية نظر محددة محكومة بالمنظور الخطي والشروط التي يفرضها العالم المادي، إذ نجد إن آلية المنظور الخطي تفرض وجود فاصل، وتحديدات بعدية فراغية تفصل بين الفنان وموضوعه التصويري ، فمن خلال المنظور الروحي تسقط الأشعة من الأعلى فتأخذ جميع الكتل أبعادا متساوية ومكافئة لأبعادها الأصلية سواء كانت في مقدمة اللوحة أو في عمقها فتبدو بحركة دائرية حول المركز الذي هو الله، مما حدا بالفنان على عدم ترك فراغ في سطح اللوحة ليحقق التوازن، والتناسب، والانسجام، فبكل مكان هناك وجود للخالق عبر مخلوقه ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) ومن خلال هذا فلا شكل منفصل عن مضمونه ، فالرمزية هنا من خلال العلاقة ما بين الدال والمدلول، حيث لا يوجد أي شبه بين العلامة وما تشير اليه، كون الفن الإسلامي يتجاوز علاقة الموضوع الايقونية، فهو فن روحي يحاول الاقتراب من فهمه للمطلق.

حيث استخدم الفنان المسلم تكرار الوحدات الزخرفية ذات العناصر الهندسية المربع، والدائرة في تقسيمات شريطية، أو إشعاعية ،وحسب طبيعة الموضع ،حيث شكلت الأضلاع ،والأقطار بالنسبة للمربع ،والأقواس ،والأقطار بالنسبة للدائرة ،مسارات ،أو مساند، أو نقاط دلالة لتوزيع وربط عناصر التكوين الفني للأشكال والوحدات الزخرفية، أو لتوصيل وتعاشق هذه الوحدات فيما بينها ضمن حدود هذه التقسيمات ،وفي هذا جانب تلتقي هذه التجريدات النباتية مع التجريدات الهندسية والخطية من جهة البناء، والتأليف.

بمعنى أخر أن هذه الخاصية الموحدة لأنماط التجريدات الإسلامية التي تغطي معظم الشواهد المعمارية والأعمال الفنية الأخرى، أظهرت شخصية الفن الإسلامي، وذلك من خلال تقسيم الفنان السطح التصويري إلى مساحات ذات أشكال مختلفة، تعطي دلالة واضحة على إن الفنان المسلم يمتلك وعيا، وبراعة في إتقان مجمل أنماط التصوير الإسلامي المجرد، مما أدى إلى سعي الفنان المسلم لإذابة وتبديد الكيفية الحجمية للأشكال، وإحالتها إلى كيفية مسطحة، لعرض حركة تحولها من وسطها المادي المنظور وارتباطاتها الزمكانية إلى وسط آخر،

 من اجل اكساب زمان الفعل التصويري معان ذهنية جديدة خارج الحدود المادية البصرية ،إذ يأتي المكان الثنائي البعد ملائماً لجعل الحركة المتوهمة في هذا الحيز تمتلك قدرة الامتداد خارج الوسط المكاني الذي وجدت فيه لاستحداث فضاء تصويري غير مقيد ومتجاوز في نفس الوقت للقوانين البصرية المألوفة، إذ يمكن تلمس رؤية حركية تدرك الفضاء في تمثيل العناصر بوضعيات مختلفة، إذ أكد الفنان المسلم على مبدأ تسطيح أشكال مفرداته التشكيلية مع اهتمامه بعنصر التوازن ليؤلف به تكوينا يحوي جوهراً، قد تجلى للعيان من خلال عمليات التكرار المتغاير والمتباين لونياً وخطياً للزخرفة ، مما يدل على قدرة الفنان المسلم على تلاشي الفضاء من خلال تقسيم الشكل إلى مساحات ذات هيئات مختلفة.

كاتب : سامر قحطان القيسي