الخط الكوفي وبنية التكوينات الهندسية المنتظمة ..

 ان الفهم الدقيق للحروف العربية وما تحويه من قيم تشكيلية كان لها اثر كبير في انتاج اعمال ذات ثراء ابداعي، فسعى الخطاط المصمم الى التجديد والخروج عن دائرة الرتابة والوصول الى استلهامات جديدة ، فنلاحظ ان للتكوينات الفنية في الخط الكوفي الذي يتمتع بقابلية التشكيل تنوع تشكيلاته و تكويناته ليكون لها وقع خاص واثار جمالية معينة والتي بالإمكان تحديدها بمجموعة من الاشكال والهيئات قسمت كالاتي:

1. الشكل المربع:

 تتنوع التكوينات في هذا الشكل بشكل ملفت للنظر، اذ تتكون من كلمة واحدة او كلمتين او حتى ثلاثة كلمات او اكثر، واعتمد فيها المصمم الخطي بشكل اساس على مبدأ التكرار في توزيعها داخل مساحة اللوحة، وقد نجد ان هناك تكوينات كتب فيها كلمتين دون الاعتماد على تكرارها داخل المساحة ، فالمربع ومجال تأثيره النفسي يبعث على السكون والاستقرار لتساوي اضلاعه، وبالإمكان ايجاد اشتقاقات واشكال جديدة منه بمجرد اجراء أي تغيير في قياسات هذه اضلاعه، فالشكل المربع ينتمي الى عائلة الخطوط المستقيمة التي تبعث على الاحساس بالهدوء فهي كثيرة ومتنوعة تختلف من حيث انظمة توزيعها داخل مساحة هذه الاشكال.

2. الشكل المستطيل:

و تتسم هذه المجموعة من الاشكال بالشموخ والوقار وتبعث في النفس شعور بالحياة والنمو والتحدي ولفت الانتباه، من خلال الاضلاع الافقية والعمودية المكونة له التي تتمتع بـحرية ما يتطلبه الموضوع ، حيث نلاحظ التنوع في هذه التكوينات من حيث ترتيب وتنظيم كلمات النصوص فمنها ما اخذت مستوى سطرياً واحداً متتابعاً او اكثر، و قد تصل الى ستة اسطر او تسعة اسطر كحد اعلى، ويراعي فيها الخطاط الوضوح والتسلسل الصحيح و المقروئية للنصوص المنفذة داخل هذه المساحات دون تقديم كلمة على كلمة اخرى تؤثر في تسلسلها الصحيح للنص، تحقق فيها التناسب كمقاييس للحروف العمودية والافقية وما يفصل بينها من مسافات والحروف النازلة عن سطر الكتابة

3.الشكل المعيني :

ويتم في هذه الاشكال تقسيم المساحة الى مساحات معينية وحسب هيئة الشكل الى وحدات اصغر متناظرة ترتب الكلمات داخل الشكل حسب ما تتطلبه مساحة الشكل، فنجد في بعض التكوينات ان المساحة قسمت الى اقسام احتوى احدها على المركز البصري للتكوين ، ومنه تتم عملية توزيع النص الخطي على وفق عملية التصميم لابراز القيم الجمالية لكل جزء من كلمات المخطوطة.

و هناك تكوينات اخرى تتسم بطابع التربيع للحروف، يعتمد المصمم والخطاط في تكون اشكال هذه الحروف على شكل المربع المكون من زوايا قائمة في تكوين وحدة بناء حروفه، حيث تتراصف المربعات مع بعضها البعض من جهة الزوايا حيث تساعد هذه التقنية في انجاز الكتابات التي تنسجم تماماً مع الزخارف التربيعية ينتج عن تكرار هذه الاشكال المربعة جمالية خاصة وهو ما نلاحظه في العمائر والمآذن.

4. الشكل المثلث:

ويرمز هذا الشكل الهندسي الى الاستقلالية والصلابة التي توحي بالرسوخ والقوة ، فهي تقع ضمن الاشكال المخروطية ، حيث يتم تقسيم هذه المساحة الهندسية الى مثلثات صغيرة وحسب ما يلائم المساحة للشكل المثلث، ففي هذه التكوينات يعتمد الخطاط تقسيم المساحة الى مستويات سطرية ثلاثة، يحدد من خلالها مد نهايات الحروف بالنسبة للشكل العام للمثلث، ويرتب فيها الخطاط المصمم كلمات النص بشكل اسطر متراكبة على ثلاث مستويات، يوظف فيها نهايات الحروف الصاعدة العمودية في تكوين الهيئة الخارجية للشكل الهندسي المثلث، مع الاستفادة من التضافر في ملء ما نتج عن التضافر من مساحات فارغة بعناصر زخرفية نباتية تتفرع من الحروف المتشابكة والمتداخلة لتحقيق التوازن داخل مساحة التكوين، واضفاء التنوع من خلال الاضافات الزخرفية كعناصر تزيينية جمالية، فضلاً عن تناسق الوحدات المكونة للوحة من كلمات وحروف داخل مساحة التكوين من خلال التضافر والتناظر، وفي تكوينات اخرى اعتمد الخطاط تقنية التكرار المحوري في تنظيم الكلمة المفردة او الكلمتين او اكثر من ذلك .

5. الشكل الدائري :

اما الاشكال الدائرية فكان لها نصيب من الابداع عند الخطاط المسلم ، اذ يعد هذا الشكل من الاشكال التي توحي باستمرارية الحركة واللانهائية المتمثلة في المحيط الخارجي، فمنه تنبثق الاشكال البيضوية التي تمتاز بالنعومة والتي تعد من اكثر الاشكال الدائرية راحة لاعيننا ، كونها تخرج عن رتابة الانتظام الهندسي،  فتنوع بذلك تكوينات هذا الشكل لتكون مقسمة الى نوعين من التكوينات الفنية الخطية ، اعتمد المصمم الخطي في احدهما على مبدأ التكرار في توزيع الكلمة داخل المساحة الدائرية الشكل، والاخرى استخدم فيها الخطاط اكثر من نوع من الخط العربي في تكوين وحدة فنية خطية حيث استخدم الخط المغربي المعروف بالقيرواني، والخط الكوفي القديم المصحفي والخط المضفور والدائري، فضلاً عن توظيف عناصر زخرفية نباتية تتفرع من ابدان الحروف الممتدة داخل الشكل الدائري لملء المساحات ما بين الحروف واضفاء جمالية وحركة للتكوين،  ولا يخلو هذا التكوين من العناصر الزخرفية الهندسية التي نلاحظها في الشكل النجمي الذي يتوسط الشكل الدائري داخل بعض التكوينات الخطية والزخرفية المكونة من تداخل وتقاطع نهايات الحروف داخل المساحة الدائرية للتكوين .

المرفقات

كاتب : سامر قحطان القيسي